خطاب الرئاسة الأول لجمال مبارك
أوسلو في الأول من فبراير 2010
حاولتُ بصعوبةٍ بالغةٍ أنْ أتخيّلَ بعْضَ تفاصيل الخِطابِ الأوّلِ للرئيس جمال مبارك بعدما اعتلىَ عَرْشَ مِصر مُفترضاً أنه سَيُلقي علىَ مَسَامِع المصريين ما يفكر فيه حقيقة وليس ما يُظهره كلُّ الطواغيت مِنْ صورةٍ مشرقةٍ توحي للمستمعِ بأنَّ كاتِبَ نَصِّ الخِطابِ استقاه مِنْ الشِرّعة العالميةِ لحُقوق الإنسان!
كانت قاعة المؤتمراتِ مُكتظة مِنْ بوابتِها الخارجية إلىَ دورةِ المياه، ويجلس في الصفوفِ الأولىَ رجالُ الرئيس الجَديدِ، وكلٌّ منهم يحمل بيده آلة حاسبة صغيرة لعله يَحْسِب أرباحَه في السنواتِ العَشر القادمةِ التي تنتهي، لا قدّر اللهُ، بمزادٍ عَلنيٍّ لبيع النيل والأهرامات وأبي الهول والمتحفِ المصري ومكتبةِ الإسكندرية ووادي المُلوك وماسبيرو و.. قناة السويس.
سيدة مِصْرَ الأولىَ خديجة الجَمّال تهمس في أذن رئيس البروتوكول آمرةً إياه أنْ يطلب مِنْ السيدة سوزان مبارك الجلوسَ في الصَفِّ الرابع، فمصرُ لا تحتمل سيدتين، كالأردُنّ تماماً عندما تراجعت الملكة نور لصالح الملكة رانيا العبد الله!
يدخل الرئيسُ الجديدُ، وتضجّ القاعة بالتصفيق لعشر دقائق كاملة، ويوزع سَيّدُنا ابتسامة صفراءَ تحمِل في طياتها وَعيداً بفتح بابِ الجحيم علىَ مِصراعيه فيجعل المصريين يترحمون على عهد والده حيث لم تكن هناك أكثر من الاغتصاب، والحرق، والتعليق من القدمين، وسرقة أعضاء الجسد.
رغم الرعشات في الحِبال الصوتية التي تخفيها ثقة اكتسبها الشابُ طوال عمله كمساعد ديكتاتور من الدرجة الأولى، ونائب طاغية، فقد كان نَصُّ الخطابِ، الذي تخيّلته، علىَ النحو التالي:
أيها المواطنون المصريون،
وأخيرا أقف أمامكم، وفوق رؤوسكم، بفضل صَمْتِكم الذي فاق صمت صخرة صمّاء تنزل عليها قطرة ماءٍ لعقودٍ طويلةٍ فلا تتحرك من موضعها حتى تخْضَرّ، وتعشعش فوقها طحالبٌ فلا يدري المرءُ أهو عَفنٌ أم كائنات حيّة تبعث الروحَ في الجماد!
كنت أبث لوالدي بين ألفينةِ والأخرى مخاوفي، فيضحك حتىَ الثمالة، وتزداد آلامُ غضروفه، ويقول لي: ستقف في شرّفة القصر الجمهوري أمام كبار الكبار ممن يتوقف القلبُ فزعاً لو تناهىَ إلىَ السمع اسمُ واحدٍ منهم، ويمكنك أنْ تفتح سروالك، وتطرطر عليهم جميعا، وأقسم لك بأنهم سيصفقون حتى تدمى أيديهم!
كان والدي يؤكد لي أنكم أقل شأنا من المماليك، وأنني لست في حاجة إلى أن أتوعد رؤوساً أينعت بأوان قطافها، وأنَّ مصرَ كلها، من قضاتها ومحاميها وإعلامييها وضباطها ومخابراتها وقدامى محاربيها ومثقفيها وشعرائها ستأتيني راكعة ساجدة حتى لو ثارت كل شعوبِ الأرض، وبلغت القلوبُ الحناجرَ، ولم يَعُدْ هناك عبيدٌ علىَ وجه البسيطة!
