المنحوته التي أثارت زوبعة من احتفت بهم
العدد الخامس والستين - 2010-03-20
عــودة"درج إلى السماء" منحوته صنعها الفنان الاسباني يوجينيو ميرنو، تعرض شخصًا مسلمًا ساجدًا على الأرض ويعلوه قس راكع يعلوه حاخام لتتصدر اكبر معارض الفن المعاصر في العالم.
واسمحوا لنا أولاً أن نعتذر عن عرض صورة هذه المنحوتة لما فيها من إساءة واضحة...
وعلى مبدأ ضربني وبكى وسبقني واشتكى، سارعت اسرائيل إلى الاحتجاج على تلك المنحوته ليس بسبب أن الحاخام يقف على أكتاف الكاهن المسيحي والذي بدوره يركع على ظهر المسلم الساجد لله، فهذا المشهد لا يزعجهم، بل بحجة أنّها تمثل إساءة لليهود والإسرائيليين من خلال السلاح الرشاش الذي يظهر في فوهته الشمعدان الممثل لإحدى رموز اليهودية، وهو نصبٌ صغير بجانب التمثال.
وهذا كله وسط صمت غريب من المسيحيين واحتجاجات خفيفة من المسلمين في العالم!! ونفيٌ من الفنان الاسباني مورينو أن يكون العمل النحتي استفزازياً بل على العكس بحسب رأيه أنه يعكس "التعايش بين الأديان الثلاثة التي تبذل جهدًا مشتركًا للوصول إلى الله".
وكأن كل من أراد أن يصل إلى الشهرة بسرعة، بات يعمد إلى طرق شبيهة فيها كم كبير من الإساءة، لتتبادلها وسائل الإعلام بسرعة، ومن ثم يبرز من يدافع عن ذلك تحت شعارات مختلفة كحرية الفنان وما إلى ذلك... متناسين أن من يتعرض لليهودي في أي مكان من العالم يحاكم مباشرةً بتهمة اللاسامية، بينما من الطبيعي بالنسبة لهؤلاء أن يدوس الحاخام اليهودي على كل من المسلم والمسيحي.
إن المنحوتة المذكورة وبكل بساطة تمثل نظرة الصهيونية إلى باقي الأديان بل إلى كل إنسان غير يهودي، وهنا ندعوكم لقراءة ما كتبته الدكتورة ماري سركو منذ أيام بعنوان: "يسوع في الفكر التلمودي... نظرة تاريخية". ونتساءل في هذا السياق: إلى متى سيبقى هؤلاء ينشرون هذا الفكر الإلغائي دون محاسبة!!!؟؟؟ ولماذا نطالب نحن فقط بقبول الرأي الآخر بينما يعمد هذا الآخر إلى إلغاء كل من له رأي آخر!!؟؟
اسمحوا لنا أن نستعير ما قاله الكاتب سحبان السواح في مقالته التي نشرها في موقع ألف، وهنا نقتبس حرفياً:
"منذ يهودي مالطا لمارلو وشايلوك تاجر البندقية لشكسبير وقبله وبعده كانت صورة اليهودي تمثل الجشع والبغضاء والبخل وكل الصفات التي وضعها "الخالق" في الإنسان.. حيث يظهر اليهودي المخادع والمرابي المحب للمال، الخائن الكاره للبشر، وموقف العالم قديما وحديثا كان واضحا منهم، يتجنبونهم ولا يتعاملون معم ويعتبرونهم في أدنى مرحلة إنسانية وبشرية.
أعتقد أن جزءا كبيرا من هذه الصورة المظلمة التي يرسمها الأدب الأوروبي عائد إلى سوء تفاهم مركب بين مسيحيي أوروبا ويهودها الذين في القرون الوسطى. وهؤلاء أقصد يهود القرون الوسطى يشبهون المتشددين الإسلاميين في هذه الأيام الذين سببوا كراهية للمسلمين في جميع أنحاء العالم بسبب سلوكهم الذي يقتل وينهب بمباركة دينية مشبوهة. وقد أدى سوء الفهم هذا للأسف الشديد إلى آثار كارثية، تجلت أولا بمحاكم التفتيش واضطهاد اليهود في القرون الوسطى ومن ثم محاولة إبادتهم في أوروبا النازية، كما أدت إلى انغلاق أحمق قام به اليهود على أنفسهم، واستغلال بشع للعناصر الاجتماعية الأخرى من خلال الربا واستخدام سلطة المال.
