بين اذن مقطوعة ولسان مقطوع
===============
قالت اذن مقطوعة: لقد امضيت عمري مهانة جبانة انفّذ كل شيء وعندما.. مرة واحدة تجاهلت الاوامر وقررت ان اكون شجاعة وعزيزة النفس قطعوني..
لقد سمعت من الاكاذيب مالا تحفظه الحاسبات كذلك سمعت الطرائف والاشاعات والمهازل ولكن ما الفائدة لم ينفعني شيء ولم ينفعني احد وهكذا تراني مقطوعة.
وقال لسان مقطوع: اما انا يا اخيّتي ورغم اني ذكر شرقي لكني كما ترين (حال الضيم حالي) فلقد سبّحت بحمدهم وصليت بحمدهم وصمت بحمدهم وذهبت الى مكة بحمدهم ولكنني مرة واحدة قلت: هذا البكر لا يحل ولا يربط
رموني بالسجن شر رمية وحين اخرجني الذي ازاحه قلت في نفسي يبدو ان صاحبنا يجل ويربط وبدأت مرة اخرى اسبح بحمدهم واصلي بحمدهم واذهب الى مكة بحمدهم ولكني مرة واحدة حين قتلني الجوع قلت بصوت عال يبدو ان صاحبنا لا يحل ولا يربط كصاحبه، فما كان منهم الا ان قطعوني كما ترين.
------------------------------------------------------------------

بين الخبز والحرية
===========
تلك بلاد تستفز الاسئلة، الاف الناس يقفون طوابيرا للانحناء وتقديم الزهور الى قبر رجل ميت، كان كل شيء متوفرا بلا ثمن، الطعام والنقل والسكن والخدمات، لكن الشيء الوحيد الذي جعلني اتصور نفسي قردا هو غياب الحرية، قرد في قفص وعلى فمه شريط لاصق، تصوروا المنظر، مضحك ام مبك؟ تصوروا قردا يدور بميكانيكية حول نفسه. وذات مرة ارتكبت مخالفة فاوقفوني يوماً واحداً لكنه من ايامي الخالدة التي لا انساها طيلة عمري كان كأنه عشرة اعوام، لقد تعلمت انهم اكثر عنفاً وقمعاً ومن اقسى دكتاتوريات العالم قاطبة..
جلس كريم كاوة بين اهله في السليمانية وهو يضحك ويرش عليهم طرائفه كالحلوى ولكنه بين نكتة واخرى يتذكر الايام المرة فيحاول اخفاءها بطرفة جديدة احلى من التي سبقتها لعله ينسى.
كان ابوه يسعل بشكل مستمر وهو يسحب الدخان من النارگيلة بلا اكتراث ولكنه فاجأة بسؤال:
ـ ولكن يا ولدي يقولون ان الاتحاد السوفيتي تفكك..
ـ بلي يابه والحرية الفردية موجودة والديمقراطية الان متوفرة بشكل مثير ولكن الخبز بدأ يتضاءل وهكذا النقل والسكن والخدمات.. لقد بدأت معاناة اخرى تظهر وبسرعة وفي كل الاحوال فان رحلتي التي استمرت عشرين عاما بين الاتحاد السوفيتي واوربا علمتني انهم اقل حميمية وحنانا منا.. ولكنهم اقل دموية ايضاً.
=====================================

لاجيء سياسي
==========
عندما نزل علي جابر من الطائرة احسّ بان عمره خمس سنوات وهو يتهجى حروف مطار بغداد الدولي وكان قلبه يسبقه الخطوات من الفرح الممزوج بالذهول رغم الاجراءات المشددة التي واجهها في المطار.
عند باب المطار الخارجي استقبله سائق تكسي واخذ منه حقائبه قائلا:
ـ وين تريد؟
ـ للبصرة، قالها بتحدٍ أزعج السائق
ـ لعد لويش ما حجزت لمطار البصرة
ـ ماكو طيارة تروح البصرة
ـ ولكن الوقت يقترب من الغروب
عليك ان تذهب الى الكاظمية وتبيت في فندق ثم تذهب صباحا الى البصرة، وبالمناسبة فأن اجرتي خمسون الف دينار
ـ خمسون الف دينار؟ لماذا؟؟
ـ شارع المطار خطر وانا الان اجازف وسنصل الى الكاظمية والوقت ليلا.. اذا وصلنا سالمين.
ـ توكل على الله.
وبدأ السائق يسير بحذر متجاوزا عدة نقاط للتفتيش مرة يقف ومرة يتسلم اشارة بالمرور بينما علي جابر يستعيد ذكريات تمتد الى ثمانينات القرن الماضي، في احدى نقاط السيطرة بدأ الشرطي يستجوب علي جابر باسلئة كثيرة لا يشبه بعضها البعض وحين كاد ينفجر بكاءً ضحك الشرطي وقال له مع السلامة اشتبكت لديه الآليات العسكرية المنتشرة على طول طريق المطار مع اجواء الحرب والدمار التي كان يعيشها حين غادر العراق.. قال السائق:
ـ هذه منطقة موحشة لا آن ولا ودان لاحظ
ـ نعم
ـ لاحظ نحن الان في مفترق طرق كلها خطرة
ـ نعم
ـ لاحظ هؤلاء امريكان علينا ان نقف الى ان تأتينا اشارة بالمرور
ـ نعم
ـ لاحظ نحن الان في منطقة تسمى اربع شوارع هذه اخطر مناطق بغداد
ـ نعم
ـ لا حظ سنتجه الى ساحة عدن
ـ نعم
ـ وصلنا الى الكاظمية تستطيع النزول مع الف سلامة
ـ نعم
عندما اقترب من اول فندق صادفه لاحت له منائر الكاظمية تسمّر واقفا هل يؤدي مراسيم الزيارة ام يرتقي سلّم الفندق ليتخلص من الحقائب اولا، حسن حدّق في االمنائر قائلا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم ارتقي سلم الفندق.
ـ امام صاحب الفندق وقف شاب طويل اسمر بنظرات حادة رغم الارهاق
ـ تريد غرفة بسرير واحد ام بسريرين
ـ اريد غرفة فيها اكثر عدد من العراقيين
ـ زين هناك غرفة بخمسة اسرة فيها اربعة نزلاء سيكون السرير الخامس لك اعطني هويتك.
ـ نعم
ـ ماهذا انت سويدي؟
ـ نعم
ـ واسمك الجابور؟
ـ نعم
وشعندك جاي للعراق؟
ـ لاجيء سياسي!!

------------------
عام البلبل
========

اسدلت ستارة الشباك وفتحت نافذة في خواطرها لترسم ابتسامة من الدفء ربما ترضي طموح غزالها الذي تنتظره وهو يدخل عالمها الصغير..
ـ ها حبيبي هل ما زلت ترتجف من البرد؟
ـ نعم اخطأ النسّاجون!
ـ لكن الشمس مشرقة على ما اعتقد!
ـ حالة النفس تختلف عن حالة الطقس!
ـ والمطر الا يمكن ان يرسم بعض الامل؟
ـ كان من المفترض ان يسرع السائق!
ـ هل ما زال كل شيء على غير ما يرام؟
ـ لا... كل ما يرام ليس له من الثبات شكل.. اشياء كثيرة يجب ان تتوقف...
ـ هل هو عام الفيل؟
ـ لا.. عام البلبل!!
ضحكت بينما كانت دمعة تسقط من قفص معلق في زاوية الغرفة، ورفعت بصرها اليه فوجدت اناء الماء مقلوبا والبلبل يرقد مثل ذكريات ميتة.. حركت القفص فلم يتحرك البلبل، لقد مات من كثرة الغناء.. قالتها بحسرة خافتة..
ـ ماذا تقولين؟
ـ البلبل مات من كثرة الغناء
ـ انتهى عام البلبل اذن، بل من كثرة انشغالك به، اشياء كثيرة يجب ان لا ننشغل بها، هل تركتيه بلا ماء مثلا؟
ـ لا.. هو القى الماء من الاناء ومات
ـ ربما اراد شيئا اخر غير الماء
ـ ربما اراد شريكة لمعاناته؟
ـ تقصدين لغنائه؟
ـ لا هو ما كان يغني كان يعاني
ـ بالمناسبة هل تستطيعين وصف بلبل يعاني؟
ـ يعني.. هو كان يقفز ويرقص ويرتكب حماقات كثيرة بينما انا مشغولة باعادة جدولة القنوات الفضائية وكل شيء متوفر لديه..
ـ هل انت حزينة الان؟
ـ من المفترض ان يتقدم العلم والطب ليكون لدينا بلبلا بديلا.
ـ ها.. هنا تسكن العبرات
ـ انت مشاكس لا تؤمن بالعلم وعنيد لا تطمئن للطب..
ـ انا اؤمن بالله فقط
ـ ولكنك فقير وفقير جدا ولو كنت تمتلك المال لفعلت اشياء كثيرة..
ـ لذلك انا مقتنع ومؤمن، لو امتلكت المال لاضعت حلاوة الفقر
ـ اوه انت تنكد عليّ حتى طريقتي في الحزن على البلبل..
