بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الأستاذ خشان ,

يسعدني قراءة ردك على مقالتي ( م/ع) ويبدو أننا سنظل على خلاف ما دامت أنت متمسك برأيك , ولقد تحاورنا سنوات طوال ولكن دون جدوى , فما فائدة الإعادة والتكرار ؟ لقد قلت لك مراراً وتكراراً بأن الإيقاع الشعري مخصص للشعر , وإن الإيقاع الغنائي يختلف باختلاف نمط اللحن الذي يساوق كلمات الأغنية , وإن إيقاع الرقص مخصص للحركات والأزمنة , وإن كلمة الإيقاع الشعري الموسيقي لها ميزة خاصة , يتناسب فيه الحركات والأزمنة على رتابة واحدة وعلى طول أبيات القصيدة الشعرية , ولهذا الإيقاع وزن الوحدات الإيقاعية , والتي تمثلها تفاعيل الخليل بن أحمد الفراهدي , أو ما يعادلها من كلمات برتابة معينه تأخذ مقاييس التفاعيل , وهذا كما كان في شعراء الجاهلية الذين لا يعرفون العروض البتة .

ومثل هذا الشرح فإن لك علم به , ووضعت لك بحثاً خاصاً عن مفهوم الإيقاع الشعري , وليس عن مفهوم الإيقاع بألسنة اللغويين الذين يجهلون الموسيقى وإيقاعها .

نعم نستطيع أن ننسب أي عبارة نثرية ,إلى الموسيقى أو النغم , وهذا لا يخلو من موسيقى اللغة العربية , ولا يخلو أيضاً من نغم القرآن الساحر .

أما وقد جاء ردك متأخراً , فلا يسعني إلا أن أرصد من هذا الرد أكثر من ثلاثين تساؤلاً , واختصرتها إلى أقل من ذلك بكثير , ولنأخذها على الترتيب :

الرد الأول : تقول نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي القرآن الكريم إيقاعه المتفرد , ولا يعني ذلك : الطي والخبل . )

ج ــ في لغة علم الإيقاع الموسيقي , لا يوجد إيقاع متفرد , وإيقاع غير متفرد ) فالإيقاع هو الإيقاع الذي يتحكم به وحدات زمنية وحركية ذات رتابة متناسبة )

وأما الشق الثاني من قولك أخي , فهو يتعلق بألقاب التفاعيل والتي هي تحدد نوع التفعيلة إن كانت ( مطوية ) أو كانت ( مخبونة ) أو كانت (مقبوضة ) , وإلا كيف عرفت مقاطع الكلمة أو الكلمات من غير أن تعرف حدود التفاعيل , فلو مرّ معنا قول الله سبحانه وتعالى ( قل هو الله أحد ) ( الله الصمد ) ــ ب ــ ــ ب ب ــ / ــ ــ ــ ب ــ

فكيف نحكم على هذه المقاطع , إن كانت نثرية أو شعرية , من غير دليل ألقاب التفاعيل ؟

طبعاً أنك تعرف الجواب حتماً , ولكنك تريد غض الطرف عن هذه الحقيقة . لذلك يستحيل أن تأتي آية واحدة بوزن الشعر لأسباب هي :

: الشعر يُنشد والقرآن يُرتل , ونعرف الشعر من إنشاده , ونميز القرآن من ترتيله , والترتيل ينسف الإيقاع , ولذا يستحيل أن نصف القرآن بالقرآن الإيقاعي , أو بالقرآن المقفى , لأن السجع النثري وإن رأيت به ما يشبه القافية إلا أن القافية الشعرية بعيدة عنه بعد السماء عن الأرض .

ألم تقرأ خطبة الحجاج ( يا أهل العراق , يا أهل الشقاق والنفاق ) هل هذا القول هو شعر وله قافية ؟ والجواب لا .

وإن العلماء الذين تكلموا عن الإيقاع القرآني , لا يقصدون به الإيقاع الشعري الموسيقي , بل يقصدون به الموسيقى أو النغم أو الجرس النثري , علماً أن القرآن ليس بنثر وليس بشعر , بل هو قرآن له مدلوله ومعانية وتصوراته وجرسه الذي يتحكم به الترتيل لقوله تعالى ( ورتل القرآن ترتيلا ) فعلماء الدين يجهلون الموسيقا وإيقاعها , بل يحرمونها تحريما .

فعندما يقول أحدهم: ( والقرآن الكريم يمتاز في كل سورة ... بأسلوب إيقاعي فني , فالعربية لغة موسيقية والقرآن الكريم يسير على سنن العربية وأساليبها في التعبير فتميز أسلوبه بالإيقاع المعجز والجرس اللافت للنظر )

ولو استبدلت كلمة إيقاع بكلمة ( نغم ) أو بكلمة ( موسيقا ) لعرفنا أنه لا يقصد الإيقاع بالمعنى الذي ينشده أهل الموسيقى الإيقاعية .

لأن الموسيقى شاملة وعامة , فليس كل نغم إيقاعي , وليس كل موسيقى إيقاعية , ولكن كل الإيقاع موسيقا , لأنه جزء منها .

