نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

يمر العابر على شعر العصر المملوكي وما بعده على نموذج من نماذج الشعر اصطلح الدارسون على تسميته بالشعر الهندسي، وهو عبارة عن مقطوعات شعرية يبدعها الشاعر بطريقة خاصة لغرض الزخرفة والنقش على أسطح المساجد أو المنابر وما إلى ذلك، بحيث تناسب صياغتها غايات الزخرفة والتزيين. فنجد على سبيل المثال مقطوعة كاملة خالية تماماً من النقط ، ونجد الأخرى تتكرر فيها الراء في كل كلمة من كلماتها، وثالثة تبدأ كل كلماتها بحرف معين، بحيث تكون قابلة للرسم بشكل بديع.

قد يمر العابر على هذه النقوش الشعرية بلذة عابرة مستمتعاً بجمال تصميمها وتناسق أشكالها. لكن المتأمل فيها يجدها تشده لتخبر أن وراءها سراً عميقاً، وأسئلة جوهرية تلقيها عليه بينما تستدرجه للغوص في خطوطها الممتدة.
ما الذي يحاول الشاعر أن يوصله من وراء هذه المقطوعات...
هل هو اعتراف بعجز الفن وعدم قدرته على التغيير، وإعلان عن غياب شمس الشعر عن ساحة التأثير والسلطة في ذلك العصر، فيختار الشاعر أن يضع طاقته الشعرية في الشكل مادام المضمون عاجزاً وكليلاً.
أم أنه صوت آخر من أصوات: هل غادر الشعراء من متردم، إعلاناً عن استهلاك المعاني الشعرية واستنساخها، وبحثاً عن حياة أخرى للشعر بعيداً عن المعاني المستهلكة.
أم أنه وعي بتكامل الفنون ومحاولة للرسم شعراً كتعبير عن وحدة الجمال واستغلالاً لطاقات هذه الوحدة.
أم أنها النداء الأول لفتح الباب أمام ثقافة الصورة في عصر قتلته الشفاهية والترديد والنمطية.

تسمتر الخطوط تؤرجحك كموج لطيف، وتبحر بفكرك إلى اللانهاية.

*****
( الشعر الهندسيّ ) في عصر الدول المتتابعة هو من وجهة نظر الدرس النقدي صورة تطويرية لفن الشعر وللفن التصويري المعماري الذي أنتجته الثورة الفنية الإسلامية في تلك العصور ، وهو في الوقت ذاته ملمح حضاري بديع يفضي إلى الإيمان بالتطور التحديثي الذي نحاه الشعر في تلك الفترة بقوة تجاه الرسم والنحت ممتزجا بروح الإنسان آنذاك التي تعيش حالة انبهار بالجمال الطبيعي بتوسع الدولة الإسلامية لتضم مناطق مفعمة بمشاهد طبيعية لم يعرفها العربي قبل ذلك، إضافة إلى الامتزاج العميق الذي أحدثه هذا التوسع مع ثقافات جديدة غير عربية تم التعايش معها و التعمق فيها بشكل خلاب سنّه ذلك المجتمع الأندلسي الفريد وعاشته الدول المتتابعة فترة من الزمن.. فكان الأثر العذب في لوحات شعرية غزلية أو دينية تحلّي القصور والدور والكنائس!! ولعل فيه هروباً من الوقوف على أبواب السلطة المتغيرة التي لا تكفل الأمان لطالبها أبدا وبالتالي لتابع هذا الطالب.. إنه فن بديع يحمل بشفافيته ورقته روحا إسلامية أسست الثورة الفنية التصويرية الحديثة وإن زعم من زعم أن هذا العصر هو الانحطاط والتأخر وهو ما يتنافى تماما مع ما تركه من عظيم نتاج وبراعة فن...



المصدر

الشعر الهندسي - موقع ميراد الثقافي