القصة القصيرة جداً عند مهنّد العزب
"صولو" شعرية الحكاية تعزف هاجس الحرية
د. يوسف حطيني
مرّ علي زمن طويل، وأنا أقارع نصوص القصة القصيرة جداً، وكان التحدي الأكبر الذي يواجه القاص في كلّ مرة هو كيف يجمع بين بنية القصة ولغة الشعر، دون أن يجور أحدهما على الآخر: كيف يبني حكاية لا ترهقها الذهنية التقريرية، وكيف يكتب لغة تحملها أجنحة الشعر دون أن يخرج من ثوب الحكاية.
سبق أن لفت نظري في هذا المجال القاص الليبي جمعة الفاخري الذي استطاع أن يطير بهذين الجناحين معاً، وقد تذكّرته في الأيام القليلة الماضية، وأنا أقرأ مجموعة القصص القصيرة جداً لمهنّد سيف الدين العزب، التي حملت عنوان (صولو)، وصدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان مؤخراً.
* * *
ثمة كثير من الخصائص الفنية التي يمكن أن تثيرها مجموعة (صولو) حول تقنيات القص القصير جداً وكيفية استثمارها، ولكن ما يلفت النظر هو احتفاء الشاعر بموضوع الحرية، من خلال تجلياته المختلفة، وهو الموضوع الأبرز الذي يطبع المجموعة بطابعه، ويجعل منه إيقاعاً ناظماً لها.
يرسم الكاتب هذه الكلمة السحرية من خلال صيغ متعددة، من خلال السجن والسجان، ومن خلال العاهة التي تجعل المرء أسيراً لها، ومن خلال رقعة الشطرنج التي تشهد أعتى المعارك رغم صغر مساحتها.
في قصة بعنوان "آفاق" يقيم مهند العزب مفارقة طريفة تقوم على مقابلة بين السجين والسجان، إذ يرقب كلٌ منهما ما يشغله:
"في عتمة السجن..ينظر السجان إلى السجين من كوة الباب، أما السجين فيملأ عينيه بالنظر من شرخ في الجدار، إلى الأفق الرحب "
وقد استثمر الكاتب هذه اللقطة البديعة مرة أخرى في قصة "توق"، (وليته لم يفعل لأن تكرار الإبداع ليس إبداعاً)، فقدّم نصّاً جميلاً آخر، يضيء طرفاً من طرفي القصة السابقة (السجين) بينما يهمل الطرف الآخر (السجان). يقول القاص في قصة "توق":
"في ليلة شتائية ماطرة، ينظر السجين من الكوة العالية إلى المطر المنهمر، ويحلم أن يبلله يوماً "
ثمة في السجن أيضاً حكايات أخرى تجري، يحمل عبء أحداثها أبطال عانوا فقدان حريتهم، فرسموا خلاصهم الروحي، أو حاولوا ذلك، في ظل حصارهم الجسدي الذي لا يرحم. حتى إنّ الساحر السجين في قصة "هستيريا" يستنفد طاقته السحرية في سبيل تلك التجربة المريرة التي تستحق إعادة المحاولة:
"الساحر السجين في زنزانته الانفرادية، يُخرج حمامة من قبعته ويتركها تطير بلا سماء، ويبقى هو يضحك إلى أن تتكسر أجنحتها، حتى يبكي معها مصيرهما المشترك ".
ولأنّ الحرية ليست مرهونة بالمكان فحسب، فقد وسّع الكاتب دائرة السجن لتشمل مناطق أخرى، تمتد إلى البيوت، وربما إلى الساحات أيضاً، ولعلنا نشير هنا إلى قصة "أقفاص" التي تقول:
"بعد أن يغلق زوجها عليها أبواب المنزل ونوافذه، وتبقى وحيدة..تلتفت إلى العصفور الذي في القفص، وتفتح له الباب..يظل يطير ويطير في الغرفة..وهي تتملكها الحيرة، هل أعطته حريته، أم سجنته معها ؟!!"
إنّ هذه القصة لا تشير فقط إلى أن الزوجة حبيسةٌ، مثل ذلك الطائر، في قفصها الأكبر قليلاً، بل إلى تراتبية السجن في حدّ ذاته، أي أنّ السجن في مفهوم الشاعر بناء تراتبي، قد يكون فيه السجان سجيناً، فالمرأة التي تمتلك أن تفتح القفص للعصفور لا تملك أن تفعل ذلك لنفسها، ولعلّ الرجل الذي يستطيع إقفال القفصين (على العصفور والمرأة) يعيش داخل قفص آخر كبير لا يملك جرأة التحرر منه.
