منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أوجست فشر

  1. #1

    أوجست فشر

    AUCUST FISCHER
    (1865 ـ 1949)

    مستشرق ألماني اختص باللغة العربية نحواً وصرفاً ومعجماً
    عمل خمسين عاماً في جمع مادة المعجم التاريخي للغة العربية الفصحى

    محمد عيد الخربوطلي


    الحضارة هي أنفس وأنبل وأخلد ما للأمة من تراث في جماع علومها وآدابها وفنونها، ولئن كان من صنع الطبقة الممتاز فيها، إلا أن الحضارة للإنسانية جمعاء، لا فرق في ذلك بين عرق ولغة وعقيدة، وليس لها حواجز زمانية ومكانية ما دامت تشارك فيه على أقدارها متأثرة ومبدعة ومؤثرة، وتتوارث أفضله وتبني عليه في سبيل تطويرها وتفاهمها وتكاملها.
    وقد كان للعرب تراث ومشاركة وإبداع منذ أقدم العصور، ولكنه لم يصبح عميقاً شاملاً متبلوراً إلا بالإسلام، فالإسلام مَدَّ فتوحه من مكة إلى الشرق والغرب مستقراً في بعض بلدانها، ماراً أو مجاوراً بعضها الآخر.
    وقد دخل فيه كثيرون واتسع لغيرهم من أصحاب العقائد، وكان لهؤلاء علوم وآداب وفنون فأدخلوها فيه، وجمعوا بين علومه وبينها، واتخذوا العربية لغة الكتاب لأدائها، فاستوعبتها وحلَّت محل الفارسية والسريانية والقبطية واليونانية واللاتينية من فارس إلى جبال البرانس، وتجاوزتها إلى غيرها من لغات أوروبا، وحملت الدولة الإسلامية على استبدال حروفها بحروفها، حتى استوعبت تراث الإسلام استيعاباً لم يتهيأ لمعظم اللغات الشرقية التي دان أهلها بالإسلام كالفارسية والتركية والأوردية، أو لأخواتها من اللغات الشرقية القديمة كالعبرية والسريانية والكلدانية، فكونت في العصر الوسيط حلقة بين تراث اليونانية القديمة وبين اللاتينية الحديثة أرست عليه أوروبا نهضتها، وأبدعت منه تراثاً، حتى إذا تهيأت لنا استعادته بنينا عليه نهضتنا.
    وظهر على طرفي النهضتين المستشرقون، فتناولوا تراثنا بالكشف والجمع والصون والتقويم والفهرسة، ولم يقفوا منه عندها فيموت بين جدران المكتبات والمتاحف والجمعيات، وإنما عمدوا إلى دراسته وتحقيقه ونشره وترجمته والتصنيف فيه، في منشئه وتأثره وتطوره وأثره وموازنته بغيره، واقفين عليه مواهبهم ومناهجهم وميزاتهم، مصطنعين لنشره المعاهد والمطابع والمجلات ودوائر المعارف والمؤتمرات، حتى بلغوا فيه منذ مئات السنين وفي شتى البلدان وسائر اللغات مبلغاً عظيماً من العمق والشمول والطرافة، وأصبح جزءاً لا ينفصل عن تراثنا، ولا تؤرخ الحضارة الإنسانية إلا به، وقد عرف الغرب منه أصالتنا فيها، كمالاً تصلنا بالعصر الحديث علوماً وآداباً وفنوناً صلة أشد من لغات الغرب.
    فإن نحن طوينا هذا الجهد تنكرنا للأمانة العلمية في البحث عن الحقيقة الموضوعية (مع أن نشره لا يتضمن الموافقة عليه والرضا عن جميعه) فكأننا نأبى أن يكون تراثنا جزءاً لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية التي هي ملك لنا كما هي ملك لهم، وإن طيَّ نشاطهم يبعث على الريبة وسوء الظن والقطيعة في حين أن الحضارة الإنسانية لا تقوم لها قائمة إلا على التعاون في نشر ذخائر كل أمة في العلوم والفنون والآداب على تنوعها وأوجه الشبه والاختلاف فيها تعاوناً يقصر المسافات النفسية بينها تقصير المخترعات للمسافات الجغرافية لخلق تضامن وجداني فكري خلقي في ائتلاف صادق شامل مستمر.
    وإذا كنا لا نفرق بين أن ينجلي لنا تراثنا ويحتل مكانته من الحضارة الإنسانية على أيدي العرب أو بالتعاون مع المستشرقين، فقد اعترفنا بفضلهم ونشرناه في الناس، وهو بعض حقهم علينا.
    سنتناول في حديثنا هذا حياة ومنجزات مستشرق ألماني قدم للإنسانية دراسات مهمة، إنه (أوجست فشر 1865 ـ 1949)، الذي عشق اللغة العربية ودافع عنها وعن قرآن المسلمين وحديث نبيهم وشعر جاهليتهم.

    الاستشراق في ألمانيا:
    يرجع اتصال ألمانيا بالشرق إلى أيام الحملة الصليبية الثانية (1147 ـ 1149م) وعودة فرسانها وحجاجها من الأراضي المقدسة ووصفهم لها ونقلهم شيئاً من حضارتنا، وقيام الرهبان بالترجمة عن العربية بالأندلس وفيهم الألمان، ومعظم الترجمات كانت إلى اللاتينية لغة العلم في أوروبا يوم ذاك، وتعصب فردريك الثاني ملك صقلية ثم إمبراطور ألمانيا للإسلام على الكنيسة، حتى انفصل لوثر 1521م، وأنكر على البابا رئيسها سلطانه، ونادى بالإصلاح، واعتنق فردريك الثالث البروتستانتية عام 1560م.
    كما وصلت مخطوطات بوستل مكتبة أمير فالس، فأفاد يعقوب كريستمان من كتاب النحو العربي لبوستل، فألف كتاباً لتعليم حروف اللغة العربية وأعد لها مطبعة بحروف عربية من الخشب، ثم سعى إلى إنشاء كرسي للعربية في جامعة هايدلبرج...
    وهكذا بدأ الاهتمام الألماني بتراث الشرق عموماً وباللغة العربية خاصة، لكن الاستشراق الألماني أخذ شكله الأكاديمي الجاد وبشكل واسع في القرن الثامن عشر عندما تعلم المستشرقون الألمان اللغات الشرقية في هولندا، ولما رجعوا إلى ألمانيا وعلموها في جامعاتها أخرجوها من نطاق التوراة التي ضرب حولها ردماً من الزمن إلى ميدان الثقافة العامة، ومن أشهرهم رايسكه (1716 ـ 1797) في جامعة ليبزيج، وجوستاف تيخسن (1734 ـ 1815) في جامعة روستوك.
    وفي مطلع القرن التاسع عشر حلت فرنسا محل هولندا بفضل العلامة دي ساي (1758 ـ 1838) أستاذ العربية والفارسية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس الذي جدد الدراسات العربية، ولا سيما علمي الصرف والنحو في أوروبا جمعاء، فقصده المستشرقون الألمان وتتلمذوا عليه، وتأثروا به، ومن أشهرهم فلايشر (1801 ـ 1888) وإيفالد (1803 ـ 1875) فعدا مؤسسي الدراسات العربية في ألمانيا، حيث صار فلايشر أستاذ اللغات الشرقية في جامعة ليبزيج، وإيفالد أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جو تنجين.
    ثم تخرج من هاتين الجامعتين كبار المستشرقين الذين علموها مع اللغات الشرقية والدراسات الإسلامية في الجامعات، وفهرسوا لمخطوطاتها في المكتبات، ونظموا متاحفها، وأسسوا مطابعها وجمعياتها ومجلاتها، ونشروا عنها المجموعات، فأسهموا في توسيع آفاق تاريخ الشرق بحل رموز لغاته البائدة، والمقارنة بين الحية منها، وفي تقييم التراث العربي والإسلامي من تأثره وتأثيره، وفي تعريفه على نطاق عالمي. ولأجل ذلك انبثق عن الاستشراق الألماني مؤسسات علمية في غابة الأهمية، مثل الجمعيات الشرقية والمجامع العلمية والمعاهد العلمية وكراسي للغات الشرقية في الجامعات والمجلات الشرقية والمتاحف والمطابع والمعاجم والقواميس.
    المعاجم العربية في ألمانيا:
    للتأليف المعجمي في أوروبا تاريخ طويل منذ القرن الثاني عشر الميلادي، ومنها تلك المعجمات التي لها مداخل عربية، ولم تتوقف هذه الجهود على مدن القرون، تارة بالاعتماد على المعاجم العربية، وتارة بمحاولة إكمالها اعتماداً على تحليل معجمي لنصوص عربية، ومن أهم الجهود الأوروبية ذلك المعجم العربي اللاتيني 1653 تأليف خوليوس (1596 ـ 1667)، ثم تأليف فرايتاج (1788 ـ 1861)، ووضع المستشرق البريطاني إدوار لين (1801 ـ 1876) مشروعاً كبيراً لعمل معجم عربي إنكليزي كبير اعتماداً على المعاجم العربية، وفي مقدمتها تاج العروس للزبيدي، وأنجز لين نحو ثلثي العمل بالقاهرة ولندن، ويعد هذا العمل المعجمي من أكبر المعجمات المتداولة عند الباحثين المتخصصين في التراث العربي، والحق يقال... إن عمل لين يعد أول معجم يشرح كلمات عربية بلغة أوروبية حديثة، وله ترتيب محكم وضبط دقيق وتراكيب سياقية كبيرة، وكذلك معجم دوزي (1820 ـ 1883) المستشرق الهولندي، والذي يعد عملاً مهماً لأنه يقدم مصطلحات وألفاظاً حضارية دالة على الحياة في إطار الدول الإسلامية، لم تذكرها المعجمات العربية القديمة التي اقتصرت على المرحلة المبكرة من تاريخ العربية، وقد صنع المستشرقون الألمان معاجم عديدة، أهمها:
    ـ معجم هانزفير (المولود عام 1909).
    ـ معجم جريم التاريخ الألماني.
    ـ معجم تسنكير (توفي عام 1884) وهو معجم تركي ـ عربي ـ فارسي.
    ـ معجم فرانكيل (1855 ـ 1909) .
    ـ معجم اللسان العربي الفصيح من صنع كرايمير (توفي عام 1961).
    ـ معجم اللغة العربية الفصحى قام به مانفريد أولمان.
    وهناك عدة معاجم أخرى تختلف عن بعضها البعض من حيث الأسلوب والطريقة والمنهج، وقد أوصلتها في كتابي (المستشرقون الألمان والتراث العربي) إلى عشرين معجماً.
    لكن أهم معجم عربي قام به مستشرق ألماني هو المعجم التاريخي للغة العربية الفصحى الذي عمل فيه خمسين عاماً المستشرق الألماني أوجست فشر (1865 ـ 1949).
    أوجست فِشَر ـ AUGUST FISCHER (1865 ـ 1949)
    مستشرق ألماني اختص باللغة العربية نحواً وصرفاً ومعجماً، مواصلاً الدرب الذي بدأه أستاذه اللغوي هينرش ليبرشت فليشر (1801 ـ 1888)، مؤسس ما يعرف باسم مدرسة ليبستك في الاستشراق الألماني، وسار على منهجه الذي يقوم على الاستناد الوثيق إلى الشواهد اللغوية العربية في المقام الأول، وإلى أعمال اللغويين والنحاة العرب، وإلى الابتعاد عن الفروض التي قد تكون بارعة ولكنها واهية الأساس.
    وخلف في اللغات الشرقية في جامعة ليبزيج (1899 ـ 1930) سوسين، وعرف من تلامذته شاده(1) وجراف وبرجستراسر(2).
    كما عُرف فشر في العناية بفقه اللغة كأسّ لدراسة النصوص وتحقيقها، وامتاز ببراعة ودقة ما تناوله من أصول اللغة وفن المعاجم وما اشتمل على الشعر القديم ولهجات الشعوب، فجدد بذلك التعليم العربي في جامعات ألمانيا(3).
    ولادته ونشأته العلمية:
    ولد أوجست فشر في هالة عام 1865، وتخرج باللغات الشرقية على توربكة
    (1837 ـ 1890)، ونال الدكتوراه الأولى من جامعة هاله (على نهر الزاله) في نهاية عام 1889 برسالة عنوانها (تراجم حياة الرواة الذين اعتمد عليهم ابن اسحق) ونشرها في عام 1890، وقد اعتمد فيها على كتب الرجال، خصوصاً كتاب (ميزان الاعتدال) للحافظ الذهبي (1274 ـ 1348م) ولم يكن قد طبع بعد، فاعتمد على مخطوطات برلين وجوتا(4).



    فشر ومعهد اللغات الشرقية في برلين:
    عمل فشر في معهد اللغات الشرقية في برلين من خريف عام 1896 إلى ربيع عام 1900 مدرساً للغة العربية وأميناً للمعهد ومحافظاً لمكتبته، أتقن في هذه الفترة لغة التخاطب العربي، وخصوصاً باللهجة المغربية المراكشية بفضل معونة مدرس للهجة المغربية يدعى الجيلاني الشرقاوي، وكانت ثمرة ذلك عدة مقالات عن اللهجة المراكشية وهي:
    ـ أول مقال جمع فيه أمثالاً مغربية، نشرها في مجلة MSOS، المجلد الأول عام 1898 ص 188 ـ 230 بعنوان أمثال مراكشية.
    ـ تلاها ببحث عن نغمة الكلام في اللهجة المراكشية في مجلة MSOS المجلد الثاني عام 1899 ص 275 ـ 286.
    ـ بحث عن ظاهر (أو ظهير) في اللهجة المراكشية، في مجلة ZDMG المجلد 67 عام 1913 ص 384.
    ـ مقال بعنوان (الولي المراكشي الكبير عيد السلام بن مشيش) نشره في مجلة ZDMG المجلد 71 عام 1917 ص 209 ـ 222.
    ـ مقال بعنوان (المؤرخ المراكشي أبو القاسم الظجاني)، نشره في مجلة ZDMG المجلد 71 عام 1917 ص 223 ـ 226.
    وقد عرف عن فشر أنه كان شديد الاهتمام باللهجات العربية الحية، لأنه كان يعتقد أنه سيستطيع أن يستخلص منها ليس فقط نظرات قيمة في سر اللغة العربية، بل وأيضاً في فهم اللغات السامية بوجه عام.
    وكان أول اتصال له بالعالم العربي رحلته إلى المغرب التي قام بها في أواخر صيف وفي خريف عام 1898، زار خلالها طنجة والدار البيضاء وموجادور ومراكش(5).
    فشر وجامعة ليبتسك:
    بعد وفاة سوسين في 24 حزيران 1899 شغل فشر مكانه (كرسي اللغات الشرقية) في جامعة ليبتسك، وهو الكرسي الذي شغله قبل ذلك أستاذه فليشر من عام 1835 حتى عام 1888.
    بدأ عمله في منصبه هذا في ربيع 1900، ومنذ ذلك التاريخ أقام في ليبتسك، وجعل من جامعتها مركزاً قوياً للدراسات الشرقية، وخصوصاً العربية في ألمانيا، فأمها دارسوا العربية وعلومها من سائر الأنحاء، ويذكر عنه تلاميذه أنه كان نموذج الأستاذ في دروسه ومحاضراته، من حيث التدقيق في فهم دقائق النصوص العربية التي كان يتولى شرحها، وقد بقي في منصبه هذا حتى عام 1939، حيث خلفه تلميذه أرش برونيلش (1892 ـ 1945) في خريف 1939، ومع ذلك استمر بعد تقاعده يواصل التدريس بصفة شخصية في منزله، وحتى قبل وفاته بأيام (رغم أنه كان في الرابعة والثمانين من عمره) كان يشرح لبعض تلاميذه ديوان امرئ القيس(6).
    كان فشر في إرشاده لطلابه حريصاً على أن يؤكد لهم الأهمية القصوى لمعرفة اللغة العربية معرفة دقيقة شاملة تشمل النحو والمعجم والاستعمال اللغوي، وذلك قبل التصدي لأي بحث في ميدان الدراسات العربية والإسلامية مهما يكن هذا الميدان (تاريخاً، فقهاً، فلسفة، أصول دين،...) ويعلق عبد الرحمن بدوي بعدما ذكر ذلك بقوله: (لكن ما أندر المستعربين الذين أخذوا بهذا المبدأ وخصوصاً في الجيل الذي برز منذ عام 1940 حتى اليوم).
    وقال... وكان يرى فشر كما كان يرى أستاذه فليشر أن دراسة النحو هي لبّ الفيلولوجيا العربية ومن هنا شغلت المسائل النحوية مكاناً واسعاً جداً في أبحاثه ومقالاته(7)...
    العربية الفصحى والإعراب
    يرى فشر أن العربية الفصحى لم تنشأ من لهجة قريش، وإنما هي تقوم على أساس لغة الشعر الجاهلي، وهذه اللغة بدورها لم تكن لغة العرب القدماء بوجه عام، بل لا بد أن تكون قد قامت على لهجة واحدة من لهجاتهم.
    وفيما يتصل بالإعراب يرى فشر مثلما رأى لاند برج (1848 ـ 1924) أن سكان مكة والمدينة وأجزاء من المناطق المحيطة بهما كانوا قد تخلّوا عن الإعراب في زمان النبي وقبله.
