شعر : ربيع السبتي
سَأَقُصُّ لِلأَجْيَالِ بَعْضَ حِكَايَتِي = بِدَمِي أَنَا..سَأَخُطُّ حَرْفَ رِسَالَتِي
هَذَا أَنا..وَحْدِيْ أَنَا..إِلاَّ أَنَا = لَعِبَ الأَنَامُ بِأَنَّتِي و أَنَاقَتِي
تَتَقَاذَفُ الأَيَّامُ حُلْمِيَ مِثْلَمَا = كُرُةٌ تُرَاضُ ، و أَهْلُهَا بِلِيَاقَةِ
و تَحَسَّرَتْ عَيْنَايَ عَنْ بَرْدِ الصِّبَا = و تَأَوَّهَتْ مِمَّا حَوَتْهُ بِضَاعَتِي
آَهٍ ..لِهَذَا العُمْرِ فِيْ زَمَنِ الغَضى = فِيْ رِمْشِ عَيْنٍ تَسْتَحِيْلُ نَضَارَتِي
قَدْ كُنْتُ بِالأَمْسِ القَرِيبِ مُؤَمِّلاً = أَن لاَّ أَكُونَ مَوَكَّلاً بِخَسَارَةِ
قَدْ كُنْتُ أَرْنُو كَالأَمِيرِ لِعَرْشِهِ = فِي كُلِّ فَنٍّ تَسْتَبِيْكَ عُصَارَتِي
أَتَنَسَّمُ القُرْآَنَ فِي فَجْرِ السَّنَا = و أَلُوذُ بِالتَّحْدِيثِ بَعْدَ عِبَادَتِي
و أُقَلِّبُ الأَوْرَاقَ تَفْتَحُ زَهْرَهَا = لَوْ كُنْتُ فِي ذَا الفِقْهِ كَابْنِ قُدَامَةِ
و أُقَلِّبُ التَّارِيْخَ أَصْحَبُ أَهْلَهُ = فَكَأَنَّنِي بَطَلٌ بِِسَفْحِ تِهَامَةِ
يَرْنُو فُؤَادِي لِلْمَكَارِمِ و الْعُلاَ = بِالرُّمْحِ و القِرْطَاسِ خِطْتُ عَبَاءَتِي
و بِبَذْلِ جَاهِي لِلضَّعِيفِ أَحُوطُهُ = و بِجُودِ مَالِي نِلْتُ فَخْرَ سُلاَلَتِي
و الشِّعْرُ يُطْرِبُنِي كَسَجْعِ حَمَامَةٍ = فَرَعَتْ بِدَوْحَتِهَا هُطُولُ أَصَالَتِي
نَاجَيْتُهَا قَبْلَ الهَزِيعِ و بَعْدَهُ = و بِكَأْسِ جَارَتِهَا رَوَيْتُ حَشَاشَتِي
و سَمِعْتُهَا بَعْدَ الفِرَاقِ تَأَوَّدَتْ = يَا بُلْبُلاً : هَلاَّ ارْتَدَيْتَ مَلاَءَتِي؟
فَأَجَبْتُهَا و الدَّمْعُ رَجْعُ حَدِيْثِهَا = يَا جَارَتِي : هَلاَّ سَأَلْتِ عِبَارَتِي؟
بَيْنَا و بَيْنَ البَيْنِ بَوْنٌ شَاسِعٌ = هَذَا زَمَانِي ..لاَ يَقُولُ كَقَالَتِي
لَكَأَنَّنِي مُتَبَتِّلٌ فِي بَانَةٍ = و عَلَى غَدَائِرِهَا نَشَرْتُ عَلاَمَتِي
أَلْهُو إِذَا الدُّنْيَا تُطِلُّ صَبِيحَةً = و أَلُوذُ بِالرَّحْمَنِ عِنْدَ الحَاجَةِ
أَتَنَفَّسُ الرَّيْحَانَ ، أَرْشُفُ عِطْرَهُ = و الشَّمْسُ تَرْقُبُنِي بِعَيْنِ كََلاَءَةِ
و أَدُورُ فِي فَلَكِ البَدَاوَةِ مِثْلَمَا = دَارَ الدَّوَامُ عَلَيَّ يَومَ دِرَاسَتِي
فَسُهُولُهَا كَحُزُونِهَا ، و وِهَادُهَا = كَنِجَادِهَا ، و بِطَاحُهَا كَالْغَابَةِ
عَهْدِيْ بِهَا .. و الخَيْلُ مِلْءُ فِجَاجِهَا = و الْيَومَ أَتْرُكُهَا لِسِجْنِ عِمَارَةِ
هَذَا أَنَا .. قَدْ جِئْتُ مِنْ بَعْدِي هُنَا = أَيَحِقُّ لِي أََنْ أَسْتَشِيرَ كَرَامَتِي
بَعْدَ الغِيَابِ نَزَلْتُ فِي دَارِ المُنَى = و حَمِدْتُ رَبِّي بَعْدَ طُولِ سَلاَمَتِي
أَجِدُ الْمَلاَمَةَ فِي القَصِيدِ حلاَوَةً = مَا كُنْتُ نَاشِرَهَا بِيَوْمِ سَحَابَةِ
لَكِنَّمَا عِطْرٌ تَضَوَّعَ فِي دَمِي = و رَأَى لِزَامًا أَنْ يَفُضَّ جَهَارَتِي
أَهِيَ العَدَالَةُ أَنْ أَعِيشَ مُنَغَّصًا = و يَنَامُ شَارِدُهَا بِغَيْرِ عَدَالَةِ ؟
أَمْ أَنَّهُ جِرْمٌ تَصَرَّمَ فِي الحَشَا = و أَبَى لِغَيْرِي أَنْ تَكُونَ حَضَارَتِي ؟
فَسَأَلْتُهُ بَعْدَ السَّلاَمِ مُتَمْتِمًا = مُسْتَلْهِمًا سُؤْلِي بِحُسْنِ لَبَاقَةِ
مِنْ أَيْنَ يَا هَذَا تَرَقْرَقَ نَبْعُكُمْ = بِسَلاَسَةِ النُّعْمَى و أَيُّ سَلاَسَةِ ؟
رَدَّ الْمُعَنَّى وَيْ كَأَنَّ كَلاَمَهُ = بَرْقٌ أَضَاءَ بِهِ الفَضَاءُ جَهَالَتِي
يَاْ رَائِدًا لِصَفَائِهِ فِي وِرْدِهِ = هَذَا لِسَانُكَ بَرَّحَتْهُ صَبَابَتِي