قراءة موجزة في فلسفة الميراث قبل الإسلام وبعده
الباحث الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري
تعريف الإرث
(وقد يرادفه اﻟميراث فهو تركة الميت) هي عادة توريث ممتلكات أو ألقاب أو ديون أو مسؤوليات عند وفات أحد الأشخاص، وهو من العادات الأساسية في المجتمعات ، وقوانين الميراث تختلف من مجتمع إلى آخر وما بين الأديان وكما أنه تطور عبر الأزمان ..
هنا نتعرف على تفاصيل مهمة جدا في الميراث قبل الإسلام لكي يعرف الجميع أهمية ما قام به الإسلام في هذا الجانب وعظمة الحكمة الإلهية .
الميراث عند قدماء المصريين
لقد عرفـه قدمـاء المصريين حيث كانت الأرض بمصـر ملكا للفراعنة ، في حين لك يملك المواطنون الأرض إلا فـي عهـد الملك ( بخوريوس ) مـن ملـوك الأسـرة الرابعة والعشـرين التي ملكـت مصـر سنة 731 قبـل الميلاد ..
كانـت طريقـة التوريث عندهم أن يحل أرشـد الأسـرة محل المتوفى فـي زراعـة الأرض والانتفاع بهـا دون ملكيتها ، كانـوا لا يفرقـون بين الذكر والأنثى وقيل إن ميراث الأنثى كان أقل مـن ميراث الذكـر وذلك باخـتيارها ، كما كـانوا يـورثـون الـزوج والأم والإخـوة والأخـوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات ..
الميراث عند قدماء الرومان
كان عبارة عـن إقامـة خليفة للمتوفى يختاره في حياته مـن أبنائـه أو من غيرهم بشرط موافقة القبيلة على هذا الاختيار ، وفي سنة 543 م تغير الوضع وأصـبحت القرابة قاعدة للميراث ، وينحـصر الإرث في فروع الميت ثـم أصـوله ثـم الإخـوة الأشقاء ونسلهم ثـم الأخوات الشقيقات ونسلهن ثم الإخـوة لأب ونسلهم ثم الأخوات لأب ونسلهن ثم الإخوة لأم ونسلهم ثم الأخوات لأم ونسلهن ..
وكل طبقة من هـذه الطبقات يتساوى فيها الذكور والإناث في الميراث وإذا لم يترك المتوفى فروعا ولا أصـولا ولا إخـوة ولا أولاد إخـوة يرثه قريبه البعيد ، إذا لم توجد له قرابة بعيدة كانت التركة لبيت المال ، ذا ولم يكن للزوجين حق التوارث من بعضهما لعدم القرابة ..
الميراث عند قدماء اليونان
كان الميراث عنـد قدمـاء اليونان أقـرب شـبها بالميراث عنـد قدمـاء الرومان في إقامة خليفة للميت إلا أنهم ارتأوا أن هذه الوصية تحتاج إلى القضاء بصحتها خشية النزاع ..إذا مات الموصى أصبح الوصي رئيسا على الأسـرة ، يتصرف
قي أموالها وأفرادها كيف يشاء ،يزوج من يشاء من بنات الأسـرة ،ويمنع زواج من يشاء منهن .
الميراث عند الأمم الشرقية القديمة
المـراد بالأمم الشـرقية القديمة هـم الكلدانيون والآرام والسـريان والفينيقيون وغيرهم مـن فروعهم ، وكان الميراث عندهـم أن يحل البكر من الأولاد محل أبيه .
وعند عدم وجود البكر يقوم مقامه أرشد الذكور من الأولاد ثم الإخـوة ثـم الأعمام وهكذا إلى أن يدخـل الأصـهار وسـائر العشيرة ، وكانـوا يحرمون الأطفال والنساء من الميراث ..
