منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1

    الهوية/د.بوبكر جيلالي

    الهوية اللغوية


    د. بوبكر جيلالي
    bobaker jilaliيتركب مصطلح "الهوية اللغوية" من لفظتين مرتبطتين على سبيل الإضافة والاقتران لضرورة وعلاقة وظيفية بين طرفي المركب، وظيفة لا تتحقق في غياب أحد الطرفين، طرف اللغة وطرف الهوية.
    ولما كانت اللغة هي كل نظام من الإشارات والرموز يمكن أن تكون وسيلة للتعبير والتواصل، واللغة خاصية إنسانية لما فيها من جوانب عاقلة ونفسية واجتماعية وحضارية، فاللغة لها هويتها تتحدد بخصوصيتها الرمزية والدلالية والنسقية، وتتعدد اللغات وتتباين على أساس هوية اللغة ذاتها وذاتيتها التي تتميز بها وتتحدد مكانتها بين أقرانها من اللغات، واللغة كهوية رمزية نسقية خاصة ترتبط بالهوية في معناها العام على سبيل التأثير والتشكيل والتمثيل.
    ولما كانت اللغة أداة تفكير وتعبير وتخاطب وتواصل وتفاهم بين أفراد بني البشر باعتبارها خاصية إنسانية، تعبر عن أي حراك تاريخي ثقافي أو حضاري وتخزن منتجاته في الذاكرة الفردية الجماعية، وهي وسيلة نقل التراث والثقافة والحضارة من جيل إلى آخر ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى وبين الأمم والشعوب، فهي تشكل أحيانا المقوّم الوحيد الجوهري والأساسي وفي أحيان أخرى تمثل أحد المقومات الجوهرية والأساسية التي قامت عليها العديد من القوميات والأمم مثل اللغات الأروبية واللغة العربية واللغة الهندية وغيرها.
    اللغة الواحدة بنسقها الرمزي والعلمي والمنطقي والدلالي وبأبعادها العقلية والنفسية والاجتماعية والثقافية والحضارية والدينية وغيرها وفي سياقها التاريخي توحّد الشعور بالانتماء المزدوج إلى اللغة وإلى كل من يحملها ويتكلّم بها بعد تشكّل هذا الشعور وتقويته، الشعور بالانتماء إلى اللغة وإلى الجماعة البشرية التي تتحدث بها، هذه الوحدة وما تنطوي عليه من ترابط وتماسك تقوم في الذهن أولا كفكر ونظر ثم تتحول إلى ممارسة وواقع وعمل، هكذا تشكلت الهويات اللغوية البشرية في عالمنا الحديث في أوربا الغربية وفي غيرها، مثل الهوية الألمانية والهوية الإنجليزية والهوية الإسبانية والهوية الهندية والهوية العربية ...إلخ. وكل هوية من هذه الهويات قامت على لغة ما.
    ولما كانت الهوية هي كل ما يتميز بالوحدة والثبات والدوام لا يتعدد ولا يتغير ولا يزول في الكائن البشري على المستوى الفردي والاجتماعي وفي غيره من الكائنات على اختلاف أنواعها مادية كانت أو فكرية أو روحية، فالهوية تعبّر عن حقيقة الكائن وماهيته، وفي غياب الهوية غياب للحقيقة غموض الماهية على مستوى الأفكار والأشياء والأشخاص، ومن هنا تقوم أهمية الهوية لدينا وحاجتنا الملحة إلى اكتشافها في الموضوع أي موضوع، مثلما هو الحال في تحديد هويات الأفراد وهويات الشعوب وهويات الطوائف وهويات الأعراق وغيرها.
    استنادا إلى مدلول الهوية وإلى مدلول اللغة وبالإضافة والاقتران والتركيب قام مصطلح الهوية اللغوية المركب من لفظتين لفظ الهوية ولفظ اللغة، ويعني المصطلح كل ما تتميّز به لغة ما من خصائص ورموز وإشارات ودلالات وعلاقات فكرية ومنطقية ونفسية واجتماعية خاصة بها تميزها عن غيرها من اللغات الأخرى، وتمثل لسان جماعة بشرية ما قد تتميز بها الجماعة عن غيرها من الجماعات البشرية الأخرى. والهوية اللغوية بهذا المعنى تظهر بمظهرين مظهر ذاتي تعبر به عن كيانها اللغوي ووجودها وحقيقة هذا الوجود بين اللغات ومظهر آخر موضوعي تعبر به عن القوم الذي ينطق بها ويعبر بها عن أغراضه وعن هويته الثقافية والتاريخية والدينية وغيرها. فاللغة العربية علوم ونسق من الألفاظ والاشتقاقات والأساليب والعلاقات والروابط المنطقية والسيكولوجية والقواعد لها أصلها وتاريخها ودورها ومكانتها، علوم اللغة ونسقها يُعبّران عن هوية اللغة العربية، ويحملان ثراث وثقافة وتاريخ وتطلعات الجماعة البشرية في الحاضر والماضي، فهي ذات هوية مزدوجة هوية لغوية ذاتية وهوية فردية واجتماعية وإنسانية.

