الوفاء بالوعد يا حبيبي
ظل يصر على والده بالسفر إلى أمريكا للدراسة ،حالة الأب ضعيفة جدا ، إستطاع أن يحصل له على منحة من الحزب الاشتراكي الذي ينتمي إليه للدراسة في روسيا ،عرض عليه الدراسة في سورياأو الأردن ، فلبنان مزقته الحروب،كان خائف عليه كثيرا من حواجز القتل على الهوية ،أو الموةت إذا انخرط بالعمل الفدائي .
رد عليه :إما السفر لأمريكا أو العمل الفدائي ،روسيا لا تحقق حلمي بالعمل بدول الخليج،سأموت إن لم يتحقق هذا الحلم، تم جمع المال اللازم بصعوبة بالغة ،، وعدهم بالتعويض والعودة محملا بالمال وتحقيق الأحلام ،وعداه بموكب استقبال كبير وزفة عريس عند العودة.
سافر لأمريكا، درس هناك خمس سنوات،اقترب موعد العودة ،الشوق قتل والديه ، حذراه كثيرا من نساء وشوارع الليل خوفا عليه من الموت ، التزم بكل وعوده.
أثناء حفل التخرج ،أعلن عن هويته وافتخاره بكونه عربي رفع يوما من الأيام السلاح للجهادضد الصهاينة المعتدين وليس اليهود الطيبين ! رغم صغر سنه ، صفق له الطلاب ،رفعوه على الأكتاف فخرا به .
قبيل عودته بأيام ،في ليلة خريفيةمن ليال تشرين الثاني ،السماء طوال الليل تمطر مطرا غزيرا ،خيل للأم أن السماء تنتحب،أن صوت زهيم الرعد ما هو إلا نواح عاصف، صوت هبوب الرياح ما هو إلا بكاء الهواء ،ان قطرات ذلك المطر الغزير ما هي إلا دموع السماء !!تعجبت من ذلك كثيرا ،لطالما أحبت موسم ذاك المطر الخريفي، لأنه يعني سقيا أشجار الزيتون، قبل قطاف تلك الحبوب الخضراء، التي لوحتها شمس تموز وحزيران وآب، ثم جاءت غيوم أيلول والتشارين لتسقيها ماء عذبا زلالا ينسيها القر والحر، فتنتفخ تلك الحبوب المباركةبماء الحياة الطاهر، لتعلن عن موسم قطاف خصب رائع، زوجها في غاية السعادة فالخير القادم كثير ،والحلم الثمين عائد ، والشجر المبارك حامل ينوء بأثقال تلك الحبوب ،نام ليلتها نوما عميقا محتضنا تلك الزوجة التي تضع رأسها على صدره ، تحاول أن تغفو ،تداعب بيديها القرويتين الخشنتين أطراف شعره كطفل صغير، ما لبث أن غفى كعادته ،قرأت أذكارها،كررت سبحان الله سبحان الله حتى غفت ، حلمت حلما مزعجا،مات ابن جيرانهم وذهبت للتعزية،كانت أمه تبكي بحرقة،تعجبت الأم من الرؤيا ،أجابتها امرأة شبه جاهلة خوفك في محله (حلم جارك لحالك) قالت الأم: سنسمع خبر موت شخص عزيز علينا،، من يكون؟أوه أخي مريض جدا ،اللهم الطف به .
في الليلة التالية سمعت صوت نباح الكلاب خلف حديقتهم ،في الصباح عبرت عن خوفها لزوجها ، لقد ازداد قلقي على أخي سنذهب اليوم لزيارته في ضيعته الجبلية،ما أخبار استعدادك لاستقبال ولدنا ،هل اتفقت مع أصحاب السيارات التي ستقل كل أقاربنا من أجل استقباله ؟
في منتصف ذلك اليوم،استلم والده برقية،نادى ابن الجيران طفل في العشرة من عمره لقراءتها لنها باللغة الانجليزية التي يتقن القليل منها ،قرأها الغلام بسرعة ثم بدأ يتكلم بكلمات وجمل شبه متقاطعة .. لقد وجدنا جثة ولدك مقتولا في شقته ، عليك عمل إجراءات نقل جثمانه لبيروت ،جهزت الأسرة المفجوعة رتلا من السيارات لاستقبال جثمان العريس ، تقاطر المعزون لمنزل الأب ، اقترب الأب بثبات من جثمان الابن،اقترب أكثر من رأسه قبل وجنتيه الباردتان ،تحسس بيده وجهه الشاب ،كان يبدو كأنه نائم همس في أذنيه باكيا : حبيبي حبيبي لقد وفيت بوعدي ،لم لم توف بوعدك؟؟
اقتربت الأم المتصبرة من رأسه وهمست: حبيبي كنت أنت الحلم ! ؟؟وذرفت دموعا حارة.
</b></i>