(الرفض في بيت الطاعة ) فليحة حسن

قامت قراءتي لرواية( بيت الطاعة) للكاتبة السعودية (منيرة السبيعي) على أمرين هما:
أولا- قراءة الخبر ومن خلاله توصلت إلى بعض المفاهيم السائدة في المجتمع السعودي والتي طرحتها الكاتبة في روايتها والمتمثلة بهشاشة الأواصر الأسرية وسهولة تهشم تلك الأواصر ولأتفه الأسباب فبمجرد اكتشاف البطلة لرسالة عابرة في هاتف زوجها النقال يتحول ذلك الاكتشاف الى كابوس يطارد حياتهما وينهيها بالطلاق ،
الثاني – الخطاب (وهو ما صار به هذا العالم شيئاً )- كما يذهب لذلك بعض الدارسين
دلالة العنوان :
يذهب بعض النقاد إلى إن العنوان يعد واحدة من أهم نقاط دراسة النص السردي فالعنوان يصلح أن يكون ( ثريا للنص ) فيذهب الى تغطية المساحة السردية الكاملة للعمل الأدبي وهذا ما يلاحظ في ( بيت الطاعة) الرواية السعودية التي عملت الروائية ( منيرة السبيعي) فيها الى التطرق الى مشكلة اجتماعية تستشري في المجتمع العربي بشكل عام والمجتمع الخليجي بشكل خاص واعني بها الشك الذي يؤدي الى الطلاق وتحطيم الأواصر الأسرية ، ولعنوان الرواية ( بيت الطاعة) دلالة عميقة في النص السردي إذ أن البيت هو كوننا الحقيقي الذي يمكن أن يلخص أفعال وردود أفعال قمنا بها على مدى عمر بأكمله ويمكن لنا أن نصف البيت بالقوقعة التي تحمي لؤلؤة أرواحنا من أن يكتشفها الآخر الذي لا يصلح لعملية الاكتشاف تلك ، وانه مكان يصلح لكي يكون دورقا يحتوي أفعالاً وانفجارات صانعها ليس هذا فقط بل أن بعض النقاد ومنهم باشلار يرى أن ( الكثير من ذكرياتنا محفوظة بفضل البيت) ،
أما كلمة ( الطاعة) التي جاءت هنا معرفة بال لتعرف قبلها واعني كلمة ( بيت) النكرة فهي تشي بمعنى الخضوع والاستسلام فصار أن أضفت على كلمة البيت ذلك المكان الخاص ، الخلاق، المرتبط بالوحدة مع الذات ، القادر على نقلنا إلى حياة الطفولة غير المتحركة والتي بها نريح أنفسنا من خلال إدخالنا في ذكريات الحماية التي نحتفظ بها مسبقا فسلبت منه كل صفاته تلك وأضفت عليه نوعا من الألم حتى تحول ذلك البيت الى مكان معادي فإذا ما تجاوزنا العنوان الى تفصيلات البيت (ذهبت لتفقُّد أبواب المنزل والتأكُّد من إغلاقها. غادرت غُرفتها مروراً بالصالة العلوية ثُم الدرج الرُخامي، هابطةً إلى الدور السفلي، ....المنزل هادئ، .....انصرفت للتوّ لِغُرفتها في السطح .....بدا البيت موحشاً .....خواء انسكب في داخلي ......جالت بنظرها في جنبات المنزل، كأنما تبحث عن شيء، لوهلة نسيت سبب نزولها للأسفل، ) نرى إن الروائية عملت على رسم البيت بصورة مبالغ فيها عملاً منها على سلب ألفة ذلك البيت وحميميته حيث صار بيتا ليس للبطلة وإنما هو بيت متفرج عليه بيت للضيف للآخر وهي بذلك أرادت إثبات ضعف ارتباطها بكونها الأول واعني البيت الذي رأت فيه خلاصة لكون اكبر هو الرياض / السعودية وهي التي جسدت ذلك الارتباط الروحي