أيها المواطنون،
كم ودِدْتُ أنْ أشعر بقيمتي في قمع معارضةٍ كبيرةٍ، أوّ اطلاق النار علىَ عدةِ آلافٍ من المتظاهرين الباحثين عن كرامتهم، أو حتىَ أشعر بأصغر خطر من ثمانين مليوناً من نسْل الفراعنةِ وهاضمي حضاراتٍ سادَتْ ثم بادَتْ، لكنني حزينٌ حُزنا جَمّاً، فالسوط لا قيمة له إنْ لمْ يصرخ مَنْ يُلهبهُ ظهْرُه، أما الذين لا يجدون قوتَ يومِهم، ولا عمل لديهم، ويبللون فراشَهم من الحزن والضعفِ وقلةِ الحيلةِ، وتأكل أجسادَهُم أكبادٌ تتآكل بفعل المرض والفيروسات، ثم يخرجون عن بكرة أبيهم يحتفلون بانتصارات في الملاعب الخضراء وهزائم في المستشفيات البيضاء لأجسادٍ صفراء طوال عهودٍ سوداء، فلا أظن أنني ساشفق عليهم طوالَ فترة حُكمي إيّاكم.
الديكتاتور يشعر بغبطة عندما ينتزع الحُكمَ مِنْ أنيابِ شعوبٍ شرسةٍ وهي تدافع عن بلدِها، وأرضِها، وأهلِها، أما عندما يُسَلمه شعبٌ رقابَه، وحُرْمَة نسائِه، ومستقبلَ أولادِه، وخيرات وطنِه تبرُّعاً، وطاعة، وثمناً لفتاتِ خبزٍ حاف يُلقيه في أفواهِهم لصوصُ الطاغيةِ، فقد أحْكَمَ الشعبُ لنفسِه العقدةَ التي لا حل لها، وأعطى إشارة لكلابِ القصر أنْ تنهش في لحوم الذين صَمَتوا علىَ جحيمٍ مضى، وسيصمتون على كوارث قادمة لا تبقي ولا تذر.
صباح اليوم، أيها الاخوة المواطنون، اجتمعتُ مع أصدقائي الحيتان، وقمتُ بتوزيع المكافآتِ عليهم، لكنني للحقيقةِ اعتذرت عن بعض الطلبات غير الموفقة زمنياً، فقد طلب صديقي الوفيّ أنْ أكتب سيناءَ باسمِه، واستجداني آخرٌ أنْ أخَصّخِصّ البترولَ، وأمنحه باطنَ الأرض له ولاولادِه، وطالب ثالثٌ باحتكار بطون المصريين في الأرض الزراعيةِ كُلِّها، لكنني عاتبت أحدَهم عندما طلب عقدَ تمليكٍ لنهر النيلِ، وذكرّته بالمليارات التي سمحتُ أنا له بنهبها عندما كنتُ نائبَ ديكتاتور، فأطرق خجلا، ثم وافق علىَ أنْ أمنحه فرعيّ رشيد ودمياط و .. احتكار السماد.
كنتُ أراقبكم ورقيا وإلكترونياً، وأقرأ لكبار مُحَلليكم، وأعمدةِ الثقافةِ والاستراتيجيةِ ، وصحافةِ المعارضة، والفيس بوك، والمواقع والمنتديات، وأضرب كفاً بكفٍ، وأكادُ أسقط علىَ الأرض من الضحك الهستيري، فأنتم لأكثر من ربع قرن ظللتم في سنة أولى سياسة، وترتكبون أخطاءً في الرؤىَ السياسيةِ كأنكم لا تعرفون الفارقَ بين الألف والعصا، فكنتم تُرَشّحون عمرو موسى وهو ابنُ الخارجية المصرية، وتجمعون آلافَ التوقيعات للدكتور البرادعي الذي لم يطلب منكم دَعْمَه أو توريطه في معارضتِنا، أو تطلبون من الدكتور أحمد زويل أنْ يترك أمْريكَتَه، وعمله كمستشارعلمي لسيّد البيتِ الأبيض ليعود إلى مصر، ويقبل ترشيحَكم، ويُسْحِله ضباطُ الأمن علىَ سلالم دار القضاءِ كما فعلوا مع الدكتور أيمن نور.
كنتُ مندهشاً وكل منكم يؤكد للآخر بأنني وجهٌ غيرُ مقبول، وأنَّ الشعبَ لن يوافق، وأنْ المؤسسة العسكرية لها كلمتها العليا، فإذا بكم جميعا أمامي تتبرعون بكل صنوف العبودية والمهانة والاستكانة، أما جيشُكم البطل فلا يتنفس أيٌّ من جنرالاته قبل أنْ آذن له، ولا يرفع أحدٌ منهم عينيه أمام حذائي، فثقافة العبيد صنعها والدي لأبناءِ مصر طوال عهده، فلما تسلمت مقاليدَ الحُكْم هالني أنْ أرى تلك المازوخية السائدة التي تستعذب المهانة، وتغبطها المسكنة، وتتلذذ بالحط من شأنها.
كان والدي يقول لي بأنه طالما ظل المصريون أعداءَ المصريين فأنا في أمان، والعرشُ تحت مؤخرتي، والتاجُ فوق رأسي ولو لم يفصح عن نفسه، فأنا وكلابي وزبانية القصر ولصوص حُكمي في حماية كراهيتكم التي شملتْ، ووَسِعَتْ كل شيء إلا طغاتكم الذين أذلوكم، ونهبوكم.
أنا في أمان طالما ظل المصريًّ فأراً يرتعد من قِططٍ وهميةٍ، ويُبْلغ الإعلاميُّ أجهزة الأمن عن زملائه، ويتلقى أيُّ مُعارض شتائم البلطجية، وسباب المنحطين أخلاقيا لمجرد أن يبدي وجهة نظره، أو يعارضني، أو يفضح جرائمَ والدي!
لو خرج ثلاثة آلافِ مصريّ شريفٍ يعترضون علىَ نهبِ وطنِهم، فسيتصدى لهم، صَمْتاً وتَهَكُّمَاً، ثلاثة ملايين. ولو كشف تحقيقٌ لصحفيٍّ تجري في عروقِه دماءُ حُب الوطن خرابا وكوارث ومصائب فسترفض كل الصحف القومية نشرَه، وسيتبرع زميلٌ له يكونا قد أكلا عيش وملح سويا بالاتصال بجهات أمنيةٍ لتأديب الزميل، وكَسْبِ نقطةٍ لصالح الواشي تنقذه لاحقاً من فضيحةٍ أخلاقية.
أنا في أمان طالما ظللتُمّْ طائفيين، ومذهبيين، ومتعصبين، ومتشددين، ومتوهمين بغباء أنَّ اللهَ تعالىَ ينحاز إلىَ فرقةٍ مصريةٍ ضُدَّ أخرى، أو يحجز جنات من الدرجة الأولى لمصريين يوهمهم رجالُ الدين أنَّ التسامحَ ضعفٌ، والمحبة اعتراف بحقوق الآخر، والمساواة كُفر، والتهنئة اعتراف بالمخالفين.
أنا في أمان مادام المصريُّ يصنع معاركَه بنفسه، ويتهكم على أخيه، وينتقد الرأيَّ الذي لا يُرضي أجهزة الأمن، فالمشهد المصري برمته، رغم الحجاب والنقاب والمصاحف والأناجيل وأبواب المساجد والكنائس المفتوحة دائما، والفضائيات المهووسة بتهميش الآخر، دينيا وفنيا وثقافيا وفكريا وإنسانيا وعلميا، هو مشهدٌ عبثي، أحمق، كارهٌ لنفسه ولانسانيته، مبغض لمصر وأهلها.
أنا في أمان ما دامت أقصى أمانيكم هي انتصارات كروية تحقق الذات، وتمنح مشاعرَ زائفة من حُب الوطن، وتسمح لكم بالرقص في الشوارع، ورفع الأعلام، والتظاهر طوال الليل دون أن يتحرك ضابط أو مخبر أو بلطجي يعمل مع الأمن ليهشم وجهَ أحدِكم، أو يسحبه من رقبته إلى تخشيبة أقرب قسم للشرطة.
