آية التطهير وعصمة الأئمة
آية التطهير هي قول الله عز وجل: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " وهذه الآية جاءت في سورة الأحزاب في سياق مجموعة من الآيات القرآنية التي تتحدث عن زوجات النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ضمن هدف الآية ككل وهو الحديث عن غزوة الأحزاب وما فتح الله به على المسلمين ووسع عليهم من الأرزاق.
هذه الآية كانت من عمدة استدلالات الشيعة على القول بعصمة الأئمة, وقد نسب الشيعة العصمة لأربعة عشر شخصاً وهم النبي الأكرم وابنته فاطمة وزوجها الإمام علي وابنيه الحسن و الحُسين ثم أولاد الحُسين دون الحسن عليهم السلام أجمعين.
والعصمة عند الشيعة ترد على معنين, معنى ذكره العلامة الطباطبائي وجمع من العُلماء أن العصمة نوع من العلم يكون درجة من الانكشاف بدرجات اليقين الثلاث فإذا أعطيت لشخص كُشف له عالم الملكوت فيكون العلم هو العاصم له, والثاني أن العصمة هي لطف إلهي خفي من روافده العلم, أي أنه طهارة نفسية تستلزم طهارة سلوكية تسيطر على نفس المعصوم, وهو ما عليه بقية علماء الشيعة ولعله الأشهر.
وعلى العموم فإن جميع الشيعة يقولون بمستلزم العصمة وهو أن قول المعصوم وفعله وتقريره تشريع وحجة كقول النبي وفعله وتقريره.
ووجه استدلال الشيعة بالآية القرآنية كان كالتالي:
1. أن لفظة إنما يريد, والرجس, ويطهركم تطهيرا, توضح أن مراد الله عصمتهم هم دون غيرهم.
2. أن المراد بقوله أهل البيت هم أولئك الخمسة الكرام دون غيرهم بدلالة حديث الكساء.
3. أن الآية لم تكن حسب نزولها من ضمن آيات زوجات النبي وإنما وضعت بينها إما بأمر النبي أو عند التأليف.
وقبل الخوض في مناقشة أدلة الشيعة لابد أن نمهد في مفهوم العصمة عند أهل السنة وعند الشيعة, فالعصمة لغةً تعني المنع والحفظ والوقاية و الحماية – ( معجم مقاييس اللغة لابن فارس 3/241 ).
وفي اصطلاح أهل السنة فهي ملكة إرادية بشرية من الله تعالى في الأنبياء و المرسلين يعلمُ بها المعصوم مثالب المعاصي ومناقب الطاعات فيمتنع بها عن اقتراف الذنوب مدعمة بالوحي والمؤاخذة إن خالف مقتضاها, ( عصمة الإمام – د. حافظ عامر – 1/47 ).
وأما الشيعة فالعصمة عندهم علاوة على ما ذكرنا سابقاً تعني التنزه عن الذنوب و المعاصي صغيرها وكبيرها وعن الخطأ والنسيان وعما ينافي المروءة وكل فعل يستهجن, ( عقائد الإمامية – محمد رضا المظفر – 104 ).
ورغم خلافهم في تفصيلات العصمة إلا أنهم متفقون كما ذكرنا سلفاً على موجبها وهو أن كل ما يصدر عن المعصوم من قول أو فعل أو تقرير هو تماماً كما يصدر عن النبي, ومتفقون على عد المعصومين وأعيانهم وأنهم معصومون منذ الولادة, مع العلم أني أتحدث هنا عن الشيعة الإمامية الإثني عشرية.
أما بخصوص دلالة لفظ الآية فقد استدل الطبرسي بدلالة إنما على اختصاص أهل البيت – عليهم السلام – بالعصمة دون سواهم, بأن لفظة إنما جاءت محققة لما أثبت بعدها نافية لما لم يثبت.
وأن الإرداة في الآية هي الإرادة المحظة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس, ولم تختلف دلالة إنما عند السيد الطباطبائي فقال: " إنما تدل على حصر الإرداة في إذهاب الرجس و التطهير ... فالآية في الحقيقة فيها قصران قصر الإرداة في إذهاب الرجس والتطهير, وقصر إذهاب الرجس و التطهير في آل البيت "( الميزان 16/163).