بمكانها قائلة ( كانت الرياض لروحي كما غرناطة لـ( لوركا) المكان الوحيد الذي تنعم فيه روحه بالسلام ) وبما أن المكان هو الحيز الأول الذي به يقوم الحدث وان الغرفة خاصة تحمل علامة ألفة لا تنسى – كما يقول – بعض النقاد فان البطلة قامت بسحب صفة الألفة من غرفتها كنتيجة حتمية لضياع هوية الآخر المشارك لها تلك الغرفة تقول (ذهبت لغرفة نومي، ووقفت عند طرف السرير أتأمل هذا النائم أمامي للحظات، لوهلة خِلته غريباً.. ليس زوجي الذي عشت معه.. ) واستبدلتها بمكان مناسب قادر على أن يجعلها تأتي بفعل جديد فنراها هنا بعد أن ( دارت بها الغرفة ،)، ( أغلقت باب غرفة الملابس عليها بالمفتاح ) و(تهاوت على ارض الغرفة في حالة ذهول ) وعلى الرغم من أن البطلة هي المحور ألارتكازي في الرواية إلا إننا نلمح كثافة حضور البيت في هذه الرواية كونه الفضاء الأول لحركة الشخصية المؤنثة عكس الفضاء الحركي الأوسع للشخصية الذكورية علاوة على أن المرأة أكثر قدرة على السرد المكاني من الرجل كونه المكان المثالي لها ،وقد عملت في نهاية الرواية على بناء بيت امن لها سورته بأهلها حصولا على الحماية الدائمة تقول (أحتاج إلى منزلي لأُقيم فيه. لا أُريد وصاية من أحدٍ عليّ بعد الآن، حتى في السُكنى، ولا أظُن والدتي تُمانع في ذلك؛ فلا يفصلني عنها سوى حائط) فيجيبها أخوها : (فكُلنا نُحيطك بالمنازل، وبحبّنا") توكيدا لوجهة نظر باشلار الذي يقول فيها ( عندما نسكن بيتا جديدا وتتوارد إلينا ذكريات البيوت التي عشنا فيها من قبل فإننا ننتقل الى ارض الطفولة غير المتحركة كالذكريات البالغة القدم ، نحن نعيش تثبيتات السعادة )
دلالة الأسماء :
يحمل الاسم علامة أشارية على مسماه وكثيرا ما يأتي به السارد بوعي تام من هنا نرى الروائية (منيرة السبيعي ) قد اختارت لبطلتها اسم ( نواره حامد أبو الهمم ) وسمت كل من يحيطها بـ( رباب ، ومعتز وعزيزة ) وغيرها من الأسماء التي تشي بالتفاؤل فالنور والحمد والهمة والرباب والعزة كلها أسماء تبعد سامعيها عن التشاؤمية بينما أعطت للزوج اسما هو ( إبراهيم آل فارض) فعلى الرغم من أن اسم إبراهيم يحمل في دلالته نوع من القدسية كونه يعود في أصله الى خليل الله ( ع) إلا أن الكاتبة هنا سلبت منه تلك القدسية بان جعلته يقترن بلقب ( الفارض) لتحمل المتلقي على وضع ذلك الاسم تحت مظلة الاستبداد والظلم بينما اختارت لابنتها اسم ( لارا) وهو اسم أعجمي لتشي بولادة جيل هجين فقد ملامحه العربية ، جيل ولد من أبوين عربيين وتربى بأيد أجنبية وهذا ما عملت الكاتبة على توكيده بان أعطت كل من الخادمة والمربية أسماء أجنبية كونهما من العمالة الأسيوية التي جلبتها السعودية إليها فسمتهما ( ميري ، خضرا) وفي ذلك شيء من ربط النص بواقعيته وقد أعطت للمرأة التي سلبت منها زوجها اسم ( نوف الناهب ) لكي تؤكد قسوة ذلك الاسم ومدى وقعه في تنامي الحدث .