    جيلالي بوبكر


    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2
    الهوية الثقافية


    د. بوبكر جيلالي
    bobaker jilaliيتركب مصطلح "الهوية الثقافية" من لفظتين مرتبطتين على سبيل الإضافة والاقتران لضرورة وعلاقة وظيفية بين طرفي المركب، وظيفة لا تتحقق في غياب أحد الطرفين، طرف الهوية وطرف الثقافة مثلما هو حال مصطلح " الهوية اللغوية".
    لضبط مفهوم "الهوية الثقافية" نحتاج إلى تعريف الثقافة وإلى مراجعة تعريف "الهوية". - بالنسبة للثقافة لغويا فهي لفظة جذرها في اللغة العربية ثلاثي الأحرف "ث، ق، ف"، ويرد الجذر بصورتين ومعنيين، الصورة الأولى "ثقَف" الشيء بمعنى صادفه وأدركه وظفر به وأخذه. والصورة الثانية "ثقف" بمعنى صار حاذقا فطنا كيّسا.
    نقول ثَقِفَ الكلام يعني حذقه وفهمه بسرعة وثَقَّفَ الرمحَ يعني قوّمه وسوّاه وثقَّف الولد يعني هذّبه وعلّمه.وثاقفه مثاقفةً: غالبه فغلبه في الحذق.
    "ويبين ابن منظور في "لسان العرب" أن معنى ثَقَفَ: جدّد وسوّى، ويربط بين التثقيف والحذق وسرعة التعليم. ويعرف المعجم الوسيط الثقافة بأنّها (العلوم والمعارف والفنون التي يطلب فيها الحذق".
    ترادف كلمة ثقافة في اللغة العربية في المعنى عدة مفردات منها الظفر بالشيء وإدراكه وأخذه، والفطنة وشدّة الذكاء والحذق والحذاقة والكيّاسة، والتسوية والتقويم، التأديب والتهذيب والتربية وغيرها.
    - وكلمة ثقافة تشير إلى لفظة culture في اللغتين الانجليزية والفرنسية وإلى كلمة cultural في اللاتينية التي تترجم إلى العربية على أنّها الثقافة والتهذيب والحراثة وقد تأخذ معنى الحضارة، "هذه الكلمة جذرها cult ومعناها:العبادة والتدين، ومن مشتقاتها cultivation ومعناها: حراثة، تعهد، تهذيب، رعاية، و culturalومعناها ثقافي مستولد، ونلاحظ أن معناها في الإنكليزية لا يخرج عن معناها في العربية غير أنه يضيف مصداقاً آخر من مصاديقها وهو حراثة الأرض، ورعاية الزرع، والاستنبات والتوليد، لكنه بشكل ما يربط مفهوم الثقافة بالدين والعبادة، فهما من جذر واحد، فالدين كان المنبع الأول إن لم نقل الوحيد للثقافة قديماً. وأظن أنه حتى الآن لا يزال المنبع الأساسي والمرتكز الأهم للثقافة".
    - تناول مفهوم الثقافة العديد من المفكرين والعلماء، فتعددت تعاريف الثقافة بتعدد اتجاهاتهم وأرائهم، منهم "تايلور" الذي يعتبرها الكل المركب من المعارف والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والآداب والأعراف والعادات وغيرها، يكتسبها الفرد باعتباره أحد أفراد المجتمع. و"مالك بن نبي" الذي يحددها بالصفات الخلقية وسائر القيّم الاجتماعية التي يتأثر بها الفرد طيلة حياته منذ ولاته حتى وفاته وتربط سلوكه وحياته عامة بأسلوب الوسط الذي ولد فيه. وتُعرّف الثقافة في المعجم الفلسفي "لجميل صليبا بما يلي: "والثقافة بالمعنى الخاص هي تنمية بعض الملكات العقلية أو تسوية بعض الوظائف البدنية، ومنها تثقيف العقل وتثقيف البدن، ومنها الثقافة الرياضية والثقافة الأدبية أو الفلسفية. والثقافة بالمعنى العام هي ما يتصف به الرجل الحاذق المتعلم من ذوق وحس انتقادي وحكم صحيح، أو هي التربية التي أدت إلى إكسابه هذه الصفات...