أنا في أمان ما دامت الأنانية تسيطرعلى سلوكياتِكم، ومشاعركم، فتجعلكم تحجمون عن التظاهر ولو مرة واحدة من أجل الافراج عن عشرات الآلاف من اخوانكم الذين حرمناهم، والدي وأنا، من أهلهم، وأحبابهم، وأولادهم، وكرامتهم، وحريتهم، أو تجعلكم تخرجون للدفاع عن أرض نهبناها منكم، وبترول صدّرناه لأعدائكم، وغاز دعمنا به آلة الحرب الإسرائيلية لتطحنكم والفلسطينيين ومن يعترض على هيمنة الدولة العبرية على أرض عربية.
أنا في أمان طالما أوهمناكم أننا حماة المسلمين والأقباط، لكننا، وأنتم تعلمون ذلك، صانعو الفتنة الطائفية، ومفرّقو الوَحّدة بين أبناء الشعب، وقد جعلنا المشهد المصري كأنه رواندا قبل مذابح التوتسي والهوتو، وصنعنا تعليما فاشلا يقضي فيه التلميذ والطالبُ ست عشرة سنة من عمره ليخرج للحياة نصف أميّ، وجاهلا بقواعد القراءة والكتابة، وعدوّا للكتاب، وخصما للثقافة، ومحصورة اهتماماتُه بين الملعب، والتلفزيون، والمقهى!
أنتم أعداءُ أنفسِكم قبل أنْ أكون عدواً لكم، ومَنْ يتابع حديثَ مصريّ مع آخر في الشارع، والمدرسةِ، والانترنيت، وعلى المقهىَ، وفي الفضائيات، وفي النقاش العلني ، وبين أتباع التعاليم السماوية سيعثر بسهولة ويُسْرٍ علىَ جبال من الكراهية ترهق صدور المصريين، ولو اغتصب مخبر جلف مواطناً مصرياً في قلب شارع مكتظ فلن يتحرك منكم أحد، ولا يندفع صاحب ضمير لينقذ ابن بلده من براثن أعدائكم.
أيها المواطنون المصريون،
لماذا تحولتم إلى عصبيين، وهستيريين، وقساة، وكأنَّ كلَّ واحدٍ منكم يحمل ثأراً ضد ابن بلده، ويريد أنْ يدفنه قبل قتله، أو يُعَلقه من قدميه بعد ذبحِه؟
حتى التعاليم السماوية التي أنزلها الله رحمة بكم ولكم، تحوّلت إلى أدوات للكراهية، وتبريرات للبغضاء، ودفاعات عن التفرقة والاستعلاء، والغريب أنه كلما ازداد تديّن المجتمع انحَسر الإيمانُ، وخفتَ حب الله في القلوب، وبحثتم في كتب عتيقة عن مصادر لشحن أفئدتكم من جديد بالعداوة، ورفض الآخر، وقبول الغث من الكلام.
كنت أقترب من الحُكم وأنتم منشغلون بكرة القدم، أو الصراع بين أبناءِ الوطن الواحد من مسلمين وأقباط، أو صناعة دين جديد للذكور فقط تحاربون فيه الدنيا كلها للدفاع عن حق المسلمات في التنكر واخفاء الوجه في فرنسا، لكنكم تخفون وجوهكم في الرمال بعدما كادتْ مِصرُكُمْ تُفلس، وأجسادُكم تذبل، وأكبادُكم تهلك، ورئاتكم تتسمم، ودماؤكم تضحىَ مَرتعاً للفيروسات والميكروبات!
لا تتهموني بكراهية مصر فأنتم أشدّ مني كراهية للوطن، فكل صور الفساد تنضوي تحت هذا البند .. رشوة، ومحسوبية، ومخدرات، وغش، وإحتيال، وعدم إتقان العمل، وبث الفُرّقة بين المصريين، وتقريب أصحاب الدين الواحد وليس المواطنة القائمة على الصدق، والأمانة، والنزاهة، والشرف.
فرّقتكم مشاعرُ الغيرةِ والحسد، فما إنْ ينجح واحدٌ منكم حتى تثيروا البغضاءَ حوله، وتتربصون بالشائعات عنه لتوَسّعوا نطاقها بدلا من أنْ توسِعوا مطلقيها تأنيبا وتقريعا، فهذا الفنان شاذ جنسيا، وذاك الكاتب يتلقى دعما ماليا من الخليج، والزميل الغائب يعمل مع الأمن، والمريض متمارض حتى يأتيكم الحانوتي بخبر رحيله، والفقير متفاقر إلى أن يسقط أمامكم، والغائب في زنزانات تحت الأرض منسيٌّ حتى يفرج السجّانون عنه!
