نحو إبداع مكتوب مرئي ما يصدر من إبداع هذه الأيام، وهو كثير على الرغم من محدودية التوزيع والنشر، كثير بشكل نسبي طبعاً، كوننا بعيدين عن القراءة منذ سنوات طويلة سبقت كل ما نشاهده اليوم من هجوم مرئي وعنكبوتي (الانترنت) وسواهما.. ومن المكابرة بمكان حسب اعتقادي هذا الإصرار الغريب العجيب على أن التسليم أو الانحياز، وإن قيلا للمرئي والعنكبوتي، يعتبر خيانة للإبداع والأدب ولكل ما هو راق كبير، متناسين أن الكتب التي تصدر تبقى في كثير منها حبيسة المستودعات، أو المخازن في البيوت.. وأن النجومية في الأدب ماتت وصارت في خبر كان، لأن الزمن ما عاد يسمح بظهور نجوم يجمعون المجد من أطرافه بأمسية تشد إليها، إن عظم الأمر، خمسين أو ستين شخصاً أكثرهم من الأصدقاء.. وأذكر أنني أزعجت الأصدقاء حين كتبت مقالاً بعنوان «حضر الشعراء وغاب الجمهور»!!، حين رأيت إلى نشاط اتحاد الكتّاب العرب الذي قدّم أسماء كثيرة في أمسية من أماسيه التي تعتبر نشاطاً سنوياً، ولم يكن عدد الحضور في حينه يفوق عدد الشعراء، وهذه مأساة يجب أن ننتبه لها لا أن ننزعج ونسجل غضبنا على من يكتب!!... فدراسة المسألة وأسبابها أولى من العتب والاستنكار.. فلماذا تقام الأمسيات وعلى أي أساس إذا كان الحضور لا يتجاوز حضور المبدعين من قاصين وشعراء ومحاضرين؟؟.. فهل كان أي نشاط أدبي بأي شكل من أشكاله مجرد تسجيل نشاط في أوراق ومحاضر هذا المركز الثقافي أو ذاك، وكفى اللّه المؤمنين شر القتال؟!.
إن وعي التطور الحاصل يجب أن ينبهنا إلى أهمية وضرورة الالتفات للمرئي والعنكبوتي بشكل سريع لا يتوقف عن حد.. وهذا يتطلب تجاوز التشرنق بل الالتصاق والتمترس وراء الورقي، وكأننا حين نقوم بالانتقال إلى المرئي والعنكبوتي، نخون الأدب وأهل الأدب والناس والجمهور والتاريخ!!..
ألا نسأل قبل كل هذا لماذا نكتب ونبدع ونحرق أعصابنا وليالينا، منتظرين فكرة أو جملة أو مفتاح قصيدة أو قصة؟؟. ما ضرر أن نفكر تفكيراً جدياً بأفول عصر النجوم والكواكب بشكل نهائي، وحتى إن ظننا لوهلة أن نجماً ما قد صعد، فسنفاجأ بعد أيام بأفوله وغيابه، لأن تسارع الأشياء صار سمة العصر الأساسية؟؟.. ولماذا لا نعترف أنه زمن الكتّاب الجيدين، والمبدعين الجيدين، وهذا يكفي بعيداً عن نجومية لا تدوم أو تبقى.. أليس من واجبنا في زحمة الوقت الذي يأكل كل شيء أن نفكر بجمهور واسع هو جمهور المرئي والعنكبوتي، إضافة للورقي الذي لا ندعو إلى التخلي عنه، بل وضعه إلى جانب هذا وذاك دون أي تراخ..؟.
قد نقول كيف، وهو سؤال مشروع يتطلب جهداً شخصياً ومؤسساتياً.. إذ يمكن أن نتوجه إلى الانترنت بجهدنا الشخصي دون أي عائق، كون الفضاء مفتوحاً على وسعه أمام الجميع.. وغصة الانترنت القاتلة عربياً أن الكتّاب والمبدعين الحقيقيين تركوا الساحة للأدعياء لنسمع شكواهم فيما بعد، ولن يطيل «هذا البعد» مكوثه في خزانة الانتظار!!..
أما التلفزيون وهو أداة مخيفة ومؤثرة إلى أبعد حد، فقد ركنت على الرف من قبل المبدعين من باب الترفع، ولنا ببساطة أن نرى إلى تأثير ذلك.. رحم اللّه المبدع الكبير أسامة أنور عكاشة الذي أوجد أدب الشاشة الصغيرة وقال ذات مرة ما معناه: كتبت القصة القصيرة عشرين سنة ولم يعرفني أحد، وحين اتجهت إلى كتابة المسلسلات، عرفني الناس خلال أشهر.
طبعاً لا نقول بأن يتوجه كل المبدعين إلى المسلسلات، لكن لتعمل المؤسسات المسؤولة مع المبدعين على خلق أدب الشاشة الصغيرة، حيث تفيد المبدع والإبداع، وتبعد التسطح الذي أصاب التلفزيون وجعله أداة تخريب بدل أن يكون أداة متعة وتثقيف.
ألا نفتح بذلك الباب واسعاً أمام الإبداع والمبدع، مستفيدين من المرئي والعنكبوتي والورقي معاً؟!.
طلعت سقيرقhttp://www.albaath.news.sy/user/?id=900&a=80912