ومن شرط الثقافة بهذا المعنى أن تؤدي إلى الملائمة بين الإنسان والطبيعة وبينه وبين المجتمع وبينه وبين القيّم الروحية والإنسانية وإذا دلّ لفظ الثقافة على معنى الحضارة civilisation كما في اللغة الألمانية، كان له وجهان: وجه ذاتي وهو ثقافة العقل، ووجه موضوعي، وهو...طريقة حياة الناس وكل ما يملكونه ويتداولونه اجتماعيا لا بيولوجيا...والأولى إطلاق هذا اللفظ على مظاهر التقدم العقلي وحده. تقول بهذا المعنى: الثقافة اليونانية، والثقافة العربية، والثقافة اللاتينية والثقافة المدرسية (الكلاسيكية)، والثقافة الحديثة. وتقول أيضا امتزاج الثقافات، والنشاط الثقافي، والعلاقات الثقافية، والتخلف الثقافي الخ..."
    - يتضح مما سبق أنّ الثقافة تمثل سائر المعتقدات والعلوم والمعارف والفنون والآداب والقانون والأعراف والعادات والصفات الخلقية والقيّم الاجتماعية وغيرها التي تؤثر في تكوين الفرد وفي حياته منذ الولادة حتى الوفاة باعتباره عضوا في المجتمع. والثقافة ذات طبيعة مركبة جدّا، تتعدد وتتباين بتعدد وتباين الشعوب والأمم، تتطور وتتجدد بتطور وتجدد ظروف الحياة، وتنتشر وتنتقل من جيل إلى جيل ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى ومن جماعة بشرية إلى أخرى بواسطة اللغة وبغيرها كاتجاره والأسفار والغزو والاستعمار وغيره، وهي تقوى وتضعف وتتخلّف، وترتبط الثقافة بالحضارة وتعبّر عنها وعن مكانتها وقيمتها في التاريخ وبين الحضارات، كما تحدد الثقافة الهوية القومية أو اللغوية أو الدينية أو الطائفية أو العرقية أو الوطنية وغيرها للجماعة البشرية صاحبة الثقافة المعنية.
    - تقوم علاقة الثقافة بالهوية على طبيعة ودور كل منهما في حياة الإنسان وعلى التأثير المتبادل بينهما، والهوية تدلّ وتعبّر عن ماهية وحقيقة الكائن إنسانيا كان أو غيره، فرديا كان أو اجتماعيا، وتحدد المكونات والخصائص التي تميّزه عن غيره، ولا توجد في غيره ولا يوجد من دونها، والكائن المقصود هنا الثقافات والهويات الثقافية، وهي متعددة بتعدد المقومات التي تقوم عليها الهويات مثل الدين واللغة والعرق والتاريخ والماضي والمصير المشترك وغيره، والثقافة بحكم تركيبها قد تحتوي العناصر المذكورة جميعا وغيرها في انسجام وتآلف وتوحيد، وداخل الكل المركب المنسجم يوجد من العناصر ما هو جوهري وأساسي ورئيسي وما هو فرعي ومكمل وإضافي، فالهوية العربية الإسلامية تتشكل من اللغة العربية الإسلامية كمقومين أساسيين وما سواهما من العناصر فهو فرعي ومكمل.
