الصمت



لا تقلبْ هذا اُلمضَّجِعَا
هذا المحتضرَ
على جَنْبِهْ
دعْ عنهُ في غيبوبتِهِ
منْ أضناهُ
يزدرد بصمت غِسْلينَهْ
حمداً لفتوحك أوحدَنا
الصامدَ فينا إلى الأبدِ
من قُمُطِ المهدِ إلى اللحدِ
قد أثمرَ فينا التدجينُ
جثمانٌ يسعى بلا صوتِ
وامتدتْ مملكةُ الصمتِ
من قَهرِ الماءِ إلى الماءِ

***

ما صاحَ بمزبلةٍ ديكُ
لا صوتَ سوى وقعِ النردِ
كركرةِ صهيلِ النارجيلة
بلعَتْ مئذنةٌ غُصتها
أجراسٌ بكماءُ ببَلقعْ
رجع لسياط آلية
مستحدثةٌ شهوانيَّه
وشهيقٌ مكتومٌ وزفيرْ
حِبرٌ مائيَّ يندلقُ
ورقٌ ورقُ
غسقٌ صبحٌ
صبحٌ غسقُ
وصرير الأبواب الصدئة
ما ينفكُّ

***

لا تنخِ شخوصكَ لا أملٌ
أذُنٌ من طينٍ
والأخرى
من محضِ عجينْ
ما حرّر عبدانٌ عبدا
في كلِّ أديمٍ مغتصِبٌ
في قلب الحارة مستوطِنْ
يغصبك العيش وينفردُ
ويهوذا في سَحْنةِ مُخبرْ
قُدس في أقبيةِ المخفرْ
أقصى ينهارُ
على أُسِّه
وطنٌ مخطوفٌ
ضاعت آثارُه
تقفرهُ رميماً
في رمسهْ
كمَّمهُ في ليلٍ أعمى
موسادٌ من لعنةِ جنسِهْ
قد أُنفِذَ فيه الإعدامُ
في التوِّ
ببوَّابةِ حبسِه

***

ما زلنا من قبل الوقتِ
نتبحَّرُ في فقه الصمتِ
أستاذنا قَسّ وإمامٌ
وأبٌ يطوينا ببردتِهِ
نقسمُ بالقهرِ
بسطوتِهِ
ما أدَّبنا، ما ثقَّفنا
ما دعَّنا مثلكَ
للمنفى
للملهاةِ
للصمتِ النازفِ
يجلدُنا
للعجزِ
لمملكةِ الموتِ

***

لا ينسى موتورٌ وِتره
سيَّان بلحمِكَ والعظمِ
وبإنسانكْ
إن عضَّكَ كلبٌ
من أهلِكْ
من جارِكَ
أو جارٍ جُنبِ
إن كبَّكَ أمنيّ عربي
في وحْلِ الوحلِ
على وجهكْ
أم داسكَ آخرُ
مستوردْ
لصٌ من شذَّاذ الأرض

***

للضفَّةِ في الأرضِ ضفافُ
ولغزةَ رهطٌ من جوعى
وشقائقُ ثكلى وتوائمْ
ولكلِّ رقيقٍ نخَّاسُ
"دايتونُ" على كلِّ خميسٍ
وبكلِّ صعيدٍ عباسُ

***

من منكم يجرؤُ
أن ينظرَ
في مرآتِه ؟!!
أتفرسُ في عينِ الشمسِ
في العتَماتِِ
في المقهى الزاخرِ
في الملهى
في الساحاتِ
في مسرحِ فُرجَتِنا الباهي
في العتباتِ
في قصرِ الشمعِ يطالعنا
في الشُرفاتِ
أتفرسُ لا أبصرُ أحداً
في مِرآتي
خاويةٌ هذى القاعاتُ
مؤسيةٌ هذى الجناتُ
مغضيةٌ كرمالِ الصحرا
فاضحةٌ كجوارٍ كسلى
تكشفُ للغازي سرَّتَها
وتنامْ

***

الآنَ فهمنا ما مغزى
أن يُطوى كمتاعٍ بلدُ
أن يُختمَ بالشمعِ الأحمرْ
بالضبَّةِ يقفلُ والمفتاحْ
لِمَ تُمحى كالسطرِ الأوطانْ
لم تهوي أممٌ تتصدعْ
إذ يُسحقُ في العمقِ الإنسانْ




(نائلة الإمام-دمشق)