وتبدو أسماك الزينة في أحواضها تجلّياً آخر من تجليات البحث عن الحرية؛ إذ إنّ هذه الأسماك تتوق توقَ السجين إلى حريتها، فتأمل في قصة "تسونامي" أن تمتد العاصفة إلى أحواضها، لتدخل خضم عالمها الفسيح مرة أخرى:
"أسماك الزينة في الحوض الذي على الشرفة، تراقب مدّ المحيط وكلّها أمل أن يتقدّم هذه المرة أكثر ".
هذه الأسماك تبدو في قصة أخرى حبيسة أحواضها التي تمنعها حتى من الحصول على الطعام إلا بإذن صاحب الأمر والنهي في ذلك، وقد يكون ذلك الآمر مشغولاً بنفاقه الاجتماعي الذي يدفعه، كما في قصة أولويات" لكي يعمل جاهداً (أمام أصدقائه) على إنقاذ حوت من الانتحار على الشاطئ، بينما تتم جريمة قتل شبه مدبّرة في ظلام بيته، حيث لا يراها أحد:
"الحوت الذي يحاول الانتحار على الشاطئ، يزعج الملايين من البشر ويحزنهم، أحد هؤلاء ظل طوال أسبوع يحاول مع أصدقائه إنقاذه، ولم يتذكر أسماك الزينة التي في الحوض، إلا عندما عاد للمنزل ووجدها ميتة جوعا !"
وثمة سجن آخر لا يقلّ أهمية عن السجون السابقة، وهو سجنُ العاهة التي تمنع الاتصال بالآخر أو الانتماء له، إنه سجن مزدوج يشبه ذلك الذي وضع فيه أبو العلاء المعري نفسه، فكان عدد من الشخصيات يشبه بحقٍّ (رهين المحبسين): محبس العاهة، ومحبس مهند العزب الذي وضع تلك الشخصيات فيه، وها نحن هنا نشير إلى مجموعة من القصص التي تجسّد العمى بوصفه بحثاً دائباً عن الحرية، أو خوفاً دائماً من الالتحام بها. وفي قصة "بورتريه" تجسيد لذلك السجن الذي تخرجه كلمات مهند العزب إلى حيّز الوجود:
"يبوح الطفل الضرير لأمه: عندما أكون مع أصدقائي، لا أشعر أني بحاجة لأن أراهم، ولكن لأن أرى نفسي كيف أبدو وأنا أضحك "
أمّا قصة "رؤى العتمة" فإنّ الحرية التي تنشدها الأم لابنها لا تتحقق من خلالها، ولا من خلال عالم لا يحترم الضعيف، بل من خلال الأحلام التي تجعل الأعمى والبصير متساويين في القدرة على رؤية الأحلام؛ وإذ ذلك تشعر الأم بسعادة تفتقدها خلال النهار:
"تبتسم الأم عندما تشاهد طفلها الكفيف، نائما بين أخوته، فكلهم الآن مغمضي الأعين، يرون الأحلام ."
أما قصة "ضياع" فهي تجسّد تشويه معنى الحرية في خيال الطفل الكفيف، فهو يرى كل ما حوله أسود مخيفاً، سجناً كبيراً يحيط به وبالآخرين، ويصبح الظلام وفقاً لرؤيته محيطاً بالجميع، إذ يحمي الطفل العصفور بقفصه، لأنّه يخاف عليه من سجن كبير يعشش في مخيلة الظلام:
"كلّما قالت الأم لطفلها الكفيف: "أطلق عصفورك من قفصه"، يجيبها: "لا.. سيتوه في العتمة !"".
ويعرض القاص في قصة "تعويض" لسجن آخر، يبدو من خلال عاهة أخرى إذ إن "الشاب المقعد يطلق الرصاص على الشجرة، لا ليصيد الأرانب، ولكن ليجعلها تتراكض مسرعة أمامه ". أمّا في "الاتجاه المعاكس" فإنّ حلم الحرية يتم إجهاضه في اللحظة التي ينبغي أن يولد فيها، إذ إن الأصدقاء المحيطين بالمُقعد، يجاملونه ويدفعون عجلات كرسيه المتحرك، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء سؤاله عن الاتجاه:
"كل أصدقاء المقعد يدفعون كرسيه المتحرك مجاملةً له، لكن ما لا يعرفونه أنه يود أن يسير بالاتجاه الآخر !"