الميراث عند اليهود القدامى
وللدين اليهودي قوانينه في التوريث إذ ذكر في التوراة: (ِحَقٍّ تَكَلمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ فَتُعْطِيهِنَّ مُلكَ نَصِيبٍ بَيْنَ أَعْمَامِهِنَّ وَتَنْقُلُ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ إِليْهِنَّ. 8وَتَقُول لِبَنِي إِسْرَائِيل: أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ وَليْسَ لهُ ابْنٌ تَنْقُلُونَ مُلكَهُ إِلى ابْنَتِهِ. 9وَإِنْ لمْ تَكُنْ لهُ ابْنَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ لِإِخْوَتِهِ. 10وَإِنْ لمْ يَكُنْ لهُ إِخْوَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ لأَعْمَامِهِ. 11وَإِنْ لمْ يَكُنْ لأَبِيهِ إِخْوَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ لِنَسِيبِهِ الأَقْرَبِ إِليْهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَيَرِثُهُ». فَصَارَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل فَرِيضَةَ قَضَاءٍ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى) وهو النص الذي يتبعه المسيحيون في تطبيق التوريث ..
ومن الملاحظ عند اليهود توريث البركات إذ أنه من العادة توريث البركة إلى الابن الأكبر واللعنة إلى الابن الأصغر (كما فعل اسحق بإبنيه يعقوب وعيسو) وهذا النوع يتوارثه البنون والحفدة عبر الأجيال ..
المعروف أن اليهـود يحـبون المال حبا جما ويعتزون بـه إلى درجـة الحرص على عـدم ذهاب شـيء مـن مال الميت منهم إلى غير أسـرته نعني فروعـه وأصـوله , ومتى وجـد أحـد منهـم مهما بعـدت درجـته فـي القرابة كان أحـق بالمال حتى تحـتفظ الأسـرة بأموالها فيما بينها ومـن أجـل هـذا كانوا لا يجـعلون للأنثى حظا مـن مـيراث الأب إذا كان لـه ولـد ذكـر سـواء أكانـت الأنثى أما أم زوجـة أم بنتا أم أختا للمتوفى .
وأسباب الميراث عندهم أربعة وهي البنوة والأبوة والإخوة والعمومة وإذا توفي الأب كان ميراثه لأبنائه الذكور ويكون للولد البكري مثـل حـظ اثنين من إخوته الأصغر سنا منه إلا إذا حدث اتفاق بين الإخوة عـلى اقتسـام الميـراث بالسـوية .
وإذا تـرك الأب المتوفـى أولادا ذكورا وإناثا كانت التركة من حـق الذكور وحدهم مع مراعاة أن يكون للبنات حق النفقة من التركة حتى تتزوج البنت أو تبلغ سن البلوغ كما يكون لها على إخـوتها الذكور قيمة مهرها من التركة في حدود معينة .
هـذا والأم لا تـرث ابنهـا ولا بنتهـا ، امـا إذا ماتـت الأم كـان ميراثها لابنها إن وجـد وإلا فلبنتها , فإن لم يكن لها ابن ولا بنت كان الميراث لأبيها إن كان موجودا وإلا فلجدها لأبيها .
وكل ما تملكه الزوجة يـؤول بموتها ميراثا شرعيا إلى زوجها وحـده لا يشاركه فيه أقاربها . أما الزوجـة فلا ترث زوجها ولكن لها الحـق فـي أن تعيش مـن تركة زوجها الميت ولو كان قد أوصى بغير ذلك .
وإذا لم يكن للميت فروع ولا أصـول وكان لـه أقارب فالميراث بينهم بتفصيل معروف عندهم ، وأما إذا لم يكن لـه وارث من فروع أو أصـول أو حواشي كانت أمواله مباحة لأسبق الناس إلى حيازتها ، وتكون وديعة عنده مدة ثلاث سنوات ،
فإذا لـم يظهر وارث للميت فـي أثناء هـذه المـدة كانت ملكا لحائزها ملكا تاما .