حتى علاقاتكم في الغربة أصبحت نماذجَ يخجل منها الشرفاءُ، فهي خليط من الضغينةِ والحسد والضرب في الظهر والغيبة والنميمة، فكل الجاليات الأجنبية في الخليج وليبيا وأوروبا وأمريكا تتكاتف، وتتعاون، وتخرج في مظاهرات من أجل بلدها، لكنكم تتقوقعون، وأكبر همومكم لا تخرج عن تحويشة، وتحويل أموال لبناء بيت في مصر، أما الدفاع عن الوطن، والتظاهر أمام السفارة المصرية، ورفض منع الرئيس إياهم حق الاقتراع، وإنشاء تجمعات مصرية خالية من الصراعات السطحية العبثية فكلها خارجة تماما عن اهتمامات المصري في غربته.
إنني، أيها المواطنون المصريون، أستعد لادخالكم عصر ما بعد الفاقة، وعهد ما بعد الفقر، وجحيم ما بعد الكوارث والفواجع، ووباء ما بعد الأمراض والسموم، ومذابح ما بعد الفتنة الطائفية، ولن يهتز يقيني لحظة واحدة بأنكم أعداء مصر، وأن جيشكم البطل، وأجهزة الاستخبارات والأمن، وعشرات الآلاف من القضاة وممثلي السماء على الأرض، ورجال الدينين الاسلامي والمسيحي، لن يعاتبونني ولو على استحياء، وأن القضية ليست خوفا مني أكثر مما هي كراهية دفينة يحملها المصري لابن وطنه.
تابعتُ مئات المقالات التي أعقبها نقاشٌ وجدال وردود وتعقيبات على النت، فما وجدت إلا سِهاماً تصوَّب ناحية ابن البلد، وقنابلَ تنفجر في وجهه، وتهكما ينخر كلماته، وسخرية تقلل من شأنه، واتهامات كأنه عائدٌّ لتوّه من زيارة الموساد في تل أبيب!
لو كنتم تحبون مِصْرَكُم وقرأتم مقالا واحدا لابراهيم عيسى أو الدكتور عبد الحليم قنديل أو سكينة فؤاد أو حمدي قنديل أو فهمي هويدي أو الدكتور أسامة رشدي أو الدكتور أحمد صبحي منصور أو الدكتور يحيي القزاز أو محمد شرف أو الدكتور محمد عباس أو مجدي أحمد حسين أو قصيدة لفاروق جويدة أو أحمد فؤاد نجم أو عبد الرحمن يوسف أو عشرات من الذين حملوا لواء فضح جرائم أسرتنا لما بات أحدُكم في بيته قبل أنْ تعَلقوا لنا المشانقَ في ميدان التحرير، لكن عدمَ ثقة المصري بأخيه وابن بلده جعلتم تسخرون من كل من يريد تحريرَكم، وتصدقون أيّ شائعات عن كل من حاربني، أنا ووالدي، من أجلكم.
حدّثوني، رحمكم الله، عن مكان واحد لا تصَدْع فيه الكراهية، ولا تلسع فيه ألسنة حِدْاد حرمات الآخرين، ولا يستعد فيه المصري لتفريغ جيب أخيه أو زيادة عذاباته!
استخراجُ ورقة رسمية، المرورُ على الجمرك، زيارة قسم الشرطة للشهادة، البحث عن ملف في محكمة، شراء وبيع في كل ساعات النهار، دروس خصوصية، أسعار ملازم جامعية، زيارة لمستشفى، تعامل مع موظف حكومي، خلاف مع رئيس في العمل، البحث عن رخصة قيادة مصادرَة في قلم المرور، زيارة لصيدلية، خلاف مع الجيران، شكوى عن غش في مشتروات، و ... آلاف من الاحتكاك اليومي بين المصريين فلا تعثر على سِرِّ تلك الكراهية التي يحملها المصري لأخيه حتى لو كان خارجاً من مسجد أو كنيسة بعدما تطهر أمام الله.
كانت هذه سرَ قوة أبي وستظل معي كمادة سحرية تجعلني زعيمَكم لربع قرن قادم إلا إذا أفلسناكم، أنا وأصدقائي، ولم يعد في مصر ما يثير لعاب أصدقائي اللصوص!
كلمة واحدة مررتم عليها ملايين المرات ولم تثر انتباهكم، وكانت قادرة على اقصاء أبي قبل انتهاء ولايته الثانية.. إنها الحب!
لو أن كل مصري نزع الغِلَّ من صدره، وأحَبَّ ابن بلده المسلم والمسيحي والبهائي واللاديني والمؤمن وغير المؤمن، ومد يده لأخيه المختطف خلف قضبان في سجون عتيقة، ودافع عنه، ورفض التعذيب والاغتصاب وانتهاك الكرامة، ودافع عن حقه وحقوق أبناء بلده في القضاء على البطالة، والعلاج المجاني لغير القادرين عليه، ورفض الغش، واعتبار المخدرات اغتصابا لأولادكم في وضح النهار، وتقدير كل كلمة في أي مقال أو تحقيق عن تجاوزاتنا مهما صغرت، واحتقار المنافقين والأفاقين، واعتبار رئيس الدولة خادماً لديكم وليس العكس، لما وصل بكم الحالُ إلى هذا البؤس.
أيها المواطنون المصريون،
قوتي في حمقى وجبناء وقلوب قاسية وأفئدة مليئة بالكراهية ونفاق تتقزز منه الكائنات الأخرى وستعثرون عليها بسهولة في هؤلاء الغوغاء الذين دافعوا، ويدافعون عني في الصحف القومية، وفي الجيش الذي كان بطلا، وفي أجهزة المخابرات، الهجّانية سابقا، وفي مليون ضابط وشرطي ومخبر وبلطجي يعملون تحت حذائي وخدما للصوص أسرتنا، وفي مجلس الشعب الذي صنع قوانين الكذب ، وصفق للغش، وتولى شرعيا حماية قاتليكم، وفي أربعين ألف قاض، ومئتي ألف محام، وفي الملتقيات الإعلامية التي تستقطب أصحاب القلم من رجال الأمن الإعلاميين، وتسعة ملايين عاطل عن العمل يفضلون مَدَّ أيديهم لذويهم الفقراء عن مَدِّ أيديهم لصفع وجوهٍ خدعتهم، وخذلتهم.
قوتي في كل ذرة كراهية يحملها مسلمٌ لقبطيّ، أو قبطيٌّ لمسلمٍ، فهي شرارة نار ستُشعل مِصْرَكُم بعدما نكون قد قضينا على الأخضر واليابس، وأنهينا مصرَ إلى الأبد.
قوتي فيكم جميعا، وأنتم تُعَرّون لي ظهورَكم قبل أنْ أهوي بسوطي عليها، وإذا لم تصدّقوني فراقبوا جيدا ردودَكم، وتعقيباتكم، وآراءَكم، وشماتتكم، ونوعية خلافاتكم مع أي مواطن شريف يريد أن يحرركم مني: إما تغتالوه صمتا، أو تقتلوه تهكما وسخرية وتكذيبا!
أنا باق .. باق .. باق، ولن أدلكم علىَ طريق الحُبِّ لأن فيه نهايتي، وفيه عودة مصر إليكم، وفيه تطهير قلوبكم من كراهية لبعضكم أطالتْ الروحَ فينا ، وفي كلابِ القصر، وفي الذين نهشوا لحومَكم وأنتم تنظرون.
قوتي الحقيقية في ردودِ أفعالكم على هذا الخطاب، فهو سيسقط من ذاكرة كل منكم قبل أنْ يقوم من مقامه، وربما يصفق له آحادٌ هنا و .. هناك، لكن الثورة، والتمرد، والعصيان المدني، والانتفاضة الشعبية، وغضب الكرامة المصرية أمور مؤجلة إلى حين تكتشفون مكانا لمصر في قلوبكم، فهل أنتم فاعلون؟
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
Taeralshmal@gmail.com