الوحدانية والشجرة الطيبة
د. ضياء الدين الجماس

أنا وأنت وكل مسلم يبدأ إسلامه بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله". وهي الركن الأساسي في الإسلام تبنى عليه كافة الأركان الأخرى. فلا صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة بدون هذا الركن.
ألم يتطرق لك الشك فيها ولو عابراً في صحة هذه الحقيقة؟

وهل يكفي النطق بهذه العبارة لفظاً ليدخل الشخص في الإسلام ويعتبر مسلماً؟
لو كان النطق بها يكفي لقالها أي شخص بلسانه ونفذ من خلالها ما يشاء بحجة أنه مسلم ..
ولكن الله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى ظاهر الأبدان وما يقوله اللسان ، ولكن ينظر إلى ما وقر في القلوب والوجدان. وعلى ذلك سيكون الابتلاء والامتحان. ولذلك سماها الشارع الحكيم : "شهادة لا إله إلا الله " أي أن تشهد هذه الحقيقة بصيرتك ويقولها قلبك من الداخل مؤمناً بها مطمئاً لها فينطلق بها لسانك..
كيف تصل حقيقة الوحدانية إلى
القلب مركز العقل والدوافع والبصيرة؟
الطريق السليم هو منهجية سيدنا ابراهيم عليه السلام في التوصل إلى هذه الحقيقة وتتمثل في :


  • الصدق في طلب الحقيقة والبحث عنها مع التجرد عن الأهداف الدنيوية ، يعني طلب الحقيقة المجردة مع الإخلاص في طلبها. باستخدام الحواس المتاحة لجمع المعطيات.
  • إعمال الفكر في تمحيص هذه الحقائق وروابطها للوصول إلى الاستنتاج الصحيح.
  • إيصال هذه الحقيقة إلى القلب ( مركز العقل والدوافع والبصيرة).
  • التثبت بالتطبيق العملي ( العلم التطبيقي).


كيف توصلتُ إلى هذه الحقيقة وشهدتها بصيرتي؟

فأما الصدق في طلب الحقيقة فهو المحرض الدافع للخطوة التالية وهي جني الحقائق والمعطيات المؤكدة ، وكانت من دراستي للطب والعلوم الأخرى التي جمعتها من دراستي الإعدادية والثانوية . وتتمثل بما يلي :
-لا يمكن لهذا الجسد الدقيق التكوين المبني على العلم الرصين أن يحيا بدون الأكسجين o2 الموجود في الجو والذي يدخل إلى الجسم عن طريق هواء التنفس.
- يطرح الجسم غاز النفايات المسمى ثنائي أكسيد الكربون co2 مع هواء الزفير التنفسي أيضاً إلى الجو . ومثل هذا الطرح الحيوي الحيواني متماثل عند جميع الحيوانات الحية فهناك كم هائل من طرح هذا الغاز المميت إلى الجو. ولو تراكم دون توازن لما بقي حي على وجه الأرض .
-إن نسبة غازي الأوكسجين وثنائي أكسيد الكربون ثابتة ، فالنبات يقوم بعملية معكوسة : يأخذ غاز ثنائي أكسيد الكربون ويطرح غاز الأكسجين بعملية تدعى بعملية التمثل الضوئي .
- إن عملية التمثل الضوئي لا تتم إلا بوجود ضوء الشمس . وإن الشمس لا تثبت في مسارها إلا بوجود الكواكب والمجرات الأخرى ذات المواقع المحددة المسار والتي لو اختل أي موقع منها لحصل الانهيار الكوني الهائل .


  • إن توازن عملية إنتاج الغازين المذكورين تحتاج لحاسب هائل القدرات ويعلم كل أعداد الخلايا المنتجة وأعداد الخلايا المستهلكة .
  • لو كان هناك أكثر من حاسب مختلف المعطيات لاختلفت الحسابات حسب المعلومات.
  • فطالما أن هناك توافق بين المخلوقات مع اتفاق الحسابات يدل على أن الخالق واحد والعلم والمعلومات واحدة ومن صفاته أنه حاسب حسيب بل سريع الحساب.

الاستنتاج العقلي الراسخ من هذه المعطيات المجموعة :
إنَّ خالق الحيوانات كلها هو خالق النبات بدليل توافق الحياة الحيوية بينهما . بين منتج ومستهلك ، وهو ذاته خالق الشمس والكواكب المثبتة لها وللأرض .
والنتيجة أن خالق الكون والحياة واحد . ولو كان هناك أكثر من إلهة لذهب كل إله بما خلق واختل التوازن وخرب الكون كله.
لو دققنا في هذه الحقائق لوجدناها كلها في القرآن الكريم ، وهذا دليل على أنَّ من خلق الكون المتناسق هو صاحب هذا القرآن ومنزله (كتاب الله) وهوالمرشد لكيفية صيانة الجسد المخلوق وتنظيم علاقته مع سائر المخلوقات . وإذا تساءلنا عن المبلغ لهذا الكتاب لعلمنا أنه رجل يدعى
محمد بن عبد الله فهو إذن رسول هذا الخالق الواحد إلى العقلاء من بني البشر.
ومن هنا تصبح حقيقة
"لا إله إلا الله محمد رسول الله " حقيقة راسخة في القلب إذا كان الفكر مستنتجها والصدق موصلها للقلب. وبمحبة هذا الرسول ومتابعة التفكير فيها ترسخ رسوخاً ثابتاُ في القلب وتمتد جذورها فيه وتشمخ فروعها في السماء. ومن هنا كان مصداق المثل الرائع لهذه الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) أنها كشجرة طيبة أصلها ثابت (بالعلم ) وفرعها في السماء (بالذكر والحمد لله تعالى)..
الخطوة التالية تكون بالتعرف على أسماء هذا الخالق العظيم الحاسب الحسيب الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولو يولد ولم يكن له كفواً أحد وذلك عن طريق التفكير بمخلوقاته وإبداعاته فتعرفه حق المعرفة بالتفكير.
وأما الخطوة التالية الأخيرة التطبيقية بعد التعرف على خالقك تكون
بالتعامل معه مباشرة ، وذلك بشكره عندما تجد فضائله عليك والصبر على امتحاناته وبلائه .. فلا مدرسة بدون امتحانات وجوائز.
والحمد لله رب العالمين
.