ـ انت تعلقين آمالك على حبل مقطوع، احمدي الله كثيرا ان الامال ليس لها ثمن وانها كثيرة جدا وهذا هو قانون العرض والطلب
ـ انت فعلا ثقيل وتعيش في عام الفيلّ
ـ لا لا.. انا خفيف وقد غادرت من عام البلبل تواً وها انا خارج من الغرفة لاعد طعامي بنفسي ثم اغسل ملابسي ثم افكر قليلا بتقرير المصير.
انزلت القفص من مسمار في الحائط ففوجئت بالبلبل حيا يرزق ولكنه كان خجلانا من جريمة اقترفها.. لقد قَلَبَ الاناء بدون قصد تعبيرا عن رغبته بالحرية، بشكل خاطيء، ابتسمت وقالت بصوت مسموع: انه عام البلبل.. دخل زوجها ورآها تداعب البلبل بعزم فقال: لا لا انه عام الفيل بلا منازع
---------------------------------------------
قلق على شرفة الخمسين
------------------------------------------------

أناءٌ مملوء بالحيرة في شفتيه سؤال يابس.. اوه مالها اغنيتي تتعثر في وتر الصبح.. اوه مسكوب بين اصابعي تنمل غريب فاجاني بين صمتٍ وابتسامه.
اعود اذن الى ارجوحتي المحصورة بين الحائط والكتاب، بين الالم والذكريات.. اوه تحدثت كثيرا مع هذا المجنون الطيب، بالتأكيد هناك من حيّاني ولم انتبه، ما زلت مشغولا بالحديث مع نفسي بصوت مسموع.. عمالقة آخر الزمن.
عاد المجنون الطيب الى بالون مملوء بالكلمات القديمة والذكريات المنسية وبعض الصور الجديدة المقرفة، وبدأ يعيد ماكتبته الساعات، يخرج في الصباح دون ان يستمع الى زقزقة العصافير ولا اغنيات فيروز ولا بعض السور القصار، حتى سورة يوسف بدأ لا يرددها مع نفسه لكثرة الاعداء وضيق الوقت ومدت الفراشات، حتى المذياع دون بطاريات منذ عدة سنوات، لا موعد للفطور، لا حدود للشاي، سحابة الدخان حول فراغات يتركها مهرولا، فترة الغداء بعد فترة الاستراحة التي لا تأتي الا بالصلوات على محمد وال محمد، لا نوم بعد الظهيرة لاوقت للصلاة الا في فترة الاختناق بالمشاغل، اسمه مطلوب في قائمة المزدحمين بالحزن والركض والتفكير السريع والضحك رغم ضيق فتحة الكلمات.
قلّب اوراق اربعين سنة وفيه بعض الفرح الغريب، اذ لا زال الضوء يفتح فاه ولا زالت باب الغرفة تنتظر من يسكب سؤالاً سخيفاً او اقتراحاًَ سمجاً.
ما هذه الاوراق المخضبّة بغبار الهجران والقطيعة، قبل ثلاثين سنة يقول موضوع الانشاء، اتمنى ان اخدم وطني بكل ما املك من جهد، دون الحاجة ان اكون شرطياً او جندياً او ضابطا.. وقبل ذلك بخمس سنوات تقول ورقة صفراء تتكسر بالم سأكون مغنياً اكتب الشعر واضعُ اللحن له واعزف العود واغني دون الحاجة الى جمهور يسمعني.. وكان خطي جميلاً، وهو الشيء الوحيد الذي استطعت ان احتفظ به من الضياع ضمن ذكريات تثير الاستغراب والشفقة، مثلما تبوح بهيبةٍ مزعومة.
اوه.. لم احقق شيئاً مع الاسف سوى بعض الجنون الذي أصبح هالة حول برتقالة ذابلة لطفل بريء.. عاد المجنون الطيب الى دورة رقاص الساعة الجدارية ليجد نفسه معلقاً عند صلاة الفجر، عليه ان ينهض من يقظته ليغسل الوجه واليدين بالترتيب ثم ليأتي بالفطور ثم يستعد لمطاليب يوم جديد لاطفال وامرأة ومعجبين كثيرين بانشغاله، خرج من ارجوحةٍ بين خطوتين وهو يأسف لانه لم يستطع ان يستمع لقاريء القرآن، كما كان من قبل، وكذلك مدّ الحزنُ خيوطاً الى خدّيه لانه ما عاد يستطيع ان يردد مع نفسه تك تك تك يمّ سليمان!! ها ها ها.
---------------------------------------------------------------------
جنوبية في كردستان
==========


فرش ليل اربيل اجنحته الضوئية على فندق رويال بالاص عندما كان كانون الثاني يسحب وشالة ايامة بهدوء، دخلت نادية المحمداوي اصغر من عمرها الحقيقي بكثير مثل نخلة عراقية الا ان ولدها الذي يرافقها يكاد يكون بطولها، تذكرت انها تجاوزت الرابعة والاربعين ولكنها عاندت حتى السنوات، تتحدث بثقة كأنها ابنة الثلاثين، عرفتها هي عندما دخلت صالة الفندق نهضت من مقعدي قلت: انت.؟
قالت: انا.. وهذا ولدي، عرفتها لانها تمتلك اكثر عدد ممكن من نقاط الالتقاء معي، فهي شاعرة وصحفية، كانت قد نشرت ديوانها (انهم يطلبونني فاراك) ولا زلت لحد ساعة اللقاء لا ادري من هم ولا اعرف لمن ترى ولكني سألتها: يبدو انهم لا زالوا يطلبونك ولا زالت ترينه..
مشينا سوية وسرعان ما افترقنا، هي وولدها: اتجها نحو المصعد الكهربائي وانا اتجهت نحو السلم، ضحكت على بساطتي وصعدنا سوية المصعد..
في الصالة الملاصقة لغرفتي جلست امراة جنوبية من اسرة المحمداوي العريقة في العمارة، ولدت في كرادة بغداد واكملت دراستها وهي تعشق الشعر والصحافة فعملت في دار الجماهير للصحافة ومجلة صوت الطلبة ومراسلة لجريدة القبس الكويتية..
يبدو ان الايام كانت سريعة مثل قطار يتجه الى الامام دائما هكذا انتهت ايام الظالمين وخرجت نادية وزوجها من شرنقة الظلم وفرحت كبقية العراقيين الذي تنفسوا الحرية ثم مالبثوا ان شربوا مرارة القتل في شوارع بغداد، نزحوا مع النازحين، اختارت هي وزوجها واولادها محافظة ديالى وهناك سرعان ما عرفوا انهم من الشيعة المغضوب عليهم فذَبَح المجرمون زوجها امام اعين تمنت ان تكون مفقوءة..
جمعت احزانها الكثيفة وعادت الى بيتها في بغداد مكسورة الجناح ولكن الظالمين ابوا الا ان يخطفوا ولدها.. اصبح الهواء غازاً ساماً واصبحت العصافير انياباً تنهش في خدها، ومضت بغداد ذئباً دموياً في عينيها.. ماذا تفعل؟ اتصلت بالحكومة الفيدرالية بكوردستان قالت لا اريد ان اترك وطني لا اريد ان اتغرب.. اريد ان ابقى في وطني هل كوردستان وطني هي الاخر.. قالوا نعم، شدت الرحال الى اربيل وكان مكتب جريدة الصباح الجديد يفتتح ايامه الاولى فكان محطتها الصحفية.
شعرت بالسعادة المرة بعد ان رفضت العروض التي قدمت لها من الاردن وسوريا ومصر وتركيا للعمل كصحفية هناك، رفضت كل تلك الدول وهي تشعر بانها في وطنها رغم انها تركت في ديالى رجلا مقتولا وجمعية للنساء المعاقات كانت قد اسستها عام2004 وهي ثالث جمعية في العالم بعد بريطانيا والمانيا اسست لها فروعا في السماوة وبغداد وبعقوبة وتطمح ان تنقلها الى اربيل بعد ان انطفأت جذوة الفرح في بغداد وديالى.
قلت لنادية المحمداوي هل تحبين العمل في منظمات المجتمع المدني؟
قالت: انشأت جمعيتي في ديالى لوجود2000 معاقة من مجموع8000معاقة في العراق وعالجت نساءً في مصر وانشأت مشروعاً لتعليم الخياطة والحاسبات ولكني اكره معظم منظمات المجتمع المدني لانها تعمل لاغراض شخصية ولا تهتم بالمواطن العراقي واغلبها وهمية..
ما هو الموقف الذي بقي عالقاً في ذاكرتك؟
في عام1993 كتبت موضوعا بعنوان ديالى مدينة البرتقال تغادر الى الازبال وعوقبت بسببه بطردي من العمل ستة اشهر وتكرر هذا الموقف قبل عدة اشهر عندما كتبت عن فوز منتخبنا في امم اسيا وقلت ان العلم العراقي يعانقه العلم الكوردستاني في فوز منتخبنا تم فصلي ثلاثة اسابيع من العمل!!
اغرورقت عينا نادية وهي تقول لا ديمقراطية عندنا مع الاسف، وبكت نخلة عراقية واقفة.. تنظر الى امل بعيد حيث تركت في ديالى ذكرياتها المرة وجريدتها الجميلة اشنونا.. كما تركت في بغداد بيتاً خرافياً واثاثاً بارداً..
------------------------------