لا حدود للقيود التي تقيّد المرأة في مجتمعنا العربي و أثقل هذه القيود التي تضعها المرأة طوعاً حول نفسها و روحها وفكرها و جسدها هو الزواج .
بعد فترة الخطوبة الزاخرة بلحظات الحب و الغزل و الرومانسية و ساعات الترقب و التأمل و التخطيط للمستقبل السعيد و لبناء خلية اجتماعية على أسس سليمة تصل الفتاة إلى مرحلة الزواج و هي محلّقة بعالمٍ تنفرد به مع أحلامٍ و أوهامٍ نسجتها و نسيت ناسجها .تزهو بحب الزوج و تتفاخر به ,و في أوج زهوها و تفاخرها تراه يأسرها بحبه إنها لعبته ،تسليته، مصدر نشوته و كطفل مدلل لا يقبل أن يشاركه في لعبته أحد . يرعاها و يهتم بها و ليلقى ما ينشد و يسعى إليه من السعادة حين يريد . يا لهذا الزوج أيحبها أم يحب الأنا في داخله!؟و قد عبرت الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح عن هذه الحالة في قصيدة "كن صديقي" حيث تقول:
كن صديقي ----
فأنا محتاجة جداً إلى ميناء سلام
و أنا متعبة من قصص العشق و أخبار الغرام
و أنا متعبة من ذلك العصر الذي يعتبر المرأة تمثال رخام
فتكلم حين تلقاني -----لماذا الرجل الشرقي ينسى حين يلقى امرأة نصف الكلام
و لماذا لا يرى فيها سوى قطعة حلوى ---وزغاليل حمام---
ولماذا يقطف التفاح من أشجارها ثم ينام ---- .
وانطلاقاً من مبدأ الشرف والعرض و المحافظة عليها كالأرض يبدأ الزوج بفرض و سن القوانين التي تناسبه في مملكته ؛ فما تلبسه ليس لائقاً لفتاة متزوجة ,خروجها في هذا الوقت غير صحيح , لا يحق لها التدخل في هذا الموضوع أو ذاك , صداقاتها و علاقاتها الاجتماعية الماضية جوفاء و لا معنى لها, عليها تعديل سلوكها بما ينسجم مع مزاجه.إن هذا كله ليس إلا محاولة إلغاء لشخصيتها واستنساخ أخرى بدلا عنها. نسخة تمجد ذاته و تبجلها فهو لا يرى في الكون كله غيرها .حول ذاته يتمحور العالم و يدور ,هو الأعلى و الكل دونه.وهذا ما عبرت عن جزء منه الدكتورة الشاعرة سعاد الصباح حين قالت:
كن صديقي
ليس في الأمر انتقاص للرجولة
غير أن الرجل الشرقي لا يرضى
بدور غير أدوار البطولة ---
فلماذا تخلط الأشياء خلطاً ساذجاً
و لماذا تدّعي العشق و ما أنت العشيق
و في قصيدة أخرى تقول الدكتورة الشاعرة:
يقولون:إن الكلام امتياز الرجال
فلا تنطقي
و إن الكتابة بحر عميق المياه
فلا تغرقي
على أي حال يزداد القيد إحكاما و إطباقا مع قدوم الأولاد و تزايد عدد أفراد الأسرة فيُسحق الجزء المتبقي من شخصية المرأة ؛إذ تتوزع اهتماماتها بين تربية الأولاد و الأعمال المنزلية و الوظيفة خارج المنزل و تلبية حاجات رب البيت الذي لم تختلف شخصيته في القرن الواحد والعشرون عن تلك التي خطّ معالمها الأديب الكبير نجيب محفوظ في العديد من رواياته كروايتي" بين القصرين" و" قصر الشوق " في القرن الماضي انه في كلا القرنين "السيد, الآمر, الناهي" الذي يأمر فيُطاع .
و مع توالي الأيام بهذا الروتين الممل و المباح يتلاشى الطموح و الفكر والتألق .يعيش الجميع وتحتضر المرأة مالم تصغي و تستجيب لذاتها التي تصرخ من الأعماق

أَعْطِني حُرِّيَتي أطلق يَدَيَّ..................... إِنَّني أَعْطَيْتُ مَا اسْتَبْقَيْتُ شَيَّ

آهِ مِنْ قَيْدِكَ أَدْمَى مِعْصَمي..................... لِمَ أبقيه وَمَا أَبْقَى عَلَيَّ
مَا احْتِفَاظي بِعُهُودٍ لَمْ تَصُنْهَا................... وَإِلاَمَ الأَسْرُ وَالدُّنْيا لَدَيَّ
هَا أَنَا جَفَّتْ دُمُوعي فَاعْفُ عَنْهَا............. إِنّهَا قَبْلَكَ لَمْ تُبْذَلْ لِحَيَّ