    ومن رأي فشر أن ثمَّ أربعة أصناف متميزة للغة العربية هي:
    1 ـ لغة الشعر الجاهلي.
    2 ـ لغة القرآن.
    3 ـ لغة النثر الواردة في السِّيَر والمغازي.
    4 ـ لغة الحديث النبوي(8).
    وقد تجلت قدرته اللغوية الفائقة على فهم العربية، ونصوصها الشعرية الجاهلية ابتداءً من عام 1895 في ثلاث دراسات كرسها لنقد نشرة ر. جاير لديوان أوس بن حجر، التي ظهرت في فيينا 1892 العنوان (قصائد وشذرات أوس بن حجر).
    الدراسة الأولى نشرها في (Coting. Gelehrete Anzeigen) عام 1895 ص 371 ـ 395، والثانية وعنوانها (تصحيحات وإضافات إلى نشرة ر. جاير لأوس بن حجر) ظهرت في مجلة ZOMG المجلد 49 عام 1895 ص 85 ـ 144، والثالثة في نفس المجلة المجلد 49 عام 1895 ص 673 ـ 680، ثم عاود البحث في شعر أوس بن حجر في مقال رابع نشره في مجلة ZOMG عام 1910 المجلد 64 ص 154 ـ 160، فكشف بهذه الدراسات عن علمه الدقيق بالشعر الجاهلي وبالعربية الجاهلية(9).
    الفصول والغايات للمعري
    تناول فشر بالتحليل اللغوي الدقيق مواضع مختارة من كتاب (الفصول والغايات) لأبي العلاء المعري، الذي قيل إن المعري كتبه معارضة للقرآن، وذلك في كتاب بعنوان (قرآن أبي العلاء المعري)(10) في عام 1942 ويقع في مئة صفحة، وانتهى في بحثه هذا إلى أن الزعم بأن أبا العلاء المعري أراد بهذا الكتاب أن يعارض القرآن هو زعم باطل(11).
    فهرست الشواهد العربية
    إلى جانب اهتمامه بالنحو العربي.. عني بدراسة تاريخ اللغة العربية من أقدم نصوصها حتى لهجاتها المحلية الحالية، فحرص على تحليل لغة الشعر بوجه خاص، لأنه وجد في الشعر أرسخ الشواهد لمعرفة العربية، ومن هنا اهتم بجمع كل الشواهد الشعرية الواردة في كتب النحو وشروح الشواهد، فصنف في هذا الميدان (فهرست الشواهد العربية) وهو ثبت شامل بالشواهد (بحسب القوافي) والشعراء التي ـ والذين ـ وردت ـ ووردوا ـ في شروح الشواهد وما شابهها من مصنفات، وعاونه في ذلك أرش بروينلش، وظهر هذا الفهرست في برلين وليبتسك في عام 1945 لدى الناشر هرّسوفتس(12).
    فشر والقرآن الكريم
    عين فشر بدراسة لغة القرآن، وقد نشر كتيباً في هذا المجال بعنوان (عن قيمة الترجمات الموجودة للقرآن والسورة الثالثة) سورة آل عمران، وقد نشرها في ليبتسك عام 1937، وقد فسّر لغة هذه السورة بتفصيل وتدقيق، متحفظاً مع ذلك في استعمال القراآن الخاصة بهذه السورة، وكان قد تناول هذا الموضوع قبل ذلك في محاضرة بعنوان (في قيمة الترجمات الموجودة للقرآن)، وقد نشر ملخصها في مجلة (BVSAW) عام 1935 المجلد 17 كراسة 3 ص 2 ـ 4، وفي محاضرة أسبق منها بعنوان (الهجاء الجاهلي في القرآن: السورة الثالثة)، نشر ملخصها في مجلة (ZOMG) عام 1933 ص 10 ـ 12.
    ومن دراساته القرآنية الأخرى التي نشرها عن القرآن وعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
    ـ محمد وأحمد اسمان للنبي العربي، بحث نشره في ليبتسك عند الناشر (Hirzel) 1932 (BVSAW) المجلد رقم 42، الكراسة 3.
    ـ سورة البقرة آية 191 (ZOMG) مجلد 65 عام 1911 ص 794 ـ 6، ومرة أخرى في نفس المجلة مجلد 66، عام 1912 ص 294 ـ 299.
    ـ آية مقحمة في القرآن، بحث نشره في المجلد التذكاري المهدي إلى تيودور نيلدكه بمناسبة بلوغه السبعين، ص 33 ـ 55، جيست 1906.
    ـ تعليق على الآية 6 من السورة (101) في مجلة (ZOMG) مجلد ص 371 ـ 374.
    ـ الاسم (محمد) و(Kup- Kupios) عند البيزنطيين في مجلة (ZOMG) مجلد 99 عام 1949، ص 58 ـ 62.
    ـ اسم (محمد) وتقديسه عند المسلمين، بحث نشره ضمن كتاب ظهر في ليبتسك 1944، عند الناشر هرّسوفتس، ص 307 ـ 339.
    ومما يذكر لفشر كرهه الاتجاه الذي كان سائداً عند المستشرقين الباحثين في القرآن، وهو إبراز تأثير الاتصال مع اليهود والنصارى، لأنه كان يرى (أن النبي قد نشأ في الوثنية العربية، ولهذا فلا بد أن يتأثر في المقام الأول بعاداتها وأعرافها وبلغة شعرائها وأشكالها التي لعبت دوراً كبيراً في الحياة الروحية للعرب الوثنيين)، (اقتبس هذا الكلام عبد الرحمن بدوي من كتاب فشر (قرآن أبي العلاء المعري ـ ص9، ليبتسك 1942)، ويقول بدوي..
    ومن ثم ربط فشر بين لغة وأسلوب الكهان في الجاهلية العربية وبين لغة القرآن، وأولى أهمية كبيرة للشعر الجاهلي من أجل تفسير القرآن(13).
    فشر ومشروع (المعجم التاريخي للغة العربية الفصحى)...
