في كتابة الذي اصدره مؤخرا والموسوم ((الايقاع والدلالة في الآيات القرآنية مشروع عروضي جديد)) لمؤلفة الاستاذ المساعد الدكتور عبد الحسن خضير عبيد المحياوي تحدث المؤلف عما جاء به من نظرية جديدة في كيفية قراءة الأيقاع في الآيات القرآنية وتقصي إِشراقة الدلالات مع تنوع الايقاع مستنبطا بذلك إِيقاعات ودوائر عروضية جديدة لم يسبقه اليها احد غيره من الباحثين .ولتسليط الضوء على هذه النظرية كانت لنا هذه الوقفة الحوارية مع الدكتور عبد الحسن ليفصل الحديث عن مضمون كتابهس : كيف كانت ولادة هذه الفكرة في مجال بحثكم العلمي ؟ ومدى اصالة البحث فيها ؟•- البداية الحقيقية كانت في مرحلة الدراسة الاولية الجامعية قسم اللغة العربية في كلية التربية جامعة الموصل للفترة من 1985 /1989 اذ ما زال عالقاً في مخيلتي وذاكرتي رأي أبي هلال العسكري في كتابه (الصناعتين) في كيفية تعلم صنعة الشعر وكيف يكون اسلوب الشاعر قوياً عند استناده الى اساليب القران الكريم وحفظه . حينها سرتُ على وفق هذه الاشارة الجميلة وما زلتُ الى الان ليس في الكتابة الشعرية فقط بل في التنظير لاصلاح النحو العربي الذي بدأ يتيبس ماؤه تماماً وينفر منه الدارس نفوراً كبيراً واذكرُ جيداً كيف ان احد طلاب القسم من دفعتي قد سجل مشروع بحث التخرج في احد موضوعات العروض ورفضت الاستاذة المشرفة على هذا الطالب رحمها الله الموضوع رفضاً قاطعاً وقالت في حينها ( إن العروض لا يؤتى فيه بشيءٍ جديد) . ومن محاسن الصدف والزمن أنَّ من قام بتدريسنا مادة العروض استاذان فاضلان مشهودٌ لهما في هذا المجال هما الاستاذ الدكتور صبري مسلم والاستاذ الدكتور عبد الرضا علي .. ودار الزمان وشاء الله لي ان اتقدم بهذه الدراسة بعد ان قدمتُ لها بمقالة عنوانها (الايات القرانية مشروع عروضي جديد) وشاء الله ان يكون استاذي الفاضل الدكتور عبد الرضا علي من يقدم لهذه المقالة وهي بخصوص الايتين القرانية الاولى من سورة الاعراف 77/38 (كلما دخلت أمّةٌ لعنت اختها) والاخرى من سورة البقرة 2/2 (ذلك الكتاب) إذ قال في نهاية المداخلة ( ومع كل هذه الملاحظ فإنّ محاولتي الدكتور عبد الحسن خضير المحياوي الابتداعيتين في الايقاع العربي تبقى حريّة بالدراسة والاشارة ... واكرر القول ان هذه الملاحظ لم تقدح بتلك المحاولات وان اختلفتُ معها في الجانب الفني) . ولا يخفى على أحد مدى خطورة هذه الدراسة لاسيما وأنها تتعلق باعظم نصٍّ سماوي مقدس هو القران الكريم . وأما عن اصالة هذه الدراسة والبحث في موضوعها فسأبسط لك الحديث عن الشهادات التي حصلت عليها من الاساتذة الاكادميين والمتخصصين في هذا المجال .•· تقول الاستاذة المساعدة الدكتورة نادية هناوي (استمتعتُ كثيراً وأنا أقرأ الكتاب وهو عمل اسلوبي طيب ومبارك وفيه طرحٌ إحصائي أصيل وتعليلات قيمة وهي جديرة بالبحث والدرس وتفصيل القول في ما تضمنه كتابكَ الاصيل دكتور ، لا يسعه المقام هنا اجمالاً .. أكرر اعجابي بجهدك وادعو الله ان تواصل في هذا المضمار المبارك مع التقدير) . وأما الاستاذة الدكتورة ولاء صادق الاسدي فتقول : (قرأتُ كتابكَ الموسوم (الايقاع والدلالة في الاياتالقرانية) أقول بصراحة (الكتاب عملٌ جريء ، فيه ابداع ، وجهد كبير لا يمكن تجاهله ، او نكرانه ، تمنياتي بالموفقية للباحث ومزيداً من العطاء) ثم تقول (أنت جاد ومبدع وهذه حقيقة سمعتها منك وقرأتها .. لم اوفق بالعروض لان اساتذة فضلاء اطلعوا واشادوا ومنهم الدكتور صبري مسلم . الدراسة جادة ومصيرها كتاب يلجأ اليه المهتمون .. أنا اشجع العقلية العلمية ، وعند مناقشتي لك ادركتُ ذلك .. وفقك الله أنت باحث لديك امكانيات متميزة منذ كنت في