علي أحمد باكثير
الغائب الحاضر في موئل الثقافة والفكر
قال علي أحمدباكثير: (إنهم يحسبون أنهم سيقتلونني عندما يمنعون الأخبار عني أو يحاربون كتبي ويحجبون مسرحياتي عن الناس.
أنا على يقين أن كتبي وأعمالي ستظهر في يوم من الأيام وتأخذ مكانها اللائق بين الناس، في حين تطمس أعمالهم وأسماؤهم في بحر النسيان، لذا فأنا لن أتوقف عن الكتابة ولا يهمني أن ينشر ما أكتب في حياتي إني أرى جيلاً مسلماً يتسلَّم أعمالي ويرحِّب بها)
الأديب محمد غازي التدمري قدَّم محاضرة بعنوان: (علي أحمد باكثير المغيَّب الحاضر) ألقاها في القاهرة وفي اتحاد كتاب العرب في حمص فلاقت صدى كبيراً، وكان لنا معه الحوار التالي:
> ما الذي دعاك لتناول دراسة حول هذا الرجل على وجه التحديد؟
<< في الحقيقة لم أحدد دراسته بنفسي إنما كان الأمر بطلب من الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في مصر الذي أقام مؤتمراً بعنوان علي أحمد باكثير المفكر العربي الإسلامي الذي أقيم في القاهرة بمناسبة مرور مئة عام على ولادة أحمد باكثير
> أي الجوانب الهامة التي أوليتها بالدراسة حول هذا المفكِّر العربي؟
<< لقد لفت نظري ما قال علي أحمد باكثير عن نفسه، هذا مما دفعني لتناول الجانب المغيَّب في حياته الذي لم يكن مثاراً من قبل، فكنت أفضل البحث عن أسباب تغيبه وأسباب عدم الاعتراف به كمفكر عربي جدير بالاهتمام بالرغم من تشعب إبداعاته سواء في الشعر أو المسرح أو الرواية.
> لنرد لمحة قصيرة عن سيرة حياة علي أحمد ؟
<< ولد علي في (سوروباليا) في أندونيسيا عام 1910 لأبوين عربيين يمنيين، تلقى علومه فيها ثم غادرها إلى عدن والصومال والحبشة والحجاز ثم مصر التي قدم إليها عام 1934 ودرس في جامعتها اللغة الانكليزية ودبلوم التربية وبقي فيها حتى نهاية حياته عام 1969.
> إذا كان علي أحمد من مواليد أندونيسيا وعاش في عدة دول بعيدة عن مصر فما مبرر وصوله إليها واستقراره فيها؟
<< هو كان يحلم بالمجد والقاهرة كانت موئلاً للثقافة والفكر حينذاك ففيها الطهطاوي وقاسم أمين ونجيب محفوظ والعقاد والعديد من الأدباء والمفكرين المشهورين.
بداية جاء إلى القاهرة بقصد دراسة الشريعة الإسلامية في الأزهر ثم درس في جامعة (فؤاد الأول) في القاهرة اللغة الإنكليزية ومن ثم نال دبلوم التربية للمعلمين أهّلَه لأن يعمل في التدريس وبعدما تأسست دار الفنون عمل بها حتى وفاته.
> وما هي الأسباب التي أدت إلى تغييب هذا المفكر والأديب حسب ما توصلت إليه؟
<< أولاً كان أول من كتب مسرحية اجتماعية، وأول من ترجم مسرحية من اللغة الانكليزية إلى اللغة العربية بالشعر المرسل، وأول من كتب مسرحية نثرية، وأول من قسَّم المسرحية إلى قسمين المشكلة والحل واشتغل على التجديد في المسرح من حيث الشكل والمضمون، وأول من استخدم الملهاة في معالجة القضايا السياسية، وأول من عالج قضية فلسطين في المسرح، وأول من أخذ بنظام الجملة الشعرية في المسرحيات غير المترجمة، وأول من كتب الأمثولة في الأدب العربي الحديث.
هذا التمايز كله وذاك الإبداع اللافت للنظر لم يرض عنه معاصروه وانهالوا عليه بسياطهم التي لا ترحم.
> كيف كان موقف النقاد منه؟
<< فآراءه تخالف آراءهم ولأن فكره تنويري إرشادي، هذا مما أزعج الماركسيين الذين عاصروه أيضاً فنقموا عليه جميعاً وحاصروه إعلامياً وأغلقوا في وجهه المنابر الثقافية وما عزز ذلك وصول بعضهم إلى السلطة وأجهزة الإعلام والمسرح فوجدوا في وجودهم هذا فرصة ليحاربوا الرجل ويدبروا له حملات إعلامية ماكرة بعد أن وجدوا في فكره وإبداعه رجلاً مسلحاً بالعلم والثقافة، بذلك عاش وسط معمعة كبيرة الكل من حوله ضده فلم يجد أمامه سوى الكتابة حيث قال مصرِّحاً بذلك: (إنهم يحسبون أنهم سيقتلونني عندما يمنعون الأخبار عني أو يحاربون كتبي ويحجبون مسرحياتي عن الناس....)
وأريد أن أعطي مثالاً على ذلك مسرحية (شايلوك الجديد) كتبها عام 1944 متوقعاً كيف سيقام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وكيف ستهزم الجيوش العربية، لقد كانت هذه المسرحية صيحة مدوية في عالم المسرح بما طرحت من رؤى استكشافية للمستقبل وحتى تصل هذه الصيحة إلى الرأي العام ترجم المسرحية إلى اللغة الإنكليزية ولكن مُنعت دور النشر جميعاً عن نشرها.
> بماذا كان يختلف عن قاسم أمين ونجيب محفوظ والطهطاوي وغيرهم من معاصريه؟
<< هو لم يدعو إلى السفور وتحرير المرأة كما دعا قاسم أمين كما أنه سبق أمين في أفكاره، كان فكره إرشادياً تنويرياً وشغله الشاغل كان المسرح السياسي، كان يدعو إلى تحرير الأفكار وتطوير العقل ويعالج القضايا الاجتماعية ويضع لها الحلول المناسبة مثل الفقر والبطالة والاستعمار وله مسرحيات يهزأ بها من الاستعمار ومن أعوانه ومن معاهدة قناة السويس ورواية (وا إسلاماه) التي كان يدعو من خلالها إلى توحيد الأمة العربية ولا بد من وجود قائد عربي يستطيع أن يجمع الأمة العربية تحت لواء واحد كما فعل صلاح الدين الأيوبي.
> هل تعرَّض للسجن والاضطهاد؟
<< في الحقيقة لم يتعرض لذلك بل كان قد تعرَّض للحصار النفسي من قبل المخالفين له الذين وجدوا في مسرحياته ما يخالف أيديولوجياتهم لذلك حاصروه في الإذاعة والتلفزيون والمسرح ووظيفته ولقمة عيشه. حيث كانوا ينظرون إليه على أنه غريب جاء من اليمن الغارق بالتخلف والجهل، فهذا الرجل ظلم مرتين، مرة لأنه لم يأخذ حقه في ميدان الإبداع من قبل الأدباء العرب الإسلاميين أو الماركسيين أو حتى الحياديين لذلك ذهب ضحية معاصريه.
ومرة ثانية لأن المقربين من أفكاره ومبادئه لم يستوعبوا رؤيته ولم يتوصلوا إلى أهمية أعماله الأدبية ودوره الإسلامي الداعي إلى الحب والتواصل الإنساني الرافض لكل أشكال العنف والجهل والخنوع.
> من هم الذين انتبهوا إليه وعملوا على نشر أعماله وإحياء تراثه؟
<< أدباء اليمن وعلى رأسهم الدكتور (محمد أبو بكر حميد) الذي جمع تراثه، وطبعت الكتب في القاهرة وفي اليمن أيضاً وتحديداً بعد وفاة علي أحمد، وأعدَّت عدة رسالات ماجستير ودكتوراه في أدبه عامة ومسرحياته خاصة.

سريعة سليم حديد