من حمص إلى بيت المقدس.. هل يعيد التاريخ نفسه؟
بقلم: أ. مخلص برزق
30/5/2013

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




إنها ليست معركة عابرة تلك التي تطحن اللحم والعظم والأشلاء والدماء في سورية.. إنها بلا شك معركة مفصلية سوف تحرف مسار أحداث التاريخ فيما سيبدو أنه مقاربة شديدة لما حوته صفحات التاريخ من حيث شئنا أو لم نشأ..

فهل يمكن محاكاة ما جرى من أحداث وتتبع ما أفضت إليه من انتصارات باهرة للوصول إلى ذات النتائج التي شهدتها منطقتنا في زمن جميل مضى؟

هل لنا أن نقتفي آثار الفاتحين العظام لنجدد أمجاداً سطروها بجهدهم وجهادهم ودمائهم فأطلعوا لأمتنا فرقداً منيراً شعّ علماً وعدلاً وحضارة عبر الأزمان؟

على شباب الأمة وشيوخها وكل شرائحها النابضة طاقة وقوة وحيوية التداعي لتبني مثل هذا الهدف السامي لينالوا دعماً وتوفيقاً وتسديداً من الله إلى جانب إعذارهم إلى ربهم على ما تردّى إليه حال الأمة.

نقف ملياً عند التكتيك العسكري الذي سلكه أبو بكر الصديق رضي الله عنه في فتوح الشام، فرغم أن الأنظار كانت تتجه تلقائياً صوب بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك غير أن الجيوش اتجهت نحو دمشق قبل أي مدينة أخرى وكان فتحها في الخامس عشر من شهر رجب (شهر الإسراء) عام 14 هـ! لم يكن ذلك من قبيل المصادفة أو الحدث العرضي، وهو ما يوجب على كل من يتطلع لتحرير بيت المقدس وتطهيره من الصهاينة المحتلين أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار وهو يرتل آية الإسراء "وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة".

في تلك المعركة اتخذ هرقل من حمص حصناً حصيناً له ومقراً مؤقتاً لقيادته بعد أن زاحمته الجيوش الإسلامية على دمشق وانتزعتها انتزاعاً أليماً منه. وبقيت الوجهة إلى بيت المقدس مرتبطة بتطهير الشام أولاً من قوات العدو. فكانت الضربة الموجعة التالية للإمبراطورية الرومانية في مدينة حمص، ما جعل هرقل يتيقن من الهزيمة والانكسار ويقول قولته الشهيرة: "وداعاً سورية وداعاً لا لقاء بعده".

ثم كان فتح بيت المقدس في عهد أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه على أيدي فاتحي دمشق وحمص أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، وكان الطريق إليها أيضاً يمر عبر حمص ودمشق بعد أن تم تأمين ظهر الجيش الإسلامي وإحكام الحصار على بيت المقدس.

ويأتي صلاح الدين الأيوبي من بعد ذلك ليقتفي خطوات الصديق والفاروق رضي الله عنهم جميعاً، فيطهر الشام من كل القوات المعادية وعلى رأسها الفرق الشيعية الباطنية، التي كانت تحيك المؤامرات في الظلام وتتمسح بمسوح الإسلام كذباً وزوراً وادّعاءً، تلك التي اغتالت الأمير البطل الشجاع مودود بن التونتكين أمير الموصل، والذي كان أول من جمع المسلمين لقتال الصليبيين بالشام بعد سقوط بيت المقدس، وأول من حقق انتصارات على الصليبيين، وأول من حاول توحيد الصف المسلم المتنافر بالشام، اغتالته أيديهم الآثمة يوم الجمعة في المسجد الأموي بدمشق، حتى أن ملك القدس «بلدوين» عبّر عن تقززه من ذلك الحدث بقوله: "إن أمة قتلت عميدها يوم عيدها وفي بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها". ولم تكتف تلك الفئة الخبيثة بذلك فقد اغتالت القائد البطل الأمير عماد الدين زنكي الذي كان من أعظم أعماله خوضه معركة فتح الرها سنة 539هـ، والتي استطاع خلالها أن يسقط مملكة الرها الصليبية وكانت أول وأشرف مملكة أقاموها عندهم بالشام، حيث قدّمت تلك الفئة البغيضة خدمة جليلة جداً للصليبيين باغتياله وهو يحاصر إحدى قلاع الصليبيين (جعبر) في الشام، ثم إنها حاولت اغتيال نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي مرات ومرات.

