المطلوب : سينما تؤثر ولا تتأثر
المشكلة العربية : مشكلة حضارة او تخلف ..!!
في كل المجالات مشكلتنا محصورة بين الحضارة وبين التخلف ..!! لذا من الضروري على كل كاتب ملتزم , وعلى كل قلم منبري , ان ينبه دوما الى هذه النقطة وبالحال مستمر , حتى نستفيق من غفرتنا ونفرق بين الصالح والطالح في حياتنا الآنية والمستقبلية ..!!
وليس من باب التكرار , او الافلاس الفكري , ترديد ذلك اكثر من مرة .
والسينما العربية , هي المفاعل القادر على تفجير الطاقات الانسانية وتغيير السلوكيات المتخلفة عربيا , من خلال قدرتها على محاكاة الواقع العربي يقصد ادانته او مدحه في جانب من جوانب حياتنا اليومية الرتيبة ..!!
ولذا فالمطلوب عربيا على المستوى السينمائي :
هو سينما تؤثر ولا تتأثر ..؟!
1- السينما المؤثرة هي التى تقود الناس الى سلوك افضل من خلال فيلم عربي يتحدث عن اشكال الشخصية العربية وبنائها المجتمعي , بتفصيل فنى دقيق ومحبوك ..!
2- والسينما المؤثرة هي التى تشير الى التاريخ العربي بواقعية تتحدث عن بطولة الفرسان , وصمود الابطال , وانتصار الرجال للعقيدة والمبادئ باعتماد اكبر الامكانيات لمثل هذا الفيلم التاريخى , حتى ينقل معايشة كاملة لجمهور الثمانينات من القرن العشرين الميلادي , عن اجداده السابقين من جمهور العرب في القرن الخامس وحتى العاشر الميلادى بروايات تاريخية صادقة ومعبرة .
السينما المؤثرة هي التى تضع يدها على نقاط الضعف العربي من القاعدة الى القمة والعكس صحيح , فلسنا بحاجة الى فيلم عن حرب سنة 1956 ياتى بطائرتين في السماء او جندى يتلقى اوامر قائده في مناظر متقطعه من هنا وهناك لا تمت للواقع باي صلة .. نريد الدخول الى اعماق الجندي العربي وهو يقاتل في الحروب العربية – الاسرائيلة , ليفهم الجندي نفسه انه قصر هنا , وانه تميز هناك , وانه كان بطلا في هذه الواقعية , وكان مترددا فى تلك , نريد الحرارة والصدق في السينما تؤثر على الجندي والقائد العسكري , من خلال فيلم عربي يتحدث عن نشوة التحدى سنة 1956 , ومرارة النكسة سنة 1967 , وحلاوة العبور سنة 1973 , وبطولة المقاومة في الكرامة سنة 1968 , وعنادها في حصار بين بيروت سنة 1982 .
نريد فيلما عن الشهيد عبد المنعم رياض , كيف كان يعيش أيامه في يونيو سنة 1967 وكيف عاش يومه الأخير في موقع متقدم على جبهة القتال سنة 1969 .. الخ .
والسينما التي تؤثر هي سينما الفيلم السياسي الواقعي , الذي يتحدث بتفصيل دقيق عن هذا السياسي أو ذاك , وعن ذلك الحزب وتلك المنظمة وفي حياتنا نماذج كثيرة من البشر يمكن أن نتحدث عنها بدقة وتفصيل .. عن الأيام الأخيرة في حياة كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار , شهداء الفردان , وعن ليلى خالد وغسان , وعن تفكير رجال تاريخيين وحياتهم .
عن مثل هؤلاء بواقعية كاملة دون تحريف ودون تغيير إلا في الأسماء وبأسلوب سينمائي محبوك قادر على نقلنا إلى أجواء الحياة السياسية مع الزعماء والقادة كما هو قادر على نقلنا مع مافيا الشرق ومثير ..!! وهذا كله وليس غيره القادر على وضعنا في مصاف السينما العالمية .. حين تكون سينما تؤثر ولا تتأثر ..!!
