السلام عليكم
كنا قد افردنا موضوعا قديما عن عائلات فلسطينية اقامت بين ربوع القطر العربي السوري وجعلتها منطلقا لجهادها..ولاننا نحب الشعب العربي كافراد ....
يشرفنا ان يصبحوا منا وفينا
واليكم سيرة مقتضبة عن جهادهم المشرف





الشعب الفلسطيني في مواجهة الانتداب البريطاني والصهيونية



هبة سنة 1933



لقد لاحظنا أن نمو البرجوازية العربية الفلسطينية إلى حد ما، واستمرار عملية إجلاء الفلاحين العرب عن الأراضي التي باعها الإقطاعيون للهيئات الصهيونية، ونمو الطبقة العاملة العربية تنظيمياً- كانت من العوامل التي غيرت المناخ السياسي وساعدت على تحول وجهة الحركة القومية العربية إلى طريق مكافحة الإمبريالية البريطانية بدلاً من الانحراف عن هذا النضال إلى الاحتراب العنصري.

وساعد تراكم إجراءات الإدارة البريطانية تأييداً لمشروع الوطن القومي اليهودي ونموه كميا على إيقاظ أعداد كبيرة من القوميين على حقيقة السياسة البريطانية في فلسطين.

فهذه الإدارة هي التي كانت تحول دون قيام حكومة فلسطينية مستقلة، وهي التي كانت تفتح أبواب البلاد أمام الهجرة اليهودية المتدفقة، وجنودها وأفراد شرطتها هم الذين كانوا يجلون الفلاحين عن أراضيهم ويهاجمون المتظاهرين المنادين بالاستقلال.

وأسهم التمايز في الحركة القومية في هذا التطور.

وتعمق هذا التمايز في هذه الفترة بالذات حين مالت العناصر الإقطاعية إلى التعاون تعاونا أوثق مع الإمبريالية البريطانية نتيجة طبيعتها الطبقية وازدياد الصراعات الاجتماعية في البلاد، مما دفعها إلى التفتيش عن طريق لصيانة مواقعها فوجدته بالإمبريالية.

وقد اتسعت هذه الصراعات وامتدت إلى المدن والريف. وفي حين اتخذت في الريف شكل نضال فلاحي ضد الإجلاء اتخذت في المدن شكل اضرابات نقابية.

ففي هذه الفترة – في 1933- أجلت السلطات فلاحي عرب الحوارث بالقوة عن الواحد والأربعين ألف دونم من مرج ابن عامر التي باعها الإقطاعيون من آل التيان اللبنانيين في عام 1929 للمنظمات الصهيونية، وبذلك شردت 1500 مزارع بعد أن أدت المعركة التي دارت بين الشرطة البريطانية والفلاحين إلى سقوط عدد من القتلى. ( القضية الفلسطينية، يوسف هيكل، ص 146).

وهكذا اشتد النزاع على الأراضي نتيجة بيع الإقطاعيين العرب أراضيهم، وظهرت قضية المزارعين المشردين بإلحاح جعل وزير الدولة البريطاني يعلن في مجلس العموم، في 14 تموز (يوليو) 1933، عزم حكومته على تمويل توطين المزارعين المشردين بقرض ينفق منه على تطوير الأراضي أيضاً. ( تقرير الإدارة البريطانية ص31).

واستمرت حوادث العنف في الريف وكان من أبرزها حادثة إجلاء عرب الزبيدات عن أراضيهم في الحارثية ( بالقرب من حيفا) بعد أن باعها أصحابها إلى المنظمات الصهيونية. وفي هذه الحادثة استخدم البوليس العنف، وقتل مزارع أثناء إطلاق البوليس النار على المزارعين. (فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية- عيسى السفري- ص238).

وأما في المدن فقد وقع 46 إضرابا اشترك فيها 4000 عامل عربي بين سنوات 1930 و 1935.

قد لا تبدو هذه الموجة العمالية النضالية كبيرة الأهمية بالقياس إلى اليوم، ولكنه في ظروف فلسطين آنذاك كانت حركة الاضرابات هذه أمرا كبيرا.

واتساع حركة الاضراب في القطاع العربي نسفت مزاعم الصهيونية حول خنوع العمال العرب وعدم قدرتهم النضالية بالمقارنة مع العمال اليهود.

فقد بلغ عدد الاضرابات في القطاع اليهودي بين سنوات 1923و 1935 55 إضرابا اشترك فيها 1323 عاملاً. ( حركة العمال في إسرائيل- ولتر بريوس- ص118).

وفي الوقت ذاته شهدت هذه الفترة تعاونا عربيا- يهوديا في ميدان النضال الاجتماعي. ففي عام 1931 أضرب 3000 سائق عربي ويهودي لمدة أسبوع احتجاجاً على رفض الحكومة تخفيض ضريبة الوقود والرسوم. (المصدر ذاته)

وفي هذه الظروف انعكس التمايز في الحركة القومية في تعاون الاقطاعيين العرب مع السلطة وفي التنظيم الحزبي.

ولاحظ محمد عزة دروزة في كتابه حول الحركة العربية الحديثة هذا الأمر بطريقته الذاتية فكتب عند تحديده سياسة المندوب السامي البريطاني آرثر واكهوب ( بدأ عهده في تشرين الأول ( أكتوبر) عام 1931).

" وقد توسع ( واكهوب-أ.ت) في خطة تعيين أبناء الأسر المعروفة من مجلسه ومعارضة .. وكان محسوساً أن هذه التعيينات جاءت نتيجة لالتماس زعماء هذه الأسر .. على اعتبار أن الموظفين بمثابة رهائن تجعل الآباء والأسر مضطرين إلى الرضا والحمد". ( الجزء الثالث ص87).

وأضاف في شرح ظهور الأحزاب ( بعد أن ذكر سقوط مزارعي وادي الحوارث برصاص الجند الإنجليز): " فصار من الواجب اللازم توجيه الكفاح نحوهم ( الإنجليز)، أنهم بيدهم وحدهم التعديل والنقض والإبرام وقد كانوا أصل البلاء وظلوا كذلك"...( ص97).

والواقع أن الحركة القومية العربية لم تعد تستطيع الاكتفاء بتنظيمها الفضفاض حول اللجنة التنفيذية ( خصوصا بعد وفاة رئيسها موسى كاظم الحسيني) وذلك بسبب الصراعات الاجتماعية وانعكاسها على القوى القيادية في الحركة لقومية أولاً، وبسبب احتدام الأزمة السياسية في البلاد نتيجة ضغوط الهجرة المتزايدة في أعقاب انتصار النازية في ألمانيا ثانيا. وتدل الإحصاءات على أن عدد المهاجرين بين 1930 و 1935 بلغ حوالي 180 ألف مهاجر (!).

وهكذا تألف ما تألف حزب الاستقلال في شهر آب ( أغسطس) 1932 من العناصر التي انتمت إلى الحركة القومية العربية العامة- جمعية العربية الفتاة- واعتقدت أن الحركة القومية ضعفت ورهنت، " فبعد أن كانت" القضية- كما جاء في بيان تلك العناصر الصادر في تموز (يوليو) 1932- " قضية استقلال تحمل خواص القضية العربية الكبرى وتكافح الاستعمار وجها لوجه أصبحت قضية محلية تتأثر بالنزاعات الشخصية والأهواء العائلية".

وهاجم البيان موقف بعض القياديين في الحركة القومية الذين اتخذوا موقف العجز والمسكنة وحصروا نشاطهم " بمقاومة القضية المصطنعة التي نكبنا بها ( الاستعمار ليلهينا عن أغراضنا المقدسة العليا". وأعلن أن المبادرين إلى إقامة الحزب اعتقدوا أنه آن الأوان للقيام " بحركة وطنية خالصة على يد حزب سياسي استقلالي يكافح الاستعمار وما جره من نكبات" ويبتعد عن السياسات المحلية والشخصية والعائلية.

ومع أنه من الصعب توزيع القوى الاجتماعية الموجودة في فلسطين آنذاك على الأحزاب العربية التي قامت في سنوات الثلاثين، إلا أنه من الممكن القول أن حزب الاستقلال الذي تألف من مثقفين وأبناء إقطاعيين متنورين، وبرجوازيين، كان أقرب الأحزاب إلى الإعراب عن مطامح الحركة القومية العربية التي تقودها البرجوازية وتعكس إلى حد ما أماني فئات واسعة من الجماهير.

وفي اجتماعاته الشعبية وبياناته كان حزب الاستقلال يندد البريطاني ويتوقف عند نتائج الحكم البريطاني ويعالج القضايا المختلفة التي تواجه الشعب.

وفي بيانه في ذكرى وعد بلفور ( 2/11/1923) عالج، بعد مقدمة استعرض فيها الحركة العربية والثورة واحتلال بريطانيا فلسطين لمدة 14 سنة، الموازنة التي لا تتحملها البلاد "فالموظفون الإنجليز والغرباء اليهود يبتلعون الجزء الأكبر منها وثلثها ينفق على الحراب التي تحمي المشروع الصهيوني"، وشجب الحكومة التي لا تحمي المزارعين العرب رغم تواصي لجان التحقيق ولا تضع تشريعا يمنع انتقال أراضيهم إلى الصهيونيين... ولاحظ أن البطالة ضاربة أطنابها في البلاد التي ترهق بالضرائب- وهي ضعف مثيلاتها في البلاد العربية المجاورة.. وذكر أن الضرائب على المواد الغذائية أدت إلى ارتفاع الأسعار وأن أزمة التعليم شديدة تظهر في أن أكثر من 70 بالمئة من الأولاد خارج المدارس وأن قانون المطبوعات يكمم الأفواه..

وفي النهاية أبرز البيان أن بعض الناس يتطوعون في خدمة الاستعمار ودعا الشعب إلى تشديد معركته ضد الاستعمار وأساليبه والصهيونية وغزوتها وضد الخونة..

ورفع الحزب المطالب الثلاثة التي تحولت إلى شعارات شعبية: وقف بيع الأراضي، وقف الهجرة وتسليم أبناء البلاد الحكم، وتحقيق استقلال فلسطين" متحدة مع البلاد العربية الأخرى"..

وظهر أن حزب الاستقلال، الذي نشط حوالي السنة ونصف السنة، فعقد الاجتماعات الشعبية وأصدر البيانات، نجح فكريا بدون أن يحقق إنجازات تنظيمية.