إضراب
عندما ارتبطت به كانت أفكارهما متطابقة ومنسجمة . درسا معا في نفس المؤسسة التربوية . انتميا لنفس التنظيم النقابى الطلابي ومن ثمة نفس التنظيم السياسي الحزبي .بالرغم من انه كان يكبرها ببعض الأعوام إلا أن الفرق لم يكن باديا ماداما يقتسمان كل شيء .كان تحدس مند اللقاء الأول أن هدا الارتباط لن يكون سهلا مع دلك جازفت وفتحت معه صفحة جديدة تعرف جيدا أنها ستخط عليها المآسي أكثر من الأفراح .لا تريد الآن العودة إلى تلك المرحلة .إنها مصرة على إتمام ما بدأته .
بعد اعتقاله بدأت تتردد إلى السجن لزيارته كلما تمكنت من تقديم شهادة طبية للعمل .هي لا تعير قيمة للزمن الذي يكون فاصلا بينها وبينه .ستنتظره على قارعة الباب الكبير يوم إطلاق سراحه .ثلاثون سنة من الانتظار كم هي طويلة .وهل من الممكن من بداية جديدة بعد هدا الفاصل الزمني الطويل .تنظر إلى شعرها الحريري المتدلي على الجانبين ووجنتاها الموردتين قامتها المشيقة .هل ستبقى على نفس الصورة بعد خروجه من السجن .
اعتقل بتهمة المس بأمن الدولة حتى كتبه لم تسلم من همجيتهم احرقوا بعضها وصادروا أخرى..حتى قصائده عبثوا بها مزقوها لم يجدوا غير هده الأوراق كأسلحة ناسفة ستمس بأمن الدولة.
تكررت زياراتها له هناك وراء القضبان .كان دو معنويات مرتفعة يستقبلها دائما بابتسامته العريضة يحكي عن كل شيء.عن الرفاق بداخل السجن عن صراعاتهم عن اختلافاتهم عن الحمق الذي أصاب البعض . يسال عن التنظيم بالخارج وعن تقلص أنشطته وعن عزوف الرفاق عن زيارته .يسال عن الجماهير وتحركاتها عن صمودها .حضورها كان يساهم في إضاءة كل الأمكنة المظلمة بداخله .
هدا اليوم استيقظت باكرا هيئت نفسها للزيارة جمعت كل طلباته من سجائر ومجلات وبعض الألبسة الداخلية التي كان يطلب الإكثار منها دائما ..قطعت المسافة من محطة القطار إلى السجن المركزي وهي تستحضر يوم زفافها الذي كان بسيطا انسجاما مع مبادئهما .كانا يرفضان كل بهرجة وكل ضجيج .وتتذكر جفاء أفراد العائلة لها لكونها لم تتبع تقاليدهم في الزفاف .
أبواب السجن كالعادة مكتظة بالزوار .أصحاب الحق العام ومعتقلو الرأي .
تلتقي ببعض العائلات التي لها فردا منها بالمعتقل والدين تشترك معهم نفس المحن .كثيرا ما حركوا الرأي العام بوقفاتهم الاحتجاجية بعرائضهم باعتصاماتهم .لاتنسى الاعتصام الذي تم ذات يوم بداخل مسجد بالعاصمة الإدارية وكيف تم التعامل معه من طرف المخزن .
في لحظة تجاذب أطراف الحديث مع هدا الحضور يخرج حارس من حراس السجن ليأمر عائلات الحق العام بالدخول ويأمر عائلات المعتقلين السياسيين أن يتوجهوا إلى مكتب السيد المدير.
يدخل الجميع إلى المكتب ليجدوا المدير في انتظارهم وهو يقول :
اليوم تمنع عليكم الزيارة لان المعتقلين دخلوا هدا الصباح في إضراب عن الطعام وكما تعرفون في مثل هده الحالات تمنع دائما الزيارات.ضجيج وهتاف ودفع لبعض الكراسي في كل حدب وصوب
يصيح المدير بصوت مرتفع وهو ينظر إليها قائلا :
أنت سيدتي يمكنك أن تزوري زوجك
تتراجع إلى الوراء وهي لا تصدق هدا الذي تسمعه
قبل أن تفتح فمها لتسال قال المدير:
زوجك غير مضرب مع رفاقه
تعود إلى جلستها فتطرق رأسها إلى أسفل ونظرات الجميع تنهش محياها
تقوم من مكانها متوجهة نحو المدير :
اعتذر سيدي المدير أنا مضربة عن الزيارة
في هده اللحظة تعالت زغاريد النساء وحملنها على الأكتاف وهن يرددن الشعار الخالد
لنا يا رفاق لقاء غدا سنأتي ولن نخلف الموعد