مع الواقعية كلنا نحتفظ إلى الأبد في مخيلتنا أفلاما قوية وناجحة , لان الواقعية تجعلنا نعايش الحقيقة , فتؤثر علينا باى شكل من الأشكال , الواقعية التي هزتنا في الفيلم الحربي : أعماق البحار وأغنية على الممر, والفيلم السياسي : جميلة الجزائرية وليلة القبض على فاطمة , والأفلام التاريخية : الناصر صلاح الدين وعنترة , والمماليك وظهور الإسلام , واإسلاماه وعمر المختار , والأفلام الاجتماعية : العار وسواق الأتوبيس , والنمر الأسود وخرج ولم يعد , والحريف وأفواه وأرانب وأريد حلا , والمذنبون والخوف وزوجتي والكلب .
وغيرها من لأفلام الناجحة التي تثبت في الذهن وأثرت فيه ..!! لأنها أفلام تحدثت بواقعية , وقدمت مضمونا جيدا , ولم يعتمد نجاحها على اسم النجم , او على أغانيه , والعاريات فيه , بل لأنها أفلام شاركت مع الجميع , فقراء وأغنياء , وجهلة ومتعلمين , في البحث عن إجابة لمائة سؤال وسؤال , وفي الوصول إلى حل لقضية من القضايا الخافية على الناس , كما حدث في فيلم " الصعود إلى الهاوية " .. ومسلسل " دموع في عيون وقحة " .. ومسلسل " زينب والعرش " .
ولو حاولنا التدقيق قليلا كنقاد وفنيين وروائيين , وكتاب وصحفيين , عن أسباب النجاح الأكيدة في مجموعة الأفلام السابقة ذكرها , ستجد أن وراء هذا النجاح : واقعية , وصدق في التعبير .. واهتمام بالموضوع الواحد دون التشتت ..
الواقعية والصدق في التعبير تحتاج إلى سيناريست ممتاز , وممثل رائع , وديكور مناسب .
وتجانس الموضوع الفني ووحدته يحتاج إلى مخرج بارع يهتم بأصغر التفاصيل ..!!
السينما التي تؤثر , ليست سينما عادل إمام , وليست سينما نور الشريف أو فاتن حمامة , وليست سينما يوسف شاهين أو سعيد مرزوق ..
السينما التي تؤثر هي سينما الموضوع الصادق والمعبر عن حقيقة الحال , دون تزييف أو تلميع سينمائي ..!!
ونجاح يوسف شاهين أو سعيد مرزوق في كل أفلامهما يعود إلى اختيارهم للواقعية والموضوعية , والبحث عن المضمون ..!!
ونجح نور الشريف وفاتن حمامة وعادل إمام في التمثيل يعود إلى قدرتهم على التعبير بشكل أفضل من غيرهم حول أبطال القصص السينمائية التي يمثلونها
والجمهور ليس مغفلا أبدا ..
فهو حين ينحاز إلى الممثل قبل المخرج , ويعطى احترامه للممثل قبل السيناريست فلأن السينما التي يعيشها هي سينما الممثل والنجم وليست سينما الموضوع .
والجمهور ليس تافها أبدا ..!!
لأن التفاهة قادمة مع المنتجين تجار البندورة والقوطة والطماطم .. الخ .
فماذا يفعل هذا الجمهور المسكين مع سينما يتحكم فيها السماسرة القوادون ..!!
ولذا نحب نطالب :
- بسينما تؤثر على الجمهور موضوعيا ..!!
- بسينما تؤثر على الممثل فنيا ..!!
ولا نريد سينما تتأثر بالجمهور , وتخضع للممثل , وتخشى المنتج ..!!
فسينما تتأثر ولا تؤثر ستظل عقيمة ولن تنجح أبدا .