دلالة اللغة :
ولأجل ربط النص السردي بمحليته قامت الكاتبة بإدراج لهجة سعودية في اغلب حوار الشخصيات نحو (أوف... ذكرتني بالمحمول... الله يستر) ،("ياخي مرة في حياتك ابزا البيت والبنت)كما استعملت اللغة الانجليزية في حوارها مع سائقها الفلبيني لكي تدلل لنا على هوية ذلك المستخدم (buy me Sawa now, the prepaid card،
Now mam
(But don't use your Iqama, buy me one without a name )
كما أن الكاتبة وعملا على سحب المتلقي إليها استخدمت لغة شعرية عالية في الوصف وخصوصا في بداية الرواية نحو(تغفو الشمس مُلتحفةً بالغسق؛ لتبدأ كؤوس المصابيح تسكُبُ نورها في طُرقات المدينة المُعتمة، تُضيء مساكنها التي تُغلق على قصصٍ لا تنام،)
وبما أن اقتحام الألم نوع من التفكير الصعب انه حالة فكرية يعيشها إنسان ما – كما يقول بعض النقاد – وان هذا الألم ينقلنا الى مرحلة الشيخوخة مبكرا ويجعلنا أكثر شبها بآبائنا فان الكاتبة أكدت ذلك الأمر حين شاهدت البطلة وجه أمها مرسوما على صفحة مرآتها تقول (أمام المرآة في غُرفة نومها توقفت، نظرت إلى صورتها التي انعكست لها، خُيل لها أنها لمحت وجه والدتها بدلاً من وجهها،... هل بدأت علامات السن تغزو ملامحي، أم أنه همّك يا إبراهيم يحفُر له رموزاً على مسام جلدي)
وبما إن هذه الرواية هي خطاب أنثوي معلن ومصرح به للآخر الذكر فان الكاتبة كانت راوياً عليماً ،وإنها وضعت زمام الأمر بيد بطلتها التي استطاعت في نهاية الرواية أن تصنع لها عالماً خاصاً ليس للرجل يد فيه حتى ولو من بعيد فهي تقول ("إبراهيم دفعني للذي خشيته سنيناً؛ فتح لي بوابةً للخروج إلى الحياة لن أُغلقها أنا الآن. إذا سألك عنّي ثانيةً فقل له: نورة وُلِدت حُرّةً. لم تحتمل قُضبان سجنك؛ فغادرته إلى غير عودة. والبارحة، البارحة فقط، نالت أُمنيتها، وطارت في المنام مُحلِقةً عالياً، فإذا رغبت بها فتعلّم الحُلم والطيران؛ هي لن تهبط لك ثانية!)
كما كشفت الرواية عن بواطن عوالم المرآة السعودية واستشراء بعض الأمراض السلوكية الخطيرة مثل ( الاسترجال ) و(الجنس المثلي ) والذي هو رد فعل لضغوطات المجتمع الذكوري والقهر والتهميش الذي تعيشه المرأة هناك فرسمت بعض شخصياتها النسائية وهن يرتدين ملابس الرجال ويمارسن تصرفات الرجال دون رادع أخلاقي, فهي تصورهن في حفل (وقد ارتدين بِدلاً رجالية وقصصن شعورهن على نحوٍ قصيرٍ جداً، وأغفلن وضع الماكياج، وكذلك الحُليّ، كما انتعلن الأحذيةَ الرجالية......لاحظت كذلك أنهن كُنّ يمشين مشيةً ذكوريةً)،(..... أجابت في ثقة وبلهجة لا تمُت إلى الأنوثة بصلة، واضعةً يدها اليُسرى في جيب جاكيت البدلة، بينما كانت تمسح بأصابع كفها اليُمنى على أطراف شفتها العلوية؛ مكان الشنب تحديداً، وهي تنظُر مباشرةً في عيني نورة، وفي أماكن أُخرى من جسدها)
نوع السرد :
وبما أن السرد نوعان ذاتي وموضوعي فان السرد في رواية بيت الطاعة التي كانت الكاتبة راويا عليما اطلعت على كل شيء حتى على ألا فكار السرية لأبطالها غير إنها لم تتدخل حتى لتفسرها وإنما وصفتها وصفا على قدر كبير من المحايدة وتركت الباب مفتوحا للمتلقي ليوؤل تلك الأحداث .