تفاصيل اخرى عن نظام الميراث عند اليهود :
1-أسباب الميراث أربعه: البنوه والابوه والاخوه والعمومه
2-إذا توفي الأب كان ميراثه لأبنائه الذكور وحدهم دون شريك ويكون للولد البكري مثل حظ اثنين من أخوته الأصغر منه سنا ولكن إذا اتفق مع أخوته علي اقتسام الميراث بالتساوي صح الاتفاق
3-إذا ترك المتوفي بنين وبنات كانت ألتركه من نصيب البنين وحدهم ولكن يكون للبنات حق ألنفقه من ألتركه حتى تتزوج الواحدة منهن أو تبلغ سن البلوغ
4- ألام لا ترث في ابنها ولا في بنتها وان ماتت يكون ميراثها لابنها أن كان لها ابن وألا كان الميراث لبنتها فان لم يكن لها ولد ولا بنت فيكون ميراثها لأبيها أن إن كان وألا فلأبي أبيها إن كان موجودا وألا فلبعد أبيها
5 . توفي الشخص وليس له ابن ولا بنت كان الميراث لأبيه إن كان موجودا وألا فلأخوته الذكور وألا فلأخوته الإناث
6 . لرجل حق فيما تكسبه زوجته من كدها وفي ثمره مالها واذا توفيت ورثها فأن كل ما تملكه الزوجه يؤول ميراثا شرعيا لزوجها وحده
7 . أما الزوجه فلا ميراث لها من تركه زوجها اذا توفي قبلها حتي اذا اشترطت أن ترثه وكان له ولد بطل الشرط ولو حصل الشرط قبل الزواج
وإذا لم يكن للمتوفي وارث من أصول أو فروع أو حواشي كانت أمواله مباحه يمتلكها اسبق الناس إلي حيازتها الا انها تعتبر وديعه في يد حائزها لمده ثلاث سنوات فإذا لم يظهر وارث في هذه ألمده صارت ألتركه ملكا له ..
الميراث عند المسيحيين
أما الميراث عنـد المسيحيين فلم يتعرض لـه فـي الإنجيل لأن المسـيح حينما أرسل قام يدعو إلى جلاء الإيمان الحقيقي والمحبة , وأعلن أنه لم يجـئ لنقض الناموس اليهودي وإنما ليكمله .
والديانـة المسيحية تعنى بالجانب الروحـي والأخـلاقي , لذا اتبـع المسيحيون القدامى فـي تنظيم مواريثهم ما كان يجري عليه العمل فـي شريعة اليهود وبعـض ما جاء في القانون الروماني والشرائع الأخرى ..
الميراث عند العرب في الجاهلية
كان العـرب في الجاهلية لا يورثـون البنات ولا الزوجات ولا الأمهات ولا غيرهـن مـن النساء , وإنما يـرث الميت ابنـه إذا كان بالغا أو الأخ الأكبر أو العم أو ابن العم , لأن سبب الإرث عندهم القدرة على حمل السيف , وحماية العشيرة , والذود عن القبيلة , ومقاتلة العدو لهذا كانوا يقصرون الميراث على الذكور الكبار .
كما كانوا يورثون بسبب الحلف والتبني , فقـد كان الرجل في الجاهلية يقول لصاحبه : دمـي دمك , وهدمي هدمك , وترثني وأرثـك , وتطلب بي وأطلب بك , فإذا تم هذا وأيهما مات قبل صاحبه كان للحي ما اشترط من مال صاحبه الميت , كما يشـير إلى قولـه تعالى : ( ولكل جعلنا موالي مما تـرك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا ) .
كما كان الرجـل منهم يتبنى ابن غـيره , وإذا مات مدعي البنوة ورثـه الابن المتبنى إذا كان بالغا , وقد أعتق النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وتبناه , واستمر ذلك برهة في صدر الإسلام ثم نسخ .
الميراث في الغرب
في الغرب يختلف حكم التوريث من بلد لآخر. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، للموَّرث الحق في ترك وصية بكامل ما يملك لمن أردا سواء أكان قريباً أم غريباً أو حتى حيواناً فيما يمكن أن يحرم الأبناء كلياً من أي شيء في الإرث. لكن بشكل عام، فإن نصف الإرث يذهب إلى الزوج(ة) و النصف الآخر يتوزع بالتساوي بين الأبناء لا فرق بين ذكر و إنثى. هذا في العصر الحديث، و يشار إليه بقانون نابليون في التوريث، و لكن في سابق عهد نابليون بونابرت كان الإرث يذهب بالكامل للابن الأكبر سناً و لا شي للباقي، طبعاً كقاعدة عامة.
الميراث في القانون الفرنسي
حددت المادة 731 مـن القانون الفرنسي أنـواع الـورثـة بأربع فئات : فيأتـي فـي الدرجـة الأولى أولاد المتوفـى ذكـورا وإناثا , فنصـت المادة 745 من القانون الفرنسي على ما يلي : يـرث الأولاد وأبناؤهم والدهم ووالدتهم , جـدهم وجـداتهم دون أي تمييز بين الـوارث الذكـر والوارث الأنثى أي أن للذكـر مثل حـظ الأنثى في الميراث .