الأسوأ أيضا أن الأوروبيين عندما حاولوا إصلاح خطئهم فعلوه بخطأ مواز أو أكبر، وهو مساعدة اليهود على إقامة دولة لهم على أرض ليست لهم (فلسطين) ما أدى إلى قتل وتدمير وتشريد وتهجير لملايين الفلسطينيين على مدى ثلاثة أجيال الآن.
لا شك في أن ما تقوم به الصهيونية بقيادة متطرفيها ومتشدديها أعاد لذلك الأوربي تلك الفكرة القديمة عن الصهيوني وبشكل خاص رجل الدين الصهيوني، بعد أن سمحت له ثقافته بالتفريق بين اليهودي والصهيوني، فظلت صورته صورة الإنسان الذي يصعد على ظلم الآخرين وقتلهم وتدميرهم.
أقول ذلك لأصل إلى الضجة الكبيرة التي أثارتها قطعة فنية معروضة في واحد من اكبر معارض الفن المعاصر في العالم في الوقت الذي انطلقت فيه فعاليات المعرض في العاصمة الاسبانية مدريد.
لسنا ها بصدد التحليل بين اليهودي وبين والصهيوني، والفارق بينهما كبير، كما الفارق المسلم المعتدل والمسلم الإرهابي المتطرف.وإنما هي مقدمة لخبر ربما يعطي فكرة عن مدى كراهية شعوب العالم للصهيونية الجديدة والتي تحاول حكومات الغرب تجميلها بدافع من مصالحها.
وبالتأكيد كراهية هذه الشعوب للصهيونية لا تختلف عن كراهيتهم لكل تطرف ديني يمكن أن يتحول للإرهاب، فالرسوم المسيئة للنبي لم تأت من فراغ بل جاءت بعد أن تحول الإسلام بسبب بعض الجهلة إلى مصدر أساسي من مصادر الإرهاب في العالم.
أستغرب أن يحتج اليهود على هذا العمل النحتي، المعروض في الدورة التاسعة والعشرين للمعرض الدولي للفن المعاصر والمعروف باسم " أركو" ويعرض شخصًا مسلمًا ساجدًا على الأرض ويعلوه قس راكع يعلوه حاخام.
فمن عليه أن يحتج هو المسلم الذي وضع في أدنى درجات الوصول إلى الله فهو ساجد غير مهتم بما يجري حوله، بينما القس المسيحي يحمل راضيا الحاخام اليهودي أو غير راض بل خائف من الرشاش الموجه إليه، فيما الحاخام شامخا متطلعا إلى الله، ولكن إلى أي منهم، إله اليهود أم المسيحيين أم المسلمين.
أستغرب أن أحدا من الشيوخ والمفتين والعلماء المسلمين لم يبدِ أي اعتراض على هذا العمل الفني في حين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها حول الرسوم المسيئة للرسول فأنا لو شاهدت المعرض منفردا لخرجت بانطباع يقول تسلق على الجميع بكل الوسائل الممكنة واصعد نحو السماء أيها الصهيوني العظيم".
ونحن بدورنا نستغرب هذا الصمت الذي يفسح المجال أمام تساؤلات كثيرة، هل هو موافقة ضمنية!!؟؟ أم هو الاستسلام؟؟ أم أنه من قبيل المسامحة!!
وقبل أن نتجه بأصابع الإتهام إلى الآخرين، علينا أن نعترف بمدى سيطرة الصهاينة على مفاصل مهمة في أوروبا وأمريكا، وأن نعترف بأن هذه السيطرة، إنما نجمت عن التخطيط والعمل الدؤوب الذي قام به هؤلاء ولم يأتي بالمصادفة. ألا يدعونا ذلك إلى وضع الخطط العلمية والعملية لمقاومة مثل هذه الأفكار وعلى المدى القريب والبعيد!
ونعتذر مجدداً عن نشر الصورة لما فيها من اساءة..
خاص - الأبجدية الجديدة