بين الأدب والتاريخ







كتبها:فيصل الملوحي






أختي الكريمة..السيدة ريمة

السلام عليكم


تقولين:


{ أنت تدفعنا لدعوة عامة لإعادة كتابة التاريخ بأيد عربية صرفة لأنها أعرف بما جرى وبما حصل من ملابسات أثناء الكتابة الأولى.
نرجو أن تتوخى تلك العناصر وإلقاء الضوء على تلك الزوايا الغائبة في الكتابة التاريخية.}


أُكبر فيك هذه الالتفاتة الرائعة لتاريخنا، وأرى لزاماً علينا أن نسير على هذا الدرب.


ولكنْ لن يكون لي في العمل غير هذه الرؤى التي صاحبتني منذ أن بدأت أقرأ التاريخ قبل عقود، ولن أنتقل إلى مرحلة التحقيق التاريخي لأمرين:

أولا: لا تؤهّلني قدراتي العلمية الخاصّة، فالتاريخ لصيق بنفسي، ولكنه ليس الاختصاص الذي أتقنت أصوله، التاريخ رديف الأدب الذي أعيش له بروحي ووجداني، وللسان العربي أساس وجودي.أقرأ الأدب، وأقرأ معه تاريخ الأدب وغير الأدب، فالأدب ابن البيئة، ولانجاح ملموساً للأديب إذا لم يذب في هذه البيئة، ولاقدرة لناقد أدبي في تحليل النصوص ودراستها إن لم يتعمّق بيئة الأديب ( بشرط ألا نصوّر الأديب مرآة عاكسة للبيئة فنتجنّى على إبداعه الأدبي ).


ولكني لحظت أن التاريخ للأدب يندرج تحت هدفين:


الهدف الأول: أدبي بحت، فتقرأ التاريخ روايات وقصصاً وشعرا، تنفعل بها، وتدخلها في روحك، ويحللها النقاد ويدرسونها.

الهدف الثاني: علمي تاريخي،فالروايات والقصص والشعربحاجة إلى تحقيق تاريخي،وليس كل أدب يُروى حقيقة، الخيال الأدبي يبدع الخيال البنّاء، والافتراء على الآخرين يصوّرما تمليه الأحقادوالأطماع. والناقد الحق يتريّث حين يسمع هذا الأدب، ولايتهم به أصحابها بالباطل. أرأيت إلى شاعرنا العربي مالئ الدنيا وشاغل الناس زمانا عمربن أبي ربيعة،ألانقرأ اليوم شعره الذي كان المجتمع يلومه عليه، ولكن هل طلب أن يُقام عليه الحد؟، لا، لم يفعل لأن الحد يُقام على الفعل إذا اكتملت أركان الشهادة عليه من شهودأربعة و..لاعلى القول، وأن المرحوم ( الدكتور) شكري فيصل وصل به التحقيق إلى القول:< لم يرفع عمر ذيله لحرام!!<

إذن لايؤخذ التاريخ من الأدب إلا بعد التحقق من صدق الروايات.

ملحوظة: لاتغمطوا الأدب حقه ولو خالف التاريخ، فللأدب عالم خاص، والصدق والكذب فيه يخضعان لقواعد أخرى غير قواعد عالم الواقع!!

ثانياً: لاتؤهلني قدراتي العلمية الفردية، فالعمل ضخم يحتاج إلى جهود الجماعة، وتساعدنا على القيام بهذه الأعمال التقنيات الحديثة، ولكنها تؤكد على شيء واحد: انقضى زمان الأعمال الفردية، بل نحن بحاجة إلى مؤسسات.

لم نقم إلى اليوم في عصرنا الحاضربتحقيق علميّ تاريخي. لايكفي أن يحصل الباحث بمثل هذه الرسائل على(دكتوراه ) تؤهله أن يكون مؤرخاً أو سالكاً درب التأريخ: ليس من العلم أن ينقل عن الطبري وابن كثيردون تحقيق مانقل، فيخرج لنا أدباً لاتاريخا كما فعل ( جرجي زيدان ). لقد جمع القدماء أخباراً لم يحققوها، ولا نفع في الجدل حول لومهم، لكن المفيد أن نتابع ما بدؤوه مخلصين للعلم والحقيقة، وأن تبقى هذه البحوث في نطاق المؤسسات، لا أن تنتقل إلى العامة أو من يسمَّوْن المثقفين غير العلماء؟!


كل ما أفعله:


١ - أن أساهم بما أستطيع ليتريث قراء الروايات التي تُسمّى تاريخية، ولا يحكموا على الناس بالباطل بانين آراءهم على غير العلم، وقد يختلفون، فيتنازعون و..

٢ – أن أدلوََ بدلوي وأشحعَ غيري على المشاركة بمثل هذه الرؤى لتعين مستقبلاًالمؤسسات العلمية التي ننتظر إنشاءها– إن شاء الله - كما ننتظر أشياء كثيرة لنرقى بحالنا، علينا أن نسعى وعلى الله التكلان في إدراك النجاح.

فهل وفّيت الجواب حقّه، أم شطّ بي القلم وخيال الأدب؟!
تحياتي.