صدر كتابي الجديد... من أروع ما كتبته في الإسلام الحضاري............
كتاب الإسلام والدبلوماسية....
فقرة من المقدمة...... وكامل الكتاب على الرابط....
دعواتكم يا حلوين..........
الدبلوماسية في الإسلام عنوان دقيق، يعكس الحاجة المتجددة لفهم القيم الكريمة التي بشر بها الإسلام في العلاقات الدولية، ويجتهد أن يقدم للمكتبة العلمية ملامح التوجه الحضاري للإسلام في الحياة الدبلوماسية.
تنطلق هذه الدراسة من مسلمة منطقية يتفق عليها العقل والنقل، وهي أن هذه الرسالة الخاتمة جاءت لخير الإنسانية العام، وأنها بسطت خطاب المحبة والسلام في الأرض على أساس من مصالح الناس، وأن الأصل في العلاقات الدولية التوازن والاحترام والمصالح المتبادلة، وليس الخصام والحروب، ولا شك أن ذلك لا ينفي حق الأمة في مواجهة الأخطار والتحديات الدولية، وبناء أمنها الوطني والدفاع عنه، ولأجل ذلك شرع الجهاد، الذي هو حق للأمة وواجب الراعي والرعية، والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر.
ولكن الغاية التي يتشوف إليها الإسلام هي الأمن والسلام العالمي، ونشر الإخاء والتراحم، بل إننا نؤكد هنا أن مصطلح السلام ليس هو الخيار القرآني في العلاقات الإنسانية، فالسلام هو هدنة بين متحاربين قد يكون على قلوب تغلي بالضغائن، وتأكيداً على هذه الحقيقة فقد أعلن الإسلام رسالته من أفق أعلى حين جعل الرحمة وليس السلام غاية كفاحه، فعكس بذلك أرقى هدف تسعى له البشرية وهو الإخاء الإنساني وهو الرحمة التي عبرت عنها الآية الكريمة في سورة الأنبياء: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
ومن المدهش أنه لم يقل رحمة بالمسلمين أو بالمؤمنين أو بالمتقين، وإنما قال للعالمين، وهي صيغة لا يمكن تفسيرها بأقل من الأسرة الإنسانية الواسعة التي تعيش على كوكب الأرض.
ولكن الوصول إلى هذا الهدف الكبير لا يتم بإلقاء المواعظ ونثر الحكم، بل إنه يتطلب وعياً حقيقياً بالعلاقات الدولية وبناء منظومة علاقات دولية متوازنة على أسس دبلوماسية حكيمة، تحترم فيها الخبرة والكفاءة وتجارب الأمم، ويعمل فيها المخلصون من أجل الوصول إلى عالم تسوده العدالة والمساواة والسلام.
وتتعاظم الحاجة لوضع هذه الحقائق أمام كوادرنا في السلك الدبلوماسي الذين يحملون صورة الوطن وقيم الإسلام إلى كل مكان يرحلون إليه في العالم، ليقدموا صورة طيبة عن الأمة الإسلامية، ويوفرون سبل الإحياء الحضاري، وتوفير صلة ماضي هذه الأمة بحاضرها ومستقبلها.
إن توافر هذه المعارف الدبلوماسية وفق قيم الإسلام أصبح اليوم أكثر حيوية وضرورة لشرح قيم الإسلام العليا التي تتعرض لقدر غير قليل من التشويه والاتهامات تقوم بها حملات فوبيا منظمة يقوم بها إعلام يعادي الإسلام والعرب، وتحركه ماكينات معروفة بكراهيتها للإسلام وانحيازها ضد قضايا العرب.
ولكن الدور الأكبر لنشر الاسلاموفوبيا في العالم اليوم إنما يقع على عاتق أولئك المتطرفين الذين يرسمون صورة قاسية عن الإسلام في العالم، حين يقسمون العالم إلى فسطاطين اثنين، يتبادلان ثقافة الكراهية، ويتناوبان النفخ في كير الحروب، ويقدمون موقفهم هذا على أنه الجهاد الذي فرضته الشريعة، ويتبع ذلك بكل تأكيد رفضهم لأي علاقة ودية بين المسلمين وبين أمم الأرض، ويحولون دون قيام دبلوماسية ناجحة تتأسس على قيم الإسلام في الرحمة وتدعو إلى عالم من التفاهم والحوار وفق ما دعا إليه القرآن الكريم: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾.
إنني متمسك بما كتبته من قبل أن هذه الحضارة التي نشهدها اليوم هي حضارة إنسانية بامتياز وليست شرقية ولا غربية، وإن القيم التي أعلن عنها القرن العشرون في الحرية والتسامح والعدالة والديمقراطية والعلاقات الدولية هي قيم إنسانية كافح الإنسان طويلاً في الشرق والغرب لتحقيقها، واشتركت فيها الحضارات جميعاً من يونانية ورومانية وإسلامية وأوربية، وإن ربط هذا المنجز الحضاري بأمريكا أو أوربا أو أي مكان في العالم يتبنى هذه القيم الحضارية ليس موقفاً صحيحاً، وإن الناس من سائر الأمم شركاء في هذه الحضارة الإنسانية، بما أنجزه آباؤهم وأجدادهم من كفاح شريف للوصول إلى هذه القيم الإنسانية المشتركة.
ويجب القول إن منطق صدام الحضارات الذي تبناه متطرفون في الغرب ومنطق الفسطاطين الذي يتبناه متطرفون في الشرق كلاهما مجاف للحقيقة وبعيد عن هدي الأنبياء، وإن السبيل الوحيد لقيام عالم آمن هو التعاون والتواصل والتكامل.
لقد دخلت هذه الحقائق الوعي الجمعي لدى المثقفين في العالم، ويتحد العقلاء اليوم في مواجهة ثقافة الإلغاء والإقصاء، وهي حقيقة جسدتها الدول الإسلامية في منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي سابقاً) حين اتفق زعماء العالم الإسلامي على رفض منطق صدام الحضارات، وقامت المنظمة بتحرك دبلوماسي مسؤول وتوجهت باقتراحها إلى الأمم المتحدة ونجحت في تسمية العام التالي عام حوار الحضارات، والذي أسس تالياً لما بات يعرف بتحالف الحضارات وهو ما تشارك فيه اليوم أكثر من مائة دولة في العالم، وتتولى قطر رئاسة الدورة الحالية لتحالف الحضارات العالمي.
ولا يخفي كاتب هذه السطور رأيه في هذه المسألة في وجوب تجاوز مصطلح الحوار إلى مصطلح الوحدة، فالحضارة الإنسانية في الواقع حضارة واحدة تعاقبت الأمم على بنائها خلال تاريخ طويل، انتقلت فيه شعلة الحضارة من الشرق الأدنى والشرق الأقصى إلى اليونان إلى فارس إلى الرومان إلى الحضارة الإسلامية ثم إلى الحضارة الأوربية والأمريكية، وهي اليوم نتاج كفاح الأمم جميعاً، وبإمكانك أن ترى في مشافي كليفلاند في أمريكا أثراً واضحاً للرازي وابن سينا تماماً كما كنا نرى في بيمارستانات بغداد والأندلس أثراً واضحاً لأبقراط وجالينوس، والأمر نفسه في سائر العلوم الكونية، وكدلك في السنن الاجتماعية من الحرية والعدالة والمساواة والإخاء التي شاركنا فيها خلال التاريخ، وحين يتم إنجاز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويتم الإعلان عنه في نيويورك فإنني أبصر بين الرجال الذين حققوه عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي، وكفاح الأنبياء من قبل، فهؤلاء جميعاً شركاء في شرعة حقوق الإنسان التي مرت عبر التاريخ في مواجهات كثيرة ضد الاستبداد والقهر، وشارك حكماء هذه الأمة صيحتهم في وجه العالم (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).
إنها إذن شعلة واحدة للحضارة الإنسانية، فالحضارات تتكامل ولا تتقاتل، وتتواصل ولا تتدابر، فالصراع لا يكون بين الحضارة والحضارة أو بين النور والنور، وإنما يكون الصراع والصدام بين الحضارة والتخلف، وبين العلم والجهل، وبين الظلمات والنور، وإنها إذن الأسرة الإنسانية الواحدة التي جاءت من نسل آدم، ومسؤولية أبنائه أن يتعاونوا لاستثمار خيرات هذه الأرض وضبط مقاطع الحقوق فيها وتوفير العيش الكريم لسائر الأمم والشعوب.
إن من المدهش أن الخطاب القرآني جاء عالمياً إنسانياً بامتياز، ونادى الناس بصيغة يا بني آدم، ويا أيها الناس، وهي الصيغة التي أعلنها النبي الكريم في آخر أيام الرسالة في حجة الوداع: (أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد وإن دينكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب).
وقد افتتح القرآن الكريم بآية ذات دلالة وهي قوله تعالى: ﴿ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ﴾، فلم يقل رب المسلمين ولا رب العرب ولا رب المتقين، واختتم بقوله: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَهِ النَّاسِ﴾، ولم يقل رب المؤمنين أو العرب أو العجم، وما بين الفاتحة والخاتمة جاء بيان القرآن العظيم: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
وإذ أكتب هذه السطور فإنني أرجو أن أضع بين يدي زملائنا الباحثين، وأبنائنا الصاعدين في السلك الدبلوماسي هذه المعارف الدبلوماسية التي نتقتبسها من ضياء القرآن ونور السنة وتاريخ الأمة، وهي تلتقي مع كثير من القيم الدبلوماسية العريقة وتغنيها وتثريها وتفيد منها.
وكلي أمل أن تجد هذه الدراسة مكانها في المكتبة العربية، وأن ينتفع منها أبناؤنا الصاعدون في السلك الدبلوماسي، وأن يدرك شبابنا المتقدمون إلى العمل في السلك الدبلوماسي غنى الحضارة الإسلامية في هذا السبيل، وحكمة الشريعة الإسلامية وخصوصيتها، وبالتالي معرفة بعض التحفظات التي تمسك بها الفقهاء في السلوك الدبلوماسي، وأن يدركوا الآفاق البعيدة التي قدمتها الحضارة الإسلامية في حقل الدبلوماسية، وحجم المشترك الإنساني في الحقل الدبلوماسي، والمسؤولية الملقاة على عاتقهم لنقل صورة حضارية وحكيمة للدبلوماسية الإسلامية التي شاركت وتشارك بفاعلية ونجاح في تحقيق ازدهار الشعوب.
https://www.4shared.com/file/KJ7_iZYY/__online.html?