عبد الجبار سليمان الكبيسي، سيف تمرّد على غمده

في مثل هذا اليوم من عام 2011 ترجل الفارس الجسور عبد الجبار الكبيسي ففارق الحياة، لكن هيهات أن يفارق قلبي. ولطالما تلبست عقلي خلجات تُنسيني أنه قد مات.
كان الفقيد بالنسبة لي ولكثيرين غيري رفيقاً وصديقاً ومعلماً وملهماً وقائداً.
أمضى المرحوم الكبيسي نحو 15 عاماً من عمره في سجون العراق وسوريا والاحتلال الأمريكي، دفعها ثمناً لمواقفه الثابتة ضد الديكتاتورية والخيانة القومية والاحتلال.
في العراق تمرد على كل الأنظمة التي توالت على الحكم.
وفي سوريا سرعان ما وجد نفسه محشوراً في الموقع المناقض للموقف. وعندما اقتنع باستحالة تقويم انحراف نظامها انحاز الى الموقف وترك الموقع وتمرد!!
وعندما ترك "الحزبية" وتحرر من قوالبها الحجرية اصبح الكبيسي متصالحاً مع ذاته على نحو مرموق، وكان من آثار ذلك إنجازات سياسية في غاية الأهمية. فمن مقر إقامته الإجبارية في دمشق أشرف على إصدار جريدة ثورية في عام 1989 استمرت بالصدور حتى عام 1993 حيث توحدت مع جريدة التحالف الوطني.
في عام 1992 أشرف على تأسيس التحالف الوطني العراقي الذي أصبح رئيساً له.
ومن دمشق أيضاً حيث يقيم إجبارياً أصدر مشروع المصالحة الوطنية والإصلاح السياسي في عام 1993 الذي أصبح أرضية للحوارالذي جرى مع النظام السابق في عام 2002.
في عام 2003 عاد الى العراق وسعى جاهداً الى توحيد القوى المناهضة والمقاومة للاحتلال. قدم كل أشكال الدعم لفصائل المقاومة بصرف النظر عن مسمياتها ومشاربها الفكرية. وكان ذلك سبباً لاعتقاله من قبل قوات الاحتلال.
(كروبر) كان آخر السجون التي نزلها. أمضى فيه عاماً ونصف العام قبل أن يطلق المحتلون سراحه ويمهلوه 48 ساعة لمغادرة العراق.
غادر العراق فأمهلته السلطات الأردنية 24 ساعة حتى يغادر الأردن.

قبل أيام من وفاته زرته وهو على فراش الموت في مستشفى أنيماس في جنوب فرنسا. استنهض بدنه السقيم واستجمع قواه وماهي إلا لحظات حتى استعاد تألقه المعهود وصار يتحدث بانسيابية وطلاقة.
قدم أفكاراً وخططاً لتطوير التحالف الوطني وتعزيزه بكفاءات وطنية جديدة. شدد على أن المقاومة هي المشروع الوحيد الذي ينصلح به حال الوطن وأكد أن النصر حتمي وقريب.
كلامه أوحى لي بأنه لم يكن يعلم بسر مرضه الخبيث. فاجأني شقيقه الدكتور ابراهيم بأن الفقيد كان على معرفة مبكرة باستفحال المرض وبأن حالته ميئوس منها!! سبحانك اللهم ما أصلب عبدك. لم يكن للموت شك عنده ومع ذلك كان مفعماً بأمل النصر القريب!!
لقد صغرت في عين الفقيد العظائم
وكان كأنه في جفن الردى وهو نائم
فاستقبل الموت ووجهه وضاح وثغره باسم

رحم الله عبد الجبار الكبيسي
كانت حياته ملحمة
وكان موته انتصاراً
تغلب بموته على كل حواجز التفتيش والمراكز الحدودية. وضرب جميع الفرمانات التي منعته من العودة الى وطنه.
لم يكن العراق وحده محظوراً على الفقيد، بل حتى دول الجوار مُنع من دخولها. فلم يبق أمامه سوى الموت وسيلة لاختراق الأرض الحرام في طريق العودة الأبدية الى حضن الوطن.
تم تشييعه من بغداد الى الفلوجة مسقط رأسه في موكب مهيب. وصل جثمانه الطاهر إلى الفلوجة بعد يوم واحد من خروج آخر جندي أمريكي منها.
أبّنه الشيخ المجاهد الشهيد بإذن الله خالد حمود الجميلي.
دفن بجوار والدته وشقيقيه الشهيدين بإذن الله عبد الستار وعَبد الحنّان.
تغمد الله عبد الجبار سليمان الكبيسي فقيد العراق والأمة العربية بواسع رحمته وأحسن مثواه وأسكنه الجنة.
العراق باق والاحتلال ومخلفاته إلى زوال
لبيد الصميدعي
عن التحالف الوطني العراقي
13/12/2016


__._,_.___