مَعْشَرٌ
... أيقظوا فتنة الشر بينهم وظنوا أنفسهم ولا أحد سواهم الأخيار، وأشعلوا نار ذات عوج في ناديهم، وأصروا على أن يوقدوها في كل مكان غاية الإصرار، وحلقت في سمائهم الغائمة غربان جهالتهم وكثيف الغبار، وإذا ببيع الإثم وشراء العدوان قد راجت سوقهما بين أخبث المشترين وأخس التجار، ثم إنهم توهموا المجد في طغيانهم ومنتهى الانتصار، وأن الظفر بالعز قد نبع من جيش فسادهم الجرار، وما نيل الصيت الحسن الذائع بين الناس في حسبانهم إلا صدَفة ثمينة كامنة في جبروتهم المنهار، وسراً موءوداً في سيرتهم السيئة التي ما لها من قرار، بل هو فخر لهم ولبنيهم وذو شأن في ما يظنون وليس كباقي الأسرار، ثم إنه مقام رفيع عز على من سواهم ولم يشق عليهم بلوغ قمته لأن غيرهم في ما يتوهمون من سلالة العبيد وهم الأحرار...
سرعان ما سرت من جديد في قلوبهم القاسية جلبة حقدهم القديم الجارف الزآم، وشب فيها حسدهم المفترس العتيق الهدام، وفي ناديهم اندلع بغضهم الشديد العاصف الحوام، وكأنه ضرب فيها بجذوره عميقا منذ زمن بعيد فطاب له المقام، أو كأنه عمر طويلا فلم يسأم حوله الثمانين وما تلاه من الأعوام، فطمح إلى أن يبلغ من العمر ما يزيد على الألف عام، ثم استوى واشتد بينهم على سوقه منكر الحديث والزحام، فداست الأقدامُ الأقدامَ، وتعالت صيحات إسرافهم والآثام، وبينهم اشتدت ضروب المكر والخديعة وتفشت أسوأ الأسقام، فنصبوا لغيهم وسفاهتهم الخيام، ورفعوا لهزيمتهم من شدة جهلهم وحمقهم الأعلام، لكنهم ذاقوا وبال أمرهم قبل شن حربهم على أهل السلام، إذ اجتاحهم طوفان غدرهم فأتى عليهم ما يأتي على اللئام، فغرست العداوة مخالبها في أفئدتهم بالليل والنهار، ومكنت الذلة أنيابها من حياتهم على الدوام...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com