    كانت صناعة المعجم من مجالات التركيز في الدراسات العربية في الجامعات الألمانية اللغة، فقد أكمل فرايتاج (1788 ـ 1861) معجمه العربي اللاتيني في أربعة مجلدات تضم 257 صفحة (1830 ـ 1837)، وبقي متداولاً حتى بدايات القرن العشرين، أما معجم فارموند (1827 ـ 1913) وهو معجم (ألماني ـ عربي، وعربي ـ ألماني 1874 ـ 1877) في مجلدين، وكذلك معجم هاربر (1815 ـ 1880) الألماني العربي 1902 فقد بقيا مستخدمين نحو ستين عاماً على الرغم من تقادمهما، وكان معجم هاتز فير (1909 ـ 1981) العربي الألماني 1952 إنجازاً عظيماً للغة المعاصرة، أما المعجم الأكبر الذي أعده شريجله بالتعاون مع أبي الفضل ومحمود فهي حجازي وبرج ورضوان فهو ثري جداً في الكلمات والتعبيرات من المطبوعات العربية الحديثة.
    ويقول حجازي... وهناك سلسلة من المعاجم الصغيرة ثنائية اللغة ظهرت في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، أما العمل المعجمي المتميز والفريد في الدراسات العربية فهو معجم اللغة العربية الفصحى (WZKM)، ظهر منه مجلدان كبيران يضمان كلمات حرفي الكاف واللام مع شواهد كثيرة وموثقة من إعداد أولمان، وهناك معاجم أخرى أنجزها علماء الدراسات العربية في ألمانيا، مثل المعجم الذي أعده إندرس لأجل المفردات العربية المستخدمة في الكتب المترجمة عن اليونانية، وألف زيجل معجماً للكلمات التي وردت في مخطوطات الكيمياء العربية(14).
    أما المعجم اللغوي التاريخي لفشر فسأتناوله بشيء من التبسيط في الحديث عنه، فما قصة هذا المعجم؟ وماذا كان مآله ومصيره..؟
    يقول مؤرخو الاستشراق... ولما شعر فشر بنقص المعاجم العربية لافتقارها إلى الشواهد في كل حالة، فقد وضع مشروعاً لمعجم عربي شامل يستند في كل معنى ينطوي عليه اللفظ إلى شواهد، خصوصاً من الشعر، والشعر الجاهلي والأموي على وجه التخصيص.
    يقول بدوي... وقد أعلن عن مشروعه هذا لأول مرة في عام 1907، أثناء انعقاد مؤتمر الفيلولوجيين الألمان في بازل 1907، ثم في المؤتمر الدولي للمستشرقين الذين انعقد في كونبهاجن 1908، والذي انعقد في أثينا عام 1912، ومن محاضر جلسات هذه المؤتمرات يتبين أن هذا المعجم يختص باللغة العربية "القديمة"، لغة الشعر منذ البداية حتى نهاية العصر الأموي، ولغة القرآن، ولغة الحديث، ولغة أقدم المؤرخين، وأنه سيستغل المواد المعجمية التي خلفها المستعربون الأقدمون، وفي المقام الأول فليشر وتوربكه.
    ويقوم المعجم على أساس الشواهد المباشرة من المصادر، وهذه المصادر تشمل.. النقوش الجاهلية، الشعراء، القرآن، الحديث، ثم الاستعانة بالمعاجم التي نشرها أو خلفها مخطوطه (دوزي وفليشر وتوربكه وألفرت وجولدتسيهر).
    بدأ أوجست فشر العمل في هذا المعجم في عام 1913 بوضع جذاذات مستخرجة من المجاميع والدواوين الشعرية: المعلقات، المفضليات، الأصمعيات، الحماسة لأبي تمام، ديوان الهذليين نشرة كوزجارتن، دواوين الشعراء الستة الجاهليين، دواوين عبيد بن الأبرص، المتلمس، أوس بن حجر، الخِرْنق، عامر بن طفيل، السموأل، لبيد، الخنساء، مراثي شواعر العرب، الحطيئة، الشماخ، عمر بن أبي ربيعة، ابن قيس الرقيات، الأخطل، القطامي، الكميت (الهاشميات)، القُحَيْف العقيلي، والمتنبي.
    ثم من كتب الحديث.. صحيح البخاري نشرة كريل، وأجزاء من تاريخ الطبري، وقد بلغ عدد الجذاذات حتى عام 1918 حوالي اثني عشر ألف جذاذة.
    وكان يعاونه في هذا العمل: بدرسين، وجون لويس أخنوخ (مصري من منفلوط) ومنير حمدي (مصري من القاهرة)، وأماليا رود نبرج، كذلك اشترك في العمل أرتور شاده، وأرش برونيلش، ويذكر العقيقي أنه قضى في جمعه وتنسيقه أربعين سنة.

    مصير المعجم...؟!
    في عام 1932 أنشئ مجمع اللغة العربية في مصر، وعين فشر عضواً فيه، فاستأنف العمل بحماسة في هذا المعجم، وصار يتردد على القاهرة في شتاء كل عام حتى عام 1939، وفي هذه الفترة استعان ببعض العاملين في المجمع، لكن قيام الحرب العالمية في عام 1939 منعت فشر من العودة إلى مصر، خصوصاً بعد إلغاء تعيينه في عضوية المجمع في عام 1945، لكن ماذا كان مصير المواد التي جمعها فشر لعمله الضخم وجاء بها في صناديق محفوظة ووضعها أمانة لدى مجمع اللغة العربية بمصر؟ الجواب... على لسان عبد الرحمن بدوي.. (لقد بددها المجمع!)، خصوصاً أثناء انتقال داره من شارع قصر العيني إلى شارع مراد بالجيزة، ولم يبق من جذاذات المعجم إلا القليل الذي حاولت جامعة توبنجين وغيرها من الجامعات الألمانية تصويره، ابتغاء استئناف العمل في هذا المعجم.. لكن الأمر وقف عند هذا الحد، فلم يواصل أحدٌ العمل (رغم الدعاوى الكثيرة) وضاع الشطر الأكبر الذي صنعه فشر ومساعدوه!.
