السلام عليكم ورحمة الله وبركاته /سألتني إحدى طالباتي عن أسباب حرب المائة عام ورأيت أن معظمنا يجهلها وسأنشرها هنا إذن منقولة:
الفروسية والحروب
شريفة الشملان
* كانت الحروب حروب مواجهة، فارس أمام فارس، أو يلتحم الفرسان مع بعضهم البعض تظهر من خلالها شجاعة الشجعان، ويبين نبل المحارب الذي لا يطعن جريحاً ولا يقتل طفلاً، ولا يغتصب امرأة. وقبل ذلك كانت هذه الأخلاق هي وصايا الخلفاء الراشدين لقادة الجيوش الفاتحة والمبشرة بالدين الحنيف، ولكن عندما اكتشف أو تم تركيب المنجنيق، بدأ الأمر يأخذ طوراً آخر، ولم تعد للفروسية ميادينها، إنما تقهقر الفارس أمام الرامي المحصن وسقط مضرجاً بدمائه، وقبل المنجنيق كانت كرات النار التي ترمى من بعيد وتلتهب النار فتكفي الأعداء شر الفرسان.
أوروبا عرفت انتهاء عصر الفروسية منذ عام 1346م وأثناء ما عرف بحرب المائة عام بين الفرنسيين والانجليز، حيث نزل الجيش الإنجليزي على سواحل النورمندي الفرنسية، فتصدى له الفرسان الفرنسيون وهم بكامل أناقتهم الحربية، لكنهم سرعان ما تقهقروا وأبيد أكثرهم بفعل الرماة الإنجليز وأغلبهم من الفلاحين البسطاء الذين لقوا تدريباً جيداً على الرماية، فأصبحوا رماة سهام ماهرين، وكوًَّنوا ما يشبه الجدار الذي لم يتمكن الفرسان الفرنسيون من اقتحامه .. وهكذا ضاع عهد الفروسية وللأبد.
بقيت أخلاق الفروسية زمناً تمثل النبل والكرم والشجاعة، لكنها قد أصبحت تراثاً في أغلب بلدان العالم، وأصبح الحديث حديث العلم والزمن، ولم يعد السلاح سلاح مواجهة ولا حتى رماة مدافع أو دبابة، أصبح الأمر خطراً أكبر من ذلك بكثير، ولم يعد الإنسان يقول تمدَّنا وتحضَّرنا وراح زمن الحروب، بل حتى بعد نهاية الحروب لا يمكن أن يقال: الحرب انتهت، إذ إن الإنسان بصراع دائم حتى بعد انتهاء الحروب، تبقى مخلفاتها، معاقوها، وأيتامها وأراملها، أتذكر أني شاهدت برنامجاً عن الألغام للأفراد وكان المتحدث عسكرياً غربياً، فكان يقول ما معناه: نحن نحرص على أن يكون المعاقون والمرضى نتيجة الحروب أكثر من الموتى، لأن أولئك يكلفون العدو الكثير!!
إذاً لا مجال للفروسية لا أخلاقاً ولا أعمالاً. وخاصة عندما يكون الأطفال وقوداً للحرب فيكونون إما اغتيلوا أو شُوهوا ولله درهم أيضاً كيف يعيشون وقد رأوا آباءهم يُمزَّقون أمام أعينهم..
ويجدر بي أن أبين سبب حرب المائة عام بين فرنسا وانجلترا، هو أن الجارة انجلترا طمعت فعندما توفي أبناء الملك الفرنسي (فيليب لوبل) الثلاثة لم يبق من يرث العرش من الذكور، وكانت زوجة الملك الانجليزي، (إدوارد الثالث) آخر ما تبقى من الأسرة المالكة الفرنسية، لذا رأى الملك إدوارد أحقية انجلترا بعرش فرنسا، ويجب أن لا نقول هنا فتش عن المرأة إنما فتش عن الطمع، فقد طمع الملك الانجليزي بالعرش الفرنسي وبتوسيع رقعة مملكته، وهكذا بدأت طاحونة الحرب بين الجارتين، هي لم تمكن حرباً طيلة المائة عام كانت تشتعل أحياناً وتأتي هدنة أحياناً أخرى، وعندما تستكين الحرب تظهر أيضاً آثارها من فقر وأوبئة وخاصة وباء الطاعون الذي فتك بالأوروبيين كثيراً، لكنه فتك بفرنسا المجروحة أكثر ..وحدثنا الكاتب الشهير (البير كامي) في رائعة (الطاعون) عن هذا المرض والجثث الملقاة بالشوارع، ووصف الوضع وكأنه منقول لنا بالكاميرا.
تولى عرش انجلترا عدة ملوك وكذا عرش فرنسا، وظهرت أثناء تلك الحرب المناضلة الفرنسية (جان دارك) التي أحرقها الانجليز متهمين إياها بالسحر لأنها استطاعت أن تجمع الفرنسيين تحت لوائها وشجعت الملك على المقاومة، واعتبرها الفرنسيون قديسة ومازال تمثالها منصوباً بأحد شوارع باريس الكبرى.
حرب المائة عام حرب جرت بين جارتين طمعت إحداهما بالأخرى وتكبدت كلاهما الخسائر تلو الخسائر، ثم انتهت لتكون الدولتان حليفتين، وخاصة أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما تحالفتا وبقوة ومعهما إسرائيل ضد مصر عام 1956م فكم من الأشياء تغيرت منذ أن نزل الجيش الإنجليزي سواحل النورمندي في 42/آب/1346م.
ومنذ أن قبر عهد الفروسية؟؟
المصدر:
جريدة الرياض:
http://www.alriyadh.com/2001/06/10/article32625.html