زيارة آل (منفوخ الفرشة)
لم يكن أحد لينتبه الى بخل تلك العائلة، لولا كثرة (غلبة) صاحبنا، فالعائلة تمتلك الكثير من العقارات ولها من الرجال المتعلمين وأصحاب الأعمال الكثير، ولم يكن أحد يظن أنهم بخلاء، وبالطبع لن يظن أنهم كرماء.
كان الاكتشاف من قبل صاحبنا عندما زارهم مع رفيق له لطلب المساعدة منهم في انتخابات البلدية، لم يكن ترتيب الزيارة بالأمر السهل، فقد توسط طرف ثالث من مدينة أخرى لترتيب تلك الزيارة، واشترط أهل الدار أن لا يزيد الزوار عن اثنين.
عندما صعدا الدرج المؤدي الى الطابق الأول حيث تسكن تلك العائلة، أحسا أن البيت قد تم طلاءه بالدهان قبل قليل، وعندما طلب منهما صاحب البيت التفضل بالدخول الى غرفة الضيوف العربية حيث تفرش المقاعد على أرضية الغرفة المغطاة بسجادة فخمة، كان المقعد عبارة عن فرشة (محشوة) بصوف الأغنام، وكان ارتفاع الفرشة أو انتفاخها ظاهرا للعيان.
بينما كان رفيقه منشغلاً بالحديث مع مضيفه حول البلديات والانتخابات وغيرها، كانت عينا صاحبنا تتجول في الغرفة، وتتسمر عند وجه من يقدم القهوة السادة، لقد لذعت حرارة الفنجان شفتي صاحبنا، فقرر أن يوجه السؤال الذي حاول إلغاءه: يبدو أنكم دهنتم بيتكم حديثا؟
لم يفاجأ عندما جاءه الجواب: كلا إننا قمنا بالدهان قبل ثلاث سنوات.
عاتبه رفيقه لعبثية سؤاله وتشتيت أهداف الزيارة، وما علاقة دهان البيت بالزيارة التي قاما بها..
ابتسم وقال: كان من الأفضل أننا لم نقم بتلك الزيارة، فالبخلاء لا ينفعوا للنجدات!
ـ وكيف عرفت أنهم بخلاء؟
ـ هي قصة قديمة، لم أكن لأنتبه لها أو حتى أتذكرها، لولا ازدحام القرائن التي تدلل على بخلهم.
ـ قصة؟ .. أي قصة؟
ـ ذات يوم في شبابنا، كان أخو مضيفنا يراقبني ـ بالصدفة ـ وأنا أشتري أنبوبين لمعجون الحلاقة، من الدكان الذي صدف أن كان هو داخله. فسألني: لماذا تشتري أنبوبين؟ فأجبته جوابا لم أعد أذكره، فقال لي: هل تريد أن يطول عندك أمد أنبوبة المعجون؟ وقبل أن أجيبه، أضاف: لا تغسل فرشاة الحلاقة بعد أن تنتهي، فغسلها يزيد من استهلاك المعجون!
ـ وماذا ذكرك بتلك القصة؟
ـ الفرشة المنفوخة، دلالة على بخل أصحابها، فكثرة جلوس الضيوف ستزيل انتفاخ الفرشة.
والقهوة الحارة جدا، نحن نعرف أن درجة غليان الماء هي 100 ولكن القهوة التي شربتها كانت حرارتها حوالي 150، وهي طريقة حتى تربك الضيف لكي لا يطلب فنجالا آخراً.
ـ ولماذا سألته عن دهان البيت؟
ـ لكي أتأكد من صحة افتراضاتي، فالجدران غير المخدوشة، لا يدخلها أطفال مع ذويهم في الزيارات، وهي خصلة بخل أخرى، عرفها الناس عنهم.
منذ ذلك اليوم، حملت تلك العائلة اسم عائلة (منفوخ الفرشة)