قطع صلاح الدين تلك الأيادي الآثمة وطهر الشام ومصر منها ثم توجه نحو حلب ليقضي على تمردها عليه فلما خضعت لنفوذه قال القاضي محيي الدين بن زكي الدين يومئذ بفراسة المؤمن واستقرائه للتاريخ: "وفتحكم حلب الشهباء في صفر قضى لكم بافتتاح القدس في رجب" وقد كان ما أخبر به، فكان تحرير بيت المقدس على يد صلاح الدين في السابع والعشرين من رجب، وكان الطريق الذي سلكه إليها هو: "حلب ثم دمشق ثم طبرية ثم حطين ثم بيت المقدس".. تماماً مثل الطريق الذي سلكته جيوش الفتح من قبل "كما دخلوه أول مرة".

وفي آخر الزمان يخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام وإن كان مقصده الأول بيت المقدس إلا أنه - ولحكمة علوية - ينزل في دمشق أولاً ثم يتجه منها لقتال الدجال الذي يكون في تلك الأثناء محاصِراً لبيت المقدس هو وأتباعه من دجاجلة أصبهان!! فيقتله في باب لد ولا يبقي حينها ولا يذر من أولئك اليهود أحداً.

إن ما يجري على أرض سورية من ملاحم ضارية بين أحفاد أبي بكر وعمر وخالد وصلاح الدين وبين أحفاد الشيعة الباطنية البغيضة قتلة الأبطال والمجاهدين، أنصار كل مجرم غازٍ محتل، ليؤكد على ضرورة التفاف الأمة بأسرها حول تلك الفئة المجاهدة المرابطة وقفة عز وشموخ مع استشعار أن نتيجة المعركة ستجعلنا نقترب كثيراً من معركة تحرير بيت المقدس.. ليس على نمط أولئك الطغاة الذين رفعوا شعارات مضللة بأن الطريق إلى القدس يمر من بعض العواصم التي عاثوا فيها فساداً وإفساداً أو كانت لهم مصالح شخصية أو مذهبية في تخريبها والاستيلاء عليها. ولكن على طريق السنن الإلهية التي مكنت للصحابة ومن تبعهم في بسط سيادة الأمة الإسلامية على بيت المقدس وفلسطين تحت سنا الآية الكريمة "كما دخلوه أول مرة".

إن مسؤولية تثبيت المجاهدين في حمص والقصير الأبية اليوم ونصرهم والوقوف إلى جانبهم تقع على كل فئات الأمة، لأنهم الآن يدافعون عن إرث الصديق والفاروق وسيف الله ليكون منطلقاً لجيوش الفتح والتحرير لبيت المقدس..

إنها ليست أوهاماً ولا أضغاث أحلام كما سيفسرها أولئك الغارقون في السوداوية ولكنها قراءة لسنن إلهية قرأناها في أحداث التاريخ الذي نكتب صفحاته الحالية.

ستندحر قوى البغي والظلام والإجرام بكافة امتداداتها البغيضة سواء كانت من قلب سورية أو من إيران والعراق ولبنان ولن تقوم لهم قائمة في ديارنا وكما قالها أبو بكر الصديق رضي الله عنه عقب انتصار سيف الله المسلول خالد على التحالف الفارسي الصليبي في معركة الأليس:

'يا معشر قريش! عدا أسدكم [يعني خالدًا] على الأسد [يعني كسرى والفرس] فغلبه على خراذيله [أي على فريسته]؛ أعجزت النساء أن ينشئن مثل خالد!'

ولسوف نقولها قريباً عالية مدوية بإذن الله: "عدا أسود الشام أحفاد خالد على المجرم بشار الأسد وشبيحته وحزب الشيطان الذي يقاتل معه فغلبوهم على خراذيلهم، واهنأ أيها الصديق فما عقمت النساء أن ينشئن مثل خالد!".