الماجستير وأنا احترم ذلك . بوركتَ باحثاً متميزاً ذا خلقٍ راقٍ). أما الاستاذ الدكتور محمد جواد الطريحي فقال بحق الكتاب انه (ابداع لا يصدر الا من مبدع وقد وصلتْ نسخ منه الى ذوي الاختصاص واشادوا به كما استنسخت منه نسخاً لمكتبات الكلية السبعة لكي يفيد منها الدارسون ولكي يطلع عليه اساتذة اللعة العربية والجهد الكبير المبذول فضلاً عن التناول المبكر ، ونحن احوج ما نكون للجدة بعد ان بقينا ازماناً نلوك الطرق البالية.. ننتظر منك الاستمرار على هذا النهج مع اسمى الاعتبارات) . وأما الدكتور امير عبد الله فقال بحق الكتاب (قرأته منجماً قراءة سريعة ، والحقيقة اكثر مما وصفاه الاستاذان الدكتور عبد الرضا علي والدكتور صبري مسلم .. ابداع وابتكار .. هذه حقيقة لانه جهد علمي راقٍ ونتاج مهم في باب ترك البحث فيه) وأما الاستاذ الدكتور طه محسن فيقول (تحية زاكية .. ليس غريباً ان يكون عطاؤك بأيدي الناقدات والناقدين وتحت انظارهم) .واما الاستاذ الدكتور علي جميل فيقول (هذه الافكار تدل على عمق في التفكير مما يجعل المتلقي يشير الى صاحبها بالبنان لانها تثير الجدل النافع. وفقك الله لما فيه الخير والنجاح) واما مسك الختام لهذه الشهادات فهو رأي الاستاذ الدكتور عبد الهادي خضير نيشان اذ يقول (بسم الله الرحمن الرحيم . الدكتور الفاضل عبد الحسن خضير المحترم .. تحية : أود أن أسجل اعجابي بكتابكم الاخير الايقاع والدلالة في الاياتالقرانية فالجهد العلمي فيه واضح ومتميز بما يجلي شخصيتكم البحثية التي ارجو لها دوام التقدم والرقي، وأنا على ثقة انكم اذا ما واصلتم هذا التطور وبهذه الرصانة العلمية فأنَّ بحوثكم القادمة ستكون باذنه تعالى بحوثاً متميزة وتأخذ مكانتها التي تستحقها في مكتبتنا العربية مع خالص تقديري) ومع هذه الشهادات التي اعتز بها فقد قامت الاستاذة الدكتورة نادية هناوي سعدون بدراسة اصيلة مفصلة عن هذا الكتاب مع ربط جوانبه التنظيرية الخاصة بالايقاعات التي استنبطناها بالمجموعة الشعرية (صدى الايام صدى الالام) و(خواطر شاعرية) وهي دراسة وافية وثرّة وبديعة .س/ ما طبيعة هذه الدراسة ؟•- إن هذه الدراسة دراسة تطبيقية بالدرجة الاولى وليست استقائية من الدراسات السابقة او المصادر وهذا يعنى بالضرورة إنّ العبء الاكبر سيقع على الباحث ولا يسمح فيه بأيّ خطأ او زلل وإن كانت هناك من المصادر في هذه الدراسة فنسبة الفائدة منه قليلة جداً وهي تعني بالاياتالقرانية التي وردت على ايقاعات او وحدات مقطعية خارج اوزان العروض الخليلي . كما وتشمل موازنة مع بعض بحور الخليل التي تحمل جوازات عروضية والتي لا يمكن ان تحمل مثل هذه الجوازات ، وكيف وردت مثل هذه الجوازات وعدمها في الاياتالقرانية . ونشير هنا الى أنّ الايات التي افادت منها هذه الدراسة كثيرة ولا أدعي الاحاطة بجميعها على الرغم من أني قضيت اكثر من خمسة اشهر في قراءتها وتتبعها ببطءٍ واناةِ وربطٍ بين ايات متقدمة وايات وردت في مكان قصي من القران وكيف تم الربط بين دلالاتها ووحداتها الايقاعية . وكانت مصادري في هذ المجال مجموعة جداً مهمة من كتب العروض فضلاً عن المعجمات وتفسير مساعد واحد .س/ هل سبقك أحد الى هذا الاكتشاف ؟ وبم تتميز عنه ؟•- من خلال العرض المتقدم لشهادات الاساتذة الاكادميين والمتخصصين تبين لك ان اصالة هذا الموضوع وبحثه ، فضلاً عن ان الدكتور عبد الواحد زيارة في دراسته عن سحر النص قراءة في بنية الايقاع القراني وفي الصفحة العاشرة قد اشار قائلاً (لا نعرف دراسة مستقلة تناولت الايقاع القراني ودلالاته) قد وضعنا في محك صعب لاقتران دراستنا هذه بالعلاقة بين الايقاع والدلالة في الاياتالقرانيةلاجل استنباط ايقاعات وموازين مستوحاة من نصوص الاياتالقرانية بعد تحليلها ايقاعياً ودلالياً وتركيباً وقد بثثنا اكثر استنتاجاتنا في داخل جزئيات الابحاث بوصفها دراسة تطبيقية تحليلية ايقاعية لقد كان منهجي في الدراسة الافادة من المصادر لاجل تحديد المنهج والابتعاد عن التكرار ومن ثم الاقتباس من بعض المصادر حين يتطلب الامر ، وقد ارتأيت التكثيف والتركيز فيها لأن الاتساع في مثل هكذا دراسة يجعل الموضوع مثقلاً ومترهلاً لا يمكن الالمام به ، وربما تضيع الفكرة الاصلية من الدراسة ، لذلك جعلتُ مصادرها قليلة مفيدة ، لقد تمكنت في هذه الدراسة من رسم تسع دوائر عروضية جديدة فضلاً عن واحدة اخرى بعد ان تم طبع الكتاب بشهرين واحتفظ بها مع مجموع جديد من الاياتالقرانية ذات الايقاعات الجديدة . وكل ايقاع معه قصيدة او مقطوعة من نظمي .ولم اضمن هذه الدراسة من الشعر العربي سوى بيتين لابن المعتز ، وبعض الاسطر من قصيدة انشودة المطر لبدر شاكر السياب اذ اننا نكاد نجزم بأنّ اغلبية الاوزان الشعرية المستحدثة في ما بعد العصر الاسلامي والى عصرنا الحالي وفي ضمنها الموشحات والاوزان القصيرة مأخوذة بقصد او غير قصد من ايقاعات الاياتالقرانية.•- ما تحاول اضافته للعروض في هذا الاكتشاف ؟•- هنا سأسرد لك النتائج التي توصلتُ اليها في هذه الدراسة وهي كما يأتي :•1) ان الايقاع بمفهومه الدلالي السياقي يعد المحور الاول في البناء الاعجازي التركيبي للقران الكريم ، والدليل وجود ايات متعددة ومن سور متفرقة اتفقت في الدلالة والايقاع واخرى اختلفت في الدلالة واتفقت في الايقاع ، وثالثة لها علاقة دلالية بالايقاع امكننا الوقوف عليها واستنباط ايقاعات متعددة منها . في حين أن المتعارف عليه الى الان ان القران معجزٌ بنظمه وتأليفه منذ ما يقارب من الف عام .•2) نرجح أن العروض الخليلي مستوحى من القران وليس من الشعر كما هو معروف ... ودليلنا امران ، اولهما مجيء ايقاعات متعددة يمكن رسمها في دوائر عروضية ، ومنها مجيء ايقاع الوافر مردفاً بإيقاع الكامل في اية واحدة في قوله تعالى في سورة فصلت 41/21 (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين ايديهم) والوافر والكامل يؤلفان دائرة المؤتلف ، كما وردا في قوله تعالى في سورة الاعراف 7/63 (لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون) .•3) العلاقة الاعجازية بين الايقاع والدلالة تتمثل ايضا بتبادل مواقع الوحدات المقطعية او الايقاعية وتعاكسها مع بقاء الدلالة مشرقة قوية وقد اخذنا امثلة متعددة على هذا الامر .•4) العلاقات بين الايقاعات في الايات القرانية علاقات عجيبة وفيها اسرار خشينا ان نتعمق فيها اكثر من هذا المدى وخاصة بين الايقاعات السباعية فيما بينها والسباعية والخماسية من جانب اخر .•5) التداخلات الايقاعية واختلاف الوحدات المقطعية في الآيات القرانية وتبادل المواقع اسهم في استنباط الايقاعات الجديدة التي تم اقتراحها بحوراً لنظم الشعر باغراضه المختلفة ، اذ لا تشكل هذه التداخلات وتبادل المواقع أيّ أمرِ نشاز في الايقاع القرآني وهذه من اسرار النظم المعجز في القرآن.•6) من الايقاعات التي يصعب الكتابة عليها ايقاع السريع الذي جاءت وحدته الايقاعية الاخيرة (فاعلاتن) وليس (فاعلن) وقد سطا عليها ابن المعتز فكتب عليها بيتين اشرنا لهما في المبحث الخامس .•7) كثرة مجيء الايقاعات القصيرة في القران الكريم التي تصلح للنظم عليها من الاناشيد والافراح فضلاً عن الاحزان والغرض التعليمي .نأمل من الله ان تكون قد وفقنا في تقديم شيء ولو يسيراً خدمة لكتابنا الكريم ولغتنا العربية الجميلة .. والله المسدد للصواب .
فاضل الحلو
15/05/2016