قصص فلسطينية قصيرة جدّاً
د. يوسف حطّيني
71 – الظلال:
اقتلعت الجرافة الإسرائيلية شجرة زيتون هرمة، أخذتها بعيداً عن جذورها، فانخلع قلب عشتار. غير أن الطمأنينة عادت إلى ذلك القلب برداً وسلاماً، بعد أن لاحظت أن ظل الشجرة الوارف لم يبرح المكان.
* * *
72_ شفاء:
حين أصيب برصاص الأعداء على حدود الوطن، انفتحت جراحه على مصراعيها.. بقيت تؤلمه شهوراً عديدة من الانتظار الممض، ولم تندمل إلا حين أخبره الطبيب أنه يستطيع العودة من جديد إلى تلك الحدود.
* * *
73 ـ العجوز:
إلى عدنان كنفاني
ظهره الذي ينوء بحمل خمسة وستين عاماً، من النفي التشرد، يبدو محنياً مثل قوس.
عندما عاد ابنه إليه شهيداً زغردت الأم، أما أبو العبد فقد انتصب ظهره مثل رمح.
* * *
74 ـ جمل المحامل:
إلى ذكرى باشلار
راح يتأمل سلحفاة تسير أمامه ببطء، حين أخبره جدّه أنه أحضرها من بلاد بعيدة، أيام الحرب العالمية الأولى.
حزن الحفيد الذي ذاق الغربة من أجل السلحفاة المسكينة، فطمأنه الجدّ أنها لا تعرف الغربة أبداً، لأنها تحمل بيتها على ظهرها.
نام الطفل آملاً أن يستفيق وقد تحول إلى سلحفاة.
* * *
75 ـ احتشاد:
تجمع حوله الخطباء، قرؤوا بين يديه أجمل القصائد التي تمجّد نزيفه.
أحس رغم ازدحام المكان أنه ما زال في عزلته.
* * *
76 ـ خديعة:
تعهدوا بتدريبه كي يحرر الوطن، أعطوه، لأول مرة، سلاحاً فتاكاً، ثم أخذوه إلى ساحة التدريب حتى ينفذ رماية حقيقية. لم ينتبه المسكين أبداً إلى إخوته الموثقين هناك: في الجانب الآخر من حقل الرمي.
* * *
77 ـ الشافعي:
حين فتح عينيه على الدنيا عانق سماء غزة، ودّعها مرتحلاً إلى أقطار الأرض، أنجدَ وأيمنَ وأعرقَ وأمصرَ، ولكنه كان، حين يخلو إلى نفسه، يردّد في لوعة:
وإني لمشتاقٌ..... إلى أرض غزّة وإن خانني بعد التفرّق... كتماني
سقى الله أرضاً لو ظفرتُ بتربها كحَلْتُ به من شدّة الشوق أجفاني
* * *
78 ـ انتصار الدم:
حمل كل منهما معولاً منطلقين يغذّان السير نحو الأرض.
كان الأول مشغولاً بحفرها كي يزرع شجرة جديدة
الآخر حمل معوله وانهال على رقبة الزارع فأسال دمه فوق جنين بذرة.
يهوذا هام باحثاً عن ضحية جديدة، دون أن ينتبه إلى شجرة خضراء راحت أغصانها تظلل الشهيد.
* * *
79 ـ ماجدة السلايمة:
"إلى سمر صبيح وانتصار القاق وأميمة الآغا وسميحة حمدان، وأخريات...."
كانت تشبه مريم في نقاء سريرتها، ولكن المخاض لم يأتها إلى جذع النخلة، بل في ساحة السجن، وبعد أن أحاطت بها صديقات الأسر مشجعات أعلنت صرخة عن ولادة طفلة جديدة.
- ماذا ستسمينها؟
- فلسطين.
* * *
80 ـ المنقى:
يولد، يكبرون، يأخذه البحر من منفى إلى منفى.
رأى في حلمه أنه في لجة البحر، وبعد صراع مرير مع الأمواج العاتية يصل إليه أحد المنقذين المدربين، فيسأله: إلى أي شاطئ تريد الذهاب؟
يجيب في حلمه، كما في يقظته: بعيداً عن البحر، بعيداً عن الشاطئ.