التدين قديماً .. التدين حديثاً !

كان جيل أبى رحمه الله، حينما تدركهم الصحوة الدينية، يتلقون تربيتهم الروحية والخُلُقية على أيدى مشايخ رقاق القلوب، متعمقين فى الجانب الروحى، يتعهدونهم بالرعاية ويرشدونهم إلى الحكمة الصافية فى مغالبة أهواء النفس، وتخليصها من الشوائب، وتنقية القلوب. لذلك كان الناس وقتها يعرفون أن (فلاناً) قد تدين حين يصبح لطيفا مع أقرانه، مُتحكما فى غضبه، واصلاً لرحمه، عطوفاً على الضعفاء والمساكين. كان التدين معناه أن يرقّ قلبه، ويلين خلقه، وتتواضع نفسه، ويشعّ النور من وجهه، وتجود يداه. ولم يكن واردا أبدا أن يكون علامة تدينه أن تضيق نفسه، ويسوء خلقه، ويتعالى على باقى خلق الله. لا أقول هذا الكلام جزافاً، بل أقوله عن علم، وعن مشاهدات كثيرة، هكذا كانت تجليات التدين حتى منتصف السبعينيات.

هذا أوان الصدق: سل نفسك يا عزيزى القارئ، إذا كنت تعتبر نفسك متديناً، ما الذى استفاده المجتمع من تدينك! مبدئيا، لو أنفقت الليل مُصلّيا، والنهار صائماً، فهذا شىء بينك وبين ربك، لم يفدنى بشىء. الذى يهمنى أن تكفّ أذاك عنى، ولا تتعالى علىّ، وأن تعاملنى برفق، وتكون لطيفا معى، مبتسما فى وجهى، وإذا أخطأت تتجاوز عن عثرتى، وتساعدنى إذا احتجت المساعدة. غير ذلك دعنى أصارحك أننى لم أستفد شيئاً من تدينك العجيب.

د. أيمـن الجـنـدي