أمّا الأعرج فإنّ له حكاية أخرى في قصة "كوميديا سوداء، هي بالضبط (كوميديا سوداء) لرجل يسعى إلى حرية يراها في موته، ويرجو في قرارة نفسه، لو أنه كان لم يكن أعرج، ليصل بشكل أسرع إلى مبتغاه:
"توقف جانبي العجوز الأعرج، وسألني: أترى لو لم أكن أعرج، أكنت وصلت أسرع؟!..ثم واصل طريقه إلى المقبرة !"
وتبدو رقعة الشطرنج على ضيقها عالماً فسيح الدلالة في قصص مهند العزب، فهي بالمعنى الحرفي والرمزي مساحة ضيقة يتصارع فوقها الجميع دون أن يدركوا بأنهم مجرد أدوات في أيدي اللاعبين، وهناك عدة استثمارات ناجحة لهذه الرقعة في قصة "ذهول " وفي قصة "تعاطف " وفي قصة "نجاة" حيث يكون الجندي مهزوماً في مسرحية يدرك أبعادها:
"كم يكون الجندي سعيداً، عندما يبقى على قيد الحياة، رغم خسارته المعركة، يقول ملتفتاً لزميله: ما أعظم رقعة الشطرنج! "
* * *
في بناء القصة القصيرة عند مهند العزب، ثمة ملاحظات لا تخطئها العين، تتعلق بمقدرة القاص على التكثيف الشديد، والالتزام بوحدة الموضوع القصصي، وتقديم حكايات قلّما تفلت من بين يديه، من خلال أحداث تعتمد على جمل ذات طاقة فعلية، وتحمل في طياتها مفارقات مدهشة، تعمّق إحساس القارئ برؤية النص.
إلى ذلك كله ثمة تلاعب لغوي، يفيد من إمكانات الصورة الشعرية في صياغة التراكيب المختلفة، وفي ترابطها أيضاً، إذ ينتهج القاص في بعض الأحيان طريقة يمكن أن نسميها بالحبكة الصُّوَرية؛ إذ يحيل على تراسل لطيف للحواس يمكن أن نشير إلى أحد نماذجه في قصة "تراسل":
"الألوان تهمس.. وإلا، لماذا ابتسم الكفيف في نومه، عندما اقتربت من أذنه فراشة، وباحت له بسرّ الألوان ؟!
ويلجأ القاص إلى هذا التراسل في عدد من القصص من مثل قصة "حيوات " وقصة "فاليوم " وقصة"متحف الطبيعة" التي أراها من أجمل قصص المجموعة كلّها:
"في اللوفر..سرقت لوحة الفراشات، وجنّ جنون الجميع.. أخذوا يبحثون في كل مكان، ويستجوبون كل المشتبهين بهم.. لم يلتفت أحد أنها كانت تطير في حديقة المتحف ."
كما يستند القاص إلى توظيف العنوان بشكل مناسب، فالعنوان يشكّل في القصة القصيرة جداً نصّاً موازياً للقصة ذاتها، ولعلنا نشير إلى قصة أعطاها القاص عنواناً هو "غياب"، ليدلل على كثافة حضور الغائب/ الأم في وجدان السارد، مما يجعل هذا العنوان القائم على التضاد رديفاً دلالياً لمحتوى نص ينجح في توظيف حركة الجسد، وتحكمه الرؤية البصرية المبدعة:
"دائما، كانت تطلب منه أمه أن يسقي النباتات، عندما تغيب عن البيت.. وعادة ما كان ينسى أن يفعل ذلك.. عندما ماتت أمه، هرع إلى النباتات يسقيها بجنون، ولكنها أخذت تنحني بذبول يشبه وقفته أمام قبرها ."
ويمكن للقارئ أن يقيم علاقات مختلفة بين عدد من النصوص وعناوينها، ونشير على سبيل الخصوص إلى قصة "سؤال معلق " التي يتحمل عنوانها عبء المفارقة مع الحدث، وقصة "سيّـان " التي تصوّر حال المشرّد الجائع الذي يضرب عن الطعام، وغيرهما.