وعندما يقولون ( لقد جمع النسق القرآني بين مزايا الشعر والنثر ) فالمعنى واضح , أنه أخذ من مزايا الشعر الإيجاز والبلاغة والفصاحة والنغم الساحر , ولم يأخذ منه التفاعيل وألقابها وميزاتها , وحتى لو وجدنا سورة شبه موزونة فلا نستطيع أن ننسبها للشعر , لأن الله لم يقصد الشعر , بينما الشاعر لا يقول قصيدة أقل من ثلاثة أبيات , فقصد وزنها فتسمى قصيدة , وقصد إيقاعها, فتسمى قصيدة إيقاعية بقافية واحدة , ورتابة واحدة وإيقاع واحد بأزمنة لا تتغير لأنها متناسبة ودقيقة التصور الزمني .

إن الشارح لللآيات استدرك قوله قائلاً ( ... فهو ــ أي القرآن ــ قد تجاوز قيود القافية الموحدة والتفعيلات التامة . فنال بذلك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه التامة )

ومن خلال هذا القول , فهم لا يؤمنون بشعر القرآن , ولا بقوافيه , ولا بتفاعيله التامة , لأن حرية التعبير لا تكون إلا في النثر , ولا تكون إلا في القرآن الكريم , لأن الهدف ليس بالوزن ولا بالقوافي , وإنما برصانة الكلمة وإعجاز المعاني .

فهم أي المفسرون والمحللون للقرآن يقولون أيضاً ( إن الإنتظام هنا لا يتمثل في تكرار ظواهر صوتية معينة على مسافات معينة , بقدر ما يتمثل في انتظام تزايد زخم الإيقاع النبري . من نبرتين إلى أربع إلى خمس نبرات في الأخير بعد أن استهل بنبرتين قويتين متتاليتين ـــ في سورة قل هو الله أحد , الله الصمد )

ولو تمعنت أخي خشان هذا القول , لعرفت أن القائل لا يفقه شيئاً بفنون الإيقاع الشعري الموسيقي ’ بل هو يقصد النغمات أو الجرس , أو الموسيقى اللاإيقاعية , ونعرف ذلك من قوله ( بعد أن استهل بنبرتين قويتين متتاليتين ) ومن المعروف موسيقياً أنه لا يتوالى نبرتين متتاليتين في الإيقاع , كما يقول الموسيقي ( شولز ) من كتاب كمال أبو ديب , في البنية إلإيقاعية للشعر العربي .

ولقد راجعت كتاب الأستاذ خشان العروض رقمياً , تسع سنوات وقلت فيه ما يلي : (( ومن خلال إطلاعي على عديد من الكتب الموسيقية والعروضية وحيث أن أكثرها حماسة هو كتاب العروض رقمياً الذي حاول إخضاع الجملة اللغوية للموسيقى الإيقاعية كما سنلاحظه بعد قليل . علماً أن ستانيسلاس غيارد ـ على ما نقله العياشي ـ يقول : قد رفض الإيقاع الشرقي ورفض أن يكون الشعر العربي لغة إيقاعية ) فكيف بأبناء اللغة العربية يتجاهلون إيقاع شعرهم ويتوجهون إلى نثر لغتهم لينسبوها إلى الإيقاع ؟ وماذا يقول خشان في كتابه العروض رقمياً صفحة 128

إنه يقول ( من عجيب أمر هذه اللغة وجمالها أنك تجد نثرها سلساً وذا إيقاع موسيقي يتطابق أحد أجزائه مع بحر من بحور الشعر , بينما يتطابق جزء آخر منه مع بحر آخر ولا أعني بذلك مع تفعيلة أو أكثر من ذلك البحر , بل في شطر كامل , ولا أجد لشرح هذه الظاهرة خيراً من تطبيقها على النص النثري التالي ( وأسجل أيضاً أن خروج السياب ونازك الملائكة ومن جاء بعدهما عن النص العمودي خروج ناقص بسبب ارتباط النص التفعيلي بإنشادية النص العمودي ) ويطول الحديث حول أقوال خشان , الذي يجعل من كل ثلاثة كلمات , وكأنها نصف بيت من الشعر , ويعني ذلك أن كل كلام الفصحى سيخضع للشعر الإيقاعي .

واليوم يأتي الأستاذ خشان وبعد فوات تسع سنوات ليكرر قوله في الإيقاع حيث يقول في رده سابقاً ( لك ــ يا غالب ــ أن تعتقد بخلو القرآن من الإيقاع , ولغيرك أن يعتقد أن فيه إيقاعاً ,

وأما الرابط الذي أرسله الأستاذ خشان حول مقال الدكتور طارق السويدان الذي يقول ( بعض الناس يسمونه الموسيقى , لكن الأفضل أن نسميه النغم في القرآن ) فلم يحبذ الدكتور تسمية ما في القرآن بالإيقاع , ولا بالموسيقى , بل يحبذ تسميته بالنغم , وهذا هو الصواب .

أشكرك أستاذ خشان , ولن يكون خلافنا في معرفة العروض سيؤدي إلى التفرقة بيننا , بل أصدقك القول بأنني مللت من تكرار السؤال والجواب , علماً أنني اكتفيت بمؤلفاتي الثلاث ( النظرية الحديثة للنبر الشعري , القواعد الحديثة في تطوير علم الشعر , العارض لأوزان الأشعار ) هذه الكتب تتوافر في مكتبات الجامعات والمدارس الأردنية , ويكفيي هذا من عناء الحوار المتكرر.

سلامي إليك وأستودعك الله وإلى اللقاء


http://omferas.com/vb/t48372/