نزيه شيخ السروجية
حدثني عن الشام وأحكِ لي عن دمشق :
***************تاريخ دمشق ***********
لمحة عامّة
نعرض في السطور التالية موجزاً لتاريخ دمشق منذ نشأتها وحتى عصرنا الحاضر، ونكتفي بالإشارة إلى النقاط البارزة في سيرتها، التي تحتاج إلى مجلدات ضخمة، ناهجين التسلسل الزّمني قرناً بعد قرن وعصراً بعد آخر.
العهد الآرامي وما قبله :
لم يكن أوّل نشوء لدمشق في العهد الآرامي بالقرن العاشر ق.م، بل قامت في تلولها الأثريّة (تلّ أسود، تلّ الرّماد) حضارة بشريّة ترقى إلى الألف الثّامن قبل الميلاد (قبل 9900 سنة)، وعرفت مراحل طويلة في أصل نشأتها واستقرار الإنسان القديم فيها، كما عُثر في بعض التنقيبات الأثرية بداخلها على فخّار يرجع إلى عهد البرونز القديم، أي حوالي منتصف الألف الثالث قبل الميلاد.
وتؤيّد الوثائق الفرعونية التي عُثر عليها في تَل العمارنة على وجود دمشق قبل العهد الآرامي وورد اسمها فيها: »تيماشكي«، ونرى أن هذه التسمية تلقي الضوء على أصل اسمها الكنعاني القديم الذي نقوم بتأويله للمرة الأولى كما يلي: تيما - شقي، أي: (الجنوب المسقي)، على اعتبار أن حواضر المدن الكنعانيّة كانت في الشمال الغربي على الساحل السوري (أوجَريت وعمريت)، ودمشق بالنسبة لها جنوبيّة. لاحظ تشابه الاسم في: وادي التّيم، وفي: إبل السّقي.
ثم كانت دمشق موطنا للشعب الآرامي في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد، لمّا انطلقت قبائل هذا الشعب من الجزيرة العربية واستقرت في بلاد الشام، حيث أسّست دويلات كانت دولة دمشق الآرامية أعظمها وأشهرها.
أطلق الآراميون على هذه المدينة اسم »دَرْميسِق« דרמשק ، وتعني هذه العبارة: الدّار المسقية (وإن كنا نجزم أن الأصل كنعاني قديم)، وحوّر اليونان والرّومان الاسم إلى داماسكوس Damascus، بينما بقي اسمها عند العرب حتى اليوم بصيغته الساميّة: دمشق، وإن كان يطلق عليها أيضاً اسم الإقليم برمّته: الشام، من باب إطلاق الكل على البعض.
كانت مملكة دمشق الآراميّة في غالب أيامها قائدة للدُّويلات الآرامية في بلاد الشام لصدّ الغزو الآشوري إلى أن وقعت بأيدي الملك الآشوري تغلات فيلاصر الثالث عام 734 ق.م، فقام بتدميرها بكل وحشية وغنم كنوز قصرها الملكي الشهير.
وفي القرن السابع قبل الميلاد يتغلّب على دمشق الكَلدان، إلى أن احتلّها الفُرس حوالي 538 ق.م. ثم يُعدّ غزو الإسكندر المقدوني لسورية عام 333 ق.م نقطة تحوّل كبير في تاريخ المنطقة عامّة وتاريخ دمشق خاصّة.
* * *
العهد اليوناني - المقدوني :
ارتبط تاريخ دمشق منذ الغزو المقدوني بالغرب لفترة تُقدّر بحوالي عشرة قرون، وكانت بلاد الشام بعد الإسكندر من نصيب خُلفائه السّلوقيين الذين أولوا دمشق عناية كبيرة، بينما كانت عاصمتهم في معظم أيامهم مدينة أنطاكية. وقد حُرمت دمشق من الاستقرار لاستمرار النزاع حولها بين السّلوقيين في الشام والبطالمة في مصر.
عرفت دمشق في هذه الفترة من تاريخها ازدهار الحضارة الهلنستية، التي تمازجت فيها عناصر الثقافة اليونانية مع حضارة الشرق وثقافته، وانتشرت بين أبناء دمشق لغة اليونان وثقافتهم وفنونهم.
وخلال أواخر العهد اليوناني السّلوقي ازدهرت في جنوب بلاد الشام دولة عربيّة هي دولة الأنباط وعاصمتها البتراء Petra، وامتد سلطانها على أراضي الأردن وحوران ووصل نفوذ ملوكها مرّتين إلى دمشق، وذلك عام 85 ق.م في عهد الملك الحارث الثالث Aretas III، وفي عام 37 م في أيام الملك الحارث الرابع، وكانت بلاد الشام بما فيها دمشق قد غدت تابعة لحكم الرّومان.
* * *
العهد الروماني :
طويت صفحة العهد اليوناني في دمشق عام 64 ق.م عندما دخلتها جيوش الرّومان بقيادة القائد العام پومپيوس Pompeius، وعرفت دمشق في هذا العهد نشاطاً تجارياً واسعاً، مُستفيدة من كونها محطّة رئيسيّة على طريق القوافل، ومن اتّساع الإمبراطورية الرومانية ، وأفادها تدفّق الأموال عليها في تطوّرها العمراني الذي بلغ في عهد الرّومان حداً عظيماً، ما زالت آثاره باقية إلى اليوم.
وأصبحت دمشق في عهد الإمبراطور هادريان حاملة لقب متروپول (مدينة رئيسية) ثم حملت لقب مستعمرة رومانية في عهد الإمبراطور سيپتيم سيڤير، ولمع من أبنائها مهندسون، ووصلت شهرة أحدهم »أپّولودور الدمشقي« إلى روما.
وفي أواخر القرن الرابع الميلادي انقسمت الإمبراطورية الرومانية وغَدَت دمشق من أملاك الجزء الشرقي من هذه الإمبراطورية، وهي الذي عرفت باسم الدّولة البيزنطية. وأصبحت دمشق مركزاً عسكرياً مهمّاً في مواجهة الفُرس السّاسانيين، كما غدت من أهم مراكز الدولة العربيّة التي قامت في بلاد الشام وهي دولة الغَساسنة. وتقع دمشق بيد الفرس عام 612 م ويستعيدها الرّوم بعد خمسة عشر عاماً على يد هرقل عام 627 م. ولم تلبث أن أضحت في حُكم العرب بعد أن فتحتها جيوش العرب المسلمين عام 14 هـ/ 635 م.
*********
سأكتفي بهذا وسأتحدث قريباً عن دمشق في العهد العربي الإسلامي فأرجو المتابعة
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي