"الحجاب"بين التعبد والحرية الشخصية
((كشف "الصدور"هل هو حرية شخصية؟!!
ما أروع كلمة (الحرية) إنها كلمة،تكاد أن تكون لها رائحة .. وطعم، حلو المذاق،والحديث عن الحرية يذكر بتلك الخطبة التي ألقاها الصيني"دوق جَوْ" بين يدي الملك لي- وانج ،حوالي سنة 845 ق . م: (يعرف الإمبراطور كيف يحكم إذا كان الشعراء أحرارا في قرض الشعر، والناس أحرارا في تمثيل المسرحيات، والمؤرخون أحرارا في قول الحق، والوزراء أحرارا في إسداء النصح، والفقراء أحرارا في التذمر من الضرائب، والطلاب أحرارا في تعلم العلم جهرة، والعمال أحرارا في مدح مهاراتهم وفي السعي في العمل، والشعب حر في أن يتحدث عن كل شيء، والشيوخ أحرارا في تخطئة كل شيء .) {ول ديورانت (قصة الحضارة ) ص 4 جـ4مجلد 1 ترجمة: محمد بدران}.أحببت أن أضع هذه المقدمة قبل الحديث عن التعليق الذي وصلني،من هناك من الدانمرك،أعني تعليق أختنا الأستاذة مكارم إبراهيم،فبعد أن كتبتُ (اشتباك – حواري – مع بعض رسائل مجموعة القاسم)،وصلني منها هذا التعليق،على موضوع الحجاب تحديدا : ((تحية طيبة وشكرا لك على المقال الممتعبالفعل الجدالات لا تنتهي عن الحجاب والنقاب عندنا أو عندهم والمرأة بالنتيجة تفعل ما تراه يناسبها هي تنزعه متى تريد حتى لو بالسر وتلبسه متى تريد حتى لو بالسر والتجارب أخبرتنا بأنها هي من يقرر في النهاية المهم والتاريخ اثبت تجريبيا أن أي شيء يفرض عليها سوف تكرهه وتحاربه بكل الوسائل وربما تنتقم منه بطريقة ليست صحية للأسف الشديد لأني كنت أتمنى أن لاتصل المرأة إلى هذه المرحلة الأخيرة .أليس الأفضل أن نترك الخيار لها بلبسه أو نزعه؟ انظر في الدول الإسلامية يفرض عليها لبس الحجاب هناك من يرغبن به وبهذا ليست لديهن مشكلة بفرض الحجاب عليهن ولكن المشكلة في المرأة التي لا ترغب هذه سوف تكره كل المجتمع وتحاربه وربما تنتقم منه بالفساد والتخريبويحدث العكس تماما في الغرب حيث يفرض نزع الحجاب على المحجبات وهنا فان هذه المرأة أيضا ستكره المجتمع وتحاربه بكل الوسائل إذا هنا وهناك المرأة التي يفرض عليها شئ فوق رغبتها ستحاربه حتى لو خسرت نفسهاتقبل احترامي وتقديري ..... مكارم))بعد شكري الجزيل لأختنا الكريمة على ما تفضلت به،فإنني أعتقد أن للقضية – التي قتلت بحثا – أكثر من وجه .. الوجه الأول : قضية تخص كل إنسان – رجلا كان أم امرأة – بينه وبين نفسه،وهي أسئلة يطرحها الإنسان على نفسه – بينه وبينها - هل الإيمان بالله – سبحانه وتعالى – يقتضي مني أن ألتزم بأوامره،وأمتنع عن نواهيه؟ أم أن الإيمان قضية مستقلة عن الطاعة؟ وهل بالضرورة ألا أطبق من أوامر الله – سبحانه وتعالى – إلا ما يعجبني؟ علما أن مجموعة من الناس – كمثال – تجتمع في مكان ما – دولة – وتقر قانونا،قد لا يوافق عليه البعض،ومع ذلك يلتزمون به ما داموا على تلك الأرض .. بل توجد دول،تنص قوانينها،على أن مواطنها لو خالف القوانين،وهو على أرض أخرى،فإن قوانين بلده تطبق عليه،حين يعود – كما حصل مع الممرضة – اسكتلندية،على ما أظن - التي قتلت زميلة لها،هنا في السعودية،وحين،خرجت من السجن، وعادت إلى بلدها تمت محاكمتها ومعاقبتها - .. وهذا الوجه قضية (عقيدة). الوجه الثاني : من كان يرى أن الإيمان بالله – سبحانه وتعالى – شيء وتنفيذ أوامره شيء آخر ،فهذا الوجه الثاني،لا معنى له .. أما من كان يرى تلازم الإيمان مع الطاعة – من حيث المبدأ – فإن القضية تتركز في البحث عن أوامر الله – سبحانه وتعالى – ونواهيه .. وهذا أمر له أهله من أهل العلم الشرعي،ولست منهم للأسف الشديد .. ومع ذلك فقبل الانتقال إلى النقطة التالية .. أذكّر بأن (الحجاب) حين يكون واجبا من جهة الشرع،فإنه الأمر لا علاقة له بارتكاب (المحجبة) لخطأ ما ... فللميزان كفتان،إحداهما يوضع فيها الصواب والخطأ في الأخرى ... الوجه الثالث : لقد وضعت أختنا الأستاذة (مكارم) يدها على الجرح،حين تحدثت عن إجبار المرأة على وضع الحجاب – وأنا أفرق بين من أجبرت على وضع الحجاب،ومن أجبرت على نزعه .. فالأولى،قد تكون لها ردة فعل سلبية،وناقمة،أما الثانية،فهي تتعامل مع خالقها،سبحانه وتعالى،ويكفيها أنه يعلم أنها أجبرت على فعل ما نهاها عنه،حتى وإن آلمها اضطرارها لنزع الحجاب – ونستطيع أن نأخذ مثالا من بعض مذيعات التلفاز،فمن يشاهد قناة (السودان) السنية،وقناة (المنار) الشيعية،يعلم أن المذيعة مقتنعة بحجابها،بينما من يرى بعض مذيعات التلفاز السعودي،يعلم أنهن قد أجبرن على وضع الحجاب .. وأتذكر هنا أنني حين كتبت (نساء ×نساء فلماذا العري) علق أحد القراء بأنه يذهب مع زوجته حين تشتري الملابس،ويحرص على مراقبة ما تشتري .. وقد علقت – بدوري – بأن ذلك لا يجدي،لأن المرأة إذا أرادت أن (تتعرى) فإنها سوف تفعل ذلك بألف طريقة .. فالإقناع،والاقتناع هما السبيل السليم،وليس الإجبار .. وهذا يقودنا إلى السؤال الذي طرحته أختنا الكريمة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيأليس الأفضل أن نترك الخيار لها بلبسه أو نزعه؟). لن نسمح لهذا السؤال أن يعيدنا إلى الحديث عن الوجهين الأولين،لذلك سوف نطرح بدورنا سؤالا – رغم انه يُقال أن المرأة،تجيب على السؤال بسؤال،فالله المستعان – إذا وضعنا الأمر برمته في إطار الحرية الشخصية .. فهل يحق للمرأة – من باب الحرية الشخصية – أن تكشف صدرها؟ أعلم أن هذا السؤال قد يبدو نوعا من (الشطح) ولكن عقلي المتواضع،لم يستطع أن يتصور الأمر إلا بهذه الصورة .. إما التزام بشرع الله – سبحانه وتعالى – وإما التزام بالحرية المطلقة،أو ما يتفق عليه (مجتمع ما) .. لن أقول كما أبيح (الإجهاض) وأصبح (الزنا) بقانون الأمم المتحدة،من باب (حرية التصرف بالجسد) .. وكما أبيح (الشذوذ) .. بل سأقول أن كشف المرأة صدرها،أصبح من القضايا المطروحة في الغرب .. وما أكثر ما نستورد من الغرب – وليس ذلك ذنبه – من البضائع والعادات .. إلخ. يخبرنا الأستاذ صلاح قبضايا – سنة 94م - في مقالة له بعنوان (العمدة الفرنساوي)،عن قرار (إداري أصدره عمدة الريفيرا الفرنسية منذ أسبوع أو عشرة أيام يقضي بمنع الرجال من الظهور بصدور عارية أو بملابس البحر في شوارع المصيف.وقرر حضرة العمدة تحصيل غرامة مالية قدرها مائتي فرنك فرنسي من كل رجل يخالف أوامره المحافظة،وهذا ليس هو المهم في القضية.إن قرار حضرة العمدة ينطبق فقط على الرجال دون النساء،ومن المعروف لكل من يطالع المجلات الفرنسية،أو يعرف أحدا من المترددين على الشواطئ الأوربية أن النساء في المصايف الفرنسية يتجولن في كل مكان بصدور عارية تماما،وهم يسمونها هناك"توبلس"وهو تعبير يتكون من كلمتين هما"توب"بمعنى فوق و"لس"بمعنى دون،وهذا يعني أن توبلس معناها بدون فوق .. ){ جريدة الرياضية العدد 2504 في 1/3/1415هـ = 8/8/1994م}.من الريفيرا إلى .. (نيويورك – أ . ف. ب : أثار اعتقال الشرطة الأمريكية لامرأة نزعت صدريتها في مترو الأنفاق في نيويورك خلال منتصف يوليو (تموز) الماضي احتجاج المدافعات عن حقوق المرأة اللواتي نددن بالتمييز الذي تمارسه السلطات بسبب الجنس وعرضت القضية على القضاء. وكانت الحجة الرئيسية في الدعوى أن الشرطة لا تتعرض للرجل العاري الصدر.وقد أصدرت إحدى محاكم نيويورك أول من أمس حكما ينصف الشاكيات ويسمح لهن بإبراز الصدر العاري في المترو. ولكن القاضي اشترط ألا يتسبب الأمر في"اضطرابات أو مشاكل في المترو"وإذا حدث ذلك فإن عارية الصدر ستتحمل المسؤولية وتخضع للاستجواب.){جريدة الشرق الأوسط العدد 5757 في 23/3/1415هـ = 2/9/1994م}.ومن أمريكا إلى كندا ... (مونتريال – أ ف ب : تظاهر نحو عشرين امرأة أول من أمس في أحد المراكز التجارية في مونتريال (كندا) دفاعا عن حق الإرضاع في الأماكن العامة. وفي عام 1994 تعرضت امرأة في المركز التجاري نفسه لتأنيب أحد الرجال الشرطة وهي ترضع طفلها بشكل علني.واجتمعت النسوة ومعهن أزواجهن وأطفالهن في أحد المطاعم في مركز "ويستمونت سكوير"وأعطت بعضهن ثديهن لأطفالهن أمام أعين رواد المركز. وكان الشرطي الذي منع السيدة آن مارتن من إرضاع طفلها في المركز ادعى أن أشخاصا كثيرين اشتكوا على المرأة فما كان منه إلا أن تقدم منها وقال لها بلهجة قاسية:"استري هذا الثدي أو اخرجي".){ جريدة الحياة العدد 12020 في 1/9/1416هـ = 21/1/1996م}.إنها (الحرية) .. ما دام الأمر يرتبط فقط برغبة الإنسان،وما (يتعاقد) عليه مجتمع ما ..قبل الختام .. تذكرت مقولة ( لا جديد تحت الشمس) .. فما حدث في خواتيم القرن العشرين – من كشف المرأة صدرها – حدث قبل ذلك بقرون!! يقول الديورانت : (ويزعم دمونتي ( 1533 – 1592 ) الذي لم يكن كثير الوقوع في خطيئة خداع النفس بالأوهام، : (( أن سيداتنا وإن كن أنيقات رقيقات، يرين مرارا مكشوفات الصدر حتى السرة ) {قصة الحضارة ص 265 – 266 جـ 2 مجلد 7 / ترجمة : فؤاد اندراوس}.ختاما .. هذا نداء أطلقته الأستاذة (منيرة) مخاطبة المرأة ... (أيتها الثمينة! يا لؤلؤة بيضاء نقية،حين سكنت لجة البحر يوما،كنت وسط المحارة تحتمين! أتذكرين؟ هل راعك البحر يوما؟ أم ذقت ملحه برهة؟! يا رائعة! أنت أغلى،وأنت أعز،وأنت أسمى من أن تخترقك العيون العابثة! (..) أخيتي : دعيني امسح خصلاتك،وأطوق كفيك،واربت على كتفيك. امنحيني شرف الحديث إليك وأنا احكي لك بكل لهفة،واصف لك بكل صدق (..) دعيني أقول لك أولا تلك الحقيقة المهمة لا احد يعادي الحرية،والمسلمون كذلك (..) ولكن الذي نخشاه من الحرية الآن في صورتها الغربية ومفهومها المفرط السيئ المنافي تماما لكل أوامر الإسلام (..) لذلك نخشى هذا التفلت الجنسي الحاد وإباحة الزنى العلني! نخشى التبرج حد العري،نخشى إباحة الخمور وتفشي المخدرات،نخشى تفكك الأسرة وضياع الأبناء،نخشى التصادم مع الفكرة السليمة وانهيار الأخلاق والقيم (..) ومادام أنك رضيت بالتنازل عن بعض ما كنت تتمسكين به،فكنت ترفضين اللباس القصير حتى عند النساء والمحارم(!!) والآن تقترفينه وإذا كنت ترفضين العباءة المزينة،وأصبحت ترينها عادية،وإذا كنت تخجلين من محادثة الرجال والاختلاط بهم،فأصبحت ترين سهولة ذلك واعتياديته .. فالخطر محدق بك وقريب!! حماك الله تعالى وثبتك على الصلاح.){ص 265 – 283 (نساء في سجون الحرية) / منيرة بنت ناصر آل سليمان،والكتاب في طبعته الأولى – 1430هـ / 2009م – من منشورات " العبيكان للنشر}. لم يبق إلا أن أكرر شكري لأختنا الكريمة الأستاذة مكارم إبراهيم ... وأذكر بأن اختلاف وجهات النظر لا يفسد – قطعا – للود قضية.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة Mahmood-1380@hotmail.com