قصصٌ فلسطينيّةٌ قصيرةٌ جداً
د. يوسف حطيني
1 ـ هيتَ لك
إلى الصديق جمعة الفاخري
أتمثّله يقفُ في حضرةِ الجمال الآسر، مستنداً إلى ملاذه في حضرةِ العزّ والسَّطوة، قائلاً: "معاذَ الله"، أتخيلُ امرأةً أخرى : أخذت زرقة عينيها من البحيرة، ورفعت جبهتها العالية مثل غزة، وخزنت في شفتيها عنب الخليل.
ترى لو جاءتني تلك المرأة الآن، هل كنت أستطيع الصمود، أمام إغوائها.
2 ـ أضغاث
كنت ما أزال في غيابة الجب، متزمّلاً بصبري، رأيت فيما يرى النائم أن إخوتي العشرين عادوا، ومدّوا لي حبل النجاة، أفقت على أصوات رصاص تحاصر جدران المكان: يدي على الزناد، وفي خاطري حلم بعيد..
3 ـ القميص
وقفت، مسنتداً إلى جدار إخوتي، في مواجهة الأعداء، ذرفت ذماء روحي، تسابقَ الشعراء إلى رثائي وتعداد مناقبي، وانهالت الأوسمة على ضريحي مثل مطر مفاجئ. شهد شاهد منهم: "إن كان قميصه قُدَّ ......"
كان مطرزاً بالرصاص والطعنات من كلّ صوب.
4 ـ الأمم المتحدة
كل واحدة منهن تحمل سكيناً، وقد أعدَّ الزعيم الأوحد لهنّ متّكَأ، حين خرجتُ عليهن بقميصي وحَطتي وعِقالي وزيتوني ودمي، تابعن أكل الفواكه دون أن ترفّ أجفانهن الكحيلة، ورمين القشور في وجهي، لم يكن ثمة بين الأصابع إلا دمي.
5 ـ اجتياح
قال رضيعة في بيت حانون، وهي تلتصق بصدر أمها، أريد أن أحفظ طعم الحليب.
قالت وردة في مخيم جباليا، ناشرةً عبقها الحزين: ربما تدوسني مجنزرة متأهبة.
قالت حمامة من مخيم البريج برعب: جناحاي ما زالا أبيضين.
قالت نملة من مخيم المغازي: "يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم" لا يحطمنّكم أفيخاي وجنوده.
تبسم أفيخاي ضاحكاً مما سمع، وأعطى أوامره ببدء الاجتياح.
6 ـ الخمر والأمر
متصبباً عَرَقاً، راح مدرّس اللغة العربية يشرح لطلابه حكاية امرئ القيس، بينما كانت تزكم أنوف الطلاب رائحة مجزرة إسرائيلية جديدة.
قال المعلم بحماسة: تلقّى امرؤ القيس خبر مقتل والده بهدوء؛ إذ تابع جلسته الخمرية، قائلاً: اليوم خمر....
قاطعه أحد الطلاب: وغداً؟
هتفوا جميعاً: وغداً؟
رددت الملايين: وغداً؟
- ....................
لم يصافح أسماع الجميع غير صمتٍ مطبق.
7 ـ كابوس
هَلِعاً جاءني طفلٌ غزاوي طالباً مني تعبير منامه:
"بقرة عجفاء تأكل عشرين بقرة سماناً"، قلت له وأنا أشدّ يدي على الزناد: إن تعبيرها أوضح من أن يقال، ولكن ضع بندقيتك تحت رأسك، ولن ترى مطلقاً مثل هذه الكوابيس المرعبة.
8 ـ الثلاثاء الحمراء
جاءت الحياةُ تعرضُ عليهم نفسها، سألَتْهم أن يتوبوا عن عشقهم القديم، قال محمد جمجوم في وصيته: "لا تبيعوا منها شبراً واحداً". امتدَّ أمامهم الموتُ أخدوداً تملؤه النيران، سألهم خَزَنَتُهُ أن يتوبوا حتى يعودوا إلى أهلهم، قال عطا الزير مخاطباً أمه البعيدة: "لو تندهي وينو عطا كل الشباب ترد".
زغردت النساء، في بيوتهن، وسبق فؤاد حجازي أخويه نحو المشنقة.
9 ـ أريج.
الموتُ، على غير عادته، كان يحوّمُ فوق رأس الطفلِ خجلاً مطاطئ الرأس، وكان فارس عودة يرشق، بالحجارة المقدّسة، دبابة إسرائيلية على بعد ثلاثة أمتار.
ما يزال الناس يذكرون قرب معبر المنطار كيفَ أطلقت دبابةٌ حممها اللاهبةَ على صدره العاري.. وكيف أرَّجَتْ ورودُ عمرِهِ الخمسَ عشرةَ فضاءَ المكان.
10 ـ بيت العنكبوت
- لو تعلمين يا ديبورا كم تعذّبني الخدمة على حدود غزة!
- يجب أن تكون فخوراً بذلك العمل عزيزي موشيه.
- أشعر أن الجدران تحيط بي، ولا أستطيع منع الغوييم من النظر نحو البحر والسماء.
بهلع راحت تنظر نحو الجدران، وهي تقترب منها لتحاصر روحها الخاوية.
أيار ـ مايو (2013) —