كما يعتمد القاص، في بعض الأحيان، في إنتاج مفارقته النهائية على بنية لغوية دائرية، على نحو ما نجد في قصة "سوريالية" حيث تظهر كلمة اليدين في السياق الابتدائي؛ وتعود للظهور مفردة في السياق النهائي لترسخ دلالة القصة وتحيل على عنوانها الذي اختاره القاص بدقة متناهية:
"وقف مقطوع اليدين- ولم يعرف أيضحك أم يبكي- أمام متسول يمد يده طالبا حسنة ".
ويمكن للقاص أن ينوّع طرق تقديم مفارقاته، كأن يستخدم قلب الوظائف المألوفة للكائنات والأشياء، ومن ذاك ما نجده في قصة "وجهة نظر" إذ يضع القاص الذئبة موضع الجدة الساردة في المخيال الشعبي، ليقلب وظيفتها الأساسية معبّراً عن وجهة نظر أخرى لعالم لم نحاول فهمه:
"تسرد الذئبة أيضا لصغارها قصة ليلى والذئب، وفي آخرها تقول: لذا يجب ألا نقترب من البشر، فكلهم يريدون فراءنا ."
وفي قصة "طمأنينة" حكاية ذات دلالة عميقة، تلعب بقلب الوظائف لعبة عكسية، إذ تعيد شخصية الجد إلى وظيفتها الأولى، بعد أن سلبه العمى هذه الوظيفة، فتؤكد الطفلة أن جدها الكفيف هو الذي يعبر بها نحو الأمان:
"في زحمة المارة، تأخذ الطفلة بيد جدها الكفيف، وتتقدمه بخطوة..لكنها، أبداً تعرف أنه هو الذي يقودها بأمان ".
وينهض تحقيق دلالة القصة، في بعض الأحيان لدى العزب، على الازدواج اللغوي، حيث يؤدي غموض الرسالة، أو تعدد دلالاتها إلى إنتاج صيغتين معنويتين تعتمدان كناية، يعمى المتلقي عن إدراك كنهها، على نحو ما نجد في قصة "تصورات":
"عندما سألته الفتاة على الإنترنت عمّن هو، أجاب: أنا شاب نادراً ما لمست قدماي الأرض.. فقالت له: لا بد أنك بحار، فدفع كرسيّه المتحرك بعيداً، فيما استمرت هي بشرح شغفها بالبحر والبحارة ."
* * *
وعلى الرغم من كل ما سبق فإن هذه المجموعة المتميزة تثير بعض الملاحظات، إذ مهما بلغت درجة نجاح الكناية، فإنها تبدو في سياقاتٍ قصصيةٍ قليلةٍ غيرَ مسوّغة، ففي قصة "فلسفة" التي أجدها قاسية جداً، ينهض القص على كناية دلالتها البعيدة تحيل على تهدّم في نفس الكفيفة، لا يمكن أن تحتمله براءتها. ويمكن للقارئ أن يقبل، أو ألا يقبل، أمنية الكفيفة أن (تخطف أبصار) الجميع:
"بين رفيقاتها، كانت الكفيفة أكثرهن تألقا وجمالا وزينة، عندما سُئلت عن السر، قالت: (أريد أن أخطف الأبصار)! "
ويمكن أن نقول الكلام ذاته عن قصة أخرى عنوانها "مشاركة" إذ تعمد الطفلة إلى اقتلاع عيني دميتها في تصرّف يخدش البراءة المفترضة:
"تقتلع الطفلة الكفيفة عيني دميتها، ثم تقف معها أمام الشرفة، حيث يلامس رذاذ البحر وجنتيهما كأنه الدمع ".
وإذا كنا قد أشرنا إلا أنّ الحكائية قليلاً ما تفلت من يد هذا القاص المبدع، فإن من هذا القليل ما يفسح المجال لشعرية تنتصر على الحكائية، فتخلي الحكاية مكانها للمفارقة التي لا تستطيع أن تنهض وحدها بعبء القص، ويصبح القارئ أمام قصيدة نثر جميلة تحلّق أجنحتها خارج إطار السرد، ويمكن ها هنا أن نشير إلى النصوص التالية:
• مقبرة الروح: "مؤخرا شهد مجزرة..مات الكثيرون بداخله !".