    - إذا كانت الهوية تدل على الماهية والثقافة تدل على ماهية الإنسان فكريا وثقافيا وحضاريا فإنّ الهوية تدل على الثقافة وتعبر عن مكوناتها وعناصرها ومتضمنة في الثقافة فلكل ثقافة هوية وثقافة من غير هوية عدم ولا وجود لها، وبمقدار تعدد وتباين الثقافات تتعدد الهويات وتتباين، بما أنّ هوية الثقافة هي الثابت من الخصائص والمكونات لا المتحول في الثقافة المميّز لها عن غيرها من الثقافات الأخرى، ومن جهة أخرى تتصل الثقافة بالهوية اتصالا علّيا، اتصال المعلول بالعلة، فالثقافة علّة وجود الهوية، لأنّ الثقافة تصنع الهوية، ولولا الثقافة ما ظهرت الهويات الثقافية أصلا، ففي مسعى الهوية الثقافية نجد الثقافة أسبق من الهوية، والهوية لدى بني البشر في كل المستويات تتضمن دوما الثقافة والعناصر الثقافية وتعبر عنها وعن التعدد الفكري والتباين الثقافي، والثقافة تنتج الهوية وتصبغها بخصائصها ومميزاتها وتتطور الهوية بتطور الثقافة أي تتأثر الهوية بالثقافة أي الهوية الثقافية سلبا وإيجابا، تضعف وتقوى وتتلاشى بضعف أو قوّة وتلاشي الثقافة، فالهوية الثقافية العربية في عزّ قوّتها بفعل التقدم الذي حقّقه الغرب حديثا ومعاصرا أما الهوية الثقافية العربية الإسلامية في حالة ضعف وتخلف وانحطاط، الكثير من الهويات الثقافية التي قامت واندثرت مثل الهوية الثقافية المصرية الفرعونية القديمة والهوية الثقافية الزرادشتية، وغيرها.
    - نستنتج من مدلول الثقافة ومن مدلول الهوية ومن العلاقة بين الهوية والثقافة هذه العلاقة التي أنتجت مصطلح "الهوية الثقافية" على سبيل الاقتران الوظيفي في الزمان والمكان وفي إطار التحولات التي عرفها تاريخ الإنسانية منذ القديم حتى الآن، مصطلح "الهوية الثقافية" الذي يعني سائر الخصائص والمميّزات والمكونات الفكرية والاجتماعية والتاريخية التي تنفرد بها ثقافة ما، تمتلكها جماعة بشرية ما، تتميّز بها هذه الثقافة عن غيرها من الثقافات الأخرى، وتحدد ماهية الجماعة البشرية وتُميّزها عن غيرها من الجماعات البشرية الأخرى، هوية طائفية كانت مثل طوائف لبنان المعاصر، أو هوية دينية مثل الأمة الإسلامية والأمة المسيحية والأمة اليهودية والأمة البوذية في الهند وغيرها، أو هوية لغوية مثل أمم أوربا الغربية الحديثة والمعاصرة، أو هوية عرقية مثل الهويات التي تعرفها بعض بلدان إفريقيا كأوغندا وغيرها، أو هوية وطنية تقوم على الوطنية كمبدأ وفكر ووجدان وسلوك وعلى تساوي المواطنين داخل الوطن والدولة في الحقوق والواجبات وهو المسعى الذي تنشده الدول المعاصرة.

    جيلالي بوبكر


    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    الأخت ريمه
    أشكرك على النقل للفائدة
    احترامي

المواضيع المتشابهه

  1. البناء الحضاري/بوبكر جيلالي
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-29-2015, 07:27 PM
  2. لقاء الفرسان مع الدكتور:بوبكر جيلالي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 41
    آخر مشاركة: 08-04-2014, 08:31 AM
  3. حوار خاص مع الدكتور بوبكر جيلالي
    بواسطة بوبكر جيلالي في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 05-04-2013, 07:37 PM
  4. السيرة الذاتية للدكتور:بوبكر جيلالي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 04-05-2013, 02:59 PM
  5. نرحب بالاستاذ/بوبكر جيلالي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-04-2010, 06:13 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •