حكاية
الأرقام العربية
كتبها: فيصل الملوحي
لفت نظري موضوع التبس كثيرا على إخواننـا في جناحنـا الغربـي من وطننا العربي الحبيب، وبخاصـة في تونــس الخضـراء. وقد أعاد إلي الذكرى ما قامت به صحيفة محليـة من تغييرات كثيرة في إخراجهـا، كان من أبرزها اعتمادها ( الحرف العربيّ الأصيل في كتابة الأرقام ) !! ، وهو الحرف الذي أخذه الغرب عنّا فسـاد اعتقاد خاطئ بأنه حرف عربيّ أصيل...!!
وقد ذكر أستاذ للغة الفرنسية ّ مثل هذا الرأي منذ أيام، فذكّرني بما كنت أسمـع به في المغرب العربي – نصفنا القلبيّ الأيسر – وفي فرنسة من العـرب الذين أخذوا بقليل من العربيـة وكثير من الفرنسية، أو بمعلومات مبتسرة مـن ثقافتنا الأصيلة، ومعلومات وافرة من الثقافة الغربية، فقد كنت أقول لهـم: إنّ معلوماتكم صحيحة لا غبار عليهـا، لكن ما بنيتم عليها هو الخطأ والخطر، إنه خطـأ علميّ في نتيجته وفي منهجه، وهو خطر على تفكيرنا العربي إذا انساق وراء فكر ظاهره العلم، وباطنه الانحراف عن منهج البحث العلمي. نعم ! نحن نقرأ في الفرنسية(leschiffresarabes) وفي الإنجليزية Arabic ciphers (وهو إقرار منهم بهذا الأصل العربي، وبخاصة إذا عرفنا أن المنطلق هو كلمة (الصفر ) العربية، والدائرة التي ترمز إلى الفـراغ وهي إحـدى رموز لغـة الرياضيات ، ثم انطلقوا من الصفر إلى الأرقام الأخرى ورمـزوا بالزاوية الواحدة إلى الواحد – 1- ، وبالزاويتين إلى الاثنين – 2 -وهكذا باقـي الأرقام إلى التسعة .
لقد ظهر هذا الاتجاه في الأندلس، وعنها أخذ أهل الغرب العلوم العربية البحتة، ولم يدرس العلوم النظريـة الأخرى إلا فئات خاصة ليس بحثنا مجالاً للخوض في الأسباب والظواهر.
إذاً درس الغربيون الرياضيات، ودرسوا هذا الجانب النظري للأرقام دون أن يفطنوا إلى الجانب العملي التطبيقي، ولم يعلموا أن العرب لم تدخل في حياتهم هذه الأرقام،ولميستعملوها في علومهم أو حياتهم العامة أو دواوينهم أو تجارتهم، وظلّوا على الأرقام الهندية التي عاشوا عليها _ منذ أن عرفوا الكتابة والحساب _.
وإذا جاز للغربيين أن يقعوا في مثل هذا الخطأ، فهل يجوز لمثقفينا العرب في هذا العصر أن تُغرَّب عقولهم فتستقيم على المنهج العلمي في العلوم البحتة، وتنحرف عن الصواب فيما يخصّ تاريخها وتراثها وشخصيتها الحاضـرة ؟ هل عندهم أثارة من علم تخبرهم بغير هذه الحقيقة ؟
من قال: إن العربية في أصولها لم تتأثر بغيرها من اللغات ؟ من يخالف القول بوجود كلمات أصولها غير عربية في القرآن الكريم ؟ ولكن من يجــرؤ على القول إنها ألفاظ غير عربية والقرآن العربي يُتلى بين أظهرنا ليل نهار ؟!
لو عدتم إلى علم الاحتجاج – الذي كادت تنساه كلياتنا العربية – لوجدتم أن ما استقرت عليه ألسنة العرب الأقحاح في القرن الأول وقسم من القرن الثاني هو اللسان العربي المبين، وما علينا سوى أن ندافع عن هذا اللسان، وأن نعتز به كما تعتز الأمم بألسنتها لتحافظ على شخصيتها وكيانها، وأن نخدمه بشتى الطرق الحديثة المتاحة.
ملحوظتان:۱- لم ينتشر استعمال ما يسمى ( الأرقام العربية ) في المغرب العربي و تونس إلا في نهايةالقرن العشرين، أما في الحزائر، فالأمر متردّد يبين أنصار الفصحى الأقحاح، وبين من يحاولون أن يكونوا أنصار الفصحى !!
۲ – أعيد نشر هذا الموضوع آملا أن يتنبه الغيورون على العربية، ويبتعدوا عن استعمال الأرقام الأعجمية،و ربما كان لهم عذرهم قديما حين كانت الحواسيب لا تتضمّن الأرقام العربية التي أصلها هنديّ، أما اليوم فلا عذر!!
٧ / ٤ / ٢٠٠١م
، 2، 3.....
أرقام عربية أم هندية ؟!
عبد الله زقيل
مـن قـرارات الـمـجـمـع الـفـقـهـي بـمـكـة الـمـكـرمـة:
الـقـرار الـثـالـث: فـي عدم جواز اسـتبدال رسم الأرقام المـسـتـعـمـلة فـي أوروبة بـرسـم الأرقام العربـيـة:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا - أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في الكتاب الوارد إلى الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي من معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في الأردن الأستاذ كامل الشريف، والبحث المقدم من معاليه إلى مجلس الوزراء الأردني بعنوان " الأرقام العربية من الناحية التاريخية " المتضمن أن هناك نظرية تشيع بين بعض المثقفين، مفادها أن الأرقام العربية في رسمها الراهن (١-٢-٣-٤ ...) هي أرقام هندية، وأن الأرقام الأوربية (etc 4-3-2-1) هي الأرقام العربية الأصلية، ويقودهم هذا الاستنتاج إلى خطوة أخرى هي الدعوة إلى اعتماد الأرقام في رسمها الأوروبي في البلاد العربية، داعمين هذا المطلب بأن الأرقام الأوربية أصبحت وسيلة للتعامل الحسابي مع الدول والمؤسسات الأجنبية التي باتت تملك نفوذاً واسعاً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية، وأن ظهور أنواع الآلات الحسابية و(الحواسيب) التي لا تستخدم إلا هذه الأرقام يجعل اعتماد رسم الأرقام الأوربي في البلاد العربية أمراً مرغوباً فيه إن لم يكن شيئاً محتوماً لا يمكن تفاديه. و ما تضمنه البحث المذكور من بيان للجذور التاريخية لرسم الأرقام العربية والأوروبية.
واطلع أيضا على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته الحادية والعشرين المنعقدة في مدينة الرياض ما بين ١٧ - ٢٨ من شهر ربيع الآخر عام ١٤٠٣ هـ في هذا الموضوع، المتضمن أنه لا يجوز تغيير رسم الأرقام العربية المستعملة حاليا إلى رسم الأرقام المستعملة في العالم الغربي للأسباب التالية:
أولا: أنه لم يثبت ما ذكره دعاة التغيير من أن الأرقام المستعملة في الغرب هي الأرقام العربية، بل إن المعروف غير ذلك، والواقع يشهد له، كما أن مضيّ القرون الطويلة على استعمال الأرقام الحالية في مختلف الأحوال والمجالات يجعلها أرقاما عربية، وقد وردت في اللغة العربية كلمات لم تكن في أصولها عربية وباستعمالها أصبحت من اللغة العربية، حتى إنه ورد شيء منها في كلمات القرآن الكريم (وهي الكلمات التي توصف بأنها كلمات معربة).
ثانياً: أن الفكرة لها نتائج سيئة، وآثار ضارة، فهي خطوة من خطوات التغريب للمجتمع الإسلامي تدريجياً، يدل لذلك ما ورد في الفقرة الرابعة من التقرير المرفق بالمعالمة ونصها "صدرت وثيقة من ورزاء الإعلام تفيد بضرورة تعميم الأرقام المستخدمة في أوروبة لأسباب أساسها وجوب التركيز على دواعي الوحد الثقافية والعلمية وحتى السياحية على الصعيد العالمي".
ثالثاً: أنها "أي هذه الفكرة" ستكون ممهدة لتغيير الحروف العربية واستعمال الحروف اللاتينية بدل العربية ولو على المدى البعيد.
رابعاً: أنها "أيضا" مظهر من مظاهر التقليد للغرب واستحسان طرائقه.
خامساً: أن المصاحف والتفاسير، والمعاجم، والكتب المصنّفة جميعها تستعمل الأرقام الحالية في ترقيمها أو في الإشارة إلى المراجع، وهي ثروة عظيمة هائلة، وفي استعمال الأرقام الافرنجية الحالية (عوضاً عنها) ما يجعل الأجيال القادمة لا تستفيد من ذلك التراث بسهولة ويسر.
سادساً: ليس من الضروري متابعة بعض البلاد العربية التي درجت على استعمال رسم الأرقام الأوروبية، فإن كثيراً من تلك البلاد قد عطلت ما هو أعظم من هذا وأهم وهو تحكيم شريعة الله كلها مصدر العز والسيادة والسعادة في الدنيا والآخرة، فليس عملها حجة.
وفي ضوء ما تقدم يقرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ما يلي:
أولاً: التأكيد على مضمون القرار الصادر عن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في هذا الموضوع والمذكور آنفا، والمتضمن عدم جواز تغيير رسم الأرقام العربية المستعملة حالياً برسم الأرقام الأوروبية المستعملة في العالم الغربي للأسباب المبينة في القرار المذكور.
ثانياً: عدم قبول الرأي القائل بتعميم رسم الأرقام الشائعة في أوروبة بالحجة التي استند إليها من قال ذلك، وذلك أن الأمة لاينبغي أن تدع ما اصطلحت عليه قروناً طويلة لمصلحة ظاهرة وتتخلى عنه تبعاً لغيرها.
ثالثاً: تنبيه ولاة الأمور في البلاد العربية إلى خطورة هذا الأمر، والحيلولة دون الوقوع في شرك هذه الفكرة الخطيرة العواقب على التراث العربي والإسلامي.
والله ولي التوفيق وصلى الله علي سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الــمــصــدر: فــتــاوى إســلامــيــة (٤/٥٢٨- ٥٣٠)..
ملحوظة: يؤسفنا أن تُدرج الأرقام الأعجميّة في اصل هذا القول ( وقد قوّمتها )، وهو لا يرى جواز استخدامها، فهل الضرورة فرضت على طابعيه هذا الاستخدام، أم لغاية أخرى في نفس يعقوب؟!