تأملات حول مفهوم الكرامة
احتفل العالم منذ أيام قليلة بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته هيئة الأمم المتحدة سنة 1948 وما نود الإشارة إليه هنا ، هو أن صدور هذا الإعلان كان لحظة تمت فيها الإشارة إلى مفهوم الكرامة الإنسانية .
حيث نقرأ في الديباجة " يولد كل الأفراد أحرارا ومتساوين في الحقوق والكرامة".
ومنذ ذلك الحين صار المفهوم متداولا على نطاق واسع في المجال السياسي والحقوقي والأخلاقي...ولكن أحيانا دون الوقوف على دلالته .وقد أدى استعماله المفرط إلى إثارة كثير من التضارب والإختلاف لدرجة أن البعض اعتبره مفهوما ملتبسا ، واعتبره آخرون مفهوما ميتافيزيقيا أو دينيا...بل نجد هناك من اعتبره بلا فائدة تذكر بالنسبة لحقوق الإنسان.
ليس غرضنا هنا مناقشة هذه المواقف ولا بيان محدوديتها ، ولكن ما نود التنويه إليه هو أن العودة إلى موقف الفيلسوف الألماني كانط لا شك أنها ستساهم في تبديد بعض الغموض الذي يحوم حول هذا المفهوم
. فإذا ما وضعت في مقابل ثمن شيء أو سلعة أو خدمة ، نجدالكرامة (الإنسانية والقانون الأخلاقي) تمثل قيمة مطلقة لامشروطة وغير قابلة للمقارنة ، وفوق ذلك فهي غير متوفرة لدى أي من الكائنات سوى الإنسان بوصفه كائنا أخلاقيا .
فبالنسبة للإنسان ككائن عاقل تعتبر استقلالية الإرادة أساسا للفعل الأخلاقي ، ومن هنا فإن الإحترام يترجم الموقف الذي يجب أن يتخذ من طرف كائن عاقل من القانون الأخلاقي الذي يتميز بقيمة لا مشروطة .وهكذا فالإحترام ينطبق دائما على الأفراد وليس على الأشياء.
وفي هذا الإتجاه لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار مفهوم الكرامة بلا فائدة ومجرد شعار يكتسي طابعا دينيا ، ذلك أن التفكير في مبدإ احترام الأفراد واستقلاليتهم يقودنا على سبيل المثال إلى مساءلة بعض الإشكاليات المترتبة عن البحوث والإختبارات المقامة في ميدان الطب البيولوجي .
إن وضعية الهشاشة التي تجعل بعض الأشخاص فاقدين لاستقلاليتهم لا يمكن أن تكون مبررا لعدم احترامهم ، كما أن هذا الإحترام الواجب نحو شخصه ككائن عاقل يجب أن يكون مانعا لمعاملته كشيء فاقد للقيمة.
كما أن توفير مواد أو أعضاء بيولوجية أو اصطناعية لتخفيف وضعية الهشاشة التي يعيشها هؤلاء الأفراد ليست مبررا لمعاملتهم كمواضيع تجريبية أو فاقدة لماهيتها الإنسانية ، وقس على ذلك بالنسبة لانتقاء الأجنة ( من حيث الجنس ، والذكاء ، واللون...) فهل يتم ذلك دون التفكير في العواقب ( الأمراض الجينية ، وما يترتب عنها من آلام ، وآثار نفسية ، ....)
فإذا كانت وضعية الهشاشة لاتفقد الإنسان كرامته بالنظر إلى اعتماده على غيره، فإن ذلك ينطبق حتى على الدول والطبقات الإجتماعية...التي تعيش وضعية الهشاشة وتفقد استقلالية إرادتها وقدرتها على الفعل ، حيث لا يمكن إطلاقا التنكر لكرامتها وحرمانها من حقها في الإحترام لهويتها وخصوصيتها.
إن الكائن الإنساني لا ثمن له ومن هنا فالبحث العلمي والعلاقات بين الدول والثقافات والأفراد يجب أن تتم في الإتجاه الذي يخدم الإنسان ويحافظ على كرامته واحترامه لذاته ، ومن ثمة فإن أي حديث عن الكرامة بعيدا أي تأمل أخلاقي يبقى فارغا وبدون محتوى .
حسن لشهب