قصص فلسطينية قصيرة جداً

د. يوسف حطيني
91 ـ رؤيا
حاصرها الجنود من كلّ صوب، ثم قيدوا يديها بالسلاسل.
حين سقط مضرجاً بدمه، بينما كان يدافع عن طهرها، رأى طيورا خضراء تحلق في سمائها.
أغمض عينيه باطمئنان، وغط في نوم هانئ.
* * *
92 ـ بِرْكَتَان
قبل أن يذهب يعالون في إجازته أوصى أحد جنوده بتعذيب طفل فلسطيني تم اعتقاله مؤخراً:
- اضربه بقسوة، كسّر عظامه، حتى لا يعود إلى رشق سيارات الجنود بالحجارة.
أخذ يعالون طفله وزوجته إلى المسبح، وكانت الأسرة تعيش أسعد لحظاتها.
حين ألقى الطفل نفسه سعيداً في بركة المسبح، كان ثمة طفل آخر يسبح في بركة دمائه.
* * *
93 ـ رَجُلُ البيت
أمه التي لم تخلع ثوبها الأسود منذ استشهاد زوجها، أخذت منه حقيبته المدرسة، ولفّت له عروسة زيت وزعتر، لينطلق إلى ورشة الخياطة القريبة.
حين عاد في المساء، وضع في يد أمه نقوداً قليلة معروقة، وعلى ضوء شمعة، راح يحضّر دروس الغد الذي سيشرق بعد ليل طويل.
* * *
94 ـ دعم لوجستي
حين قام يهوذا بقتل الطفل الفلسطيني الأول بعث له السيد الأبيض غراباً، يعلمه دفن الأموات، ولكنه تركه في العراء.
وحين صار القتلى بعشرات الآف بعثَ له جرافاتٍ كثيرة تحفر في بطن الأرض حُفَراً ضخمة عميقة تليق بمجازره الرهيبة.
* * *
95 ـ الأُخُوّة
حملوا بنادقهم، اتجهوا صوبَ أرضهم المقدّسة. وعلى الحدود سمعوا صوتاً يصرخ بهم : قف.
لم يشعروا بأي خوف، بل زاد اطمئنانهم حين سمعوا كلمات عربية تبادلها حارس الحدود عبر اللاسلكي مع شخص آخر.
قال لهم: "ما تظنون أني فاعل بكم؟".
قالوا: "أخٌ كريم وابن أخ كريم".
ما زالوا حتى الآن ضيوفاً على السجن المركزي الشقيق.
* * *
96 ـ ورقة حمراء
في مدرسة الخليل الابتدائية رسم طفل على ورقة بيضاء ملعباً أخضر، وراح مسروراً يرسم أصدقاءه، وهم يلعبون كرة القدم، بينما رسم طفل آخر في مستوطنة كريات أربع طائرة حربية تشبه طائرة أبيه.
فجأة غادرت الطائرةُ الورقةَ البيضاء وحوّلت ساحة الملعب رعباً أحمر، وراح الطفل الخليلي يلم أشلاء أصدقائه، بينما تخضبت يداه بدماء حارة.
* * *
97 ـ ديمة ودميتها
- "لقد أصبحتِ كبيرة، ويجب أن تفهمي كل شيء".
هكذا قالت ديمة لدميتها في ذلك المساء، ثم راحت تحدّثها عمّا يفعله الجنود في أرجاء الوطن.
في الصباح خرجت ديمة ودميتها في المظاهرات، فقابلهم الجنود بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز. عند ذلك بكت الدمية التي تشترك لأول مرة في مظاهرات الكبار، غير أن أغنيات ديمة ودعواتها بقيت ترافقها حتى أطلت من بين دموعها ابتسامة تشبه مرجاً أخضر.
* * *
98 ـ مرج الزهور
أبعد الطُّغاة أربعمائة وخمسة عشر فلسطينياً؛ وإذ ذاك قرروا أن يرابطوا على حدود الحلم.. جعلوا مرج الزهور مخيّماً للعودة.. باتوا في العراء، يتحدّون الثلج والمطر، ملؤوا صدورهم بدفء فلسطين، حتى عادوا أخيراً.
ثمة ملايين، وأنا منهم، ما زالوا يرابطون على حدود الحلم، وينتظرون.. وما بدّلوا تبديلاً.
* * *
99 ـ جدار
عِندَ بيتٍ على أطراف المخيم يلتقيان.. يتَّكئان على جدار حزين، يحكي لها عن بيتٍ ذي فسحة سماوية واسعة، وتحكي له عن طفلةٍ ذات ضفائر شقراء. فجأة أشعل مناحيم حرباً ذات لهب أحرقت الزرع والضرع والبشر والحجر.
ولم يبق في زاوية المخيم غيرُ بيتٍ مهدّم، وجدارٍ يحمل تحت أنقاضه حلم عاشقين.
* * *
100 ـ مصير الأمواج
وقفتُ على شاطئ البحر، تأكلني أنياب الغربة، رأيت على بعد مئات الأمتار موجات عالية متلاطمة، لاحظت أنها كانت تضعف كلما اقتربت، وعند أقدام الشاطئ تلفظ أنفاسها.
تذكرت آنئذٍ موجة عاتية هبّت على شاطئ الوطن.
19/ 7 / 2013