زلـــة لسـان



إنتهى من صلاة الفجرولم يبرح المسجد ؛ جلس إلى جوار صديقة حتى صلاة الضحى ، وهو في شبه غيبوبة .
"هون عليك يا شيخ محمد ، الموضوع لا يتطلب منك كل هذا التفكير " قالها : له الشيخ صابر صديقه في محاولة للتخفيف عنه ؛ فرد الشيخ محمد : "ولكن أخشى أن ينزلوني من فوق المنبر " فاحتوى الشيخ صابر صديقه قائلاً : " لن ينزلك أحد هذا أمر مستحيل ؛ الناس هنا في بلدنا لا يستطيعون الإعتراض على خطيب ، حتى ولو كان سِكّيرٌ عربيداً ، وأنت تعرف هذا جيداً وتعرف من أقصد " ، هدأ روع الشيخ محمد قليلاً ولكن لازال الخوف من خوض التجربة يرهبه ؛ هو يعلم أن معظم منابر القرية يعتليها جهلاء ولا أحد يعترض ، ولكن يمكن أن يقبل الناس عربيداً كبير السن ولا يقبلوا أن يأُمهم : فتى لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره ؛ أخذت الأفكار تتهادى روحة وجيئة في رأسه الصغير ، لاحظ الشيخ صابر إنشغال صديقه، فقال له :" حتى يطمئن قلبك ، أكتب عناصر الخطبة في ورقة تذكرك بالموضوع من وقت لآخر " ، فرد عليه قائلاً : " لا لن أقرأ من ورقة ، ما أحقر خطيب يخطب من ورقة "
ولكن صديقه نصحه بأن ورقة مكتوب فيه عناصر خطبته أمر لازم ، حتى ولو وضعها في جيبه ولم يقرأ منها ؛فإستجاب لمشورته؛ وإنصرف كل الى بيته .
وجاءت اللحظة الحاسمة !!
صعد الشيخ الصغير المنبر ؛ أحس أنه يصعد قمة " إيفرست " ، أنفاسه متقطعه ، نبضات قلبه تتلاحق ويسمع صوت النبض في كل مكان من جسده ، غمره العرق وأحس أنه مقدم على الإصابة بشلل ، أخيراً جلس ووجهه للناس ، هذه ليست وجوههم ، مالها تبدو اليوم أكثر رعباً ؛ بالرغم من رهبته إستطاع أن يلقي عليهم السلام فردوه في صوت واحد ، وكأنهم تعمدوا إخافته ، قام المؤذن ورفع النداء فقال لنفسه : " ها أنا سأخطب لن ينزلني أحد " ولكنه وجد أن الخوف لا يزال يسكنه ، أحس بالخوف أكثر حين تلقى " الميكروفون " من المؤذن ونهض قائماً ، بدأ بسرد مقدمته التي يحفظها ويلقيها دائماً ، في الوقت الذي حاول فيه البحث بين أفكارة عن بداية الخطبة ، وصلت درجة غيبوبته إلى حد أنه نسى موضوع الخطبة ، وقبل أن ينتهي من سرد المقدمة أخرج الورقة من جيبه بسرعة ، وبدأ يقرأ العناصر ثم جلس جلسة الاستراحة ، وقام ليكمل قرآءة باقي العناصر ، نزل وصلى بالناس وهو مستحيي من فعلته ،الخطبة لم تتجاوز الخمس دقائق ، وبعد إنتهاء الصلاة وجد جمهور المرحبين والمهنئين:" فتح الله عليك يا مولانا " "ربنا يزيدك من نعيمه "
فخرج وهو يحدث نفسه ؛ فعلاً بلادنا لاتعترض بل تقبل بأي خطيب ، حتى ولو سكيراً عربيداً أو صغير السن قليل الخبرة لا يعني ما يقول ؛ ربما يكتشفون يوماً : أنهم ؛ كان بوسعهم الإعتراض .