الشيخ داود أبو سير
عبد الستار قاسم
8/أيلول/2014
جمعني سجن الاحتلال الصهيوني مع آلاف الناس منذ عام 1988 حتى الآن، من أعمار مختلفة ومشارب شتى، ومستويات تعليمية متنوعة. عندما أعود إلى الوراء وأستذكر ماذا كنت أسمع من شعارات من العديد من الأسرى، ومن عبارات وطنية ساخنة، ومن نوايا مبهرة تهدف إلى تحرير الوطن، أجد أن ما كنت أسمعه قد تبخر أو قد داسته أقدام الذين كانوا يتحدثون به. الغالبلية الساحقة من هؤلاء غيروا جلودهم الوطنية وأصبحوا جزءا من جيش المبررين الذين يقيمون علاقات طيبة مع إسرائيل، ويشاركون في إغراق الوطن بنشاطات ضد الوطن. كيف يغير الناس جلودهم بهذه السهولة، ويتحولون عن مبادئهم وقيمهم الوطنية؟ بالتأكيد لو تلقى هؤلاء التثقيف السليم وتم الارتقاء بوعيهم الوطني لما وصلوا إلى ما هم فيه من استغراق في اتفاقيات مع الصهاينة والتزام بالتطبيق الفعلي لبنود هذه الاتفاقيات. والغريب أن هؤلاء يبررون أفعالهم بأنهم يخدمون الوطن، ويقولون لو لم يكن التعامل مع العدو لما استطاعوا إرسال مريض إلى مستشفيات إسرائيل. لقد تقلصت القضية الفلسطينية بالنسبة لهم إلى مسألة شؤون اجتماعية. يا خسارة الشعارات والخطابات الرنانة.
لكن الأمر لا يخلو من قلة بقيت قابضة على الجمر من النواحي الوطنية والأخلاقية والدينية والاجتماعية. يأتي الشيخ داود أبو سير من مدينة نابلس على رأس هذه القلة. جمعني الاحتلال بالشيخ داود في تموز/2014 في سجن مجدو. قضيت أياما مع الشيخ داود وآخرين في غرفة واحدة في ساحة العبور في سجن مجدو. وقد لاحظت تفوق الشيخ داود الإنساني، وقدرته العجيبة على الدماثة وحسن الخلق والتفاني. ربما يبلغ الشيخ داود الخامسة والخمسين من العمر، لكنه يتحرك بحيوية وتؤدة واحترام، وبطريقة لا تثير إزعاجا ولا تبدي خيلاء بتاتا. إنه ما شاء الله في صحته. لاحظت التالي:
الشيخ داود قارئ وما زال يعتبر الكتاب صديقا له، وليس الكتاب الديني فقط، وهو قارئ للقرآن الكريم ويتمتع بمعرفة فقهية واسعة. إنه ليس مجرد شخص يحفظ النزر اليسير، إنما متبحر وعالم بما يقول. والشيخ متواضع جدا بحيث أنه كان يخدم من في الغرفة بحب وإخلاص. لم يكن يعتبر خدمته للآخرين منة، وإنما واجب التعاون والعمل معا. ولم يكن وهو يقوم بمد يد العون للآخرين يتأفف أو يقول كلاما ولو همسا بأنه يتحمل أكثر من غيره. علما أنه كان في الغرفة شباب لا يقصرون في تحمل أعباء العمل في الغرفة خدمة للأكبر سنا.
كان الشيخ داود يؤمنا في الصلاة في كثير من الأوقات، وكانت الصلاة الجهرية ذات نكهة مختلفة بسبب صوت الشيخ الجميل والذي يدخل الوجدان والقلوب. كان حافظا للقرآن الكريم، وكان أداؤه في الصلاة في غاية الخشوع.
الشيخ داود دمث وعلى خلق رفيع، ومن السهل أن تعاشره اجتماعيا، وأن تنسجم معه. هو لا يحمل ضغائن أو أحقاد أو ذرة من كبر. إنه مثال للتواضع وإقامة العلاقات الاجتماعية الطيبة مع الجميع.
حدثني الشيخ أن ابنته وأظن أنها أسماء كانت قد جلست لامتحان في وزارة العدل من أجل وظيفة. وقد حصلت على ترتيب يؤهلها لوظيفة، لكن كل الذين قدموا الامتحان ونجحوا توظفوا إلا هي. علما أنها متزوجة من دار البيطار. يبدو أن هناك من شك باسمها، فاتصلت الوزارة بها وسألتها عن اسمها قبل الزواج، فأجابت، وتم إغلاق الخط، ولم تتوظف الفتاة المحترمة. وهزني الشيخ داود عندما قال لي إن أهل بيته قالوا له بعد ذلك إن اسمه يشكل أزمة لهم. من الوارد جدا أن الفتاة لم تحصل على وظيفة لأن والدها متهم بحسن الاخلق والانتماء لحركة حماس. ولهذا اتصلت بوزير العدل السيد سليم السقا وأخبرته بالموضوع. وعد الوزير أن يبحث الموضوع ويخبرني، وحتى الآن لم أسمع منه شيئا. لكنني سأعاود الاتصال به المرة تلو المرة.لو كان الشيخ داود على غير هذا الخلق الوطني والديني والاجتماعي لما وجد هو وأبناؤه صعوبة في الوظائف.