    ويذكر العقيقي في موسوعته (المستشرقون) أن كرايمير واصل العمل فيه في أرلنجين وأصدر الجزء الأول منه مبتدئاً بحرف الكاف (لأن معجم لاين ينتهي عندها) وذلك بإشراف تلميذه برونله 1954(15).
    ويذكر محمود فهمي حجازي في حوار الثقافات... أن المجمع طبع منه نحو مئة صفحة فقط، تضم المقدمة وصفحات من المدخل.
    وفي نهاية حديثي عن معجم فشر أريد أن أثبت بعضاً من كلام د. رضوان السيد قاله في موضعين بكتابه (المستشرقون الألمان)، فقد قال عن أوجست فشر... فهو صاحب مشروع (المعجم التاريخي للغة العربية) والذي يستمر العمل فيه على تقطُّع حتى اليوم (هذا الكلام عام 2007)، وكان قد تواصل في ثلاثينيات القرن العشرين مع اللغويين المصريين، وأمدَّهم بألوف البطاقات لإعانتهم في مشروعهم للمعجم العربي الكبير، ويقول... وقد تغيرت خطة المعجم أيام تلامذته، فما تابعوه من أول حروف الألفباء، بل اعتبروه إكمالاً لعمل وليم إدوارد لين (1801-1876) الذي ترجم تاج العروس للزبيدي بترتيب جديد، ووصل فيه للمجلد السادس، وقد أصدر الألمان (أنطون شبيتالر ومنذ أربعين عاماً مانغريد أولمان) ست مجلدات ضخمة منه، تشمل أربعة أحرف، في حين ما أصدر المصريون من المعجم الكبير غير مجلَّد واحد هو الأول
    (16).
    وقال في موضع آخر... والمعروف أن أوجست فشر اختير عضواً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1934، وجاء معه بصناديق البطاقات وقد أفاد منها المصريون في صوغ فكرة معجمهم الكبير الذي صدر منه جزء واحد بعد ذلك بأربعين عاماً، أما معجم فشر فقد تغيرت فكرته بعده، وارتُئي أن يكون إكمالاً لمعجم وليم إدوارد لين، وبدأت أجزاؤه وملازمه تصدر عام 1957 على يد أنطون شبيتالر تلميذ فشر، وهو منذ ثلاثين عاماً بعهدة مانغريد أولمان بجامعة توبنجين(17).
    مؤلفات أوجسن فشر
    يلاحظ على إنتاجه أنه لا يتضمن أي كتاب كبير الحجم، ويعود ذلك لأنه كان يعتقد أنه لم يحن الوقت لكتابة مؤلفات تركيبية واسعة في باب النحو واللغة العربية، لذلك كانت الغالبية العظمى من أبحاثه تعليقات صغيرة، وتصحيحات لغوية مفيدة، لكن لو انتهى من معجمه لكان إنتاجه عظيماً، ومن مؤلفاته غير التي ذكرتها داخل الدراسة...
    ـ المسألة الزنبورية، مقال في مجلد من الدراسات الشرقية أهداه إلى أدوردج براون بمناسبة بلوغه الستين، كمبردج 1922، ص150-156.
    ـ أمرؤ القيس أو إمرؤ القيس، مجلة إسلاميكا،1922 المجلد ص126.
    ـ بطّوطة وليس بَطُوطة (أي بتشديد الطاء)، ZDMG، جـ 72 عام 1918، ص289.
    ـ أسماء الإشارة للمؤنث (هذهِ، ذِهِ، تِه، هذِهْ، ذِهْ، تِهْ، وهذِهي، ذِهِي، تِهي) مجلة إسلاميك، مجلد 17، كراسة 1 عام 1927، ص44-50، مجلد 3، كراسة 4، عام 1928، ص491.
    ـ تركيب المصدر (ضَرْبُ عَمْروٍ زَيْدٌ) مجلة إسلاميك، مجلد 5، كراسة 4، عام 1932، ص491 وما يليها.
    ـ الكلمة العربية "أيْش) في مجلة (ZDMG) مجلد 59، عام 1905، ص807-818.
    ـ (أبْلِ وأخْلِفْ) مجلة (ZDMG) مجلد 59، عام 1905، ص720.
    وقد نشر في المجلة الشرقية الألمانية أبحاثاً كثيرة منها:
    ـ سورة (101)، المجلد السادس، عام 1906.
    ـ المقدسي، 1906.
    ـ الموصل والبتراء، 1908.
    ـ لهجات المغرب، 1909 و1913.
    ـ أوس بن حجر، 1910.
    ـ السحر، 1911.
    ـ عبد الغني النابلسي، 1914.
    ـ الإسلام، 1917.
    ـ تاريخ المغرب، 1917.
    ـ دراسات لغوية عربية، 1917-1918.
    ـ تاريخ السفر، 1918.
    ـ الأدب العربي، 1918.
    ـ ابن بطوطة، 1918.
    ـ لهجات السودان، 1919.
    ومما نشره في مجلة إسلاميكا..
    ـ نقائض جرير والفرزدق، عام 1925.
    ـ تسمية امرئ القيس.
    ـ الأمير محمد سعيد حليم، 1927.
    ـ عمرو بن معد يكرب، 1927.
    ـ سورة النجم، 1932.
    ـ عن الرياضيات، في مجلة اسلاميكا 1934، وأعيد نشره في المجلة الشرقية الألمانية 1953، بعد وفاته.
    ونشر أيضاً في غيرهما، مثل:
    ـ تفسير القرآن، الدراسات الشرقية لنولدكه 1906.
    ـ امرؤ القيس، الدراسات السامية 1922.
    ـ عبيد بن الأبرص، منوعات ماسبيرون 1935-1940.
    ـ التقاليد الشعبية، الدراسات العربية والسامية والإسلامية 1944.