• غربة: "في حفل الزفاف، ووسط ضجة البشر، لا يسمع إلا طنين وحدته ."
• أحلام بسيطة: "الطفل صاحب اليد المقطوعة، يتمنى سرا-أمام كعكة عيد ميلاده- لو يستطيع أن يربط حذاءه ولو لمرة ".
وعلى الرغم من أنّ النص الأخير يذكّر على نحو قوي بنص آخر لأرنست همنغواي هو (للبيع حذاء طفل لم يلبس قطّ)، فإن ذلك لا يخرجه (ولا يخرج نص همنغواي) من حيّز الشعرية غير الحكائية، حتى وإن كان عدد من النقاد العرب قد أبدى إعجابه الشديد بنص همنغواي، دون أن ينتبه (ربما تحت سطوة الاسم واستلابه) أن وجود الحكائية هو شرط لازم لكلّ سرد، وأن غيابها يخرج النص من هويته السردية إلى هوية أخرى.
وهناك محذور آخر لا يلتفت إليه النقاد كثيراً، هو قضية المعجم اللغوي لكلّ كاتب؛ إذ لا يستحسن لأي كاتب أن يجعل من معجمه اللغوي وسيلة لتوقع القارئ، لأنه إذ ذاك يخدش لديه أفق انتظاره، ومن هنا فإنّ تكرار المفردات والصيغ عند الكتّاب يجعل غير المتوقع متوقّعاً، ويجعل المدهش عادياً. وهذا أمر لا تعاني منه هذه المجموعة فقط، بل يمتد إلى كبار الكتاب الذين يفخرون بـ (معجمهم اللغوي) والتركيبي. ونشير ها هنا إلى إفادة القاص المتكررة من الصيغة الشرطية (كلما....)، في السياقات التالية:
• "كلّما قالت الأم لطفلها الكفيف: "أطلق عصفورك من قفصه"، يجيبها: "لا.. سيتوه في العتمة !"
• "كلما نظر المحترق إلى جسده، يحاول أن يضحك، لأن الحرق طمس الوشم الذي طالما حاول إزالته !"
• "سادن النار الذي احترق في صباه، يشعل النار أكثر، وكلما انتقم منها وأطفأها، يقول: "انتقامي، أن تتوق هي من شدة الاشتعال للانطفاء وحدها "!
• "كلما نظر إلى فرو الثعلب المعلّق في غرفته في ليلة شتوية، يبعد فكرة أنه قد قتله .... إلخ ".
• "يهدأ الموج الذي في اللوحة، ويكفّ عن ضرب الصخرة التي على الشاطئ، كلما أخبرته أنه لم يُغرق السفن التي أبحرت منذ زمن بعيد من موانئ بعيدة، ولم ترجع.... إلخ ."
• "....وكلما عرض لوحاته على ناقد فني، لا يعرف الأخير إن كان ذلك الرسام... إلخ !"
• "كلما فكّر أن يعضّ أصابعه ندما على اجتياز شبك حقل الألغام، تذكر أن أطرافه كلها قد بُترت ".
• "...وكلما ذوت أكثر، يبكي معها توقهما للحياة ".
• "يبوح الذئب: في الغابة، كلما لحقتُ غزالة وصلت إلى فخّ !"
وبغضّ النظر عن الخطأ اللغوي المتكرر في هذه الصيغة الشرطية عند الكتاب (إذ يشترط اللغويون أن يكون فعلا الشرط والجواب ماضيين) فإنّ القضية تتعلق هنا بالألفة التي تقتل الدهشة في نفوس المتلقين، وهذا ما لا يُنتظر من مجموعة قصصية اجتهد صاحبها في أن يقدّم لغة مختلفة ولقطات ذكيّة معبّرة عن جراح نازفة في أعماق النفس البشرية.
* * *
نستطيع، أخيراً، أن نقول باختصار: إننا، في حضرة (صولو) أمام مجموعة قصصية قصيرة جداً لها حظ وافر من النجاح الذي يستند إلى لغة شعرية مدهشة، تلبس ثوباً حكائياً، يقدّم مقولته، في الأغلب الأعم، دون تعثّر.
1/8/2013م