أخٌ كَرِيمٌ
... ثم ما كان منهم إلا أن جاروا عليه وأمعنوا في ظلمه، فسولت لهم أنفسهم الأمارة بكل سوء وقبيح بسط ألسنتهم إليه مع أيديهم بمكروه كثير، ثم إنهم في كل مرة كانوا يلاقون وجهه الطلق المشرق بأوجههم المعتمة العبوسة، وكلما بادرهم بكلمة طيبة وثبوا على سمعه بمخالب من الكلمات الكريهة الخبيثة، حتى إذا جمعه بهم مجلس، فسألهم بحسَنَةٍ وخاطبهم بإحسان، أجابوه بسيئةٍ وقابلوا خطابه بشينٍ وعدوانٍ ...
لم يسلم في غيبته وحضوره لحظة من أذاهم، ولم يجد منهم يوماً ريحاً طيبة، بل كانوا يسخرون منه كلما وقعت عليه أعينهم، وما إن يبادر إلى دلهم على نور، حتى يباغتوه متهافتين غير مبطئين على إطفائه، وكلما أرشدهم إلى ملجإ يحتمون به، يفاجأ بهم متنافسين في هدمه، مجتهدين في طمس معالمه غير آبهين ولا آسفين ...
كم أشعلوا له من نيران أحقادهم بجهلهم وجهالتهم، فأخمدها بسماحته وحكمته، وكلما أنبتوا له أشواك حسدهم جعلها حصيداً بالدعاء الجميل وطلب الهداية لهم، وكم قذفوه آثمين بالألفاظ المشينة ورموه بالعبارات النابية، فجعلها بحكمته ورويته هشيماً تذروه الرياح ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com