    ـ منتخبات من الأدب العربي، مجلة العالم الشرقي، 1947.
    ـ أبو العلاء المعري، مجلة العالم الشرقي، 1947.
    كما نشر في المجلة الآسيوية البريطانية، والمجلة المشرقية النمساوية، ومجلة الدراسات السامية، والدراسات الشرقية للبحوث، وغيرها...
    هذا عن دراساته وأبحاثه ومقالاته، أما في مجال الكتب، فقد حقق وترجم وصنّف ونشر عدّة كتب، ومن ذلك...
    ـ كتاب الأوائل لأبي هلال العسكري، ليبزيج 1996.
    ـ مخارج الأصوات في اللهجات العربية، ليبزيج 1917.
    ـ زمام الغناء المطرب من النظم السائر في أقاصي المغرب، نشره متناً وترجمة، ليبزيج 1918.
    ـ ألف ليلة وليلة، ليبزيج 1918.
    ـ تذكرة الحفاظ للذهبي.
    ـ فهرس المخطوطات العربية والفارسية الخاصة بالرحالة برتشارد، ليبزيج1922.
    ـ جدد كتاب (منتخب من نثر العرب) لبروتو، ليبزيج 1028.
    وأخيراً...
    ... بعد الذي عرفناه في هذه الدراسة عن واحد من المستشرقين الذين خدموا التراث العربي، فإننا لا نستطيع أن نجحد جهودهم، ولا يمكن أن ننكر فضلهم، ولا يجوز لنا أيضاً أن نستغني على وجه الإطلاق عن دراسات المستشرقين في أبحاثهم، بل من الواجب علينا أن نطلع على وجهات النظر الغربية في موضوعات تراثنا العربي والإسلامي، وإن القارئ المثقف، والمطلع الفطن، والباحث المتخصص يستطيع أن يقوِّم أبحاث المستشرقين تقييماً صادقاً يمكنه أن يميز بين الغث والسمين، وبين وجوه الإنصاف والإجحاف...
    وإنه وإن كان من المستشرقين فئة مرتزقة وضعوا أقلامهم في خدمة مصالح بلدانهم الاقتصادية والسياسية والاستعمارية، وفئة أخرى من المتغطرسة الذين أعمتهم الضلالة عن الموضوعية المتفهمة، فقد وجدت فئة تعرضت للإسلام دون أن تقصد الطعن عليه، وإنما درسته دراستها كتبها الدينية نقداً، ووجدت فئة أنصفت الإسلام والمسلمين والعرب، قولاً وعملاً وكتابة، فلم يؤخذ عليها هفوة على كل ما دبجته فيه، بل إن بعضهم اعتنق الإسلام وتسمى باسمه وهم كُثُر، وهناك فئة منصفة متّزنة.
    لذلك نقول لمن يقول في تراثنا بأننا نحن أهله وأصحابه ولا يجوز لنا بعد اليوم أن نتخلى عنه لسوانا من الأجانب الغرباء، إن دعواك مردودة، لأن ما تطلبه يحرمنا حق درس التراث الإنساني، ولأولئك الأجانب الغرباء نصيب فيه، ويسقط في الوقت نفسه عن تراثنا صفته الإنسانية في تأثره بالثقافة العالمية وأثره فيها، ولولا جهود المستشرقين لما أحطنا به أو اهتدينا إلى كل عظمة أسلافنا، وحققنا تواريخ أولي دولنا، وما دامت ثقافتنا عالمية ومن سماء الشرق انبثقت الأديان الثلاثة المنزلة حق لعلماء العالم تمحيصها لمعرفة مصادر حضارتهم.
    كذلك تبخس هذه الدعوى حق المستشرقين في صون تراثنا وفهرسته وتحقيقه وترجمته والتصنيف فيه، ثم نشره عن طريق المعاهد والمطابع والمؤتمرات، وإننا إذا استغنينا عمَّا قدموه لتراثنا لكان نقصاً كبيراً ومعيباً في خلو مكتباتنا منه.

    الهوامش
    1 ـ أ. شاده (1883-1952) صاحب الدراسة المتميزة عن علم الأصوات عند سيبويه، نشرت عام 1991، وكان آخر ألماني مديراً لدار الكتب المصرية 1914.
    2 ـ برجشتراسر (1889-1933) أشهر المستشرقين وأشهر تلامذة فشر، له دراسات عن العبرية واللهجة الآرامية الحديثة، وعن القرآن الكريم، وله بالعربية كتابان مشهوران عن العلماء العرب، (التطور النحوي للغة العربية) وهو في دراسة بنية العربية في ضوء علم اللغات السامية المقارن، صدر بالقاهرة 1929، وكتاب (منهج تحقيق النصوص)، نشر بالقاهرة 1968.
    3 ـ موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي (403).
    4 ـ موسوعة بدوي 403، المستشرقون ـ نجيب العقيقي 2/415-416.
    5 ـ موسوعة بدوي 403-404، المستشرقون للعقيقي 2/415.
    6 ـ موسوعة بدوي 404، العقيقي 2/415.
    7 ـ موسوعة بدوي 404.
    8 ـ موسوعة بدوي 405، طبقات المستشرقين لحمدان 162.
    9 ـ موسوعة بدوي 403، العقيقي 2/416.