والجواب عن ذلك أن إرداة الله في كتابه إما كونية قدرية أو شرعية دينية, فالكونية القدرية تستلزم وقوع المراد دون توقف على إرداة أحد سوى الله, والشرعية تتضمن محبة الله ورضاه الذي قد يقع وقد يختلف مقتاضه.
فقوله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ", وقوله تعالى: " يريد الله أن يخفف عنكم ", وقوله: " تريدون عرض الحياة الدنيا والله يريد الآخرة " كلها من نوع الإرداة الشرعية و التي لا تختلف آية التطهير عنها بشيء بل لو قرأت قوله تعالى: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم " لما أختلفت بدلالتها عن آية التطهير تماماً مع أن أحداً لا يقول مطلقاً بعصمة كل الخلق.
ومن القرائن أن الإرداة في الآية شرعية وليست قدرية أن النبي لما دعا لهم بالتطهير وإذهاب الرجس بدلالة حديث الكساء فإما أن يكونوا معصومين قبل الدعاء أو بعده, فإن حصلت لهم العصمة بالدعاء فإنهم لم يكونوا معصومين من قبل وغير المعصوم كيف ينقلب معصوماً وإن كانت حاصلةً قبل دعاء النبي فلم دعا لهم أصلاً ؟
ومن القرآئن الأخرى سياق الكلام إذ النص توجيه وأمر إنشائي يدل على أن المخاطب يُحتمل في حقه الطاعة و المعصية, فيحذره الله من المعصية ويحثه على الطاعة, وكيف يعقل ذلك فيمن هو منزه عنها ومعصوم, فيكون خطاب الله لغوا لا فائدة منه تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.
ولو تأملت معي الآيات التالية:
1. قوله تعالى في أهل بدر وعددهم 313 رجل: " إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السمآء ماءً ليطهركم به ويذهب عنكم رجس الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ", والاتفاق حاصل على عدم عصمة أهل بدر مع أن الله طهرهم وأذهب عنهم الرجز وربط على قلوبهم وثبت أقدامهم بمؤكدات تفوق ما في آية التطهير.
2. وقوله تعالى في عموم المسلمين: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ", وقوله تعالى " خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها " فلو أن إرداة التطهير تعني العصمة لكان كل مسلم معصوم.
كذلك معنى إذهاب الرجس لا يفيد العصمة إذ ليس من معاني الرجز أو الرجس في اللغة أو الشرع العصمة.
فما دام قد تبين لنا أن الآية لا تدل على العصمة فيسهل علينا مناقشة ما تلاها وهو أن المراد بأهل البيت هم خمسة أشخاص فقط, بدلالة حديث الكساء المشهور, ونحن هنا نسألهم ما يلي إن كانت تدل على عصمة أولئك الخمسة الكرام فكيف عديتموها لأربعة عشر, ولماذا هي في نسل الحسين وليس في نسل الحسن.
ولن أخوض في تحديد من هم أهل البيت ومن هم المخاطبين في الآية, لأنها لن تؤثر كثيراً إذ دلالة الآية من الأساس باطلة على مرادهم.
أما أن الآية ليست من آية الأزواج فهي في الأصل جزء من آية, وليست آية مستقلة , ومعلوم أن النص الكريم نزل في سياق الخطاب إلى نساء النبي خاصةً, وأن نسق القرآن وترتيبه توقيفي, أما كون الخطاب جاء بصيغة المذكر على خلاف ما سبقه وما لحقه إذ جاء بصيغة نون النسوة فهذا جهل باللغة والتي جرت على مخاطبة أهل الرجل التي هي زوجته بخطاب المذكر ( أنظر الجامع لأحكام القرآن – للقرطبي – 7/183 ).
هذا حوار ومناقشة يسيرة لدلالة الآية ولمن أراد التوسع فليراجع كتاب الدكتور حافظ موسى عامر عصمة الإمام في الفقه السياسي الشيعي دراسة مقارنة 3 مجلدات, ومختصراً هذه الرسالة اللطيفة للدكتور طه الدليمي التي لا تخلو حقيقة من بعض الملاحظات التي أعرضت عن ذكرها.
كتب المقال: غيث حلمي الملكاوي.
عنوان الكتاب: آية التطهير وعلاقتها بعصمة الأئمة.
تأليف الدكتور طه الدليمي – الطبعة الأولى 1433هـ 2012م – 77 صفحة.
رابط الكتاب:http://goo.gl/DzQWQz