أنوع الشخصيات :
أظهرت لنا الكاتبة نوعين من الشخصيات الأولى نامية متمثلة بشخصيتي(نوارة وإبراهيم) والثانية شخصيات مسطحة متمثلة بـ( نوف ومعتز وعزيزة ) إذ إن شخصيتي نوارة وإبراهيم انكشفت لنا بالتدريج وتفاعلت مع أحداث الرواية وتطورت معها وقد فاجأتنا في نهاية الرواية بحدث لم يكن متوقعا منها أما شخصيات نوف ومعتز وعزيزة فهي شخصيات لم نر إلا جانبا واحدا منها ولم تؤثر في أحداث الرواية أو تتأثر بها
الزمان والمكان :
المكان: هنا هو الرياض وقد رسمته لنا الكاتبة بشكلين:
الأول: القديم الأليف يوتوبيا الكاتبة المنشود فهي تقول فيه ("يا الله، هذه نفسُ المدينة الحُلم التي دوختني بِعشقها فيما مضى، في زمنِ حُبنا، لمّا كانت تبدو كأميرة الصحراء تزهو على وصيفاتها بثوبها المُترامي الأطراف يفوحُ بعطر زهر النفلِ والخُزامى، تحمل شذاه ريح الشمال عابرةً به لِفؤادي، وبِحُمر رمالها شرقاً وغرباً تُطرّزُ هذا الثوب، حافرةً في ثناياه أعذب قصص الحُب العطشى لمحبوبها المطر، ناظرةً جنوباً، في تحيُّن لِمَقدمِ "الوسمي" الغائب المُنتظر)
أما الثاني: فقد أظهرت فيه ما استجد في الرياض من أبنية وأماكن للمتعة أنتجت عادات وسلوكيات جديدة لم يعرفها المجتمع السعودي سابقا سواء أكانت تلك الأماكن خاصة بحفلات النساء أو حفلات الرجال وهي هنا رسمته مكانا متأثرا ومؤثرا بالتكوين الشعوري ووعي الشخصيات مثل المقاهي وبيوت(الوناسة)والتي وصفتها الكاتبة بدقة محاولة منها في نقل المتلقي لما يدور في تلك الأماكن من سلوكيات لم تألفها الرياض القديمة في الماضي تقول( المقهى الذي التقت عزيزة فيه، والمُكوّن من قسمين أحدهما للعائلات والآخر للرجال، تفصِلُ بينهما حواجز بعضها ثابتٌ والآخر مُتحرك،كما هي الحال في مُعظم مقاهي الرياض ومطاعمها، مع اختلافٍ بسيط في هذا المقهى؛ حيث كانت حواجزه متفرقة، تُمكّن فتحاتها الصغيرة كلاً من الشباب والبنات من استراق بعض النظرات التي تمرّسوا عليها. مزدحماً يومها، وقد لاحظت نورة حركات "الغزل" التي بدت جليةً أمامها)( صوت الموسيقى ينبعث من داخل الفيلا .....إلى القبو حيث تُقام الحفلة. لاحظت نورة سِعة المنزل الذي بدا بأثاثه الفخم أشبهَ بالقصر لا الفيلا، وقد غطّى الرُّخام أرضياته كُلها، وزينت أسقفه ِثُرياتٌ تتدلى منها قطع الكريستال المُلوّن، تحُفّها زخارف الجبس كأنها لوحاتٌ فنيةٌ، مُضفيةً على المكان جمالاً وأُبّهةً، بإضاءتها الهادئة الموزعة بإتقان، كذلك عكس المسبح المُقام في القبو جواً من الرفاهية على المكان ...بالكاد وجدت لهما مكاناً في الجلسة؛ فقد فاق الحضور العدد المتوقع له، كما يحدث عادةً في حفلات الدي جي.)
الزمان:
فقد جاء هنا تتابعيا روت فيه الكاتبة أحداثا ذاتية عاشتها البطلة وزوجها إبراهيم وتنامى الحدث حتى انتهت ذروته بالطلاق واستعادت الزوجة حريتها التي كانت تحلم بها دوماً، أما زمن القص فهو زمن الحاضر الروائي الذي استطاعت الكاتبة أن تجسده بوعي الأنثى الرافضة له والمتحررة منه .