    10 ـ جاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي وفي الوراقة والوراقون في الإسلام لحبيب نقولا الزيات وفي خزائن الكتب القديمة في العراق لكوركيس عواد ما خلاصته... كان في رباط المأمونية (إحدى محلات بغداد العتيقة) خزانة كتب، دخلها الوجيه الضرير النحوي ابن الدهان الواسطي المتوفى سنة 612هـ/1215م، وكان خازنها أبو المعالي أحمد بن هبة الله، فجرى حديث المعري، فذمه الخازن وقال: كان عندي في الخزانة كتاب من تصانيفه فغسلته، فقال له الوجيه: وأي شيء كان هذا الكتاب؟ قال: كان كتاب نقض القرآن (يريد به كتاب الفصول والغايات الذي طبع بعضه في القاهرة)، فقال له: أخطأت في غسله، فعجب الجماعة منه وتغامزوا عليه، واستشاط ابن هبة الله، وقال له: مثلك ينهى عن مثل هذا؟ قال: نعم، لا يخلوا أن يكون هذا الكتاب مثل القرآن أو خيراً منه أو دونه، فإن كان مثله أو خيراً منه، وحاشى لله أن يكون ذلك، فلا يجب أن يفرط في مثله، وإن كان دونه، وذلك ما لا شك فيه، فتركُه معجزة للقرآن، فلا يجب التفريط فيه، فاستحسن الجماعة قوله، ووافقه ابن هبة الله على الحق وسكت. (معجم الأدباء لياقوت الحموي 6/235) خزائن الكتب في العراق لكوركيس عواد 38 و159-160، والوراقة والوراقون في الإسلام للزيات 63).
    11 ـ موسوعة بدوي 404.
    12 ـ موسوعة بدوي 404.
    13 ـ المستشرقون للعقيقي 2/416، موسوعة بدوي 405.
    14 ـ العقيقي 3/459-460، حوار الثقافات لحجازي 45-46.
    15 ـ موسوعة بدوي 405-406، العقيقي 2/416.
    16 ـ المستشرقون الألمان للسيد 11-17.
    17 ـ المستشرقون الألمان للسيد 54-56.
    18 ـ موسوعة بدوي 404-407، المستشرقون للعقيقي 2/415-416، طبقات المستشرقين لحمدان 161-163.

    المصادر والمراجع
    1 ـ الأعلام ـ خير الدين الزركلي ـ ط5 ـ دار العلم للملايين ـ بيروت ـ 1980.
    2 ـ الحافظ شمس الدين الذهبي ـ د. حسن شميساني ـ ط1 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1990.
    3 ـ حوار الثقافات ـ مطبوعات ألمانية في الدراسات العربية، محمود فهمي حجازي، ط1 ـ المجلس الأعلى للثقافة ـ القاهرة ـ 2004.
    4 ـ خزائن الكتب القديمة في العراق ـ كوركيس عواد ـ ط1 ـ دار المعارف ـ بغداد ـ 1948.
    5 ـ طبقات المستشرقين ـ د. عبد الحميد صالح حمدان ـ ط1 ـ مكتبة مدبولي ـ القاهرة ـ بدون تاريخ.
    6 ـ معجم الأدباء ـ ياقوت الحموي ـ صورة عن طبعة مرجليوث.
    7 ـ المستشرقون ـ نجيب العقيقي ـ ط5 ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ 2006.
    8 ـ المستشرقون والتاريخ الإسلامي ـ د. علي حسين الخربوطلي ـ ط2 ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ مصر ـ 1988.
    9 ـ المستشرقون الألمان ـ النشوء والتأثير والمصائر ـ د. رضوان السيد ـ ط1 ـ المدار الإسلامي ـ بيروت ـ 2007.
    10 ـ موسوعة (المستشرقون) ـ عبد الرحمن بدوي ـ ط4 ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت ـ 2003.
    11 ـ المنتقى من دراسات المستشرقين ـ د. صلاح الدين المنجد ـ ط2 ـ دار الكتاب الجديد ـ بيروت ـ 1976.
    ـ المنجد في اللغة والأعلام ـ ط26 ـ بيروت ـ 1982.
    12 ـ ندوة تاج العروس عام 2002 في الكويت ـ ط1 ـ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ـ الكويت 2009.
    13 ـ الوراقة وصناعة الكتابة ومعجم الفن ـ حبيب نقولا الزيات ـ ط1 ـ دار الحمراء ـ بيروت ـ 1992.



    ملاحظة: نُشر هذا البحث في مجلة الدوحة القطرية العدد/35

  2. #2
    وقال في موضع آخر... والمعروف أن أوجست فشر اختير عضواً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1934، وجاء معه بصناديق البطاقات وقد أفاد منها المصريون في صوغ فكرة معجمهم الكبير الذي صدر منه جزء واحد بعد ذلك بأربعين عاماً، أما معجم فشر فقد تغيرت فكرته بعده، وارتُئي أن يكون إكمالاً لمعجم وليم إدوارد لين، وبدأت أجزاؤه وملازمه تصدر عام 1957 على يد أنطون شبيتالر تلميذ فشر، وهو منذ ثلاثين عاماً بعهدة مانغريد أولمان بجامعة توبنجين(17).
    ماقدمته لنا مادة ثمينة أستاذ عيد ولاأدري غن كنا لانعرف عنه الكثير ومن هو السبب في ذلك , وإذن فهل انت مطلع على جانب من إنتاجه؟ فهو يعد حسب قولك اعمق حتى من مستشرق , فقد خدم اللغة العربية خير من العرب.
    حتى نكاد نشك بان له جذورا عربية في طرف ما.
    كن بخير وسؤال سريع هل كتبه متوفرة لنقراها؟
    مع جزيل الشكر.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. من كتاب أزمات الشباب/أوجست أيكورن
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الطب النفسي .
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-06-2014, 08:20 AM
  2. نبذة تاريخيّة موجزة عن حيّ الميدان بدمشق
    بواسطة مازن الحكيم في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 05-16-2011, 01:29 PM
  3. مويسة : أم التلال السبعة والثلج الذي لا ينقطع
    بواسطة محمد زعل السلوم في المنتدى فرسان العائلات العربية والتراث.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-25-2010, 05:59 PM
  4. قراءة موجزة في فلسفة الميراث قبل الإسلام وبعده
    بواسطة عبدالوهاب محمد الجبوري في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 10-22-2009, 04:17 PM
  5. عبارات موجزة
    بواسطة محمد على حسن في المنتدى فرسان العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 03-25-2008, 06:51 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •