مسبب الشكوى والتذمر


حب الشكوى والتذمر والبكاء ، صفة تميز الأطفال قبل إنتقالهم لمرحلة الشباب والنضج، مناطق عربية كثيرة يسرف أهلها بصورة بالغة بهذه الحالة، وهو ما تعبر عنه حالة عدم الإنتقال لتلك المرحلة من النضج. وهي ليست الحالة الإيجابية للنقد البناء، الذي يستهدف التحليل الموضوعي لحل المشكلات، فالحالة السلبية للشكوى والتذمر يميل أصحابها للشكوى بطريقة خاطئة ومن قضايا لا يفنع معها النقد، تأتي كتفريغ للشحن السلبي العاطفي، وتعبر عن افتقاد القدرة على الإنسجام مع المحيط.

تتحول هذه الصفة بعد الطفولة، إلى ما يعرف في علم النفس بالمسبب السلوكي الراسخ، إذ لا يمكن للإنسان أن يحقق متطلباته إلا بالشكوى والتذمر حتى إن صار شيخا طاعنا في السن كما يشير أحمد عزت راجح في أصول علم النفس.

وتختلف المدارس النفسية حول إمكانية إزالة المسبب، إنما الراجح هو أن الإرادة الملحة تحت ضغط الحاجة، يمكن أن تغير أي عادة إنسانية راسخة، وتزداد صعوبة تغيير العادة مع تقادم السن.

نتحدث عن هذه الحالة بعيدا عن تسمية تلك المناطق الديمغرافية تلافيا لتهم المناطقية أو اللا موضوعية أو الدعوة للكراهية، رغم أن دراسة النماذج تعتبر بداية لحل المشكلات الاجتماعية في بيئة ثقافية عربية لا زالت لا تقوى على مواجهة عيوبها بمبدأ النقد الذاتي البناء.

في نفس الوقت وعبر مناهج التحليل النفسي، فإن الإنسان الذي يتصف بهذه الحالة ، هو في الغالب شخص يعاني من مشكلة الإعتماد على النفس، فهو إن كان يعمل فهو مجبر على ذلك من باب توفير المتطلبات أو حتى التقليد، وليس من واقع حب العمل، وهو في الغالب شخص لا يحب الابتكار بل يقاوم الإبداع، ولا يقرأ ولا يحب التعلم، لأن المهارات الجديدة تجعله في مجابهة مع مشكلاته الشخصية في مواجهة العالم.

إذا أردت الإثبات القطعي البين لهذه الحالة، فاذهب لأي مركز إتصال لعلاقات العملاء، أو لباقي أقسام شكاوى العملاء المختلفة.

ستعاين أيضا حالة العاملين وظروف الكبت النفسي للانفعال والغضب، من مساوئ الناس وانفعالاتهم اللا عقلانية.

أو شاهد حالة الاسراف المغرق في الشكاوى والتذمر من شركات الإتصالات والسيارات وغيرها، في حملات واسعة المدى تقام لها المنتديات والمواقع والإعلانات في تطبيق بدائي لمعطيات المدنية.

رغم أن هذه الشكاوى يمكن حسمها مع العقل الجمعي الصحيح، بخيارات لا واعية كتغيير الشركة أو المقاطعة اللا واعية، ولكن العادة تغلب الفكرة.


لنقارن مع مجتمع أقرب للمدنية كالمجتمع الأرجنتيني، حينما قامت شركات البيض برفع سعر البيض للرغبة بزيادة الأرباح، حيث لم تقم أي حملات على الشبكة الدولية أو في وسائل الإعلام لم نسمع بحملة ذات مسميات رنانة، ولا دعوات لمقاطعة الشركات، ولا آلاف المقالات تشكو وتتذمر وتدعو للمقاطعة ، بل قام كل فرد بمقاطعة فردية لا واعية حيث لن يضره عدم تناول البيض فهناك الأجبان أو الزيتون وغيرها، لقد قام المجتمع بالمقاطعة عبر العقل الجمعي الصحيح في حالته النفسية. فاستسلمت تلك الشركات وعادت لخفض السعر غير أن العقل الجمعي استمر بالعقاب، فكادت أن تنهار شركات البيض، لتقوم بخفض السعر أكثر مما كان عليه ومع ذلك لم يكفي هذا التصرف، فاستمر العقل الجمعي بما يملك من إحترام ذاتي في نفس السلوك اللا واعي، لتنتقل الشركات إلى مرحلة نهائية تتمثل بالإعتذار الرسمي والعلني على صدر الصحف الأرجنتينية.

ذلك السلوك للشكوى والتذمر يعبر عن عقل جمعي غير متوازن، ويعكس المستوى النقدي للمجتمع، والذي يميل إلى التدمير والإرجاف، وهذه الطبيعة النقدية السلبية تمثل أحد أكبر أسباب مقاومة التنمية، في عقل جمعي نعاني من محاولات اختراقه بمقاومة يملكها لكل ما يمكن أن يلغي ما ألفه من عادات وطباع لا توهبه ما يرجوه للحياة النبيلة.


التفاؤل يمثل منهج في الحياة، وليس مجرد شعور عاطفي، إحترام جهود الآخرين بداية لتغيير الواقع، مجرد توجيه النقد لا ينفع المجتمع إلا إذا نقل الوعي إلى مرحلة الإبداع، التعلم والقراءة تعالج الكثير من المشكلات، التعود على إطلاق الأحكام تصرف هدام، الكثير من المواقف لا يمكن حسمها بسرعة البديهة بل بالتفكير العقلاني المتروي، الإنفعال والغضب لا يصلح شيء، وعلينا أن نفكر وأن نتحدث وأن نعلم بروح التكاتف، وأن نصلح أنفسنا ونقومها من أخطائها، وأن نتواضع كي ننهض.



--
ماجد الحمدان
www.majid.ms
العلم . الثروة . القوة