ويأتي في الدرجـة الثانية والـد الميت ووالدتـه , إخـوته وأخواته إلى قسـمة التركة عند عدم وجود أولاد له ذكورا أو إناثا , فإذا توفي المورث تاركا أخا أو أختا , إخـوة أو أخوات ورثوا التركة بكاملها , أما إذا توفـي المـورث تاركا أخا أو أختا , إخـوة أو أخـوات أو أبا وأما فالتركـة تقسـم إلى قسمين , فيأخـذ الإخـوة والأخوات أو هما معا النصف ويأخذ الأب الربع وتأخذ الأم الربع الباقي .
ثم يأتي في الدرجـة الثالثة الأعمام والخالات وأبناء العمومة , إذ نصـت المادة 754 على توريث الأعمام والخـالات وأبناء العمومة في حال عـدم وجـود وارث شـرعي غيـرهم ، ثـم يأتي أخـيرا وفـي الدرجـة الرابعـة بقيـة الأقارب .
إن القانون الفرنسي لم يورث الزوج أو الزوجة إلا في حالة عدم وجـود الورثة المذكورين أعلاه على أن يعطى حق استثمار قسم من التركة عند وجود الورثة الشرعيين بنسبة تسمح له بالمحافظة على وضعه الاجتماعي الذي سـبق وفاة المورث . أما الدولة فإنها لا تـرث مال المتوفى إلا عند عـدم وجـود ورثـة شـرعيين وزوج المتوفى .
ومـن موانع الإرث فـي القانون الفرنسي قتـل المورث أو محاولة قتلـه , ورميه بتهمة باطلـة ومعرفـة الوارث بمحاولة قتل مورثه , فيعتبر إذا غير جدير بالإرث .
ويحـرم مـن الميراث المحـكوم عليه مـن قبل القضـاء بقتـل مورثـه أو بمحاولة قتله , ومـن رمـى مورثـه بتهم يكون من شأنها القضاء عليه وأخـيرا معرفة الوارث البالغ بمحـاولة اغتيال مورثـه وعـدم إخـبار العدالة بذلك .
الإرث في الإسلام
للإرث في الإسلام قوانين وتوجهات مذكورة في القران الكريم التي تحدد أصول تطبيق الميراث، فلقد أعطى الإسلام الميراث اهتماما كبيرا، وعمل على تحديد الورثة بشكل واضح ليبطل بذلك ما كان يفعله العرب في الجاهلية قبل الإسلام من توريث الرجال دون النساء، والكبار دون الصغار،كما الآية: ﴿يوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ للذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾سورة النساء فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ولِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾
ويستوي إرث دين الإسلام على ثلاث أركان:
الموروث وهو الشخص المتوفي أو المفقود الذي يحكم القاضي بوفاته ..
الوارث والشخص الحي الذي يحق له الحصول على الميراث
التركة وهي حق الموروث ..
وتتحقق أسباب الإرث في الإسلام بطريقتين: إما بالنكاح أو بالنسب أي البنوة، الأبوة، الأخوة أو العمومة ، ولتحديد الموروث قوانين واضحة للمتمرس بالموضوع ..
وهناك اختلافات طفيفة في تطبيق الإرث بين المذاهب الإسلامية إلا أن أشدها هو توريث الابنة الذي يختلف في تفسيره السنة والشيعة ..
*************
المراجع
1 . القران الكريم
2 . العهد القديم
3 . العهد الجديد
4 . أركان الإرث وشروطه
5 . موقع الإسلام ( ويمكن الرجوع إلى كل التفاصيل المتعلقة بالميراث في الإسلام)على الرابط :
6 . تفاصيل أخرى عن نظام المواريث عند الشعوب القديمة يمكن مراجعة
مصطفى محمد عنبوة ، كتاب فقه المواريث
7 . منديات محمد صلى الله عليه وسلم وأخيه عيسى عليه السلام
8 . متابعة شخصية
***********
العراق في18 / 10 / 2009