منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حكايا عربية2

العرض المتطور

  1. #1

    حكايا عربية2

    ثـوب المنصـور


    قال أبان بن صدقة:‏ ‏ دخلتُ يومـاً على الخليفة المنصور وعليّ ثوب جديد من خـَزّ أسود، والمنصور في قـُباءٍ قديم رثّ.
    فجعل ينظر إليّ، فضاقت عليّ الدنيا، وقلت في نفسي إني أخطأت خطأ عظيمـاً.‏
    ‏ فلما كان من غد، دخلتُ في قباء رثّ.
    فقال لي المنصور:‏ ‏ أما عندك أحسن من هذا تلبسه أمام المنصور؟‏
    ‏ قلت:‏ ‏ بلى، ولكني رأيت أمير المؤمنين البارحة يلبس قباء رثـّا وكان عليّ قباء جديد، فضاقت عليّ الأرض إذ كان لباسي أفضل من لباسه.‏
    ‏ فقال المنصور:‏ ‏ لا تفعل. إلبس خير ما عندك في خدمتي ليتبيـّن الناس إحساني إليك.
    أما عني فإن الناس يعلمون أني أقدر على أشرف اللباس وإن لم ألبس.

    ‏ من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلـّكان
    حـب الدّنيـا


    قال جعفر الخلدي:‏ ‏ من أراد أن يستكتم سرّا له، فليستكتم رويم بن أحمد، فإنه كتم حب الدنيا أربعين سنة.
    ‏ ‏ فقيل له: كيف؟‏
    ‏ قال:‏ ‏ كان يتصوف أربعين سنة
    . ثم وُلـِّيَ بعد ذلك إسماعيل بن إسحاق قضاء بغداد، وكانت بينهما مودة وكيدة. فجذبه إليه، وجعله وكيلاً على بابه.
    فترك الصوفية والتصوف والتوكل، ولبس الخز والقصيب، وركب الحمير والبغال، وأكل الطيبات وبنى الدور.
    وإذا هو كان يكتم حب الدنيا حين كان عاجزاً عن أن يحوزها، فلما وجدها أظهر ما كان يكتم من حبها.

    ‏ من كتاب "نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة" للتنوخي
    حسـن السياســة


    كتب الوليد بن عبد الملك إلى الحجاج بن يوسف، يأمره أن يكتب إليه بسيرته،
    فكتب إليه:‏ ‏ إني أيقظت رأيي، وأنمت هواي، فأدنـَيـْت السيد المطاع في قومه، ووليت الحـَرِبَ الحازم في أمره، وقلـَّدت الخراج الموفـّر لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً، وأعطيه حظاً من لطيف عنايتي ونظري، وصرفت السيف إلى النـَّطـِف المسيء، والثواب إلى المحسن البريء، فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الصواب.
    --------------------------------------------------------------------------------

    تأديب أحمد بن طولون لولده

    قال عبد اللّه بن القاسم كاتب العباس بن أحمد بن طولون: ‏ ‏ بعث إليّ أحمد بن طولون بعد أن مضى من الليل نصفـُه، فوافيتـُه وأنا منه خائف مذعور.
    ‏ ‏ ودخل الحاجب بين يديّ وأنا في أثره، حتى أدخلني إلى بيت مظلم،
    فقال لي: ‏ ‏ سلـِّم على الأمير! ‏ ‏ فسلـَّمت.
    فقال لي ابن طولون من داخل البيت وهو في الظلام: لأي شيء يصلح هذا البيت؟
    ‏ ‏ قلت: للفكر.
    ‏ ‏ قال: ولم؟ ‏
    ‏ قلت: لأنه ليس فيه شيء يشغل الطرف بالنظر فيه. ‏
    ‏ قال: أحسنت! امض إلى ابني العباس،
    فقل له: يقول لك الأمير اغدُ عليّ. وامنعه من أن يأكل شيئًا من الطعام إلى أن يجيئني فيأكل معي. ‏ ‏ فقلت: السمع والطاعة. ‏ ‏ وانصرفت، وفعلتُ ما أمرني به، ومنعته من أن يأكل شيئًا.
    ‏ ‏ وكان العباس قليل الصبر على الجوع، فرام أن يأكل شيئًا يسيرًا قبل ذهابه إلى أبيه، فمنعته.
    فركب إليه، وجلس بين يديه. وأطال أحمد بن طولون عمدًا، حتى علم أن العباس قد اشتدَّ جوعه. وأُحضرت مائدة ليس عليها إلا البوارد من البقول المطبوخة، فانهمك العباس في أكلها لشدَّة جوعه، حتى شبع من ذلك الطعام، وأبوه متوقف عن الانبساط في الأكل.
    ‏ ‏ فلما علم بأنه قد امتلأ من ذلك الطعام، أمرهم بنقل المائدة، وأُحضر كل لون طيـّب من الدجاج والبط والجدي والخروف، فانبسط أبوه في جميع ذلك فأكل، وأقبل يضع بين يدي ابنه منه، فلا يمكنه الأكل لشبعه.
    ‏ ‏ قال له أبوه: إنني أردت تأديبك في يومك هذا بما امتحنتك به.
    لا تـُلق بهمـَّتك على صغار الأمور بأن تسهـِّل على نفسك تناول يسيرها فيمنعك ذلك من كبارها، ولا تشتغل بما يقلّ قدرُه فلا يكون فيك فضلٌ لما يعظم قدرُه. ‏

    من كتاب "سيرة أحمد بن طولون" للبلوي
    تكذيب الناس لابن بطّوطة

    لا تنكرنّ ما ليس بمعهود عندك ولا في عصرك شيء من أمثاله.
    فكثير من الخواص إذا سمعوا الأخبار الغريبة عن الدول السالفة بادر بالإنكار، وليس ذلك من الصواب؛ فإن أحوال الوجود والعمران متفاوتة، ومن أدرك منها رتبة سفلى أو وسطى فلا يحصـُر المداركَ كلـَّها فيها.
    ‏ ‏ واعتبر ذلك بما نقصـّه عليك من هذه الحكاية المستظرفة:
    ‏ ‏ ورد بالمغرب في عهد السلطان أبي عنان رجل يـُعرف بابن بطوطة كان رحل منذ عشرين سنة قبلها إلى المشرق، وتقلـّب في بلاد العراق واليمن والهند، ودخل مدينة دهلي حاضرة ملك الهند، واتصل بملكها، وكان له منه مكان، واستعمله في أمر القضاء بمذهب المالكية. ثم انقلب إلى المغرب، واتصل بالسلطان أبي عنان.
    وكان يحدّث عن شأن رحلته، وما رأى من العجائب بممالك الأرض.
    وأكثر ما كان يحدّث عن دولة صاحب الهند، ويأتي من أحواله بما يستغربه السامعون.
    فتناجى الناس بتكذيبه. ‏ ‏ ولقيتُ أيامئذٍ وزيرَ السلطان. ففاوضته في هذا الشأن، وأريتـُه إنكارَ أخبار ذلك الرجل لما استفاض في الناس من تكذيبه،
    فقال لي الوزير: ‏ ‏ إيـّاك أن تستنكر مثلَ هذا من أحوال الدول بما أنك لم تره، فتكون كابن الوزير الناشئ في السجن:
    وذلك أن وزيرًا اعتقله سلطانـُه، ومكث في السجن سنين رَبـِيَ فيها ابنه في ذلك المحبس. فلما أدرك وعقل، سأل عن اللحم الذي كان يتغذى به،
    فقال أبوه: هذا لحم الغنم.
    فقال: وما الغنم يا أبتِ؟ تراها مثل الفأر؟! إذ لم يعاين في محبسه من الحيوانات إلا الفأر، فحسبها كلها أبناء جنس الفأر! ‏ ‏ وهذا كثيرًا ما يعتري الناس في الأخبار كما يعتريهم الوسواس في الزيادة عن قصد الإغراب.
    فليكن الإنسان مهيمنـًا على نفسه، ومميزًا بين طبيعة الممكن والممتنع بصريح عقله، ومستقيم فطرته.
    فما دخل في نطاق الإمكان قـَبـِلـَه، وما خرج عنه رفضه.

    ‏ من كتاب "مقدمة ابن خلدون".
    --------------------------------------------------------------------------------

    تقلـّب الدنـيا

    من أعجب ما يُؤرّخ من تقلـّبات الدنيا بأهلها ما حكاه محمد بن غسـّان الهاشمي،
    قال:‏ ‏ دخلتُ على والدتي في يوم عيد، فوجدتُ عندها امرأة في ثياب رثـّة.
    فقالت لي والدتي:‏ ‏ أتعرف هذه؟‏
    ‏ قلت: لا.‏ ‏ قالت:‏ ‏ هذه أمّ جفعر البرمكي رحمه الله.‏ ‏ فأقبلتُ عليها بوجهي وأكرمتها، وتحادثنا زمانا، ثم قلت:‏ ‏ يا أُمـّه، ما أعجب ما رأيتِ؟‏
    ‏ فقالت:‏ ‏ أتي عليّ يا بنيّ عيدٌ مثل هذا وعلى رأسي أربعمائة وصيفة، وإني لأعدُّ ابني عاقـّا لي.
    ولقد أتى عليّ يا بنيّ هذا العيد وما مُناي إلا جـِلـْدا شاتين، أفترش أحدَهما وألتحفُ الآخر.‏
    ‏ فدفعـَتُ إليها خمسمائة درهم، فكادت تموت فرحـًا بها.

    ‏ من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلـّكا
    زَقْفَيـْلَم

    كان لدى أبي عَلْقَمَة النَّحْوِيّ غلام يخدُمه.
    فأراد أبو علقمة الدخول في بعض حوائجه،
    فقال له:‏ ‏ يا غلام، أصَقَعَتِ العَتَارِيف؟‏
    ‏ فقال له الغلام:‏ ‏ زَقْفَيْلم.‏ ‏
    قال أبو علقمة:‏ ‏ وما زقفيلم؟‏
    ‏ قال له:‏ ‏ وما معنى صقعت العتاريف؟
    ‏ ‏ قال:‏ ‏ قلت لك أصاحت الديوك؟
    ‏ ‏ قال:‏ ‏ وأنا قلت لك لم يصح منها شيء! ‏

    من كتاب "معجم الأدباء" لياقوت
    جارية الفقـيــــــه الفــقـــيـــــر

    كان في مجلس المروروذي الفقيه شابٌ أريب من المتفقّهة.
    وحدث أن غاب عن المجلس أياما فلما سأل عنه المروروذي أخبروه أنه مشغول بأمرٍ قطعه عن حضور مجلسه.
    فأحضره وسأله عن حاله، فذكر الشاب أنه كان قد اشترى جارية لنفسه، وأن النفقة قد انقطعت به وضاقت يده في تلك السنة لانقطاع الرزق عنه من بلده، و كان عليه دين لجماعة من التجار، فلم يجد سبيلا إلى قضائه غير أن يبيع الجارية.
    فلما باعها وتركت داره، تشوّق إليها واستوحش من بُعدها عنه، حتى لم يعد بمقدوره أن يشتغل بفقه أو بغيره من شدة تعلق قلبه بها.
    ثم ذكر أن ابن أبي حامد صاحب بيت المال هو الذي اشترى الجارية. ‏
    ‏ فمضى المروروذي إلى ابن أبي حامد ومعه الشاب.
    فحين استأذن عليه أذن له في الحال وقام إلى المروروذي واستقبله وأكرمه غاية الإكرام.
    فلما سأله عن حاله وعما جاء له، أخبره المروروذي بخبر الشاب الفقيه وبيعه للجارية، وسأله أن يقبل الذي دفعه فيها ويرد الجارية على صاحبها.
    ‏ ‏ بيد أن ابن أبي حامد لم يكن عنده علم بأمر الجارية.
    فقد كانت امرأته اشترتها ولم تخبره بذلك. فاستأذن ضيفيه وقام فدخل على امرأته يسألها عن جارية اشتُريت في سوق النخاسين، وصادف أن امرأته كانت جالسة والجارية حاضرة وهم يصلحون وجهها وقد ألبسوها الثياب الحسان والحلي.
    فقالت: ‏ ‏ ياسيدي هذه هي الجارية التي تسأل عنها. ‏ ‏ فسرّ بذلك أعظم السرور لرغبته في قضاء حاجة المروروذي،
    وعاد إليه فقال: ‏ ‏ خفت ألا تكون الجارية في داري. وهي بحمد الله عندنا والأمر للشيخ أعزه الله فيها. ‏ ‏ ثم أمر بإحضار الجارية. فلما جاءت تغير وجه الفتى تغيرا شديدا من فرط حبه لها.
    فقال له ابن أبي حامد: ‏ ‏ هذه جاريتك؟
    ‏ ‏ قال: نعم.
    ‏ ‏ قال: فخذها بارك الله لك فيها.
    ‏ ‏ فدعا له المروروذي وشكره، وأخرج ثلاثة آلاف درهم، وهو الثمن الذي بيعت به الجارية، وسأله قبض المال فأبى ابن أبي حامد أن يأخذه.
    ‏ ‏ قال المروروذي: إنما جئناك نسألك ردّها ولم نقصد أخذها على هذا الوجه.
    ‏ ‏ فقال ابن أبي حامد : ‏ ‏ هذا رجل فقيه وقد باعها لأجل فقره وحاجته. ومتى استردّها وهو على فقره خيف عليه أن يبيعها ثانية إلى من لا يرضى أن يردّها عليه وقد وهبتُ للجارية ما عليها من الحلي والثياب، فإن احتاج إلى نفقة باع منها.
    ‏ ‏ فلما نهض المروروذي والفتى ليودعاه،
    قال ابن أبي حامد:‏ ‏ أريد أن أسألها قبل انصرافها معكما عن شيء …
    يا جارية، أيّما أحبّ إليك: نحن أو مولاك هذا؟‏
    ‏ فقالت الجارية: ‏ ‏ يا سيدي، أما أنتم فإني أدعو الله أن يحسن جزاءكم على ما فعلتموه بي ووهبتموني إياه.
    وأما مولاي هذا فوالله لو أعطيتموني به الدنيا ما سلوت عنه ولو كان في ملكي وأنا فقيرة لا أجد عندي ما أقتات به، ما بعته بالرغائب العظيمة مثلما باعني.

    ‏ ‏ من كتاب "المنتظم" لابن الجوزي.

    حورية البحر
    استعراض الملف الشخصي
    رسالة خاصة إلى : حورية البحر
    البحث عن كافة مشاركات : حورية البحر
    إضافة حورية البحر إلى قائمة الصداقة

    --------------------------------------------------------------------------------

    توجيـه للمعلــم

    قال عمر بن عتبة لمعلم ولده:‏
    ‏ ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت،
    علـّمهم كتاب الله ولا تملهم فيه فيتركوه ولا تتركهم منه فيهجروه.‏
    ‏ روِّهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه،
    ولا تنقلهم من علم إلى علم حتى يـُحكموه فإن ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم،
    وعلمهم سنن الحكماء، وجنبهم محادثة النساء، ولا تتكل على عذر مني لك، فقد اتكلت على كفاية منك،

    قال الشاعر: وإن مــن أدبتـــه فــي الصبــا كالعودِ يُسقى الماء في غرسه حـتـى تــــراه مورقـاً نـاضــراً بعـد الـذي أبصـرت مـن يبسـه
    ( مـا تبلــغ الأعـداء مـن جاهـل مـا يبلــغ الجـاهـل مـن نفسـه )
    --------------------------------------------------------------------------------

    تقرأ شيئًا من القرآن؟

    قدّم رجل ابنًا له إلى القاضي
    فقال:‏ ‏ أصلح الله القاضي، إن هذا ابني يشرب الخمر ولا يصلي.
    فقال له القاضي: ‏ ‏ ما تقول يا غلام فيما حكاه أبوك عنك؟
    ‏ ‏ قال: يقول غير الصحيح. إني أصلي ولا أشرب الخمر. ‏
    ‏ فقال أبوه: ‏ ‏ أصلح الله القاضي، أتكون صلاة بلا تلاوة؟
    ‏ ‏ فقال القاضي: ‏ ‏ يا غلام، تقرأ شيئًا من القرآن؟
    ‏ ‏ قال: نعم، وأجيد القراءة.
    ‏ ‏ قال: اقرأ! ‏
    ‏ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ‏ ‏ علق القلبُ ربابًا بعدما شابت وشابا ‏ ‏ إنّ دين الله حق لا أرى فيه ارتيابا!‏
    ‏ قال أبوه:‏ ‏ والله أيها القاضي ما تعلم هاتين الآيتين إلا البارحة، لأنه سرق مصحفًا من بعض جيراننا!‏ ‏ فقال القاضي: قبّحكما الله! تقرآن كتاب الله ولا تعملان به!

    ‏ ‏ من كتاب"المستطرف" للإبشيهي. ‏
    --------------------------------------------------------------------------------

    الأصمعي والبقّـال

    عن الأصمعي قال: ‏ ‏ كنت بالبصرة أطلب العلم، وأنا فقير. وكان على باب زقاقنا بقّال، إذا خرجتُ باكرا يقول لي إلى أين؟ فأقول إلى فلان المحدّث.
    وإذا عدت مساء يقول لي: من أين؟ فأقول من عند فلان الإخباريّ أو اللغويّ.
    ‏ ‏ فيقول البقال: يا هذا، اقبل وصيّتي، أنت شاب فلا تضيّع نفسك في هذا الهراء، واطلب عملا يعود عليك نفعه وأعطني جميع ما عندك من الكتب فأحرقها.
    فوالله لو طلبت مني بجميع كتبك جزرة، ما أعطيتُك! ‏ ‏ فلما ضاق صدري بمداومته هذا الكلام، صرت أخرج من بيتي ليلا وأدخله ليلا، وحالي، في خلال ذلك، تزداد ضيقا، حتى اضطررت إلى بيع ثياب لي، وبقيت لا أهتدي إلى نفقة يومي، وطال شعري، وأخلق ثوبي، واتّسخ بدني.
    ‏ ‏ فأنا كذلك، متحيّرا في أمري، إذ جاءني خادم للأمير محمد بن سليمان الهاشمي
    فقال لي: ‏ ‏ أجب الأمير.
    ‏ ‏ فقلت: ما يصنع الأمير برجل بلغ به الفقر إلى ما ترى؟
    ‏ ‏ فلما رأى سوء حالي وقبح منظري، رجع فأخبر محمد بن سليمان بخبري، ثم عاد إليّ ومعه تخوت ثياب، ودرج فيه بخور، وكيس فيه ألف دينار،
    وقال: ‏ ‏ قد أمرني الأمير أن أُدخلك الحمام، وأُلبِسك من هذه الثياب وأدع باقيها عندك، وأطعِمك من هذا الطعام، وأبخّرك، لترجع إليك نفسك، ثم أحملك إليه.
    ‏ ‏ فسررت سرورا شديدا، ودعوتُ له، وعملتُ ما قال، ومضيت معه حتى دخلت على محمد بن سليمان. فلما سلّمتُ عليه، قرّبني ورفعني ثم
    قال: ‏ ‏ يا عبد الملك، قد سمعت عنك، واخترتك لتأديب ابن أمير المؤمنين، فتجهّز للخروج إلى بغداد. ‏ ‏ فشكرته ودعوت له، وقلت: ‏ ‏ سمعا وطاعة. سآخذ شيئا من كتبي وأتوجّه إليه غدا.
    ‏ ‏ وعدت إلى داري فأخذت ما احتجت إليه من الكتب، وجعلتُ باقيها في حجرة سددتُ بابها، وأقعدت في الدار عجوزا من أهلنا تحفظها.
    ‏ ‏ فلما وصلت إلى بغداد دخلت على أمير المؤمنين هارون الرشيد. ‏
    ‏ قال: أنت عبد الملك الأصمعي؟ ‏
    ‏ قلت: نعم، أنا عبد أمير المؤمنين الأصمعي.
    ‏ ‏ قال أعلم أن ولد الرجل مهجة قلبه. وها أنا أسلم إليك ابني محمدا بأمانة الله. فلا تعلمه ما يُفسد عليه دينه، فلعله أن يكون للمسلمين إماما.
    ‏ ‏ قلت: السمع والطاعة. ‏ ‏ فأخرجه إليّ، وحُوِّلْتُ معه إلى دار قد أُخليت لتأديبه، وأجرى عليّ في كل شهر عشرة آلاف درهم. فأقمت معه حتى قرأ القرآن، وتفقّه في الدين، وروي الشعر واللغة، وعلم أيام الناس وأخبارهم.
    ‏ ‏ واستعرضه الرشيد فأُعجب به وقال: ‏ ‏ أريد أن يصلي بالناس في يوم الجمعة، فاختر له خطبة فحفِّظْه إياها.
    ‏ ‏ فحفّظتُه عشرا، وخرج فصلى بالناس وأنا معه، فأعجب الرشيد به وأتتني الجوائز والصلات من كل ناحية، فجمعت مالا عظيما اشتريت به عقارا وضياعا وبنيت لنفسي دارا بالبصرة.
    ‏ ‏ فلما عمرت الدار وكثرت الضياع، استأذنتُ الرشيد في الانحدار إلى البصرة، فأذن لي. فلما جئتها أقبل عليّ أهلها للتحية وقد فَشَتْ فيهم أخبار نعمتي.
    وتأمّلت من جاءني، فإذا بينهما البقال وعليه عمامة وسخة، وجبّة قصيرة.
    فلما رآني صاح: ‏ ‏ عبد الملك! ‏ ‏ فضحكت من حماقته ومخاطبته إيّاي بما كان يخاطبني به الرشيد ثم قلت له: ‏ ‏ يا هذا! قد والله جاءتني كتبي بما هو خير من الجَزَرَة!

    ‏ من كتاب "الفرج بعد الشدة" للتنوخي
    __________________
    --------------------------------------------------------------------------------

    الأسـد والخنزيـر

    لما حاصر أبو جعفر المنصورُ ابنَ هبيرة،
    قال:‏ ‏ إن ابن هبيرة يُخَنْدِقُ على نفسه مثل النساء! ‏ ‏ فبلغ ذلك ابن هبيرة،
    فأرسل إلى المنصور:‏ ‏ "أنت القائلُ كذا وكذا؟ فاخرج إليّ لتبارزني حتى ترى."‏
    ‏ فكتب إليه المنصور:‏ ‏ "ما أجد لي ولك مثلاً في ذلك إلا كأسد لقى خنزيراً،
    فقال له الخنزير:‏ ‏ بارِزْني!‏
    ‏ فقال الأسد: ما أنت لي بكفء، فإن نالني منك سوء كان ذلك عاراً عليّ وإن قتلتُك قَتَلْتُ خنزيراً فلم أحصل على حَمْد ولا في قتلي لك فخر.‏
    ‏ فقال له الخنزير: ‏ ‏ إن لم تبارزني لأعَرِّفَنَّ السباعَ أنك جَبُنْتَ عني.‏
    ‏ فقال الأسد: ‏ ‏ احتمالُ عارِ كَذِبِك أيسرُ من تلويث راحتي بدمك.
    ‏ من كتاب "حياة الحيوان الكبرى" للدميري.
    --------------------------------------------------------------------------------

    الأخـوان والحيـّة


    حجّ الخليفة عبد الملك بن مروان في بعض أعوامه، فخطب في أهل المدينة
    وقال: ‏ ‏ مَثَلـُنَا ومَثـَلُكم أنّ أخوين في الجاهلية خرجا مسافرين، فنزلا في ظلّ شجرة. فلما دنا الرّواح خرجت إليهما حيـّة تحمل دينارًا فألقته إليهما،
    فقالا: ‏ ‏ إن هذا لَمِنْ كنز. ‏ ‏ فأقاما عليها ثلاثة أيام، كل يوم تُخرج إليهما دينارًا.
    فقال أحدهما لصاحبه: ‏ ‏ إلى متى ننتظر هذه الحية؟ ألا نقتلها ونحفر هذا الكنز فنأخذه؟ ‏ ‏ فنهاه أخوه وقال له: ‏ ‏ ما تدري لعلك تعطب ولا تدرك المال. ‏
    ‏ فأبى عليه، وأخذ فأسًا معه، ورَصَد الحية حتى خرجت فضربها ضربة جرحت رأسها ولم تقتلها.
    فثارت الحية فقتلته، ورجعت إلى حجرها.
    ‏ ‏ فقام أخوه فدفنه، وأقام حتى إذا كان من الغد، خرجت الحية معصوبًا رأسها ليس معها شيء.
    فقال لها: ‏ ‏ يا هذه، إني واللّه ما رضيتُ ما أصابك، ولقد نهيتُ أخي عن ذلك. فهل لكِ أن نجعل اللّه بيننا أن لا تضرّيني ولا أضرّك، وترجعين إلى ما كنتِ عليه؟
    ‏ ‏ قالت الحيّة: لا.
    ‏ ‏ قال: ولم ذلك؟
    ‏ ‏ قالت: إني لأعلم أن نفسك لا تطيب لي أبدًا وأنت ترى قبر أخيك، ونفسي لا تطيب لك أبدًا وأنا أذكر هذه الشَّجَّة.
    ‏ ‏ فيا أهل المدينة، وَلِيَكُم عمر بن الخطاب فكان فظـّا غليظًا مُضَيِّقـًا عليكم، فسمعتم له وأطعتم.
    ثم وليكم عثمان فكان سهلاً ليّنـًا كريمًا فَعَدَوْتم عليه فقتلتموه.
    وبعثْنا عليكم مُسْلمًا يوم الحَرَّة فَقَتل منكم مَنْ قتل.
    فنحن نعلم أنكم لا تحبوننا أبدًا وأنتم تذكرون يوم الحَرَّة،
    ونحن لا نحبّكم أبدًا ونحن نذكر مقتل عثمان.

    ‏ من كتاب "مروج الذهب" للمسعودي. ‏
    من نوادر بشار بن برد (1)


    وُلد بشار بن بُرد أعمى. وكان ضخماً طويلاً عظيم الوجه فظيع المنظر.
    وكان إذا أراد أن يُنْشِد شعراً صفق بيديه وتنحنح، وبَصَقَ عن يمينه وشماله ثم ينشد، فيأتي بالعجب وكان يُشَبِّه الأشياء بعضَها ببعض في شعره فيأتي بما لا يقدِرُ البُصَرَاءُ أن يأتوا بمثله.
    فقيل له يوما وقد أنشد قوله:‏

    ‏ كأن مُثارَ النَّقيع فوق رءوسنا ‏ ‏ وأسيافَنا، ليلٌ تَهَاوَى كواكبُه

    ‏ ‏ "ما قال أحدٌ أحسن من هذا التشبيه، فمن أين لك هذا ولم تر الدنيا قط ولا شيئاً فيها؟"‏
    ‏ فقال: ‏ ‏ إن عدم النظر يُقَوِّي ذكاءَ القلب، ويقطع عنه الشغلَ بما يُنْظَرُ إليه من الأشياء، فيتوفّر حِسُّه، وتذكو قريحتُه.

    ‏ من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الإصبهاني. ‏
    حَجَـر الذّبـاب

    حدّث رجل خراساني من بعض أصحاب الصّنعة، ممن كان يعرف بالأحجار الخواصيّة،
    قال: ‏ ‏ اجتزت ببائع في الطريق بمصر، فرأيت عنده حجرًا أعرفه، يكون وزنه خمسة دراهم، مليح المنظر.
    وكنت أعرف أن خاصيته في طرد الذباب، وكنت في طلبه منذ سنين كثيرة.
    فحين رأيته ساومته فيه، فاستام عليَّ به خمسة دراهم، فلم أماكسه ودفعتها إليه.
    فلما حصلت في يده، وحصل الحجر في يدي، أقبل يسخر مني
    ويقول: ‏ ‏ يجيء هؤلاء الحمير لا يدرون إيش يعطون، ولا إيش يأخذون! هذه الحصاة رأيتها منذ أيام مع صبي، فوهبت له دانق فضـّة وأخذتها، وقد اشتراها هذا الأحمق مني بخمسة دراهم! ‏ ‏ فرجعت إليه وقلت له: ‏ ‏ يجب أن أعرّفك أنك أنت الأحمق، لا أنا.
    ‏ ‏ قال: كيف؟
    ‏ ‏ قلت: قم معي حتى أعرّفك ذلك. ‏ ‏ فأقمته ومضينا حتى اجتزنا ببائع يبيع التمر في قصعة، والذّباب محيط بها.
    فنحّيت الرجل بعيدًا من القصعة، وجعلت الحجر عليها، فحين استقرَّ عليها طار جميع الذباب وتركته ساعة وهي خالية من الذباب، ثم أخذت الحجر، فرجع الذباب. ثم رددته فصار وفعلت ذلك ثلاث مرات.
    ثم خبّأت الحجر،
    وقلت: ‏ ‏ يا أحمق، هذا حجر الذباب، وقد قدمت في طلبه من خراسان، يجعله الملوك عندنا على موائدهم فلا يقربها الذباب، ولا يحتاجون إلى مذبّة ولا إلى مروحة.
    واللّه لو لم تبعني إيـّاه إلا بخمسمائة دينار لاشتريته منك! ‏ ‏ فشهق شهقة قدّرت أنه تَلف، ثم أفاق منها بعد ساعة وافترقنا.

    ‏ من كتاب "نشوار المحاضرة" للتنوخي

    حورية البحر
    استعراض الملف الشخصي
    رسالة خاصة إلى : حورية البحر
    البحث عن كافة مشاركات : حورية البحر
    إضافة حورية البحر إلى قائمة الصداقة

    حـذاء أبي القاسـم

    كان لأبي القاسم الطُّنْبوري حذاء لبسه سبع سنين، كلما تَقَطّع منه موضع جعل مكانه رقعةً إلى أن صار في غاية الثِّقل، وصار الناسُ يضربون به المثل.‏
    ‏ واتفق أنه دخل يوما سوق الزُّجاج،
    فقال له سمسار: يا أبا القاسم، قد قدِم إلى بغداد اليوم تاجرٌ من حَلَب، ومعه حِمْلُ زجاج مُذَهّب قد كَسَدَ. فاشتَرِه منه وأنا أبيعه لك بعد مدة فتكسِبُ به المثل مِثلَين. ‏
    ‏ فمضى أبو القاسم واشتراه بستين دينارا.‏ ‏ ثم إنه دخل إلى سوق العطارين،
    فصادفه سمسار آخر وقال له: يا أبا القاسم، قد قَدِم إلينا اليوم من نَصيبين تاجر يبيع ماء ورد.
    ولِعَجَلَةِ سفره يمكن أن تشتريه منه رخيصًا، وأنا أبيعه لك فيما بعد فتكسِبُ به المثل مِثلين. ‏
    ‏ فاشتراه أبو القاسم بستين دينارا أخرى، وملأ به الأواني الزجاجية المذهبة، ووضعها على رف من رفوف بيته.
    ‏ ‏ ثم إنه دخل الحمام يغتسل، فقال له بعض أصدقائه: ‏ ‏ يا أبا القاسم، غَيِّر حذاءك هذا فإنه في غاية الشناعة. وأنت ذو مال بحمد الله.
    ‏ ‏ فقال له أبو القاسم: الحق معك. ‏ ‏ ثم إنه خرج من الحمام ولبس ثيابه، فرأى بجانب حذائه حذاء آخر جديدا.
    فظن أن صديقه من كرمه قد اشتراه هدية له، فلبسه ومضى إلى بيته. ‏ ‏ وكان ذلك الحذاء الجديد للقاضي، وقد جاء في ذلك اليوم إلى الحمام.
    فلما خرج فتّش عن حذائه فلم يجده. فسأل الناس: ألم يترك من لبس حذائي عوضه شيئا؟
    ‏ ‏ ففتشوا فلم يجدوا سوى حذاء أبي القاسم، فعرفوه إذ كان يُضرب به المثل.
    ‏ ‏ فأرسل القاضي خدمه فكبسوا بيت أبي القاسم، فوجدوا حذاء القاضي عنده. فأخذوه فضربه القاضي تأديبا له، وحبسه مدة، وغرّمه بعض المال، ثم أطلقه. ‏
    ‏ وخرج أبو القاسم من الحبس وأخذ حذاءه وهو غضبان عليه، ومضى إلى نهر دجلة فألقاه فيه، فغاص في الماء.
    ‏ ‏ وأتى بعض الصيادين ورمى شبكته، فطلع الحذاء فيها! فلما رآه الصياد عرفه، وظن أنه وقع من أبي القاسم في دجلة. فحمله وأتى به بيته فلم يجده.
    ونظر فرأى نافذة في البيت مفتوحة فرمى الحذاء منها، فسقط على الرف الذي عليه الأواني الزجاجية فوقع، وتكسّرت الأواني وتبدّد ماء الورد! ‏ ‏ وجاء أبو القاسم ونظر إلى ما حدث، فلطم وجهه وجعل يبكي ويلعن الحذاء.
    ‏ ‏ ثم إنه قام في الليل ليحفر له حفرة يدفنه فيها ويرتاح منه، فسمع الجيران حسّ الحفر فظنوا أن لصا ينقب عليهم، فقبضوا عليه وأحضروه إلى الحاكم فحبسه، ولم يُطلقه حتى غَرِم بعض المال.‏
    ‏ ثم خرج من السجن فحمل حذاءه إلى الخان فرماه في الكنيف، فَسَدَّ قصبتَه ففاض! وضجر الناس من الرائحة الكريهة وبحثوا عن السبب فوجدوا حذاء فتأمّلوه، فإذا هو حذاء أبي القاسم! فحملوه إلى الوالي وأخبروه بما وقع، فوبّخ الوالي أبا القاسم وغرّمه مالا لتصليح الكنيف، ثم أُطلق.
    ‏ ‏ وخرج أبو القاسم والحذاء معه.
    وقال في نفسه: ‏ ‏ والله ما عدتُ أفارق هذا الحذاء! ‏ ‏ ثم إنه غسله وجعله على سطح بيته حتى يجفّ. فرآه كلب فظنّه رِمَّةً فحمله وعبر به إلى سطح آخر، فسقط الحذاء على رأس رجل في الطريق فآلمه وجرحه جرحا بليغا.
    وفتشوا لمن الحذاء فعرفوا أنه لأبي القاسم! ‏ ‏ ورفعوا الأمر إلى الحاكم فألزمه بالعِوَض والقيام بلوازم المجروح مُدَّةَ مرضه.
    ‏ ‏ ثم إن أبا القاسم أخذ الحذاء، ومضى به إلى القاضي وقال له: ‏ ‏ أريد من مولانا القاضي أن يكتب بيني وبين هذا الحذاء مبارأة شرعية على أنه ليس مني ولستُ منه، وأن كلا منا بريء من صاحبه، وأنه مهما يفعله هذا الحذاء لا أؤاخذ أنا به!

    ‏ من كتاب "مجاني الأدب". ‏

    حورية البحر
    استعراض الملف الشخصي
    رسالة خاصة إلى : حورية البحر
    البحث عن كافة مشاركات : حورية البحر
    إضافة حورية البحر إلى قائمة الصداقة

    --------------------------------------------------------------------------------

    حضانـة الولــد


    تخاصم أبو الأسود الدؤلي "واضع النحو" مع امرأته إلى القاضي على غلامهما منه، أيهما أحق بحضانته؟
    فقالت المرأة: أنا أحق بها، لأنني حملته تسعة أشهر، ثم وضعته، ثم أرضعته إلى أن ترعرع بين أحضاني كما تراه مراهقـاً.‏

    ‏ فقال أبو الأسود: أيها القاضي، حملتـُه قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، فإن كان لها بعض الحق فيه، فـَلـِيَ الحق كله أو جله.‏
    ‏ فقال القاضي: أجيبي أيتها المرأة على دفاع زوجك.

    فقالت: لئن حمله خـِفـّا، فقد حملته ثقلاً، ولئن وضعه شهوة، فقد وضعته كرهـاً.‏

    ‏ فنظر القاضي إلى أبي الأسود وقال له:

    ادفع إلى المرأة غلامها ودعني من سجعك
    تقـويم الكـلام

    كان بسجستان شيخ يتعاطى النّحو.
    فقال يومًا لابنه: ‏ ‏ إذا أردت أن تتكلم بشيء فاعرضه على عقلك، وفكّر فيه بجهدك حتى تقوّمه، ثم أخرج الكلمة مقوّمة. ‏
    ‏ فبينما هما جالسان في بعض الأيام في الشتاء، والنار تتـّقد، وقعت شرارة في جُبـَّة خزّ كانت على الأب، وهو غافل والابن يراه. ‏ ‏ فسكت الابن ساعة يفكـِّر
    ثم قال: ‏ ‏ يا أبت، أريد أن أقول شيئًا، فتأذن لي فيه؟
    ‏ قال أبوه: ‏ ‏ إنْ حقـّا فتكلم.
    ‏ قال: أراه حقـّا. ‏ ‏
    فقال: قل. ‏ ‏
    قال: إني أرى شيئًا أحمر. ‏ ‏
    قال: وما هو؟ ‏
    ‏ قال: شرارة وقعت في جُبـَّتك. ‏ ‏ فنظر الأب إلى جُبـَّته وقد احترق منها قطعة.
    فقال للابن: ‏ ‏ لِمَ لَمْ تُعْلِمْني سريعًا؟ ‏ ‏
    قال: ‏ ‏ فكرت فيه كما أمرتني، ثم قـوَّمت الكلام وتكلمت فيه. ‏
    ‏ فحلف أبوه بالطلاق أن لا يتكلم بالنحو أبدًا. ‏

    من كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي.
    حق المودّة وحق السلطان

    حدّث سليمان بن وهب قال:‏
    ‏ لما نكبني الخليفة الواثق قال للوزير ابن عبد الملك الزيات: ‏ ‏ عَذِّب سليمان وضَيِّقْ عليه وصادِرْه وطالبْه بالأموال.‏
    ‏ فألبسني ابن عبد الملك الزيات جبّة صوف، وقيّدني وضيّق عليّ، وكان يُحضرني في دار الواثق ويخاطبني أغلظ مخاطبة، ويهددني ويعاملني أقبح معاملة وأشنعها، فيكتب المخبرون بذلك إلى الواثق فيُعجبه.
    فإذا كان الليل أمر ابنُ عبد الملك الزيات بنزع قيودي وتغيير ثيابي، ويأنس بي ويأكل ويشرب معي، ويشاورني في أموره، ويُفضي إليّ بأسراره. فإذا كان وقت انصرافي عنه، ضرب بيده على كتفي
    وقال:‏ ‏ يا سليمان، هذا حق المودّة وذاك حق السلطان، لا تنكر هذا ولا تنكر ذاك.‏
    ‏ فإذا كان في غد عاد إلى تهديدي والتضييق عليّ وكأنه لا يعرفني.

    ‏ من كتاب "المستجاد من فعلات الأجواد" للتنوخي.
    ثـلاث خصـال

    يُحكى عن بعض قدماء الملوك أنه كان إذا أراد محاربة ملك، وجّه إلى مملكته عيوناً يبحثون عن أخباره وأخبار رعيته قبل أن يُقدِمَ على محاربته،
    ويأمر هؤلاء الجواسيس بالبحث عن ثلاث خصال من أمره،
    وهي: ‏ ‏ أن ينظروا فيما يُرفع إلى هذا الملك من أخبار رعيته، هل هي على حقيقتها، أو أن أصحابه ووزراءه يخدعونه ويكذبون عليه فيها؛
    أن يبحثوا عن الغِنى والجاه في أي صنف من الناس هما: في أهل الشرف والعقل، أم في الأنذال؛
    أن يبحثوا في أمر المشاورة: هل يستعملها في أموره، أم يمضي الأمور على هواه.‏
    ‏ فإن قالوا له عند رجوعهم إن الأمور والأخبار تُرفع إليه على حقيقتها،
    وأن الغِنى والجاه لدى أهل الشرف والعقل،
    وأنه يستعمل المشاورة، كفّ الملك عن محاربته والطمع في مملكته.

    ‏ من كتاب "الحكمة الخالدة" لمسكويه. ‏
    الرشيد بن الزبير والمرأة القاهرية

    كان الرشيد بن الزبير على جلالته وفضله، ومنزلته من العلم والنّسب، قبيحَ المنظر، أسودَ الجِلْدَة، ذا شَفَة غليظة وأنف مبسوط كخِلْقة الزنوج، قصيرًا. ‏
    ‏ حدّث يومًا فقال: ‏ ‏ مررت بموْضع في القاهرة، وإذا امرأةٌ شابّة، صبيحة الوجه، وضيئة المنظر. فلما رأتني نظرتْ إليّ نظر مُطْمِعٍ لي في نفسه.
    فتوهمّتُ أنني وقعتُ منها بموقع، ونَسِيت نفسي وأشارت إليّ بطَرْفها، فتبِعتها وهي تدخل في سِكـّة وتخرج من أخرى، حتى دخلتْ دارًا، وأشارت إليّ، فدخلتُ.
    وَرَفَعَتِ النـِّقاب عن وجهٍ كالقمر في ليلة تمامه،
    ثم صفـّقتْ بيديها منادية: يا ست الدار! فنزلت إليها طفلة،
    فقالت لها: ‏ ‏ إن رَجَعتِ تبولين في الفِراش تركتُ سيدَنا القاضي يأكلكِ!
    ‏ ‏ ثم التفتت إليَّ وقالت:
    ‏ ‏ لا أَعْدَمَني اللّهُ إحسانَك. ‏
    ‏ فخرجتُ وأنا خـَزْيان خَجلاً، لا أهتدي إلى الطريق.

    ‏ من كتاب "معجم الأدباء" لياقوت.
    --------------------------------------------------------------------------------

    الخيـزران والهـادي

    ‏كانت الخيزران، كثيراً ما تكلم ابنها الهادي، في الحوائج، فكان يجيبها إلى كل ما تسأله، حتى مضى لذلك أربعة أشهر من خلافته، وانهال الناس عليها، وطمعوا فيها، فكلمته يوما في أمر لم يجد إلى إجابتها إليه سبيلاً، واعتلّ بعلة،
    فقالت الخيزران:‏ ‏ لا بد من إجابتي،
    قال:‏ ‏ لا أفعل،
    قالت:‏ ‏ قد تضمـّنـْتُ هذه الحاجة لعبد الله بن مالك،
    فغضب الهادي وقال:‏ ‏ ويل لابن الفاعلة، قد علمت أنه صاحبها، والله لأقضيتها له،
    قالت:‏ ‏ وإذن والله لا أسالك حاجة أبداً،
    قال:‏ ‏ إذن والله لا أبالي، وحمي وغضب، فقامت مغضبة،
    فقال:‏ ‏ مكانك تستوعبي كلامي، والله لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من قوادي، أو أحد من خاصتي، أو أحد من خدمي، لأضربت عنقه، ولأقبضنّ ماله، فمن شاء فليلزم ذلك، ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك كل يوم؟ أما لك مغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك، أو بيت يصونك؟ إياك ثم إياك ما فتحت بابك لملي أو ذمي، فانصرفت الخيزران ما تفعل ما تطأ، فلم تنطق عنده بحلوة ولا بمرة بعدها.‏ ‏ وجمع الهادي رءوس دولته،
    وقال لهم:‏ ‏ أيما خير، أنا أم أنتم؟
    قالوا:‏ ‏ بل أنت يا أمير المؤمنين،
    قال:‏ ‏ فأيما خير، أمي أم أمهاتكم،
    قالوا:‏ ‏ بل أمك يا أمير المؤمنين،
    قال:‏ ‏ فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه،
    فيقولوا:‏ ‏ فعلت أم فلان وصنعت أم فلان؟
    قالوا:‏ ‏ ما أحد منا يحب ذلك،
    قال:‏ ‏ فما بال الرجال يأتون أمي فيتحدثون بحديثها؟
    فما سمعوا ذلك حتى انقطعوا عنها، وزاد هذا في همّ الخيزران ووجدها على ابنها، ولما حضرت الهادي العلة، وكان على سفر، وأيقن بالهلاك، استدعى أمه، فلما قدمت
    قال لها:‏ ‏ أنا هالك في هذه اليلة، وقد كنت أمرتك بأشياء ونهيتك عن أخرى، مما أوجبته سياسة الملك، وسياسة الشرع من برّك، ولم أكن بك عاقاً، بل كنت لك صائناً، وبرّا واصلاً، ثم قضـَى قابضاً على يدها، واضعاً لها على صدره،
    وهو يقول:‏ ‏ يا ليت أم الهادي ما ولدت الهادي، والله لو أن أم الهادي أذنبت ما عفا الهادي عنها.
    --------------------------------------------------------------------------------

    الشجـرة

    استودع رجلٌ رجلاً آخر مالاً، ثم طالبه به فأنكره. فخاصمه إلى إياس بن معاوية القاضي،
    وقال:‏ ‏ دفعتُ إليه مالاً في الموضع الفلاني.‏
    ‏ قال إياس: ‏ ‏ فأيّ شيء كان في ذلك الموضع؟‏
    ‏ قال: شجرة.‏
    ‏ قال:‏ ‏ فانطلق إلى ذلك الموضع، وانظر إلى تلك الشجرة، فلعلّ الله يوضِّحُ لك هناك ما تُبَيِّنُ به حقَّك. أو لعلك دفنت مالك عند الشجرة ثم نسيتَ، فتتذكّر إذا رأيتَ الشجرة.‏ ‏ فمضى.
    وقال إياس للمُطالَب بالمال:‏ ‏ اجلس حتى يرجعَ صاحبُك.‏
    ‏ فجلس، وانشغل إياس عنه بالنظر في قضايا الناس، وهو ينظر إليه بين الحين والحين. ثم التفت إياس إليه فجأة
    وقال:‏ ‏ تُرى هل بلغ صاحبك الآن موضع الشجرة؟‏
    ‏ فأجاب الرجل:‏ ‏ لا أظن، فهي بعيدة.‏
    ‏ فقال:‏ ‏ يا عدوّ الله، هات المال فقد أقررتَ على نفسك!

    ‏ من كتاب "المحاسن والمساوئ" للبيهقي--------------------------------------------------------------------------------

    الهديـة والرشـوة

    اشتهى الخليفة عمر بن عبد العزيز تفاحاً، فأهدى له رجل من أهل بيته بعضاً منه.
    فقال عمر:‏ ‏ ماأطيب ريحه وأحسنه! ردّه يا غلام على من أتى به.
    ‏ ‏ فقيل له:‏ ‏ يا أمير المؤمنين، ابن عمك، رجل من أهل بيتك، وقد بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية.‏
    ‏ فقال:‏ ‏ إن الهدية كانت للنبي هدية، وهي اليوم لنا رشوة.

    ‏ من كتاب "تاريخ الخلفاء" للسيوطي.
    --------------------------------------------------------------------------------

    الصـوم والحـر

    كان الحجاج بن يوسف الثقفي، على ما به من صلف وتجبر وحب لسفك الدماء، جواداً كريماً، لا تخلو موائده كل يوم من الآكلين، وكان يرسل إلى مستطعميه الرسل، ولما شق عليه ذلك،
    قال لهم: رسولي إليكم الشمس إذا طلعت، فاحضروا للفطور، وإذا غربت، فاحضروا للعشاء.‏
    ‏ وحدث أن خرج يوماً للصيد، وكان معه أعوانه وحاشيته، ولما حضر غداؤه،
    قال لأصحابه، التمسوا من يأكل معنا، فتفرقوا كل إلى جهة، فلم يجدوا إلا أعرابياً، فأتوا به،
    فقال له الحجاج: هلم يا أعرابي فَكُلْ،
    قال الأعرابي: لقد دعاني من هو أكرم منك فأجبته،
    قال الحجاج: ومن هو؟
    قال الأعرابي: الله سبحانه وتعالى، دعاني إلى الصوم فأنا صائم.‏
    ‏ قال الحجاج: صوم في مثل هذا اليوم على حره؟
    قال الأعرابي: صمتُ ليوم هو أحرُّ منه،
    قال الحجاج: فأفطر اليوم وصم غداً،
    فقال الأعرابي: أَوَيضمن لي الأمير أن أعيش إلى غد؟
    قال الحجاج: ليس لي إلى ذلك سبيل.
    قال الأعرابي: فكيف تطلب مني عاجلاً بآجل ليس إليه سبيل؟‏
    ‏ قال الحجاج: إنه طعام طيب.
    قال الأعرابي: والله ما طيَّبه خبازك ولا طباخك، ولكن طيبته العافية.‏
    ‏ قال الحجاج: أبعدوه عني. ‏
    العالـِمُ والخليفــة


    قال أبو القاسم بن مـُفـَرِّج:‏ ‏ كنت في بعض الأيام عند الفقيه أبي إبراهيم في مجلسه بالمسجد في قرطبة، ومجلسه حافل بجماعة الطلبة،
    إذ دخل عليه خصيّ من أصحاب الرسائل جاء من عند الخليفة الحـَكم ابن الناصر. فوقف وسلـّم
    وقال له:‏ ‏ أجب أمير المؤمنين، فهو قاعد ينتظرك، وقد أُمرتُ بإعجالك فالله الله.‏
    ‏ فقال أبو إبراهيم:‏ ‏ سمعـاً وطاعة لأمير المؤمنين، ولا عـَجـَلـَة. فارجع إليه وعرِّفه أنك وجدتني مع طلاب العلم، وليس يمكنني ترك ما أنا فيه حتى يتم المجلس فأمضي إليه.‏
    ‏ فانصرف الخصيّ وهو يتمتم متضاجراً بكلام لم نسمعه. فما مضت ساعة حتى رأيناه قد عاد
    فقال للفقيه:‏ ‏ أنهيتُ قولك إلى أمير المؤمنين،
    وهو يقول لك: "جزاك الله خيرًا عن الدين وجماعة المسلمين وأمتعهم بك. وإذا أنت فرغتَ فامض إليه."
    ‏ ‏ قال أبو إبراهيم:‏ ‏ حسن. ولكني أَضـْعـُفُ عن المشي إلى باب السـُّدّة، ويصعب عليّ ركوب دابة لشيخوختي وضعف أعضائي. وبابُ الصناعة هو من بين أبواب القصر أقربها من مكاننا هذا. فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بفتحه لأدخل منه هوّن عليّ المشي.‏
    ‏ فمضى الفتى ثم رجع بعد حين وقال:‏ ‏ قد أجابك أمير المؤمنين إلى ما سألت، وأمر بفتح باب الصناعة، وأمرني أن أبقى معك حتى ينقضي الدرس وتمضي معي.‏
    ‏ وجلس الخصي جانبـاً حتى أكمل أبو إبراهيم مجلسه بأكمل ما جرت به عادته ودون قلق. فلما انفضضنا عنه قام إلى داره فأصلح من شأنه ثم مضى إلى الخليفة الحكم.‏
    ‏ قال ابن مفرّج:‏ ‏ ولقد تعمـّدنا إثر قيامنا عن الشيخ أبي إبراهيم المرور بباب الصناعة فوجدناه مفتوحـاً وقد حفـّه الخدم والأعوان متأهبين لاستقبال أبي إبراهيم، فاشتدّ عجبنا لذلك
    وقلنا:‏ ‏ هكذا يكون العلماء مع الملوك والملوك مع العلماء، قدّس الله تلك الأرواح.

    ‏ من كتاب "نـَفـْح الطيب" للمـَقـَّرِي التلمساني.
    --------------------------------------------------------------------------------

    الأعمش وإمام المسجد


    خرج الأعمش ذات يوم من منزله بسحر، فمرَّ بمسجد بني أسد وقد أقام المؤذّن الصلاة،
    فدخل يصلّي، فافتتح الإمام الركعة الأولى بسورة البقرة، ثم في الركعة الثانية سورة آل عمران.‏
    ‏ فلما انصرف
    قال له الأعمش:‏ ‏ أما تتقي الله؟ أما سمعت حديث
    رسول الله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أَمَّ الناسَ فَلْيُخَفِّف، فإن خلفه الكبير والضعيف وذا الحاجة"؟‏ ‏ فقال الإمام:‏
    ‏ قال الله عزَّ وجَلّ: "وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين".‏
    ‏ فقال الأعمش:‏ ‏ فأنا رسول الخاشعين إليك بأنك رجل ثقيل الظل!

    ‏ من كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي.--------------------------------------------------------------------------------

    الاخــتزال


    لليونانيين قلم يعرف بالساميا، ولا نظير له عندنا. فإن الحرف الواحد منه يحيط بالمعاني الكثيرة، ويجمع عدة كلمات.
    قال جالينوس: ‏ ‏ كنت في مجلس عام، فتكلمت في التشريح. فلما كان بعد أيام لقيني صديق لي، فقال إن فلانًا يحفظ عليك في مجلسك العام أنك تكلمت بكذا وكذا، وأعاد عليّ ألفاظي بعينها.
    فقلت: من أين لك هذا؟
    قال: إني التقيت بكاتب ماهر بالساميا، فكان يسبقك بالكتابة في كلامك. ‏ ‏ وهذا القلم يتعلمه الملوك وجلّة الكتـّاب، ويُمنع منه سائر الناس لجلالته. وقد جاءنا من بعلبك رجل متطبّب زَعَم أنه يكتب بالساميا. فجرّبنا عليه ما قال، فرأيناه إذا تكلمنا بعشر كلمات أصغى ثم كتب كلمة فاستعدناها فأعادها بألفاظنا.
    ‏ ‏ وللصين كتابة يقال لها كتابة المجموع؛ وهي أن لكل كلام يطول شكلاً من الحروف يأتي على المعاني الكثيرة. فإن أرادوا أن يكتبوا ما يكتب في مائة ورقة، كتبوه في صفحة واحدة.
    ‏ ‏ قال محمد بن زكريا الرازي: ‏ ‏ قصدني رجل من الصين، فأقام بحضرتي نحو سنة، تعلم فيها العربية كلامًا وخطّا في مدة خمسة أشهر حتى صار فصيحًا حاذقًا سريع اليد.
    فلما أراد الانصراف إلى بلده، قال لي قبل ذلك بشهر: ‏ ‏ إني على الخروج، وأحبُّ أن تُملي عليَّ كتب جالينوس الستة عشر لأكتبها.
    ‏ ‏ فقلت: ‏ ‏ لقد ضاق عليك الوقت، ولا يفي زمانُ مقامك لنسخ قليل منها. ‏
    ‏ فقال الفتى: ‏ ‏ أسألك أن تهب لي نفسك مدة مقامي، وتملي عليّ بأسرع ما يمكنك، فإني أسبقك بالكتابة. ‏ ‏ فتقدّمت إلى بعض تلاميذي بالاجتماع معنا على ذلك، وكنا نملي عليه بأسرع ما يمكننا، فكان يسبقنا.
    ولم نصدّقه إلا في وقت المعارضة، فإنه عارض بجميع ما كتبه.
    ‏ ‏ وسألته عن ذلك فقال: ‏ ‏ إن لنا كتابة تعرف بالمجموع، فإذا أردنا أن نكتب الشيء الكثير في المدة اليسيرة كتبناه بهذا الخط، ثم إذا شئنا نقلناه إلى القلم المتعارَف والمبسوط.

    ‏ من كتاب "الفهرست" لابن النديم.
    --------------------------------------------------------------------------------

    الدّليل على قوة النفس

    مِمَّا يُكرَهُ للملوك المبالغةُ في الميل إلى النّساء، والانهماك في محبّتهن، وقطع الزمان بالخلوة معهن. فأما مشاورتهن في الأمور فمجلبةٌ للعجز، ومدْعاة إلى الفساد، ومَنْبهة على ضعف الرأي، اللهم إلا أن تكون مشاورتهن يراد بها مخالفتهن،
    كما قال عليه السلام: "شاوروهنّ وخالفوهن"!
    فإذا أشكل عليكم الصواب فشاوروهنّ، فإذا مِلْنَ إلى شيء فاعلموا أن الصواب في خلافه.‏
    وقد حَدَثَ أن عضدَ الدولة فَنّاخُسْرَوْ بن بُوَيْه شغفته امرأة من جواريه حباً، وغلب عليه، فاشتغل بها عن تدبير المملكة حتى ظهر الخلل في مملكته، فخلا به وزيرُه
    وقال له:‏ ‏ أيها الملك، إن هذه الجارية قد شغلتك عن مصالح دولتك حتى لقد تطرّق النقص عليها من عدّة جهات.
    وما سبب ذلك إلا اشتغالك عن إصلاح دولتك بهذه المرأة.
    والصواب أن تتركها وتلتفت إلى إصلاح ما فسد.‏ ‏
    وبعد أيام جلس عضد الدولة على مُشْتَرَف له على دجلة، واستدعى الجارية فحضرت.
    فشاغلها ساعة حتى غفلت عن نفسها ثم دفعها إلى النهر فغرقت.
    وتفرّغ خاطرُه من حبها واشتغل بإصلاح أمور دولته.‏
    ‏ وقد نسب الناس هذا الفعل من عضد الدولة إلى قوة النفس حين قويتْ نفسه على قتل محبوبته.
    وأنا أستدلّ بهذا الفعل على ضعف نفس عضد الدولة لا على قوّتها، فلو أنه تركها حيّة ثم أعرض عنها لكان ذلك هو الدليل على قوّة نفسه.

    ‏ من كتاب "الفخري" لابن طباطبا. ‏
    __________________
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحدأة وصرة المال

    من أخبار المنصور بن أبي عامر مؤسس الدولة العامرية بالأندلس أن رجلاً من تجار المشرق قصد المنصور من مدينة عدن بجوهر كثير وأحجار نفيسة.
    فأخذ المنصور من ذلك ما استحسنه، ودفع إلى الجوهري التاجر صرّة مال.
    ‏ ‏ وأخذ التاجر في انصرافه طريق الرّملة على شط النهر، فلما توسطها، واليوم قائظ وعرقه منصبّ، دَعَته نفسُه إلى التبرُّد في النهر.
    فوضع ثيابه وتلك الصرة على الشط، فمرّت حدأة فاختطفت الصرة تحسبها لحماً، وصاعدت في الأفق بها ذاهبة.
    ورآها التاجر فقامت قيامته، وعلم أنه لا يقدر أن يستدفع ذلك بدعوى ولا بحيلة، واشتد به الحزن.‏ ‏ وعاد إلى المنصور فأعلمه بقصته.
    فقال المنصور له:
    ‏ ‏ هل تذكر الناحية التي طارت الحدأة إليها؟
    ‏ ‏ قال: نعم،
    مرّت مشرّقة عل سمت هذا الجنان الذي يلي قصرك (يعني الرّملة).
    فدعا المنصور شرطيّه الخاصّ به فقال له:
    جئني بمشيخة أهل الرملة. ‏ ‏ فمضى وجاء بهم. فأمرهم بالبحث عمن تغيّر حاله من الفقر سريعاً وانتقل عن الإضاقة دون تدريج.
    فولّوا ثم عادوا فقالوا:
    ‏ ‏ يا مولانا، ما نعلم إلا رجلاً من ضعفائنا كان يعمل هو وأولاده بأيديهم، ويعجز عن شراء دابة، رأيناه قد اكتسى هو وولده كسوة متوسطة.‏ ‏
    فأمر المنصور بإحضاره. فلما أُتي به،
    قال له:
    ‏ ‏ شيء ضاع منا وسقط إليك، ما فعلت به؟
    ‏ ‏ فقال: هو ذا يا مولاي.‏ ‏ وضرب بيده إلى حجزة سراويله فأخرج الصرة بعينها.
    فصاح التاجر طرباً وكاد يطير فرحاً.‏ ‏
    قال المنصور للرجل:‏ ‏ خبِّرني بما حدث.‏
    ‏ قال: بينما أنا أعمل في بستان تحت نخلة، إذ سقطت أمامي، فأخذتها وراقني منظرها،
    وقلت في نفسي: إن الطائر اختلسها من قصرك لقرب الجوار، فاحترزت بها ودعتني فاقتي إلى أخذ عشرة دنانير منها وقلت: أقلُّ ما يكون من كرم مولاي أنه يسمح لي بها.‏
    ‏ فقال المنصور للتاجر: خذ صرّتك وانظرها واصدقني عن عددها.‏ ‏ ففعل،
    وقال: وحق رأسك يا مولاي ما ضاع منها سوى الدنانير العشرة التي ذكرها، وقد وهبتها له.
    ‏ ‏ فقال المنصور له: نحن أولى بذلك منك، ولا ننغص عليك فرحتك. ‏ ‏
    ثم أمر للتاجر بعشرة دنانير عوضاً عن دنانيره، وللرجل بعشرة دنانير أخرى،
    وقال له:‏ ‏ لو جئتنا قبل البحث عنك لكان ثوابك موفوراً!‏ ‏ فأخذ التاجر في الثناء على المنصور وقد عاوده نشاطه،
    وقال:‏ ‏ والله لأبُثَّنَّ في الأقطار عظيمَ مُلكك، وَلأقولَنّ إنك تملك طير بلادك كما تملك إنْسَها! ‏

    من كتاب "البيان المغْرب في أخبار المغرب" لابن عذارى المراكشي. ‏

    حورية البحر
    استعراض الملف الشخصي
    رسالة خاصة إلى : حورية البحر
    البحث عن كافة مشاركات : حورية البحر
    إضافة حورية البحر إلى قائمة الصداقة


    --------------------------------------------------------------------------------

    الخليفة وصاحب الشرطة

    كان موسى الهادي بن الخليفة المهدي متيقّظا غيورا كريما شهما شديد البطش جريء القلب، ذا إقدام وعزم وحزم.‏
    حدّث عبد الله بن مالك، (وكان يتولّى شرطة المهديّ)،
    قال:‏ ‏ كان الخليفة المهدي يأمرني بضرب ندماء الهادي ومغنّيه وحبسهم صيانة له عنهم، فكنت أفعل ما يأمرني به المهدي.
    وكان الهادي يرسل إليّ في التخفيف عنهم فلا أفعل.
    ‏ ‏ فلما مات المهدي ووليَ الهادي الخلافة أَيْقَنْتُ بالتلف.
    فاستحضرني يوما فدخلتُ عليه وهو جالس على كرسي، والسيف والنّطع بين يديه.
    فلما سَلَّمتُ قال:‏ ‏ لا سَلَّم الله عليك! أتَذْكُرُ يوم بعثتُ إليك في أمر الحرّاني وضرْبه فلم تقبل قولي؟ وكذلك فعلتَ في فلان وفلان (وعدَّدَ ندماءه) فلم تلتفت إلى قولي.
    ‏ ‏ قلت: نعم. أفتأذن في ذكر الحُجَّة؟
    ‏ ‏ قال: نعم.‏ ‏ قلت: ناشدتك الله، لو أنك قَلَّدْتني ما قلّدني المهدي، وأمرتني بما أمر، فبعث إليَّ بعضُ بنيك بما يخالف أمرَك، فاتّبعتُ قولَه وتركتُ قولك، أكان يسرُّك ذلك؟
    ‏ ‏ قال: لا.‏ ‏ قلت: فكذلك أنا لك، وكذلك كنتُ لأبيك.‏ ‏ فاستَدْناني فقبّلتُ يدَه، ثم أمر لي بالخِلَع
    وقال:‏ ‏ ولّيتُك ما كنتَ تتولاه، فامضِ راشدا.‏ ‏ فمضيتُ مفكّرا في أمري وأمره،
    وقلت في نفسي:‏ ‏ شابٌّ يشرب، والقوم الذين عصيتُه في أمرهم هم ندماؤه ووزراؤه وكُتّابه.
    وكأني بهم حين يغلب الشرابُ عليه يغلبون على رأيه، ويحسّنون له هلاكي.‏ ‏ فإني لجالس وعندي بُنَيَّةٌ لي، والكانون بين يديّ، وقُدَّامي رُقاق أسخِّنه بالنار وآكل وأُطعم الصغيرة، وإذا بوقع حوافر الخيل. فظننتُ أن الدنيا قد زُلزِلت.
    فقلت:‏ ‏ هذا ما كنت أخافه.
    ‏ ‏ وإذا الباب قد فُتح، وإذا الخدم قد دخلوا والهادي في وسطهم على دابّته. فلما رأيتُه وثبتُ فقبّلتُ يده ورجله وحافرَ فرسه.
    فقال لي:‏ ‏ يا عبد الله، إني فكّرت في أمرك
    فقلت: ربما خطر بذهنك أني إذا شربتُ وحولي أعداؤك، أزالوا حسنَ رأيي فيك، فيُقْلِقُكَ ذلك.
    فصرت إلى منزلك لأؤنسك وأُعْلمك أن ما كان عندي من الحقد عليك قد زال جميعه.
    فهات وأطعِمني مما كنتَ تأكل، لتعلم أني قد تَحَرَّمْتُ بطعامك، فيزول خوفُك.
    ‏ ‏ فأدنيتُ إليه من الرّقاق فأكل.
    ثم قال:‏ ‏ هاتوا ما صحبناه لعبد الله.‏ ‏ فدخل أربعمائة بغل محمّلة بالدراهم وغيرها.
    وقال:‏ ‏ هذه لك، فاستعين بها على أمرك.‏ ‏ ثم انصرف. ‏

    من كتاب "الفَخْرِي" لابن طَباطَبا. ‏

    الحجّـاج في النـار

    حَلَف رجلٌ بالطّلاق أن الحجّاج بن يوسف في النّار.
    فقيل له: ‏ ‏ "سَلْ عن يمينك وعمّا إذا كانت امرأتُك تجوزُ لك". ‏
    ‏ فأتى أيوب السِّخْتِيَاني الزّاهد، فأخبره.
    فقال له: ‏ ‏ لستُ أُفتى في هذا بشيء، يغفرُ الله لمن يشاء.
    ‏ ‏ فأتى شيخَ المعتزلة عمرو بن عُبيد، فأخبره ـ
    فقال: ‏ ‏ تمسَّك بامرأتِك، فإن الحجّاجَ إن لم يكن من أهل النار فليس يضُرُّكَ أن تَزْنِي!

    ‏ ‏ من كتاب "نثر الدّرّ" لمنصور بن الحسين الآبي

    --------------------------------------------------------------------------------

    التاسع نلقيه في البحر

    رأيتُ بعض الأصحاب يأخذ ثلاثين قطعة من قطع الشطرنج، نصفها من السُّود ونصفها من البيض، ويرصّها رصّا مخصوصًا في صورة دائرة، ويدّعي أن مركبًا كان على ظهر البحر، وفيه مسلمون (بيض) وكفّار (سود).
    فأشرفوا على الغرق، وأرادوا أن يرموا إلى البحر نصف عددهم ليخفّ المركب، فينجو بعضهم ويسلم المركب.
    فقالوا: ‏ ‏ نقترع، ومن وقعت عليه القرعة ألقيناه في البحر.
    ‏ ‏ فتأملهم الريّس بعض الوقت وهم جالسون في دائرة،
    ثم قال: ‏ ‏ ليس هذا حكمًا مرضيّا.
    و إنما الحكم أنّا نعدّ الجماعة، فكل من كان تاسعًا ألقيناه في البحر.
    ‏ ‏ فارتضوا بذلك، ولم يزل يعدّهم ويلقي التاسع فالتاسع
    فإذا هو قد ألقى الكفار أجمعين، وسلم المسلمون!

    ‏ من كتاب "شرح لامية العجم" للصفدي.‏
    الخَلَف الطالـح


    قال محمد بن جرير الطبري:‏
    ‏ حدثنا وكيع عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تنشد بيت
    لبيد بن ربيعة:‏
    ‏ ذَهَبَ الذين يُعَاشُ في أكْنافِهِم ‏ ‏ وبَقَيْتُ في خَلَفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ ‏
    ‏ ثم تقول:‏ ‏ رحم الله لبيدا! كيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم! ‏
    ‏ قال عروة:‏ ‏ رحم الله عائشة! فكيف بها لو أدركتْ من نحن بين ظهرانيهم!
    ‏ ‏ قال هشام بن عروة:‏ ‏ رحم الله أبي! فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم!
    ‏ ‏ قال الطبري: ‏ ‏ رحم الله هشاماً! فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم!‏

    من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني. ‏
    --------------------------------------------------------------------------------

    السُّعــاة

    مشى الخليفة القادر باللّه ذات ليلة في أسواق بغداد فسمع شخصًا يقول لآخر:
    ‏ ‏ قد طالت دولة هذا المشوم، وليس لأحد عنده نصيب.
    ‏ ‏ فأمر خادمًا كان معه أن يحضره بين يديه فلما سأله عن صنعته
    قال: ‏ ‏ إني كنت من السُّعاة الذين يستعين بهم أرباب الدولة على معرفة أحوال الناس فمذ وُلـِّيَ أمير المؤمنين أقصانا وأظهر الاستغناء عنا، فتعطّلت معيشتنا وانكسر جاهُنا.
    ‏ ‏ فقال له : أتعرف مَن في بغداد من السعاة مثلك؟ ‏
    ‏ قال : نعم. ‏ ‏ فأحضر كاتبًا، وكتب أسماءهم، وأمر بإحضارهم ثم أجرى لكل واحد منهم معلومًا، ونفاهم إلى الثغور القاصية، ورتَّبهم هناك عيونًا على أعداء الدِّين.
    ‏ ‏ ثم التفت القادر إلى مَن حوله
    وقال: ‏ ‏ اعلموا أن هؤلاء قد ركَّب اللّه فيهم شرًّا، وملأ صدورهم حقدًا على العالم، ولا بدّ لهم من إفراغ ذلك الشّر. فالأَوْلى أن يكون ذلك في أعداء الدِّين، ولا نُنَغِّص بهم المسلمين. ‏

    ‏ ‏ من كتاب "فوات الوفيات" لابن شاكر الكتبي ‏
    الدِّيـن والعقـل

    كتب أحدُ الزائغين إلى الإمام الجليل أبي حامد الغزالي يقول:


    " إن المقصود من الدّعوة والداعي، ومن أحكام الشريعة والتكاليف الظاهرة والتعبّد بالفرائض هو حصولُ المعرفة، "
    فإن حصلت المعرفة عند امرئ أمكنه الاستغناء عن ظواهر الشرع وعن مراعاة الوسائط.
    ‏ ‏ فكان جواب الغزالي: ‏ ‏ مَثَلُ المغتر بعقله والمنخدع بهذا الظن كمثل رجل بنى له أبوه قصرا على رأس جبل، ووضع له فيه سَدًّا من حشيش طيب الرائحة، وأكّد الوصيّة على ولده مرّة بعد أخرى ألاّ يُخْلى هذا القصر عن هذا الحشيش طول عمره،
    وقال له: ‏ ‏ إيّاك أن تسكن هذا القصر ساعة من ليل أو نهار إلا وهذا الحشيش فيه.
    ‏ ‏ فلما مات الأب، زرع الولد حول القصر أنواعا من الرَّياحين، وجلب من البرِّ والبحر أحمالا من العُود والعنبر والمِسْك، وجمع في حديقة قصره جميع ذلك، مع شجرات كثيرة من الرياحين الطيبة الرائحة. فانغمرت رائحةُ الحشيش لما فاحت هذه الروائح.
    فقال الرجل: ‏ ‏ لا أشك أن والدي ما أوصاني بحفظ هذا الحشيش إلا لطيب رائحته.
    والآن قد استغنيتُ بهذه الرياحين عن رائحته، فلا فائدة فيه الآن.
    وهو يضيق علي المكان. ‏ ‏ ثم أمر بالحشيش فرُمِيَ من القصر. ‏
    ‏ فلما خلا القصر من الحشيش ظهرت من بعض ثُقَبِ القصر حَيَّةٌ هائلة، وضربته ضربةً أشرف بها على الهلاك، فتنبّه حيث لم ينفعه التنبُّه، وفطن إلى أن الحشيش كان من خاصيته دَفْعُ هذه الحية المُهْلِكَة. ‏ ‏ وكان لأبيه في الوصية بالحشيش
    غرضان: أحدهما انتفاع الولد برائحته، وذلك قد أدركه الولد بعقله،
    والثاني أن تَرُّدَّ الرائحةُ الحيات المهلكة،
    وذلك مما قَصَّرَتْ عن إدراكه بصيرةُ الولد، فاغترّ الولد بما عنده من العلم، وظنّ أنه لا سرَّ وراء معلومه ومعقوله.
    ‏ ‏ قد وقع لأبي حنيفة مثلُ هذا الظن في الفقهيات،
    فقال: أوجب اللهُ في كل أربعين شاةً شاةً، وقصد به إزالة الفقر، والشاةُ آلةٌ في الإزالة فإذا حصلت الإزالةُ بمال آخر غير الشاة فقد حصل تمامُ المقصود.
    ‏ ‏ فقال الشافعي: صدقتَ بقولك أن هذا مقصود، وأخطأت في حُكْمِك بأنه لا مقصودَ سواه،
    إذ كيف تأمن أن يُقال يوم القيامة: قد كان لنا سرٌّ آخر في إشراك الغنيِّ الفقير مع نفسه في جِنس ماله؟! ‏

    من كتاب "طبقات الشافعية الكبرى" لتاج الدين السبكي. ‏


    مجلة كاتب وناقد
    http://writersmagazine.blogspot.com/

    ممارسات نقدية
    http://yahiahashem.blogspot.com/
    --------------------------------------------------------------------------------

    مـاذا تأكلــون؟

    ‏ روى الجاحظ
    قال:‏ ‏ شهدت الأصمعي يوماً، وقد أقبل على جلسائه يسألهم عن عيشهم، وعما يأكلون ويشربون، فأقبل على الذي عن يمينه
    فقال: أيا فلان، ما أُدمك؟‏ ‏ قال: اللحم.‏ ‏ قال: في كل يوم لحم؟‏ ‏ قال: نعم.
    ‏ ‏ قال: بئس العيش هذا. ليس هذا عيش آل الخطاب.‏
    ‏ كان عمر بن الخطاب يضرب على هذا. وكان يقول:‏ ‏ مدمن اللحم، كمدمن الخمر.‏
    ‏ ثم سأل الذي يليه: وهكذا حتى أتى على آخرهم. كل ذلك
    وهو يقول:‏ ‏ بئس العيش هذا؟ ليس هذا عيش آل الخطاب. كان ابن الخطاب يضرب على هذا.‏ ‏ فلما انقضى كلامه.
    أقبل عليه بعضهم فقال:‏ ‏ يا أبا سعيد ما أدمك؟‏
    ‏ قال: يوماً لبن، ويوماً زيت، ويوماً سمن، ويوماً تمر، ويوماً جبن، ويوماً قفار، ويوماً لحم. عيش آل الخطاب.
    __________________
    الصبيّ الغريـق

    لما انتصر جيش الخليفة المعتضد على هارون الشاري، نُصبت القِباب ببغداد، وزُيِّـنت الطرقات، وتكاثف الناس على الجسور، فانخسف بهم الجسر الأعلى وسقط على زورق مملوء ناسًا، فغرق في ذلك اليوم نحو من ألف نفس،
    واستُخرج الغرقى من نهر دجلة بالكلاليب وبالغَاصة، وارتفع الضجيج، وكثر الصراخ من الجانبين جميعًا. ‏
    ‏ فبينما الناس كذلك إذ أخرج بعض الغاصة صبيّا عليه حلي فاخرة من ذهب وجوهر، فبصر به شيخ من النظارة، فجعل يلطم وجهه حتى أدمى أنفه، ثم تمرّغ في التراب،
    وجعل يصيح: ‏ ‏ ابني! لم تَمُتْ إذ أخرجوك صحيحًا سويّا لم يأكلك السمك! ليتني يا حبيبي كحلت عيني بك مرة قبل الموت! ‏
    ‏ وأخذه فحمله على حمار، ثم مضى به.
    ‏ ‏ فما برح القوم الذين رأوا من الشيخ ما رأوا، حتى أقبل رجل معروف باليسار مشهور من التجار، حين بلغه الخبر، وهو لا يشك إلا أن الصبي في أيديهم، وليس يهمه ما كان عليه من حليّ وثياب، وإنما أراد أن يكفِّن ابنه ويصلـِّي عليه ويدفنه.
    فخبّره الناس بالخبر، فبقي هو ومن معه من التجار متعجبين مبهوتين، وسألوا عن الشيخ المحتال واستبحثوا فإذا لا عين ولا أثر. ‏

    ‏ ‏ من كتاب "مروج الذهب" للمسعودي.
    --------------------------------------------------------------------------------

    الثقــة بـالله

    علم الرشيد، أن في دمشق رجلاً من بقايا الأمويين، عظيم السطوة، كثير الأعوان والجنود، يـُخشى خطره على الدولة، فأرسل إليه من يحضره مقيداً، فلما ذهب إليه الرسول، قيده وحمله على راحلته وسارا، فلما وصلا إلى ظاهر دمشق التفت الأموي إلى بستان حسن
    وقال:‏ ‏ هذا بستان لي، وفيه غرائب الأشجار وبدائع الأثمار، ثم انتهى إلى مزارع حسان وقـُرى واسعة وقال:‏ ‏ مثل ذلك، فعجب الرسول من هدوء الأموي، ورباطة جأشه،
    وقال له:‏ ‏ ألست تعلم أن أمير المؤمنين أقلقه أمرك، فأرسل إليك من انتزعك من بين أهلك ومالك وولدك؟ لا تدري عاقبة أمرك ولا ما ينتهي إليه حالك؟‏
    ‏ فقال الأموي:‏ ‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، وإني على ثقة من الله عز وجل، وفي يده ناصية أمير المؤمنين، ولا يملك أمير المؤمنين لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا بإذن الله! ‏
    --------------------------------------------------------------------------------

    الوطـــن

    سـُئـِل أعرابي:‏ ‏ ماذا تفعل في البادية، إذا اشتد القيظ، وانتعل كل شيء ظله؟‏
    فقال:‏ ‏ وهل العيش إلا ذاك.‏ ‏ يمشي أحدنا ميلاً، فيرَفضُّ عرقاً.‏
    ‏ ثم ينصب عصاه، ويلقي عليه رداءه.‏ ‏ ثم يجلس في فيئه (ظله) يكـْتال الريح،
    فكأنه في إيوان كسرى. ‏
    --------------------------------------------------------------------------------

    الخـادم الفصيــح

    حدّث أبو العيناء قال:‏ ‏ كان سبب خروجي من البصرة وانتقالي عنها أنني مررت يومـاً بسوق النخـّاسين، فرأيتُ غلامـاً يـُنادَى عليه وقد بلغ ثلاثين ديناراً، فاشتريته.‏
    ‏ وكنت أبني داراً، فدفعتُ إليه عشرين ديناراً على أن ينفقها على الصناع، فجاءني بعد أيام يسيرة
    فقال:‏ ‏ قد نفدت النفقة.‏
    ‏ فقلت: هاتِ حسابك!‏ ‏ فرفع حسابـاً بعشرة دنانير.
    قلت: أين الباقي؟‏
    ‏ قال: قد اشتريت به لنفسي ثوبـاً.‏
    ‏ قلت: من أمرك بهذا؟‏
    ‏ قال: لا تعجل يا مولاي، فإن أهل المروءة لا يعيبون على غلمانهم إذا فعلوا فعلاً يعود بالزَّين على مواليهم!‏
    ‏ فقلت في نفسي: أنا اشتريت الأصمعيّ ولـَمْ أَعلم!‏
    ‏ وكانت هناك امرأة أردت أن أتزوجها سرّا من ابنة عمي. فقلت له يومـاً:‏ ‏ أفيك خير؟‏
    ‏ قال: إي لعمري.‏ ‏ فأطلعته على الخبر.
    فقال: أنا نـِعم العـَون لك.‏ ‏ فتزوجتُ المرأة ودفعتُ إليه ديناراً،
    وقلت له:‏ ‏ اشترِ لنا به بعض السمك الهازبي.‏ ‏ فمضى ورجع وقد اشترى سمكـاً من صنف آخر.
    فغاظني ذلك وقلت:‏ ‏ ألم آمرك أن تشتري من السمك الهازبي؟‏
    ‏ قال: بلى، ولكن الطبيب أبقراط كتب يقول إن الهازبي يولـِّد السوداء، وهذا سمك أقل غائلة!
    ‏ ‏ فقلت: يا ابن الفاعلة! أنا لم أعلم أني اشتريت جالينوس!‏
    ‏ وقمتُ عليه فضربته عشر مقارع.
    فلما فرغتُ من ضربه أخذني وأخذ المقرعة وضربني سبع مقارع،
    وقال:‏ ‏ يا مولاي، الأدب ثلاث، والسـَّبـْع فضل، وذلك قصاص، فضربتك هذه السـَّبع خوفـاً من القصاص يوم القيامة!‏
    ‏ فغاظني هذا، فرميته فشججته، فمضى من وقته إلى ابنة عمي،
    فقال لها: يا مولاتي، إن الدّين النصيحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مـَنْ غـَشـَّنا فليس منا. وأنا أُعـْلمك أن مولاي قد تزوج فاستكتمني، فلما قلت له لا بدّ من تعريف مولاتي الخبر ضربني وشجـّني.
    ‏ ‏ فمنعتني بنت عمي من دخول الدار، وحالت بيني وبين ما فيها، فلم أر الأمر يصلح إلا بأن طلقت المرأة التي تزوجتها.‏
    ‏ وقلت في نفسي: أعتقه وأستريح، فلعله يمضي عني.‏
    ‏ فلما أعتقته لزمني
    وقال:‏ ‏ الآن وجب حقـُّك عليّ.‏ ‏ ثم إنه أراد الحج، فجهـّزته وزوّدته وخرج. فغاب عني عشرين يومـاً ورجع.
    فقلت له:‏ ‏ لـِمَ رجعت؟
    ‏ ‏ فقال: فكرت وأنا في الطريق فإذا الله تعالى يقول: (ولله على الناس حـِجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً)، وكنتُ غير مستطيع، وفكرت فإذا حقك أوجب، فرجعت!‏
    ‏ ثم إنه أراد الغزو، فجهـّزته، فلما غاب عني بعتُ كل ما أملك بالبصرة من عقار وغيره، وخرجت عنها خوفـاً من أن يرجع! ‏

    من كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي
    --------------------------------------------------------------------------------

    الفضـل لمـن سبـق

    جرى بين محمد بن الحنفية وأخيه الحسن بن علي رضي الله عنهما جفوة، فانصرفا متغاضبين، فلما وصل محمد إلى بيته، أخذ ورقة وكتب فيها.‏
    ‏ بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن علي بن أبي طالب، إلى أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب، أما بعد.‏ ‏ فإن لك شرفاً لا أبلغه، وفضلاً لا أدركه، فإذا قرأت رقعتي هذه، فالبس رداءك ونعليك، وسر إليّ فترضـَّني، وإياك أن أكون سابقك إلى الفضل الذي أنت أولى به مني. والسلام.‏
    ‏ فلما قرأ الحسن الرقعة، لبس رداءه ونعليه، ثم جاء إلى أخيه محمد فترضـَّاه

    --------------------------------------------------------------------------------

    التُّـفَّاحـة

    في مدينة جَبْلَة قبرُ الوليّ الصالح الشهيد إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه، وهو الذي نَبَذَ المُلْكَ وانقطع إلى الله تعالى حسبما شُهِرَ ذلك.
    ولم يكن إبراهيم من بيت مُلْك كما يظنه الناس، إنما ورثَ المُلْكَ عن جدّه أبي أمّه.
    وأما أبوه أدهم فكان من الفقراء الصالحين السائحين المتعبّدين الوَرِعين المنقطعين.‏

    ‏ ويُذكَر أن أدهم هذا مرّ ذات يوم ببساتين مدينة بُخارى وتوضّأ من بعض الأنهار التي تتخللها، فإذا بتفاحة يحملها ماء النهر.
    فقال: "هذه لا خَطَرَ لها". فأكلها. ثم ندم ووقع في خاطره من ذلك وسواس.
    فعزم على أن يعترف لصاحب البستان وأن يَسْتَحِلّه.
    فقرع باب البستان فخرجت إليه جارية،
    فقال لها: ‏ ‏ ادعي لي صاحب المنزل.‏
    ‏ فقالت: إنه لامرأة.‏ ‏ فقال: استأذني لي عليها.‏ ‏ ففعلت، فأخبر المرأة بخبر التفاحة، وطلب عفوها،
    فقالت له:‏ ‏ إن هذا البستان نِصفُه لي ونِصفُه للسلطان. (والسلطان يومئذ بمدينة بَلْخ، وهي مسيرة عشرة من بُخارى). ‏ ‏ وأحَلَّتْه المرأة من نصف التفاحة.
    فذهب إلى بلخ، فاعترض السلطان في موكبه وأخبره الخبر واستحلّه، فأمره أن يعودَ إليه في الغد.‏ ‏ وكان للسلطان بنت بارعة الجمال، قد خطبها أبناء الملوك فتمنّعت، وحُبِّبتْ إليها العبادة وحُبّ الصالحين، وهي تحبّ أن تتزوج من ورِع زاهد في الدنيا.
    فلما عاد السلطان إلى منزله أخبر بنتَه بخبر أدهم،
    وقال: ‏ ‏ ما رأيتُ أروعَ من هذا، يأتي من بُخارى إلى بلخ لأجل نصف تفّاحة؟ ‏ ‏ فرغبت في تزوّجه. فلما أتى أدهم من الغد
    قال له السلطان: ‏ ‏ لا أحِلُّك إلا أن تتزوج ببنتي.‏ ‏ فتمنَّع أولاً ثم قبِل الزواج منها. وحملت منه فولدت إبراهيم رضي الله عنه الذي أسند الملكُ إليه بعد وفاة جدّه.

    ‏ من كتاب "رحلة ابن بطوطة".
    التجمـُّل فـي المسألــة

    كان عبد الرحمن الداخل ببعض مجالسه، فمثل بين يديه رجل من جند قـِنسرين يستجديه،
    فقال:‏ ‏ يا ابن الخلائف الراشدين والسادة الأكرمين، إليك فررت، وبك عذت، من زمن ظلوم، ودهر غشوم، قلَّ المال وكثر العيال، وشعث الحال فصيـَّر إلى نداك المآل، وأنت ولي الحمد والمجد، والمرجوُّ للرِّفد،
    فأجابه عبد الرحمن على الفور:‏ ‏ سمعنا مقالتك، وقضينا حاجتك، وأمرنا بعونك، على دهرك،
    على كرهنا لسوء مقالك فلا تعودَنَّ ولا سواك لمثله، من إراقة ماء وجهك، بتصريح المسألة، والإلحاف في الطلبة، وإذا ألمّ بك خطب أو مر بك أمر، فارفعه إلينا في رُقعة لا تعدوك،
    كيما تستر عليك خلتك وتكف شماتة العدو عنك،
    بعد رفعك لها إلى مالكك ومالكنا عز وجل، بإخلاص الدعاء، وصدق النية. ‏

    البيروني على فراش الموت


    قال الفقيه أبو الحسن عليّ بن عيسى:
    ‏ ‏ دخلتُ على أبي الرِّيحان البيروني وهو يجود بنفسه، قد حَشْرَجَ نَفَسُه، وضاق به صدرُه.
    فقال لي وهو في تلك الحال: ‏ ‏ ذكرتَ لي يومًا حِسَاب الجَدَّات من قِبَل الأم، وقد أُنْسِيتُه فأعده عليّ. ‏ ‏ فقلت له إشفاقًا عليه: أفي هذه الحالة؟
    ‏ ‏ قال: يا هذا أُودِّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيرًا من أن أُخَلِّيها وأنا جاهل بها؟
    ‏ ‏ فأعدتُ عليه ذلك وحَفِظَه.
    ‏ ‏ وخرجتُ من عنده فسمعتُ الصراخ عليه وأنا في الطريق.

    ‏ من كتاب "معجم الأدباء" لياقوت.
    --------------------------------------------------------------------------------

    الـرءوس المتهاويــة

    قال عبد الملك بن عمير:‏
    ‏ كنت عند عبد الملك بن مروان بقصر الكوفة حين جيء برأس مـُصعب بن الزبير فوُضع بين يديه. رآني قد ارتعت فقال لي:‏ ‏ مالك؟‏
    ‏ فقلت:‏ ‏ أعيذك بالله يا أمير المؤمنين،
    كنتُ بهذا القصر بهذا الموضع مع عبيد الله بن زياد فرأيتُ رأس الحسين بن علي بن أبي طالب بين يديه،
    ثم كنت في هذا المكان مع المختار بن أبي عبيد الثقفي فرأيت رأس عبيد الله بن زياد بين يديه،

    ثم كنت فيه مع مصعب بن الزبير فرأيت رأس المختار فيه بين يديه،

    ثم هذا رأس مصعب بن الزبير بين يديك!‏

    ‏ فقام عبد الملك من موضعه، وأمر بهدم ذلك المكان الذي كنا فيه.

    ‏ من كتاب "شرح لامية المعجم" للصفدي
    - العلـم والمــال !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    العلـم والمــال
    ذُكر في الخبر، أن أهل البصرة اختلفوا، فقال بعضهم، العلم أفضل من المال، وقال بعضهم، بل المال أفضل من العلم، فأوفدوا رسولاً منهم إلى ابن عباس رضي الله عنهما فسأله،
    فقال ابن عباس:‏ ‏ العلم أفضل من المال،
    فقال الرسول:‏ ‏ إن سألوني عن الحجة، ماذا أقول؟‏
    ‏ قال: قل لهم، إن العلم ميراث الأنبياء،
    والمال ميراث الفراعنة، ولأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، ولأن العلم لا يعطيه الله إلا لمن أحبه، والمال يعطيه الله لمن أحبه ولمن لا يحبه،
    ألا ترى إلى قوله تعالى:‏ ‏ "ولولا أن يكون الناس أمـَّة واحدةً لـَجعلنا لـِمـَن يكفر بالرحمنِ لـِبيوتهم سـُقـُفاً من فـِضةٍ ومعارجَ عليها يظهرون" ولأن العلم لا ينقص بالبذل، والنفقة، والمال ينقص بالبذل والنفقة، ولأن صاحب المال إذا مات، انقطع ذكره، والعالم إذا مات فذكره باق، ولأن صاحب المال ميت، وصاحب العلم لا يموت، ولأن صاحب المال يـُسأل عن كل درهم من أين كسبه؟ وأين أنفقه؟ وصاحب العلم له بكل حديث درجة في الجنة. ‏
    __________________
    - الشــمعة ..

    --------------------------------------------------------------------------------

    الشــمعة

    وفد على الخليفة عمر بن عبد العزيز رسولٌ من بعض الآفاق. فلما دخل دعا عمرُ بشمعة غليظة فأُوقدت. وكان الوقت ليلاً. وجعل عمر يسأله عن حال أهل البلد، وكيف سيرة العامل، وكيف الأسعار، وكيف أبناء المهاجرين والأنصار، وأبناء السبيل والفقراء، فأنبأه الرسول بجميع ما عَلِمَ من أمر تلك المملكة. فلما فَرَغَ عمر من مسألته،
    قال الرسول له: ‏ ‏ يا أمير المؤمنين كيف حالُك في نفسك وبَدَنك، وكيف عيالك؟ ‏ ‏ فنفخ عمر الشمعة فأطفأها،
    وقال: ‏ ‏ يا غلام، عَلَيّ بسراج. ‏ ‏ فأتى بفتيلة لا تكاد تضيء فعجب الرسول لإطفائه الشمعة
    وقال: ‏ ‏ يا أمير المؤمنين، فعلتَ أمرًا حيّرني. ‏ ‏ قال: وما هو؟ ‏
    ‏ قال: إطفاؤك الشمعة عند مسألتي إياك عن حالك؟
    ‏ ‏ قال: الشمعة التي أطفأتُها هي من مال الله ومال المسلمين، وكنت أسألك عن أمرهم وحوائجهم وهي موقدة، فلما صرتَ لشأني وأمر عيالي أطفأتُ نار المسلمين!

    ‏ من كتاب "سيرة عمر بن عبد العزيز" لعبد الله بن عبد الحكم. ‏
    24 - القاضـي التنوخـي ..

    --------------------------------------------------------------------------------

    القاضـي التنوخـي


    كان القاضي أبو القاسم التنوخي ظريفـاً نبيلاً جيـّد النادرة.‏
    اجتاز يومـاً في بعض الدروب فسمع امرأة تقول لأخرى:‏ ‏ كم عـُمر بنتك يا أختي؟‏
    ‏ فقالت:‏ ‏ رُزقتـُها يوم صفعوا القاضي وضربوه بالسياط.‏ ‏ فرفع رأسه إليها
    وقال:‏ ‏ يا امرأة، صار صفعي تاريخـَك، ما وجدتِ تاريخـاً غيره؟!‏ ‏
    وكان يومـاً نائمـاً وقت الظهيرة، فاجتاز إسكافيّ وأزعجه بصياحه في الطريق:‏ ‏
    نـُصلح النـِّعال! نصلح النـِّعال!‏ ‏ فقال التنوخي لغلامه:‏ ‏ اجمع كل نعل في البيت وأعطها لهذا يـُصلحها ويشتغل بها.‏
    ‏ ثم نام. وأصلحها الإسكافيّ واشتغل بها إلى آخر النهار ومضى لشأنه.‏ ‏ فلما كان في اليوم الثاني مرّ بالطريق يصيح ولم يدعه ينام.
    فقال القاضي لغلامه:‏ ‏ أدخله!‏ ‏ فلما أدخله
    قال له:‏ ‏ يا ابن الفاعلة، أمس أصلحتَ كلَّ نعلٍ عندنا، واليوم تصيح على بابنا؟ هل بلغك أننا نتصافع بالنعال ونقطعها؟!
    ‏ ثم قال للخدم: اصفعوه على قفاه.‏ ‏ فصاح الإسكافي قائلاً:‏ ‏ يا سيدي أتوب ولا أعود أدخل إلى هذا الدرب أبدًا!

    ‏ من كتاب "فوات الوفيات" لابن شاكر الكتبي. ‏
    --------------------------------------------------------------------------------

    الشَّفيـعُ العُريـان

    غَضِبَتْ النَّوارُ زوجُ الفرزدقِ منه، فخرجت إلى عبد اللّه بن الزبير ونزلت على زوجه خـَوْلة بنت منظور، وسألتْها الشفاعة لها، بينما نزل الفرزدقُ على حمزة بن عبد اللّه بن الزبير، فوعده الشفاعة. ‏ ‏ وتكلمت خَوْلة في النَّوار، وتكلّم حمزة في الفرزدق،فأُنْجِحَتْ خَولة.
    وأمر ابنُ الزبير الفرزدقَ ألاّ يقربَ النـَّوار
    فقال الفرزدقُ في ذلك: ‏ ‏ ‏ أمـّا بنــوه فلم تنجح شفاعتـُهــم وشـُفـِّعـَتْ بنتُ منظور بن زَبـَّانا ليس الشـّفيع الذي يأتيك مـُتـّزِرًا ‏ مثلَ الشفيع الذي يأتيك عـُريانا! ‏

    من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني.
    26 - القرآن وكلام الصاحب بن عبّاد

    --------------------------------------------------------------------------------

    القرآن وكلام الصاحب بن عبّاد
    ناظر الوزيرُ الصاحبُ بن عباد يهوديّا بالريّ، هو رأس الجالوت، في إعجاز القرآن. فراجعه اليهوديّ فيه طويلاً حتى احتدَّ الصاحب وكاد ينقدّ.
    فلما رأى اليهودي منه ذلك احتال طلبًا لمداراته،
    فقال: ‏ ‏ أيها الصاحب، لِمَ تتـَّقد وتلتهب؟ كيف يكون القرآن عندي آيةً ودلالةً على النبوَّة، ومعجزةً من جهة نظمه وتأليفه؟ فإن كان البلغاء، فيما تدّعي، عنه عاجزين، فأنا أصْدُقُ عن نفسي وأقول إن رسائلك وكلامك وما تؤلفه من نظم ونثر هو عندي فوق ذلك أو مثل ذلك أو قريب منه. وعلى كل حال فليس يظهر لي أنه دونه!
    ‏ ‏ فلما سمع ابن عباد هذا فَتَر وخَمَد، وسكن عن حركته،
    وقال: ‏ ‏ ولا هكذا أيضًا يا شيخ. كلامُنا حسن بليغ، وقد أخذ من الجزالة حظّا وافرًا، ومن البيان نصيبًا ظاهرًا، ولكن القرآن له المزية التي لا تُجْهَل.
    ‏ ‏ هذا كله يقوله وقد تراجع مزاجُه، وصارت نارُه رمادًا، مع إعجاب شديد قد شاع في أعطافه، وفرح غالب قد دبَّ في أسارير وجهه، لأنه رأى كلامه شُبْهةً على اليهود مع سعة حِيَلهم، وشدّة جدالهم، وطول نظرهم، وثباتهم لخصومهم، فكيف لا يكون شبهة على النصارى وهم ألين من اليهود عريكة، وأكثرهم تسليمًا؟!

    من كتاب "أخلاق الوزيرين" لأبي حيّان التوحيدي.
    27 - العامَّـة والأنعـام :

    --------------------------------------------------------------------------------

    العامَّـة والأنعـام


    كان المأمون قد همَّ بلعن معاوية بن أبي سفيان. فمنعه عن ذلك يحيى ابن أكثم،
    وقال له: ‏ ‏ يا أمير المؤمنين، إن العامة لا تحتمل هذا، دعهم على ما هم عليه، ولا تـُظهر لهم أنك تميل إلى فرقة من الفـِرَق، فإن ذلك أصلحُ في السياسة.
    ‏ ‏ فركن المأمون إلى قوله. ‏ ‏ فلما دخل عليه ثـُمامة بن الأشرس،
    قال له المأمون: ‏ ‏ يا ثـُمامة، قد علمتَ ما كنا دبـَّرناه في معاوية، وقد عارضـَنا رأيٌ أصلح في تدبير المملكة، وأبقـَى ذكرًا في العامة. ‏ ‏ ثم أخبره أن يحيى خوّفه إياها.
    ‏ ‏ فقال ثمامة: ‏ ‏ يا أمير المؤمنين، والعامة عندك في هذا الموضع الذي وضعها فيه يحيى؟‍! واللّه ما رضي اللّه أن سوّاها بالأنعام حتى جعلها أضلّ سبيلاً،
    فقال تبارك وتعالى: (أم تَحسَبُ أَنَّ أكثَرهم يسمعون أو يعقلون. إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلاً). واللّه لقد مررتُ منذ أيام في شارع الخُلد، فإذا إنسانٌ قد بسط كِساءه وألقى عليه أدوية
    وهو قائم ينادي: ‏ ‏ هذا الدواء للبياض في العين والغشاوة وضعف البصر. ‏ ‏ وإن إحدى عينيه لمـَطموسة والأخرى مـُؤْلـَمَة.
    والناس قد انثالوا عليه، واحتفلوا إليه يستوصفونه. فنزلت عن دابتي، ودخلتُ بين تلك الجماعة
    فقلت: ‏ ‏ يا هذا، أرى عينيك أحوجَ الأعين إلى العلاج، وأنت تصف هذا الدواء وتخبر أنه شفاء، فما بالك لا تستعمله ؟‍‍‍‍‍!
    ‏ ‏ فقال: ‏ ‏ أنا في هذا الموضع منذ عشرين سنة ما رأيتُ شيخًا قط أجهل منك ولا أحمق!
    ‏ ‏ قلت: وكيف ذلك؟
    ‏ ‏ قال: يا جاهل، أتدري أين اشتكت عيني؟
    ‏ ‏ قلت: لا.
    ‏ ‏ قال: بمصر! ‏ ‏ فأقبلت عليّ الجماعة فقالت: ‏ ‏ صدق الرجل. أنت جاهل! ‏ ‏ وهمـّوا بي.
    فقلت: ‏ ‏ واللّه ما علمتُ أن عينه اشتكت بمصر. ‏ ‏ فما تخلـَّصتُ منهم إلا بهذه الحجّة!

    ‏ من كتاب "المحاسن والمساوئ" لإبراهيم بن محمد البيهقي. ‏
    --------------------------------------------------------------------------------

    الشـاعر المُغَنـِّي

    كان حُنَين شاعراً مـُغـَنـِّيـاً فحلاً من فحول المغنِّين. وكان نصرانيـّا يسكن الحِيرة، ولم يكن بالعراق غيره، فاستولى عليه في عصره وقَدِم ابنُ مُحْرِز المـُغنـِّي إلى الكوفة، فبلغ خبرُه حُنَيْنـاً، فخشيَ أن يعرفه الناسُ فَيَسْتَحْلُوه ويستولـيَ على البلد فيسقُطَ هو. فتلطّف له حتى دعاه، فغنّاه ابنُ مُحرز لحنـاً، فسمع ما هاله وحيّره.
    فقال له حنين:‏ ‏ كم مَنَّتْك نفسُك من العراق؟‏
    ‏ قال:ألفَ دينار.‏ ‏ فقال: فهذه خمسمائة دينار عاجلة، فخُذها وانصرف، واحلف لي أنك لا تعود إلى العراق.‏ ‏ وكان ابنُ مُحْرِز صغير الهمـّة، لا يحبّ عِشرة الملوك، ولا يُؤْثر على الخَلْوة شيئـاً.‏ ‏ فأخذها وانصرف.‏ ‏ ثم قدم الحِيرة ابن سُرَيج المـُغنـِّي ومعه ثلاثمائة دينار. فأتى بها منزل حُنين،
    وقال:‏ ‏ أنا رجل من أهل الحجاز، بلغني طِيبُ الحيرة وجَودة خمرها، وحُسن غنائك، فخرجت بهذه الدنانير لأنفقها معك وعندك، ونتعاشر حتى تنفد وأنصرف.‏ ‏ فسأله حنين عن اسمه ونَسَبه، فَغَيـَّرهما، وانتمى إلى بني مخزوم. فأخذ حنين المال منه
    وقال:‏ ‏ مُوَفَّر مالُك عليك، ولك عندنا كلُّ ما يحتاج إليه مثلُك ما نَشِطْتَ للمُقام عندنا، فإذا دَعَتْكَ نفسُك إلى بلدك جَهَّزناك إليه، ورددنا عليك مالك.‏ ‏ وأسكنه داراً كان ينفرد فيها، فمكث عنده شهرين لا يعلم حنين ولا أحد من أهله أنه يُغَنّي، حتى انصرف حنين من دار الوالي في يوم صائف مع قيام الظَّهيرة، فصار إلى باب الدار التي كان أَنزل ابنَ سُريج فيها، فوجده مغلقـاً. فارتاب بذلك، ودقَّ الباب فلم يُفتح له ولم يُجبه أحد.‏ ‏ فصار إلى منازل الحُرَم فلم يجد فيها ابنته ولا جواريها، ورأى ما بين الدار التي فيها الحُرَم ودار ابن سُرَيج مفتوحـاً. فانتضى سيفه ودخل الدار ليقتل ابنته، فلما دخلها رأى ابنته وجواريها وقوفـاً على باب السرداب وهنَّ يُومِئْنَ إليه بالسكوت وتخفيف الوطء. فلم يلتفت إلى إشارتهن لِمَا تداخله، إلى أن سمع تَرَنُّمَ ابن سريج. فألقى السيف من يده، وصاح به - وقد عرفه من غير أن يكون رآه، ولكن بالنَّعْت والحِذْق:‏ ‏ أبا يحيى، جـُعلتُ فداءك، أتيتنا بثلاثمائة دينار لتنفقها عندنا في حـِيرتنا! فوحقِّ المسيح لا خرجتَ منها إلا ومعك ثلاثمائة دينار وثلاثمائة دينار وثلاثمائة دينار، سوى ما جئت به معك!‏ ‏ ثم دخل عليه فعانقه ورحّب به، ثم صار معه إلى الوالي فوصَلَه بعشرين ألف درهم.‏ ‏ وكان المغنون في ذلك العصر أربعة نفر: ثلاثة بالحجاز هم ابن سريج والغَرِيض ومَعْبَد، وحُنين وحده بالعراق.
    فاجتمع الثلاثة بالحجاز فتذاكروا أمر حنين،
    فقالوا: ما في الدنيا أهلُ صناعة شرّ منا؛ لنا أخ بالعراق ونحن بالحجاز، لا نزوره ولا نستزيره؟‏ ‏ فكتبوا إليه، ووجّهوا إليه نفقة.‏ ‏ وكتبوا يقولون:‏ ‏ نحن ثلاثة وأنت وحدَك، فأنت أولى بزيارتنا.‏ ‏ فَشَخَص إليهم . فلما كان على مرحلة من المدينة بَلَغَهم خبرُه، فخرجوا يتلقَّونه، ودخلوا المدينة، فلما صاروا في بعض الطريق
    قال لهم معبد:‏ ‏ صِيروا إليَّ.
    فقال له ابن سريج: إن كان لك من الشرف مثلُ ما لمولاتي صِرنا إليك،
    فقال الغريض: إن كان لكما من الشرف والمروءة مثلُ ما لمولاتي سُكَينة بنت الحسين عَطَفْنا إليك. فقال: ما لي من ذلك شيء.‏ ‏
    وعَدَلوا إلى منزل سكينة. فلما دخلوا إليها أَذِنَت للناس إِذْنـاً عامـاً، فَغَصَّت الدارُ بهم يسمعوه، وصعِدوا فوق السطح وازدحموا عليه،
    فسقط الرِّواق على مَن تحته فمات حنينٌ تحت الهدم.

    ‏ من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني. ‏
    - القـاضي والسلطـان (1)

    --------------------------------------------------------------------------------

    القـاضي والسلطـان (1)


    كان بمصر مغنيّة تُدعَى عجيبة، قد أولع بها الملك الكامل محمد، فكانت تحضر إليه ليلاً وتغنّيه على الدّفّ في مجلس بحضرة ابن شيخ الشيوخ وغيره. ‏
    ‏ ثم اتّفقت قضية عند القاضي ابن عين الدولة، وأراد الملك الكامل أن يشهد فيها فقال له ابن عين الدولة: ‏ ‏ السلطان يأمر ولا يشهد.
    ‏ ‏ فأعاد الكامل عليه القول فأبى. فلما زاد الأمر وفهم السلطان أنه لا يقبل شهادته
    قال: ‏ ‏ أريد أن أشهد. تقبلني أم لا؟ ‏
    ‏ فقال القاضي: ‏ ‏ لا، ما أقبلك! وعجيبة تطلع إليك بآلات الطرب كل ليلة، وتنزل ثاني يوم وهي تتمايل سَكْرى على أيدي الجواري، وينزل ابن الشيخ من عندك!؟
    ‏ ‏ فقال له الملك الكامل: يا كيواج! (وهي كلمة شتم بالفارسية). ‏
    ‏ فقال القاضي: ما في الشرع يا كيواج! اشهدوا عليّ أني قد عزلت نفسي.
    ونهض فقام ابن الشيخ إلى الملك الكامل
    فقال: ‏ ‏ المصلحة إعادته لئلا يقال: لأي شيء عزل القاضي نفسه؟
    وتطير الأخبار إلى بغداد، ويشيع أمر عجيبة. ‏ ‏ فنهض إلى القاضي، وترضّاه، وعاد إلى القضاء.

    ‏ من كتاب "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" للسيوطي. ‏

    30 - القـاضي والسلطـان (2)

    --------------------------------------------------------------------------------

    القـاضي والسلطـان (2)

    وَلِيَ قضاءَ مصر بعد ابن عين الدولة الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام. وكان قد قدم من دمشق بسبب أن سلطانها الصالح إسماعيل استعان بالفرنج وأعطاهم مدينة صَيْدا وقلعة الشقيف، فأنكر الشيخ عز الدين ذلك، وترك الدعاء له في الخطبة، فغضب السلطان منه، فخرج إلى الديار المصرية.
    فأرسل السلطان وراءه وهو في الطريق قاصدًا يتلطّف به في العودة إلى دمشق. فاجتمع الرسول به ولاينه
    وقال له: ‏ ‏ ما نريد منك شيئا إلا أن تقبّل يد السلطان لا غير. ‏
    ‏ فقال الشيخ له: ‏ ‏ يا مسكين، أنا ما أرضاه يقبّل يدي فضلا عن أن أقبِّل يده! يا قوم، أنتم في وادٍ وأنا في وادٍ! والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم!
    ‏ ‏ فلما وصل إلى مصر، تلقاه سلطانها الصالح أيوب وأكرمه، وولاّه قضاء مصر فلما تولاه تصدى لبيع أمراء الدولة من الأتراك،
    وذكر أنه لم يثبت عنده أنهم أحرار وأن حكم الرّقّ مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين.
    فبلغهم ذلك فعظم الخطب عندهم، والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعًا ولا شراء ولا نكاحًا.
    وتعطلت مصالحهم لذلك، وكان من جملتهم نائب السلطنة، فاستثار غضبا. فاجتمعوا وأرسلوا إليه، فقال: ‏ ‏ نعقد لكم مجلسا لبيعكم، وننادي عليكم لبيت مال المسلمين. ‏
    ‏ فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث إليه فلم يرجع عن رأيه، وأرسل إليه نائب السلطنة بالملاطفة، فلم يفد ذلك. فانزعج النائب
    وقال: ‏ ‏ كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟! والله لأضربنّه بسيفي هذا! ‏ ‏ وركب بنفسه في جماعته، وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده.
    فطرق الباب. فخرج ولد الشيخ فرأى من نائب السلطنة ما رأى فعاد إلى أبيه وشرح له الحال، فما اكترث لذلك
    وقال: ‏ ‏ يا ولدي أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله! ‏ ‏ ثم خرج. فحين وقع بصره على النائب سقط السيف من يد النائب وأرعدت مفاصله.
    ثم إذا به يبكي ويسأل الشيخ أن يدعو له،
    وقال: ‏ ‏ يا سيدي ايش تعمل؟
    ‏ ‏ فقال القاضي: أنادي عليكم فأبيعكم.
    ‏ ‏ قال النائب: ففيم تصرف ثمننا؟
    ‏ ‏ قال: في مصالح المسلمين.
    ‏ ‏ وتمّ له ما أراد، ونادى على الأمراء واحدًا واحدًا وباعهم بالثمن الوافي، وصرفه في وجوه الخير! ‏

    من كتاب "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" للسيوطي. ‏
    - أهنـا عيــش !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    أهنـا عيــش

    حج عبد الله بن عباس بالناس، ونزل ذات يوم منزلاً، وطلب من غلمانه طعاماً فلم يجدوا شيئاً،
    فقال لهم:‏ ‏ اذهبوا إلى هذه البرية، لعلكم تجدون راعياً أو خيمة فيها لبن أو خبز، فمضوا حتى وقفوا على عجوز في فناء خبائها، فسلموا عليها،
    وقالوا لها:‏ ‏ أعندك طعام نبتاعه؟
    قالت: أما للبيع فلا، ولكن عندي ما يكفيني أنا وأبنائي،
    فقالوا:‏ ‏ وأين بنوك؟
    قالت:‏ ‏ في مرعى لهم، وهذا أوان أوبـَتهم،
    قالوا:‏ ‏ وما أعددت لهم؟
    قالت:‏ ‏ خبزة تحت المـَلـَّة،
    قالوا:‏ ‏ أوليس عندك شيء آخر؟
    قالت:‏ ‏ لا،
    قالوا:‏ ‏ فجودي لنا بشطرها،
    قالت:‏ ‏ أما الشطر فلا أجود به، وأما الكل، فخذوه،
    فقالوا:‏ ‏ تمنعين النصف، وتجودين بالكل،
    قالت:‏ ‏ نعم، لأن إعطاء الشطر نقيصة، وإعطاء الكل فضيلة، فأنا أمنع ما يضعني، وأمنح ما يرفعني ثم أعطتهم الخبز، ولم تسألهم من هم؛ ولا من أين جاءوا؟
    فرجعوا إلى ابن عباس وأخبروه بخبر هذه المرأة، فعجب منها
    وقال:‏ ‏ احملوها إليَّ الساعة، فبادروا إليها،
    وقالوا لها:‏ ‏ إن صاحبنا يريد أن يراك،
    فقالت:‏ ‏ ومن صاحبكم؟
    قالوا:‏ ‏ عبد الله بن عباس،
    قالت:‏ ‏ وأبيكم هذا هو الشرف الأعلى، وماذا يريد مني،
    قالوا:‏ ‏ إكرامـَك ومكافأتك،
    فقالت:‏ ‏ والله لو كان ما فعلته معروفاً، ما كنت لآخذ عنه بديلاً، فكيف وهو شيء يجب أن يشارك فيه الناس بعضهم بعضاً، وألحـُّوا عليها حتى ذهبوا بها، فلما وصلت إلى عبد الله سلمت عليه، فرد عليها السلام، وقرب مجلسها،
    وقال لها:‏ ‏ ممن أنت يا خالة؟
    قالت:‏ ‏ من قبيلة بني كلب،
    قال:‏ ‏ وكيف حالك؟
    قالت:‏ ‏ آكل الخبز المليل وأكتفي منه بالقليل، وأشرب الماء من عين صافية وأبيت ونفسي من الهموم خالية، فازداد منها استغراباً،
    وقال: لو جاء بنوك الآن وهم جياع، ما كنت تصنعين لهم؟
    ‏ ‏ قالت: يا هذا لقد عظمت عندك خبزتي حتى أكثرت فيها الكلام، أشغل فكرك عن هذا فإنه يفسد المروءة ويورث الخسة،
    فقال لغلمانه: أحضروا أولادها، فأحضروهم فقربهم إليه
    وقال:‏ ‏ إني لم أطلبكم لمكروه، وإنما أحب مساعدتكم بمال،
    فقالوا:‏ ‏ نحن في كفاف من الرزق، فوجـِّه مالك نحو من يستحقه،
    فقال:‏ ‏ لا بد أن يكون لي عندكم شيء تذكروني به، وأمر لهم بعشرة آلاف درهم، وعشرين ناقة مع فحلها. ‏
    14 - العصفـور والسنبلــة ...

    --------------------------------------------------------------------------------

    العصفور والسنبلــة
    ‎ أهل الصين من أحذق خلق الله كفـّا بنقش وصنعة، وكل عمل لا يتقدّمهم فيه أحد من سائر الأمم.‏ ‏ والرجل منهم يصنع بيده ما يقدّر أن غيره يعجز عنه، فيقصد به باب الملك يلتمس الجزاء على لطيف ما ابتدع، فيأمر الملك بنصبه على بابه من وقته ذلك إلى سنة، فإن لم يـُخرج أحد فيه عيباً أجاز صانعه وأدخله في جملة صـُنـّاعه، وإن أخرج أحد فيه عيباً طرحه ولم يـُجزْه.‏
    ‏ وقد حدث أن رجلاً منهم صوّر سنبلة سقط عليها عصفور في ثوب حرير، لا يشك الناظر إليها أنها سـُنبلة سقط عليها عصفور فبقي الثوب مدّة ثم اجتاز به رجل أحدب فعاب العمل، فأُدخل على الملك وأُحضر صاحب العمل، فسأل الأحدب عن العيب.
    ‏ ‏ فقال:‏ ‏ المتعارف عند الناس جميعاً أنه لا يقع عصفور على سنبلة إلاَّ أمالها.
    وقد صوّر هذا المصوّر السنبلة فنصبها قائمة لا ميل فيها، وأثبت العصفور فوقها منتصباً فأخطأ.
    ‏ ‏ فلم يـُثب الملك صاحب الصورة بشيء.
    وقصدُهم بهذا وشبهه أن يضطر من يعمل هذه الأشياء إلى شدة الاحتراز والحذر وإعمال الفكر فيما يصنعه.

    ‏ من كتاب "مروج الذهب" للمسعودي. ‏
    __________________
    15 - الخـائن !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    الخـائن

    وَفَدَ الحجاج بن يوسف الثّقفي على عبد الملك بن مروان، ومعه إبراهيم بن طلحة.
    وكان الحجاج لما وَلِي الحرمين بعد قتل عبد الله بن الزبير، استحضر إبراهيم بن طلحة فقرّ به وأعظم منزلتَه رغم صلته بابن الزبير، فلم تزل تلك حالة عنده حتى خرج به إلى الخليفة عبد الملك بن مروان، فخرج معه مُعادِلا له، لا يقصّر له في برّ ولا إكرام.
    ‏ ‏ فلما حضرا باب عبد الملك، دخل الحجاج، فما ألقى السلام
    حتى قال: ‏ ‏ قدمتُ عليك يا أمير المؤمنين برجل الحجاز وأسده، لم أر له بالحجاز نظيرا في الفضل والأدب والمروءة وحسن المذهب، مع قرابة الرحم، ووجوب الحق، وما بلوتُ منه من الطاعة والنصيحة، وهو إبراهيم بن طلحة، وقد أحضرتُه ببابك ليَسْهُلَ عليه إذنُك.
    ‏ ‏ قال عبد الملك: ‏ ‏ أَذْكَرْتَنا رحما قريبةً وحقا واجبا. يا غلام! ائذن له.
    ‏ ‏ فلما دخل إبراهيم أدناه الخليفةُ حتى أجلسه على فراشه،
    ثم قال له: ‏ ‏ يا ابن طلحة، إن أبا محمد (الحجاج) أذكرنا ما لم نزل نعرفك به من الفضل والأدب وحسن المؤازرة. فلا تدعنّ حاجة في خاصتك وعامتك إلا ذكرتَها.
    ‏ ‏ فقال ابن طلحة: ‏ ‏ يا أمير المؤمنين، إن أولى الحوائج ما كان لك ولجماعة المسلمين فيه نصيحة. وعندي نصيحة لا أجد بُدّا من ذكرها، ولا أقدر على ذلك إلا ونحن بمفردنا.
    ‏ ‏ فقال عبد الملك: ‏ ‏ دون أبي محمد؟!
    ‏ ‏ قال: دون أبي محمد.
    ‏ ‏ فقال عبد الملك للحجاج: ‏ ‏ قُم يا أبا محمد. ‏ ‏ فلما خرج الحجاج،
    قال الخليفة: ‏ ‏ قل نصيحتك يا ابن طلحة.
    ‏ ‏ فقال: ‏ ‏ يا أمير المؤمنين، عمدت إلى الحجاج في تغطرسه وتعجرفه وبُعْده عن الحق وقُربه من الباطل. فولّيته الحرمين، وهما ما هما، وبهما من بهما من المهاجرين والأنصار، والموالي البررة الأخيار، يطأهم بالعسف، ويسومهم بالظلم والخسف، ويحكم فيهم بغير السُّنّة، بعد الذي كان من سفك دمائهم، وما انتهك من حُرمهم. فاعزِله يا أمير المؤمنين حتى لا تكون بينك وبين نبيك يوم القيامة خصومة. ‏ ‏ فبُهِت عبدُ الملك لكلامه،
    ثم قال: ‏ ‏ كذبت! وقد ظنّ الحجاجُ بك الخير وأطنب في مدحك والثناء عليك وقد يُظَنُّ الخير بغير أهله.
    قم عني فإنك أنت الكاذب المائن الخائن! ‏ ‏ فقام ابن طلحة لا يعرف لنفسه طريقا.
    فما خرج من الباب حتى لحقه رجلٌ صاح بالحرس: ‏ ‏ احبسوا هذا!
    ‏ ‏ وقيل للحجاج: أمير المؤمنين يطلبك. ‏ ‏ ومكث ابن طلحة مليّا من النهار لا يشك أن الخليفة والحجاج في أمره.
    ثم خرج الآذن فقال له: ‏ ‏ ادخل يا ابن طلحة. ‏ ‏ فلما أراد الدخول على عبد الملك، إذا بالحجاج يلقاه عند الباب وهو خارج من عنده. فما رآه الحجاج حتى عانقه وقبّل ما بين عينيه،
    وقال له: ‏ ‏ قد جزى الله المتواخين بفضل تواصلهم، فجزاك الله عني أفضل الجزاء، ولن أنسى لك هذا الجميل ما حييت.
    ‏ ‏ ثم مضى وطلحة يقول في نفسه: ‏ ‏ يهزأ بي وربّ الكعبة.
    ‏ فلما دخل على عبد الملك، بدأه الخليفة بقوله: ‏ ‏ قد عزلتُ الحجاج عن الحرمين وولّيتُه العراق وفارس معا.
    ولم أشأ أن أفْسِدَ مودّتَه لك وأخيب ظنَّه فيك، فأخبرته أنك أنت الذي دعوتني إلى توليته عليهما لفضله وحزمه وحكمته. فاخرج معه إن شئت وأخلِصْ له الودّ والنصيحة فإنك غيرُ ذامٍّ لصحبته.

    ‏ من كتاب "بدائع السلك في طبائع الملك" لابن الأزرق. ‏
    16 - الحـُبّ والطعــام !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    الحـُبّ والطعــام

    كان أبو الحارث حسين يـُظهرِ لجارية من المحبة أمرًا عظيمـًا. فدعتـْه وأخـّرت الطعام إلى أن ضاق،
    فقال:‏ ‏ يا سيـّدتي، مالي لا أسمع للغداء ذِكـْرًا؟‏
    ‏ فقالت:‏ ‏ يا سبحان الله! أما يكفيك النظر إليّ وما ترغبه فيّ من أن تقول هذا!‏
    ‏ فقال:‏ ‏ يا سيدتي، لو جلس جميل وبثينة من بكرة إلى هذا الوقت لا يأكلان طعامـًا لبصق كلُّ واحد منهما في وجه صاحبه!


    ‏ من كتاب "جمع الجواهر في المُلـَح والنوادر" للحُصْري.
    - العتابـي والبقـر ..

    --------------------------------------------------------------------------------

    العتابـي والبقـر
    ‏ قال عمر الورّاق:‏ ‏ رأيتُ كلثوم بن عمرو العتّابي الشاعر يأكل خبزاً على الطريق بباب الشام.
    فقلت له:‏ ‏ ويحك! أما تستحي من الناس؟
    ‏ ‏ فقال:‏ ‏ أرأيت لو كنا في مكان فيه بقر، أكنت تحتشم أن تأكل والبقر يراك؟‏
    ‏ فقلت: لا.‏ ‏ فقال:‏ ‏ فاصبر حتى أريكَ أن هؤلاء الناس بقر.
    ‏ ‏ ثم قام فوعظ وقصّ ودعا حتى كثر الزحام عليه،
    فقال لهم:‏ ‏ رُوي لنا من غير وجه أنه من بَلَغَ لسانُه أرنبةَ أنفه لم يدخل النار!‏ ‏ فما بقى أحد منهم إلا أخرج لسانه نحو أرنبة أنفه ليرى هل يبلغها أولاً.
    فلما تفرقوا قال لي العتابي:‏ ‏ ألم أخبرك أنهم بقر؟‏

    من كتاب "فوات الوفيات" لابن شاكر الكتبي. ‏
    18 - الصـدق ينجيــك !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    الصـدق ينجيــك
    يحكى أن أبا يزيد البسطامي الصوفي، أراد الذهاب إلى بغداد لطلب العلم، فأعطته أمه أربعين ديناراً هي ميراثه من أبيه، وقالت له ضع يدك في يدي، وعاهدني على التزام الصدق فلا تكذب أبداً، فعاهدها على ذلك، وخرج مع قافلة يريد بغداد، وفي أثناء الطريق، خرج اللصوص ونهبوا كل ما في القافلة، ورأوا البسطامي رث الثياب،
    فقالوا:‏ ‏ هل معك شيء؟
    فقال:‏ ‏ معي أربعون ديناراً، فسخروا منه وحسبوا أنه أبله وتركوه، ورجعوا إلى كهف كان به كبير اللصوص، ينتظر ما يأتون به، فلما رآهم
    قال:‏ ‏ هل أخذتم كل ما في القافلة،
    قالوا:‏ ‏ نعم، إلا رجلاً سألناه عما معه، فقال:‏ ‏ معي أربعون ديناراً، فتركناه احتقاراً لشأنه، ونظن أن به خبلاً في عقله،
    فقال:‏ ‏ عليّ به، فلما حضر بين يديه،
    قال:‏ ‏ هل معك شيء،
    فقال:‏ ‏ نعم معي أربعون ديناراً،
    قال:‏ ‏ أين هي؟ فأخرجها وسلمها له،
    فقال كبير اللصوص:‏ ‏ أمجنون أنت يا رجل؟ كيف ترشد عن نقودك وتسلمها باختيارك؟
    فقال له:‏ ‏ لما أردت الخروج من بلدي، عاهدت أمي على الصدق، فأنا لا أنقض عهد أمي، فقال كبير اللصوص:‏ ‏ لا حول ولا قوة إلا بالله، أنت تخاف أن تخون عهد أمك، ونحن لا نخاف أن نخون عهد الله، ثم أمر برد جميع ما أخذ من القافلة،
    وقال:‏ ‏ أنا تائب على يديك يا رجل، فقال من معه:‏ ‏ أنت كبيرنا في قطع الطريق، واليوم أنت كبيرنا في التوبة، تبنا جميعاً إلى الله، وتابوا توبتهم. ‏
    - الشـَّحـّاذ !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    الشـَّحـّاذ
    جلس أحمد بن طولون يومـاً في بعض بساتينه، وأحضر الطعام ومن يؤاكله من خاصته.
    فرأى من بعيد سائلاً في ثوب خـَلـَق، وحال سيئة، وهو جالس يتأمل البستان ومن فيه.
    فأخذ ابن طولون رغيفـاً، فجعل عليه دجاجة وشواء لحم وقطع فالوذج كبيرة، وغطـّاه برغيف آخر، ودفعه إلى بعض غلمانه
    وقال له:‏ ‏ امض إلى هذا السائل فسلـّمه إياه.‏ ‏ وأقبل يراقب الغلامَ في تسليمه الرغيف وما يكون من الرجل.
    فلم يزل يتأمل السائل ساعة، ثم أمر بإحضاره. فلما مـَثـَل بين يديه كلـّمه فأحسن الجواب ولم يضطرب من هيبته.
    فقال له ابن طولون:‏ ‏ هات الرسائل التي معك.‏
    ‏ فاعترف له الرجل بأنه جاسوس، وأن الكتب معه ما أوصلها ليدبـّر أمره في إيصالها، فوكل به حتى مضى وأُحضرت الكتب.‏
    ‏ فقال أحدُ الخاصة لابن طولون:‏ ‏ أيها الأمير، إن لم يكن هذا وَحـْيـاً فهو سحر.
    ‏ ‏ فقال:‏ ‏ لا والله يا هذا، ما هو وحي ولا سحر، ولكنه قياس صحيح. رأيتُ هذا الرجل على ما هو عليه من سوء الحال فأشفقتُ عليه، وعلمتُ أن مثله لا يصل إلى مثل ما بين أيدينا من الطعام.
    فأردتُ أن أسـُرّه بما أرسلتـُه إليه، فما هشّ له ولا مدّ يدا إليه.
    فنفر قلبي منه وقلت:‏ ‏ "هذا عينه ملأى وفي غنى عن هذا. هو جاسوس لا شك فيه". فأحضرته أحادثه، فازداد إنكاري لأمره لقوّة قلبه واجتماع لبـّه، وأنه ليس عليه من شواهد الفقر ما يدل على فقره.

    ‏ من كتاب "سيرة أحمد بن طولون" للبـَلـَوي
    - الغـَمـْــزَة !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    الغـَمـْــزَة
    قرأت في كتاب للهند أنه أُهدي لملك الهند ثياب وحـُلـِيٌّ. فدعا بامرأتين له، وخيـّر أحظاهما عنده بين اللباس والحـِلـْية.
    وكان وزيره حاضراً. فنظرت المرأة إلى الوزير كالمستشيرة له، فغمزها بعينه أن تختار اللباس. ولحظه الملك، فاختارت المرأة الحلية لئلا يفطن للغمزة.‏
    ‏ ومكث الوزير أربعين سنة بعد ذلك يغمز بعينه في حضرة الملك حتى يظن أنها آفة أصابته، أو عادة صارت له.
    فلما حضرت الملك الوفاة،
    قال لولده:‏ ‏ توصّ بالوزير خيراً، فإنه ظل يعتذر من شيء يسير أربعين سنة!

    ‏ من كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبـة
    21 - الشَّعْبـِيّ وملك الروم ........

    --------------------------------------------------------------------------------

    الشَّعْبـِيّ وملك الروم
    كان الشعبي، نديم الخليفة عبد الملك بن مروان، كوفيا تابعيا جليل القدر، وافر العلم.‏ ‏ حكى الشعبيّ .....
    قال: ‏ ‏ أنفذني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم. فلما وصلتُ إليه جعل لا يسألني عن شيء إلا أجبته. وكانت الرسل لا تُطيل الإقامة عنده، غير أنه استبقاني أياماً كثيرة، حتى استحثثتُ خروجي. فلما أردت الانصراف
    قال لي:‏ ‏ من أهل بيت الخليفة أنت؟‏
    ‏ قلت: لا، ولكني رجل من عامة العرب.‏ ‏ فهمس لأصحابه بشيء، فدُفعتْ إليّ رقعة،
    وقال لي:‏ ‏ إذا أدّيتَ الرسائل إلى الخليفة فأوصلْ إليه هذه الرقعة.‏ ‏ فأديت الرسائل عند وصولي إلى عبد الملك، ونسيت الرقعة. فلما خرجت من قصره تذكّرتها، فرجعتُ فأوصلتُها إليه.
    فلما قرأها قال لي:‏ ‏ أقال لك شيئاً قبل أن يدفعها إليك؟‏
    ‏ قلت: نعم، قال لي: من أهل بيت الخليفة أنت؟ قلت لا، ولكني رجل من عامة العرب.‏ ‏ ثم خرجت من عند عبد الملك، فلما بلغتُ الباب ردّني،
    فلما مثلت بين يديه قال لي: أتدري ما في الرقعة؟‏
    ‏ قلت: لا.‏ ‏ قال: اقرأها.‏ ‏ فقرأتها،
    فإذا فيها:‏ ‏ "عجبتُ من قوم فيهم مثل هذا كيف ملّكوا غيرَه!"‏
    ‏ فقلت له:‏ ‏ والله لو علمتُ ما فيها ما حَمَلتُها، وإنما قال هذا لأنه لم يَرَك.‏
    ‏ قال عبد الملك: ‏ ‏ أفتدري لم كتبها؟‏ ‏ قلت: لا.‏
    ‏ قال: حسدني عليك، وأراد أن يُغريني بقتلك.‏
    ‏ فلما بلغت القصة مسامع ملك الروم قال:‏ ‏ ما أردت إلا ما قال!

    ‏ من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان. ‏
    4 - مـا معنـا أحـد .......

    --------------------------------------------------------------------------------

    مـا معنـا أحـد

    كان الخليفة الوليد بن يزيد يلعب الشطرنج مع عبد الله بن معاوية. فاستأذن عليه رجلٌ من ثقيف. ‏ ‏ فخشي الخليفة أن يستنقصه الضيفُ إذ يراه يلعب، فستر رقعة الشطرنج برداء، ثم أذن له بالدخول.‏ ‏ فلما استقر بالضيف المجلس سأله الخليفة عن حاله،
    وقال له:‏ ‏ أقرأت القرآن؟‏ ‏ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، قد شغلتني عنه أمور.
    ‏ قال الوليد: أفتعرف الفقه؟‏ ‏ قال: لا والله.‏
    قال: أتروي من الشعر شيئاً؟‏ ‏ قال: ولا هذا.‏
    ‏ فكشف الوليد عن الشطرنج وقال لعبد الله بن معاوية:‏ ‏ دَوْرُك!‏ ‏ فتردد عبد الله ونظر إلى الخليفة كالمتسائل،
    فقال الوليد:‏ ‏ لا بأس علينا، فما معنا أحد!

    ‏ من كتاب "ربيع الأبرار ونصوص الأخبار" للزمخشري. ‏
    __________________
    5 - أيسر محفوظاته كتاب الأغاني ..

    --------------------------------------------------------------------------------

    أيسر محفوظاته كتاب الأغاني

    حدّث الوزير الأندلسي أبو بكر محمد ابن الوزير أبي مروان عبد الملك ابن زهر،
    قال:‏ ‏ بينما أنا قاعد في دهليز دارنا وعندي رجل ناسخ أمرته أن يكتب لي "كتاب الأغاني" لأبي الفرج الإصفهاني، إذ جاء الناسخ بالكراريس التي كتبها،
    فقلت له:‏ ‏ أين الأصل الذي كتبتَ منه لأُقابل معك به؟‏
    ‏ قال: ما أتيت به معي.‏ ‏ فبينا أنا معه في ذلك إذ دخل الدهليز علينا رجل بذُّ الهيئة، عليه ثياب غليظة أكثرُها صوف، وعلى رأسه عمامة قد لاثها من غير إتقان لها. فحسبته لما رأيته من بعض أهل البادية.‏ ‏ فسلـَّم وقعد،
    وقال لي:‏ ‏ يا بنيّ، استأذن لي على الوزير أبي مروان.‏
    ‏ فقلت له: هو نائم. هذا بعد أن تكلـّفتُ جوابه غاية التكلـّف؛ حملني على ذلك نزوةُ الصبا، وما رأيتُ من خشونة هيئة الرجل.‏ ‏ ثم سكت عني ساعة
    وقال:‏ ‏ ما هذا الكتاب الذي بأيديكما؟‏
    ‏ فقلت له: ما سؤالك عنه؟‏
    ‏ فقال:‏ ‏ أحب أن أعرف اسمه، فإني كنت أعرف أسماء الكتب!‏
    ‏ فقلت: هو كتاب الأغاني.‏
    ‏ فقال: إلى أين بلغ الكاتب منه؟‏
    ‏ قلت: بلغ موضع كذا.‏ ‏ وجعلت أتحدث معه على طريق السخرية به.
    فقال:‏ ‏ وما لكاتبك لا يكتب؟‏
    ‏ قلت:‏ ‏ طلبتُ منه الأصل الذي يكتب منه لأُعارض به هذه الأوراق،
    فقال:‏ ‏ لم أجئ به معي.‏
    ‏ قال: يا بنيّ، خُذ كراريسك وعارض.‏
    ‏ قلت: بماذا؟ وأين الأصل؟‏ ‏ قال: كنت أحفظ هذا الكتاب في مدة صباي.‏ ‏ فتبسـَّمتُ من قوله، فلما رأى تبسـُّمي
    قال:‏ ‏ يا بنيّ، أمسك عليّ.‏ ‏ فأمسكت عليه، وجعل يقرأ، فواللّه إن أخطأ واوًا ولا فاءً، قرأ هكذا نحواً من كراستين، ثم أخذت له في وسط السـِّفر وآخره، فرأيت حفظه في ذلك كله سواء.‏ ‏ فاشتدَّ عجبي، وقمت مسرعاً حتى دخلت على أبي فأخبرته بالخبر، ووصفت له الرجل، فقام كما هو من فـَوْره، وكان ملتفـّا برداء ليس عليه قميص، وخرج حاسر الرأس، حافي القدمين، لا يرفـُقُ على نفسه، وأنا بين يديه، وهو يـُوسعني لومـاً، حتى ترامى على الرجل وعانقه، وجعل يقبـّل رأسه ويديه
    ويقول:‏ ‏ يا مولاي اعذرني، فواللّه ما أعلمني هذا الجـِلـْفُ إلا الساعة.‏ ‏ وجعل يسبـّني، والرجل يُخَفِّض عليه
    ويقول: ما عرفني. وأبي يقول: هـَبْه ما عرفك، فما عـُذره في حسن الأدب؟‏ ‏ ثم أدخله الدار وأكرم مجلسه، وخلا به فتحدّثا طويلاً. ثم خرج الرجل وأبي بين يديه حافياً حتى بلغ الباب. وأمر بدابته التي يركبها فأُسـْرِجتْ، وحلف عليه لَيَرْكـَبَنَّها ثم لا ترجع إليه أبداً.‏ ‏ فلما انفصل
    قلت لأبي:‏ ‏ من هذا الرجل الذي عظَّمته هذا التعظيم؟‏
    ‏ قال لي:‏ ‏ اسكت ويحك! هذا أديب الأندلس وإمامها وسيّدها في علم الآداب. هذا ابن عبدون، أيسرُ محفوظاته كتاب الأغاني! ‏

    من كتاب "المعجب في تلخيص أخبار المغرب" لعبد الواحد المراكشي. ‏

    6 - ما ضـَرَّنا شـيء !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    ما ضـَرَّنا شـيء

    أكنت في خدمة السلطان صلاح الدين بمرج عيون قبل خروج الإفرنج إلى عكا. وكان من عادته أن يركب في وقت الركوب، ثم ينزل، فيمدّ الطعام، ويأكل مع الناس، ثم ينهض إلى خيمة خاصة له ينام فيها، ثم يستيقظ من منامه ويصلي، ويجلس خلوة وأنا معه نقرأ شيئاً من الحديث أو شيئاً من الفقه.‏ ‏ فنزل يوماً على عادته، ومُدّ الطعام بين يديه، ثم عزم على النهوض لينام.
    فقيل له: "إن وقت الصلاة قد قرب"، فعاد إلى الجلوس
    وقال: "نصلي وننام". ثم جلس يتحدّث حديث متضجّر وقد أُخلي المكان إلا ممن لزم. فتقدم إليه مملوك وعرض عليه قضية لبعض الجند،
    فقال له صلاح الدين:‏ ‏ أنا الآن ضجران. أخّرها ساعة.‏ ‏ فلم يفعل، وقدّم الورقة إلى قريب من وجه السلطان بيده، وفتحها بحيث يقرأها. فوقعت عينه على الاسم المكتوب في رأسها فعرفه،
    فقال:‏ ‏ رجلٌ يستحق.‏
    ‏ فقال المملوك: يُوَقّعُ المولى له؟‏
    ‏ فقال: ليست الدواة حاضرة الآن. أخِّرها ساعة.‏
    ‏ قال المملوك: هذه الدواة في صدر الخيمة.‏ ‏ وليس لهذا معنى إلا أنه يأمر السلطان بإحضار الدواة. فالتفت صلاح الدين فرأى الدواة،
    فقال: "صدقت."، وقام فأحضر الدواة ووقّع على الورقة.‏
    ‏ قلت له: قال الله تعالى في نبيه صلى الله عليه وسلم: (وإنك لعلى خلق عظيم). وما أرى المولى إلا قد شاركه في هذا الخلق.‏
    ‏ فقال:‏ ‏ ما ضرّنا شيء. قضينا حاجته وحصل الثواب. ‏

    من كتاب "النوادر السلطانية والمحاسن اليُوسُفية" لبهاء الدين بن شَدّاد. ‏

    - أكثرُ الناس يقرأها بالفَتْح ..

    --------------------------------------------------------------------------------

    أكثرُ الناس يقرأها بالفَتْح

    قرأ الخليفة المتوكل يومًا، وبحضرته وزيره الفتح بن خاقان: (وما يُشْعِرُكُم أَنَّها إذا جاءت). فقال له الفتح: ‏ ‏ يا سيدي، (إنّها إذا جاءت) بالكسر. ‏ ‏
    ووقعت المشاجرة، فتراهنا على عشرة آلاف دينار، وتحاكما إلى يزيد بن محمد المهلَّبي الشاعر ـ وكان صديقًا للمبرّد ـ فلما وقف يزيد على ذلك خاف أن يَسْقُطَ أحدهما،
    فقال: ‏ ‏ واللّه ما أعرف الفرق بينهما. وما رأيت أعجب من أن يكون باب أمير المؤمنين يخلو من عالم متقدم.
    ‏ ‏ فقال المتوكل: ‏ ‏ فليس ها هنا من يُسأَل عن هذا؟
    ‏ ‏ قال: ‏ ‏ ما أعرف أحدًا يتقدم فتى بالبصرة يُعرف بالمبّرد. ‏
    ‏ فقال: ينبغي أن يُشْخَص. ‏ ‏ فلما أُدْخِل المبّرد على الفتح بن خاقان،
    قال له: ‏ ‏ يا بصريّ، كيف تقرأ هذا الحرف (وما يُشْعِرُكم إنها إذا جاءت لا يؤمنون) بالكسر،
    أو (أنها إذا جاءت) بالفتح؟ ‏
    ‏ قال المبرد: ‏ ‏ (إنها) بالكسر. وذلك أن أول الآية: (وأَقْسَموا باللّه جَهْد أَيمانهم لئن جاءَتهم آية لَيُؤْمِنُنَّ بها، قُل إِنما الآيات عند اللّه وما يُشْعِرُكم)، ثم قال تبارك وتعالى: يا محمد .إنّها إذا جاءت لا يؤمنون) باستئناف جواب الكلام المتقدم)
    ‏ ‏ قال الفتح: صدقت ‏ ‏ ثم ركب إلى دار أمير المؤمنين، وعرّفه بقدوم المبرّد، وطالبه بدفع ما تخاطرا عليه فأمر المتوكل بإحضار المبرد. فلما وقعت عينه عليه

    قال: ‏ ‏ يا بصريّ، كيف تقرأ هذه الآية: (وما يُشْعِرُكم إنها إذا جاءت) بالكسر، أو (أَنَّها إذا جاءت) بالفتح؟
    ‏ ‏ قال المبّرد: ‏ ‏ يا أمير المؤمنين، أكثر الناس يقرأها بالفتح. ‏ ‏ فضحك المتوكل وضرب برجله اليسرى، وقال: ‏ ‏ أَحضر يا فتحُ المال.
    ‏ ‏ فقال: إنه واللّه يا سيدي قال لي خلاف ما قال لك.
    ‏ ‏ فقال المتوكل: ‏ ‏ دعني من هذا. أحضر المال! ‏
    ‏ وخرج المبرّد، فلم يصل إلى الموضع الذي كان أُنْزِلَه حتى أتته رُسُل الفتح.
    فلما أتاه قال له: ‏ ‏ يا بصريّ، أوّل ما ابتدأنا به الكذب! ‏
    ‏ قال المبرّد: ما كذبتُ. ‏
    ‏ فقال: كيف وقد قلتَ لأمير المؤمنين إن الصواب: (وما يُشْعِرُكم أَنها إذا جاءت) بالفتح؟
    ‏ ‏ فقال: ‏ ‏ أيها الوزير، لم أقل هكذا،
    وإنما قلت: أكثر الناس يقرأها بالفتح. وأكثرهم على الخطأ. وإنما تخلَّصتُ من اللائمة، وهو أمير المؤمنين. ‏
    ‏ فقال الفتح: أحسنت!

    ‏ من كتاب "طبقات النحويين واللغويين" للزُّبيدي الأندلسي. ‏

    8 - لا تعد إلينا !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    لا تعُـد إلينـا
    مرض عمر بن عبد العزيز، فدخل عليه رجل يعوده في مرضه.‏ ‏ فسأله عن عِلـَّته.‏ ‏ فلما أخبره قال:‏ ‏ مِن هذه العلة مات فلان، ومات فلان.‏ ‏ فقال له عمر:‏ ‏ إذا عُدْتَ المرضى فلا تنْع إليهم الموتى، وإذا خرجتَ عنا فلا تعُدْ إلينا.
    - ابـن أبيــه ...

    --------------------------------------------------------------------------------

    ابـن أبيــه

    رُوي أن رجلاً بلغ من البخل غايته، حتى صار إماماً، وكان إذا وقع في يده درهم، خاطبه وناجاه فكان يقول:‏ ‏ كم من أرض قطعت، وكم من كيس فارقت، وكم من خامل رفعت، وكم من رفيع أخملت، فالآن، استقر بك القرار، واطمأنت بك الدار، لك عندي ألا تـَعـْرى ولا تضحى، ثم يلقيه في كيسه
    ويقول له:‏ ‏ اسكن اسكن على اسم الله، في مكان لا تهان ولا تـُذلُّ فيه، ولا تـُزعج منه.‏
    ‏ وألح أهله عليه مرة في إنفاق درهم، فدافعهم ما أمكن، ثم أخرج درهما، فبينما هو ذاهب، إذ رأى حوَّاء قد أرسل على نفسه أفعى لدرهم يأخذه،
    فقال في نفسه:‏ ‏ أتـْلف شيئاً تـُبذل فيه النفس بأكلة أو شربة!!‏ ‏ والله ما هذا إلا موعظة لي من الله، فرجع إلى بيته، ورد الدرهم إلى كيسه، فكان أهله منه في بلاء، وكانوا يتمنوْن له موتاً عاجلاً، فلما مات، وظنوا أنهم استراحوا منه،
    جاء ابنه، فاستولى على ماله وداره
    ثم سأل:‏ ‏ ما كان أُدم أبي؟‏
    ‏ فقال:‏ ‏ كان يأتدِم بجبن عنده،
    قال:‏ ‏ أرونيه، فإذا فيه حزُّ كالجدول، من أثر مسح اللقمة،
    فقال:‏ ‏ ما هذه الحفرة؟‏
    ‏ قالوا:‏ ‏ كان لا يقطع الجبن، وإنما كان يمسح اللقمة على ظهره، فيـُحفر كما ترى،
    قال:‏ ‏ بهذا أهلكني وأقعدني هذا المقعد، لو علمت ذلك ما صليت عليه يوم مات،
    قالوا:‏ ‏ فكيف أنت تريد أن تصنع؟‏
    ‏ قال:‏ ‏ أضعها من بعيد، فأشير إليها باللقمة. ‏
    10 - الذّاهـب والبـاقي ....

    --------------------------------------------------------------------------------

    الذّاهـب والبـاقي

    قالت عائشة رضي الله عنها: ‏ ‏ ذبحنا شاةً فتصدّقنا بها.
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ‏ ‏ هل بقي منها شيء؟‏
    ‏ فقلت: يا رسول الله، ما بقي منها إلا كتفها.
    ‏ ‏ فقال: ‏ ‏ كلّها بقي إلا كتفها!
    صدقت يا رسول الله

    ‏ من كتاب "المسجاد من فعلات الأجواد" للتنوخي.
    - أين عِلـْمُه من عِلْم الناس اليوم؟

    --------------------------------------------------------------------------------

    أين عِلـْمُه من عِلْم الناس اليوم؟

    سئل يونس بن حبيب عن ابن أبي إسحاق الحضرميّ:‏
    ‏ أين عـِلـْمه من عـِلـْم الناس اليوم؟‏
    ‏ فقال:‏ ‏ لو كان اليوم في الناس أحدٌ لا يعلم إلا عـِلـْمه لـَضـُحـِك منه،
    ولو كان فيهم من له ذهنه ونـَفاذُه ونظره كان أعـْلـَم الناس.

    ‏ من كتاب "إنباه الرواة على أنباه النحاة" للقفطي
    - أين عِلـْمُه من عِلْم الناس اليوم؟

    --------------------------------------------------------------------------------
    12 -أهـل القِبـلة ...

    --------------------------------------------------------------------------------

    أهـل القِبـلة
    ‏ مذاهب أهل جرجان مختلفة: أكثرهم حنفيون، والباقون حنابلة وشافعيون وشيعة ونجّارية وكرّامية.
    فإن قال قائل: "ألم تقل من قبل إنه ليس بها مبتدع؟ فها أنت تقول إن بها كرامية!" قلت له: "الكرامية أهل زهد وتعبد، ومرجعهم إلى أبي حنيفة، وكل من رجع إلى أبي حنيفة أو إلى مالك أو إلى الشافعي أو إلى أئمة الحديث الذين لم يغلوا فيه ولم يشبّهوا الله ويصفوه بصفات المخلوقين، فليس بمبتدع.
    " ‏ ‏ وأنا عازم على أن لا أطلق لساني في أمة محمد، ولا أشهد عليهم بالضلالة ما وجدتُ إلى ذلك طريقا.
    ‏ ‏ قال مِسْعَر بن كِدام: ‏ ‏ ما أدركتُ من الناس من له عقلٌ كعقل ابن مُرَّة. جاءه رجل
    فقال: ‏ ‏ عافاك الله. جئتك مسترشدا، فقد دخلتُ في جميع الفرق والأهواء، فما دخلتُ في إحداها إلا كان القرآن هو الذي أدخلني فيها، ولم أخرج منها إلا كان القرآن هو الذي أخرجني، حتى صرتُ وليس في قلبي يقين.
    ‏ ‏ فقال عمرو بن مُرَّة: ‏ ‏ جئتني مسترشدا أم مجادلا؟ ‏
    ‏ قال الرجل: جئتك مسترشدا.
    ‏ ‏ قال: أرأيت أهل هذه الفرق والأهواء اختلفوا في أن محمدا رسول الله، وأن ما أتى به الحق؟
    ‏ ‏ قال: لا. ‏
    ‏ قال: فهل اختلفوا في القرآن أنه كتاب الله؟
    ‏ ‏ قال: لا.
    ‏ ‏ قال: فهل اختلفوا في دين الله أنه الإسلام؟
    ‏ ‏ قال: لا.
    ‏ ‏ قال: فهل اختلفوا في الكعبة أنها القِبلة؟
    ‏ ‏ قال: لا.
    ‏ ‏ قال: فهل اختلفوا في الصلوات أنها خمس؟
    ‏ ‏ قال: لا.
    ‏ ‏ قال: فهل اختلفوا في رمضان أنه شهرهم الذي يصومونه؟
    ‏ ‏ قال: لا.
    ‏ ‏ قال: فهل اختلفوا في الحج أنه بيت الله الذي يحجّونه؟
    ‏ ‏ قال: لا.
    ‏ ‏ قال: فهل اختلفوا في الزكاة أنها من مائتي درهم خمسة؟
    ‏ ‏ قال: لا.
    ‏ ‏ فقرأ ابن مُرَّة: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات مُحْكمات هُنَّ أُمُّ الكتاب وأُخَرُ مُتَشابِهات). ‏ ‏ ثم قال: فهل تدري ما المُحْكَم؟
    ‏ ‏ قال: لا.
    ‏ ‏ قال: المُحْكم ما اجتمعوا عليه، والمتشابه ما اختلفوا فيه. فَشُدّ نيتك في المحكم، وكفّ لسانك عن الغلوّ في الدين.
    فإن هذا التعصب الذي ترى إنما هو من فعل الجُهّال. وكل من صلّى إلى هذه القبلة فهم إخواننا المسلمون.

    ‏ من كتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" للمقدسي البشاري. ‏
    13 - أهلـي.. أهلــي ....

    --------------------------------------------------------------------------------

    أهلـي.. أهلــي

    وفد أعرابي على كسرى أنو شروان، فسأله عن اسمه وصناعته،
    فأجابه، أنا الحارث بن كـِلدة، طبيب العرب،
    فقال كسرى:‏ ‏ ما يصنع العرب بالطبيب، مع سوء أغذيتهم؟
    قال:‏ ‏ إن كان هذا حالهم، فهم أجدر بالطبيب،
    فقال:‏ ‏ وكيف يعرفون من يسلمون إليه أمرهم، مع ما هم عليه من شدة الجهل،
    قال:‏ ‏ إن الله عز وجل قسم العقول بين العباد، كما قسم الأرزاق، وأخذ القوم نصيبهم، ففيهم ما في غيرهم من جاهل وعالم، وعاجز وحازم وغير ذلك،
    فقال:‏ ‏ ما هو المحمود من صفاتهم،
    قال:‏ ‏ هو أكثر من أن يـُحصر، فإن لهم أنفساً سخية، وقلوباً جريـَّة، وعقولاً صحية، وأنساباً نقية، لغتهم أفصح اللغات، وأوسعها في التراكيب والكلمات، ألسنتهم طليقة، وعباراتهم رقيقة، يمرُق الكلام من أفواههم مروق السهام من أوتارهم، أعذب من الماء وألين من الهواء، يطعمون الطعام، ويواسون الأيتام، عزهم لا يرام، وجارهم لا يضام،
    فاستوى كسرى على كرسيه، وجرى ماء الحلم في وجهه، وقال لجلسائه مشيراً إلى ابن كلدة: ‏ ‏ إني وجدته راجحاً، ولقومه مادحاً، وبفضلهم ناطقاً، ولما يورده من لفظه صادقاً، وكذا العاقل، من أحكمته التجارب، ولا يكون حاطباً مع كل حاطب، ثم بشَّ في وجهه قائلاً، لله درك من عربي، لقد أعطيت علماً، وخـُصصت فطنة وفهماً، وأحسن صلته، وقضى جميع حوائجه. ‏
    28 - الحُـبّ والعـدل

    --------------------------------------------------------------------------------

    الحُـبّ والعـدل
    قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لرجل:‏ ‏ والله لا يحبّك قلبي أبداً.‏
    ‏ قال الرجل:‏ ‏ أوَ يحرمني ذلك من عدلك؟‏ ‏
    قال: لا.‏
    ‏ قال:‏ ‏ لا ضَيْرَ إذن، إنما يأسف على الحب النساء.

    ‏ من كتاب "الفخري" لابن طباطبا. ‏
    29 - ابن بهيـّة !

    --------------------------------------------------------------------------------

    ابن بهيـّة

    كان بالأهواز رجل يُعرف بابن واصل، تمّت عليه حيلةٌ في تزوير، فطالبه صاحب ديوان الأهواز بالمال، فأدّى بعضَه وعجز عن تأدية باقيه.‏
    ‏ وكان أبو عبيد الله صاحب الديوان له عادة في سجع الكلام دائمة، وله فيها أخبار وحكايات عجيبة. فكان إذا ذُكِر في مجلسه ابن واصل يقول:‏ ‏ هاتوا ابن واصل، وطالبوه بما عليه من الحاصل.‏
    ‏ فيُحضَر ذلك المسكين ويُحبس، ويُطالب بما عليه بسبب السجع المشئوم، ثم يؤخذ منه بعض المال، ويستعطف البعضُ صاحبَ الديوان فيفرج عنه، ثم يعيد السجع فيعود القبض والحبس!‏
    ‏ ثم جيء به يوماً إلى صاحب الديوان،
    فقال له:‏ ‏ يا سيدنا، أنا أُعرف بابن بهية (اسم والدته)، وأسألك أن تعفيني من الدعاء باسم أبي وتنقل ذكري إلى اسم أمي.‏ ‏
    فقال أبو عبيد الله:‏ ‏ حُبًّا وكرامة.‏
    ‏ وصار بعد ذلك يقول في مجالسه:‏ ‏ يُحضر ابن بهيّة، ويُطالَبُ بالبقية. فيُحضَر ويُحبَس.‏

    من كتاب "الهفوات النادرة" لابن هلال الصابي.

    30 - إني أرى في الكتاب ما لا ترون !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    إني أرى في الكتاب ما لا ترون

    كان سديدُ المُلك، وهو أول من ملك قلعة شَيْزَر من بني منقذ، موصوفًا بقوّة الفطنة.
    وتُنقل عنه حكاية عجيبة، وهي أنه كان يتردد إلى حَلَب قبل تملّكه شيزر، وصاحب حلب يومئذ تاج الملوك محمود بن صالح بن مرداس.
    فجرى أمرٌ خاف سديد الملك على نفسه منه، فخرج من حلب إلى طرابلس الشام.‏ ‏ فتقدّم محمود بن صالح إلى كاتبه أن يكتب إلى سديد الملك كتابًا يتشوّقه ويستدعيه إليه.
    ففهم الكاتب أنه قصد له شرّا، وكان صديقًا لسديد الملك. فكتب الكتاب كما أُمِر إلى أن بلغ إلى "إن شاء الله تعالى"، فشدَّد النون وفَتَحَها. ‏
    ‏ فلما وصل الكتاب إلى سديد الملك عَرَضَه على من بمجلسه من خواصه، فاستحسنوا عبارة الكتاب، واستعظموا ما فيه من رغبة محمود فيه وإيثاره لقربه.
    فقال سديد الملك: ‏ ‏ إني أرى في الكتاب ما لا ترَوْن.
    ‏ ‏ ثم أجابه عن الكتاب بما اقتضاه الحال، وكتب في جملة الكتاب: ‏ ‏ أنا "الخادم المقرّ بالإنعام"، وكسر الهمزة من أنا، وشدَّد النون. ‏ ‏ فلما وصل الكتاب إلى محمود، ووقف عليه الكاتب، سُرَّ الكاتب بما فيه، وقال لأصدقائه: ‏ ‏ قد علمتُ أن الذي كتبتُه لا يخفى على سديد الملك، وقد أجاب بما طَيـَّبَ نفسي.
    ‏ ‏ وكان الكاتب قد قصد قول الله تعالى: "(إِنَّ المَلأَ يأتمرون بك ليقتلوك)،
    فأجاب سديد الملك بقوله تعالى: ‏ ‏ (إِنـَّا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها)! ‏

    من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلّكان.


    --------------------------------------------------------------------------------

    أمانـي

    مرض أحد الصحابة يوماً، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    فسأل عنه الرسول، فقيل له:‏ ‏ إنه انتقل إلى رحمة الله،
    فقال ألم يقل شيئاً، فقيل له إنه حين وفاته
    قال:‏ ‏ ليتها كانت كثيرة، ليتها كانت الجديدة، ليته كان كاملاً، فلم ندر ماذا يعني بذلك،
    فقال الرسول عليه الصلاة والسلام، إن هذا الصحابي كان يسعى ذات يوم جمعة، مهرولاً إلى المسجد، فوجد في الطريق رجلاً ضريراً، وليس معه من يقوده، فأخذ بيده إلى المسجد، فعند الموت رأى ثواب ذلك فقال:‏ ‏ ليتها كانت كثيرة.‏
    ‏ وكان في يوم من أيام الشتاء القارس، يسعى إلى صلاة الصبح، فوجد رجلاً بالطريق، يكاد يموت من شدة البرد، وكان يلبس حـُلتين إحداهما جديدة، والأخرى قديمة، فأعطى الرجل القديمة، وعند الموت رأى ثواب ذلك، فقال ليتها كانت الجديدة.‏ ‏
    وفي أحد الأيام، رجع إلى داره، فسأل امرأته عما لديها من طعام، فقدمت له رغيفاً من خبز الشعير، فلما هم بتناوله، إذا بطارق بالباب يقول: إني جائع، فأعطاه نصف الرغيف، وعند موته رأى ثواب هذا فقال ليته كان كاملاً.
    - أنــا!

    --------------------------------------------------------------------------------

    أنــا!

    دخل الحسن بن أبي المشرف على الفضل وزير الخليفة المعتصم.
    فقال له الفضل: ‏ ‏ يا حسن، نحتاج إلى رجل جزلٍ في رأيه، متوفّر لأمانته، متصرّف في الأمور بتجربته، مستقدرٍ على الأعمال بعلمه، تصف لنا مكانَه، وتشير علينا به فنقلـّده جسيمـًا من عملنا.
    ‏ ‏ فأجابه الحسن سريعـًا قال: ‏ ‏ وجدتُه لك، أصلحك اللّه.
    ‏ ‏ قال: من هو؟ ‏
    ‏ قال: أنا.
    ‏ ‏ فتبسـّم الفضل وقال: ‏ ‏ هذا القول من غيرك فيك أحسنُ منه بلسانك لك.
    نعود وننظر إن شاء اللّه!

    ‏ من رسالة "ذم أخلاق الكُتـّاب" للجاحظ.
    - ابن حـزم والجـارية !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    ابن حـزم والجـارية


    ألفْتُ في أيام صباي ألفة المحبة جاريةً نشأتْ في دارنا، وكانت في ذلك الوقت بنت ستة عشر عاما. وكانت غاية في حسن وجهها وعقلها وعفافها وخفرها ودماثتها، عديمة الهزل، منيعة البذل، قليلة الكلام، مغضوضة البصر، دائمة القطوب، حلوة الإعراض، مليحة الصدود، كثيرة الوقار، لا تُوَجَّه الأراجي نحوها، ولا تقف المطامع عليها.
    فوجهها جالبٌ كل القلوب، وحالها طاردٌ من أَمَّها. تزدان في المنع والبخل ما لا يزدان غيرها بالسماحة والبذل. ‏ ‏ وكانت تحسن العود إحسانًا جيدًا، فجنحت إليها وأحببتُها حبًا مفرطًا. وسعيتُ عامين أو نحوهما أن تجيبني بكلمة وأسمع من فيها لفظة غير ما يقع في الحديث الظاهر إلى كل سامع، فما وصلتُ من ذلك إلى شيء البتة.
    ‏ ‏ وأذكر حفلا كان في دارنا تَجَمَّعَت فيه نساء كثيرات، ثم انتقلن إلى مكان في الدار يُشرف على بستاننا وعلى جميع قرطبة وبيوتها. وأذكر أني كنت أقصد نحو الباب الذي هي عنده، أنسًا بقُربها، متعرّضًا للدنو منها، فما هي إلا أن تراني في جوارها فتترك ذلك الباب وتقصد غيره في لطف الحركة.
    فأتعمد أنا القصد إلى الباب الذي صارت إليه، فتعود إلى مثل ذلك الفعل من الانتقال إلى غيره. وكانت قد علمت كلفي بها، ولم يشعر سائر النسوان بما كنا فيه، لأنهن كن عددًا كثيرًا. ‏
    ‏ ثم نزلن إلى البستان. فرغب عجائزنا وكرائمنا إلى سيدتها في سماع غنائها. فَأمَرتْها، فأخذت العود وسوّته بخفر وخجل لا عهد لي بمثله، وإن الشيء يتضاعف حسنُه في عين مستحسنه. ثم اندفعت تغني بأبيات العباس بن الأحنف
    حيث يقول: ‏ ليست من الأنس إلا في مناسبة ولا من الجـن إلا في التصـاوير فالوجه جوهرة، والجسم عبهرة والريـح عنبره، والكل من نـور فلعمري لكأن المضراب إنما يقع على قلبي، وما نسيت ذلك اليوم ولا أنساه إلا يوم مفارقتي الدنيا.
    وهذا أكثر ما وصلتُ إليه من التمكن من رؤيتها وسماع كلامها. ‏ ‏ ثم انتقل أبي رحمه الله من دارنا بالجانب الشرقي من قرطبة، إلى دارنا القديمة في الجانب الغربي منها. وانتقلتُ أنا بانتقاله، ولم تنتقل هي بانتقالنا لأمور أوجبت ذلك. ثم شُغلنا بعد قيام أمير المؤمنين هشام بالنكبات وباعتداء أرباب دولته، وامتُحِنّا بالاعتقال والمراقبة والغرامات الفادحة و الاستتار. وتوفى أبي الوزير رحمه الله واتّصلت بنا تلك الحال بعده، إلى أن كانت عندنا جنازة لبعض أهلنا فرأيتها. ‏
    ‏ رأيتها في المأتم وسط نساء في جملة البواكي والنوادب، فأثارت وجدا دفينًا وحرّكتْ ساكنًا، وذكّرتني عهدًا قديمًا وحبًا تليدًا ودهرًا ماضيًا، فجدّدت أحزاني. ‏ ‏ ثم ضرب الدهر ضرباته، وأُجلينا عن منازلنا، وتغلّب علينا جند البربر، فخرجت من قرطبة، وغابت عن بصري بعد تلك الرؤية الواحدة ستة أعوام.
    ثم دخلتُ قرطبة في شوال سنة تسع وأربعمائة، فنزلتُ على بعض نسائنا، فرأيتها هنالك، ولم أميّزها حتى قيل لي هذه فلانة. فإذا هي وقد تغيرت محاسنها، وذهبت نضارتها، وفنيت تلك البهجة، وخاض الماء الذي كان يُرى كالسيف الصقيل، ولم يبق إلا البعض المُميز من الكل، وذلك لقلة اعتنائها بنفسها، وافتقادها الصيانة التي كانت غذّيت بها أيام دولتنا وامتداد ظلنا، واضطرارها إلى الخروج فيما لا بدّ لها منه مما كانت تُصان عنه قبل ذلك.
    وإنما النساء رياحين متى لم تتعاهد نقصت، وبناءً متى لم يُصن تهدّم. ‏ ‏ ولو أني كنت قد نلتُ منها أقلّ وصل، أو كانت أنست لي بعض الأنس لطربتُ وفرحتُ لرؤيتها.
    غير أن ذلك الصد منها هو الذي صبّرني وأسلاني. وهذا الوجه من أسباب السلو صاحبه معذور وغير ملوم، إذا لم تنشأ علاقة توجب الوفاء، ولا وقع عهد يقتضي المحافظة ويُلام المرء على تضييعه ونسيانه.‏

    من كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم.‏
    3 - أذان بـــلال .....

    --------------------------------------------------------------------------------

    أذان بـــلال

    رُوي أن بلالاً رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول له:‏ ‏ ما هذه الجفوة يا بلال، أما آن لك أن تزورني يا بلال،
    فانتبه حزيناً وجلا خائفاً، فركب راحلته، وقصد المدينة، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يبكي عنده، ويمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمهما ويقبلهما،
    فقالا له:‏ ‏ نشتهي أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فعلا سطح المسجد، ووقف موقفه الذي كان يقف فيه،
    فلما أن قال: الله أكبر الله أكبر، ارتجت المدينة،
    فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ازدادت رجتها،
    فلما أن قال: أشهد أن محمداً رسول الله،
    خرجت العواتق من خدورهن وقلن:‏ ‏ أبـُعـِثَ الرسول صلى الله عليه وسلم؟
    قال:‏ ‏ فما رأيت يوماً أكثر باكياً ولا باكية بالمدينة، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم. ‏
    - إبراهيم الموصلي وزائره الغريب !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    إبراهيم الموصلي وزائره الغريب

    ‏ قال المغنـِّي إبراهيم الموصلي: ‏ ‏
    استأذنتُ هارون الرشيد في أن يَهَبَ لي في كل أسبوع يومًا أخلو فيه مع جواري، فأذِن لي في يوم الأحد. وقال: ‏ ‏ هو يومٌ أسْتَثـْقـِلُه.
    ‏ ‏ فلما كان في بعض الآحاد أتيتُ الدارَ فدخلت، وأمرتُ الحجـّابَ ألاّ يأذنوا لأحد عليّ، وأغلقت الأبواب. ‏ ‏ فما هو إلا أن جلست حتى دخل عليَّ شيخ حسنُ السَّمْتِ والهيئة، على رأسه قلنسوة صغيرة، وفي رجله خُفـّان أحمران، وفي يده عصا مُقَمَّعَة بفضـَّة.
    ‏ ‏ فلما رأيتـُه امتلأتُ غيظـًا، وقلت: ألم آمر الحجـّاب ألا يأذنوا لأحد؟
    ثم فكرت وقلت: ‏ ‏ لعلهم علموا من الشيخ ظَرْفًا وهيئة، فأحبوا أن يُؤْنسوني به في هذا اليوم.
    ‏ ‏ وسلـّم الشيخ، فلما أمرته بالجلوس جلس، وقال: ‏ ‏ يا إبراهيم، ألا تغنّيني صوتـًا؟ ‏
    ‏ فامتلأت عليه غيظـًا، ولم أجد إلى ردّه سبيلاً لأنه في منزلي، وحملته منه على سوء أدب العامة. فأخذتُ العود وضربتُ وغنيت ووضعت العود.
    ‏ ‏ فقال لي: ‏ ‏ لِمَ قطعت هزارك؟ ‏
    ‏ فزادني غيظـًا، وقلت: لا يُسـَيِّدُني ولا يُكَنِّيني ولا يقول أحسنت!
    فأخذت العود فغنّيت الثانية، فقال لي: ‏ ‏ أحسنت! فكِدْت واللّه أشقّ ثيابي! وغنّيت تمامَ الهزار.
    فقال: أحسنت يا سيدي! ثم قال: ناولني العود.
    ‏ ‏ فواللّه لقد أخذه فوضعه في حِجره ثم جَسَّه من غير أن يكون ضَرَب بأَنْمـُلَة، فواللّه لقد خِلْتُ زوال نعمتي في جَسِّه.
    ‏ ‏ ثم ضرب وغنّى: ‏ وقــد زعمـوا أن المـحبّ إذا دنـا يُمـَلُّ، وأن النـَّأْيَ يُسلي من الوَجـْدِ بكــلٍّ تداوينا فلـم يـُشـْفَ ما بنا ‏ ‏ على أن قربَ الدار خيرٌ من البُعـْدِ ‏ فواللّه لقد خِلـْت كل شيء في الحضرة يتغنّى معه حتى الأبواب والستور والنمارق والوسائد وقميصي الذي على بدني.
    ثم قال: ‏ ‏ يا أبا إسحاق! هذا الغناء الماخوريّ، تعلـّمه وعلـِّمه جواريك.
    ‏ ‏ ثم وضع العود من حِجره وقام إلى الدار، فلم أره. فدفعت أبواب الحرم فإذا هي مغلقة، فسألت الحجّاب عن الرجل،
    فقالوا لي: ‏ ‏ لم يدخل عليك أحدٌ حتى يخرج. ‏ ‏ فأمرت بدابّتي فأُسْرِجت، وركبت من فوري إلى دار الخليفة، واستأذنت. فلما رآني قال ألم تنصرف آنفـًا على نيّة المقام في منزلك والخلوة بأهلك؟ ‏
    ‏ قلت: ‏ ‏ يا سيدي، جئتُ بغريبة. ‏
    ‏ وقصصت عليه القصة. فضحك الرشيد حتى رفع الوسائد برجليه.
    وقال لي: ‏ ‏ كان نديمُك اليوم إبليس يا أبا إسحاق. ودِدتُ أنه لو مَتَّعَنَا بنفسه كما متـَّعك!

    ‏ من كتاب "جمع الجواهر في المُلـَح والنوادر" للحـُصـْري. ‏
    - ابن صبيح والفضل بن يحيى !

    --------------------------------------------------------------------------------

    ابن صبيح والفضل بن يحيى

    اعتلّ الفضلُ بن يحيى.‏ ‏ فكان إسماعيل بن صبيح الكاتب إذا أتاه عائداً لم يـَزد على السلام عليه والدُّعاء له.‏ ‏
    ويخفـّف في الجلوس، ثم يلـْقـَى حاجبـَه فيسأله عن حاله ومأكله ومشربه ونومه.‏
    ‏ وكان غيره يـُطيل الجلوس.‏ ‏ فلما أفاق من علـَّته،
    قال:‏ ‏ ما عادني في علـّتي هذه إلا إسماعيل بن صبيح.


    هذه بعض الحكايات العربية من التراث العربي أضيف بها الى ما طرحته الأخت حورية البحر ..

    ونبدأ بالحجاج بن يوسف الثقفي ..
    عندما تولى أمر العراق .. وقام بحملته القاطعة على الخوارج ..
    أتوا اليه بالأسري ومنهم النساء .. فدخلت عليه واحدة منهم ..
    فالتقت الحجاج لأصحاب مجلسه يسألهم الرأى فيها .. فأجابوه وهى ناظرة اليهم " اقتلها يا أمير "
    فالتفتت المرأة الى الحجاج ساخرة .. ثم قالت " لقد كان وزراء صاحبك خير من وزرائك "
    فسألها الحجاج داهشا " ومن هو صاحبي يا أمرأة "
    فأجابته بسخرية أشد " فرعون .. عندما استشار أصحابه فى أمر موسي قالوا له أرجه وأخاه "
    وهى واحدة من الردود المسكته والمستحسنة فى الأدب والتراث العربي

    ومنها أيضا .. ذلك الرد الذى قالته واحدة أخري من أسيرات الحجاج ..
    حيث دخلت عليه بين قيودها .. فجعل يحدثها وهى ملتفته عنه .. فهتف بها أصحابه .. " يا امرأة .. الأمير يحدثك وأنت لا تنظرين اليه "
    فأجابتهم الأسيرة " انى أستحى أن أنظر الى من لا ينظر الله اليه "

    أما حكاية الحجاج مع هند بنت النعمان .. الحسناء العربية الشهيرة .. فتستحق النظر اليها بحق ..
    حيث خطبها الحجاج .. تزوجها .. وليلة الزفاف .. وقبل دخوله عليها .. سمعها تنشد بيتين من شعرها وتقول
    وما هند الا مهرة عــربية ×× سليلة أفراس .. تخللها بغل
    فان ولدت فحلا .. فلله درها ×× وان ولدت بغلا .. فأبوه البغل
    فرجع الحجاج دون أن يدخل عليها .. ثم أرسل اليها أحد أصحابه وحمله بصرتين من الذهب وقال له " أعطها هذا المال .. وطلقها بكلمتين ولا تزد "
    فذهب اليها صاحب الحجاج وقال لها وهو يدفع المال اليها
    " يقول لك أبو يوسف .. كنت فبنت "
    فالتفتت اليه هند وقالت فى صرامة واباء " اعلم يا هذا .. أنا كنّا فما حمدنا .. وبنـّـا
    فما ندمنا .. والمال الذى تحمله هو لك .. بشارة خلاصنا من كلب بنى ثقيف "
    ومضي من الزمان شيئ قليل .. ثم سمع الخليفة عبد الملك بن مروان عن هند وحسنها وأدبها وحسبها ..
    فبعث اليها يخطبها الى نفسها ..
    فأرسلت اليه قائلة " يا أمير المؤمنين .. ان الاناء ولغ فيه الكلب "
    فضحك عبد الملك بشدة من التشبيه والتعبير وهى تعنلى أنها خطبت للحجاج قبله وأرسل اليها عبد الملك قائلا " يا هند .. اغسلى الاناء يحل الاستعمال "
    فأجابته " أقبل بشرط "
    وأرسلت اليه شرطها وهو أن يقود الحجاج ركبها من بغداد حيث تسكن الى دار الخلافة الأموية فى دمشق .. ويقود الركب حافيا ماشيا على هيئته التى كان عليها
    فضحك عبد الملك الى درجة أنه لم يستطع السيطرة على نفسه
    وأرسل الى الحجاج يأمره بتنفيذ الشرط ..
    وبالفعل قاد ركبها حافيا ماشيا .. وأخذت هند تسخر منه طيلة الرحلة.. وقبيل وصول الركب الى دمشق .. كشفت هند سجف المحمل وألقت بدينار على الأرض ثم صاحت بالحجاج .. " يا جمــّــال .. لقد سقط منا درهم فأرسله الينا "
    فنظر الحجاج الى الأرض فلم يجد الا الدينار
    فقال لها انه دينار .. فقالت هند بل هو درهم .. فقال الحجاج .. لقد نظرت ولم الا الدينار ..
    فابتسمت هند فى خبث شديد .. ثم قالت " هاته الينا .. والحمد لله الذى أبدلنا الدرهم دينارا "
    والكناية واضحة بالطبع
    قمة البلاغة والابداع فى التعبير
    __________________




    - أوارث أنـت لبنـي أميـة !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    أوارث أنـت لبنـي أميـة

    رُفع إلى أمير المؤمنين المنصور أن رجلاً يـُخفي عنده ودائع وأموالاً لبني أمية، فأمر بإحضاره، فلما دخل عليه قال له:‏ ‏ قد رُفع إلينا خبر الودائع والأموال التي عندك لبني أمية. فأَخرجها إلينا.‏
    ‏ فقال: يا أمير المؤمنين، أوارثٌ أنت لبني أمية؟‏
    ‏ قال: لا.‏ ‏ قال: فوصيّ لهم في أموالهم؟‏
    ‏ قال: لا.‏ ‏ قال: فما مسألتك عما في يدي من ذلك؟‏ ‏ فأطرق المنصور ساعة ثم رفع رأسه
    وقال:‏ ‏ إن بني أمية ظلموا المسلمين فيها، وأنا وكيل المسلمين في حقهم، وأريد أن آخذ ما ظلموا فيه المسلمين فأجعله في بيت مالهم.‏
    ‏ فقال الرجل:‏ ‏ تحتاج يا أمير المؤمنين إلى إقامة البيـّنة العادلة على أن ما في يدي لبني أمية مما خانوا وظلموا فيه دون غيره، فقد كان لبني أمية أموال غير أموال المسلمين.‏
    ‏ فصمت المنصور برهة ثم قال:‏ ‏ صدقت. ما يجب عليك شيء.. هل لك من حاجة؟‏

    ‏ قال: حاجتي يا أمير المؤمنين أن تبعث بكتاب إلى أهلي ليطمئنوا على سلامتي، فقد راعهم طلبك إياي.. وقد بقيت لي حاجة أخرى.
    ‏ ‏ قال: وما هي؟‏ ‏ قال: تجمع بيني وبين من سعى بي إليك، فوالله ما لبني أمية في يدي مال ولا وديعة، ولكني لما مـَثـَلتُ بين يديك وسألتني عما سألتني عنه، علمتُ أنه ما يـُنجيني منك إلا هذا القول، لما اشتهر من عدلك.‏
    ‏ فقال المنصور: يا ربيع، اجمع بينه وبين من سعى به.‏ ‏ فلما جاء به الربيع عرفه الرجل،
    وقال:‏ ‏ هذا غلامي سرق مني ثلاثة آلاف دينار وهرب مني، وخاف من طلبي له فسعى بي عند أمير المؤمنين.‏ ‏ فشدّ المنصور على الغلام حتى أقرّ بكل ما ذكره سيـّده.‏
    ‏ وقال المنصور للشيخ:‏ ‏ نسألك أن تصفح عنه.
    ‏ ‏ قال:‏ ‏ قد صفحتُ عنه وأعتقتهُ ووهبتُ له الثلاثة آلاف التي أخذها وثلاثة آلاف أخرى.‏
    ‏ وانصرف.‏ ‏ فكان المنصور يتعجـّب منه كلما ذكره ويقول:‏ ‏ ما رأيتُ مثلَ ذلك الشيخ قط.


    ‏ من كتاب "المستجاد من فعلات الأجواد" للتنـُّوخي
    - أيـن التّيـن؟

    --------------------------------------------------------------------------------

    أيـن التّيـن؟


    استأذن مزبد على بعض البخلاء وقد أُهْدِي له تينٌ مع أول أوانه.
    فلما أحسّ البخيل بدخوله تناول الطبق فوضعه تحت السرير وبقيت يده معلّقة.
    ثم قال لمزبد:‏ ‏ ما جاء بك هذا الوقت؟‏
    ‏ قال:‏ ‏ يا سيدي، مررت الساعة بدار فلان، فسمعت جاريته تقرأ لحناً ما سمعتُ قط أحسن منه. فَلِمَا علمتُ من شدة محبتك للقرآن وسماعك للألحان، حفظته وجئت لأقرأه عليك.‏
    ‏ قال: فهاته.‏
    ‏ فقال:‏ ‏ بسم الله الرحمن الرحيم، والزيتون، وطور سينين.‏
    ‏ فقال: ويلك! أين التين؟‏ ‏ قال:‏ ‏ تحت السرير!

    من كتاب "نثر الدّرّ" لمنصور بن الحسين الآلي.‏
    - العصفـور والسنبلــة

    --------------------------------------------------------------------------------

    العصفـور والسنبلــة

    ‎ أهل الصين من أحذق خلق الله كفـّا بنقش وصنعة، وكل عمل لا يتقدّمهم فيه أحد من سائر الأمم.‏ ‏ والرجل منهم يصنع بيده ما يقدّر أن غيره يعجز عنه، فيقصد به باب الملك يلتمس الجزاء على لطيف ما ابتدع، فيأمر الملك بنصبه على بابه من وقته ذلك إلى سنة، فإن لم يـُخرج أحد فيه عيباً أجاز صانعه وأدخله في جملة صـُنـّاعه، وإن أخرج أحد فيه عيباً طرحه ولم يـُجزْه.‏
    ‏ وقد حدث أن رجلاً منهم صوّر سنبلة سقط عليها عصفور في ثوب حرير، لا يشك الناظر إليها أنها سـُنبلة سقط عليها عصفور فبقي الثوب مدّة ثم اجتاز به رجل أحدب فعاب العمل، فأُدخل على الملك وأُحضر صاحب العمل، فسأل الأحدب عن العيب.‏
    ‏ فقال:‏ ‏ المتعارف عند الناس جميعاً أنه لا يقع عصفور على سنبلة إلاَّ أمالها. وقد صوّر هذا المصوّر السنبلة فنصبها قائمة لا ميل فيها، وأثبت العصفور فوقها منتصباً فأخطأ.‏
    ‏ فلم يـُثب الملك صاحب الصورة بشيء. وقصدُهم بهذا وشبهه أن يضطر من يعمل هذه الأشياء إلى شدة الاحتراز والحذر وإعمال الفكر فيما يصنعه.

    ‏ من كتاب "مروج الذهب" للمسعودي. ‏
    - أتـدري مـا الدّرهـم؟

    --------------------------------------------------------------------------------

    أتـدري مـا الدّرهـم؟

    قال سلم بن أبي المعافى: ‏ ‏ كان أبي شديد البخل، وكان إلى جنب داره مزرعة فيها قـِثـّاء.
    وقد حدث وأنا صبيّ أن جاءني صـِبيان أقران لي، فطلبت من أبي أن يهب لي درهمـًا أشتري لهم به قثاء.
    فقال لي: ‎ ‏ ‏‏ أتعرف حال الدرهم؟
    كان في حجر في جبل، فضـُرب بالمعاول حتى استـُخرج، ثم طـُحن، ثم أُدْخـِل القـِدْرَ وصـُبَّ عليه الماء، وجـُمع بالزئبق، ثم صـُفـّي من رَقّ، ثم أدخلَ النار فسـُبك، ثم أخرج فضـُرب، وكـُتب في أحد شـِقـَّيه: لا إله إلا الله، وفي الآخر: محمد رسول الله. ثم حـُمل إلى أمير المؤمنين، فأمر بإدخاله بيت ماله ووكـّل به من يحرسه...
    ‎ وأنت والله أقبح من قـِرد، هوّنت الدرهم وهو طابع الله في أرضه.
    هو ويحك عـُشر العشرة، والعشرة عـُشر المائة، والمائة عشر الألف، والألف عشر دِية المسلم.. ألا ترى كيف انتهى الدرهم الذي هوّنتـَه؟ وهـَل بيوت الأموال إلا درهم على درهم؟ ‏

    من كتاب "نهاية الأرب" للنويري
    أُجـرة الحمـار


    حكم القاضي بمصر بإفلاس رجلٍ كَثُرت ديونُه، فأركبه حماراً وطوَّف به في البلد ليحترز الناس من معاملته بعد ذلك. ‏
    ‏ فلما أُنزِل عن الحمار .... قال له صاحبُ الحمار:‏ ‏ أين أجرةُ الحمار؟‏
    ‏ فقال له: يا أبله، فَفِيم كُنّا طول النهار؟!

    من كتاب "الكشكول" لبهاء الدين العاملي.
    - مثـل هــذا !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    مثـل هــذا


    كان الجاحظ قصير القامة دميم الوجه وله أخبار ظريفة كثيرة ونثر طائل ونظم ضعيف فمن أخباره ونوادره،
    قال:‏ ‏ ما أخجلني أحد مثل امرأتين .........................
    رأيت إحداهما في سامراء وكانت طويلة القامة وكنت على طعام فأردت أن أمازحها فقلت ـ انزلي كلي معنا!‏ ‏
    فقالت:‏ ‏ اصعد أنت حتى ترى الدنيا!‏
    ‏ وأما الأخرى فإنها أتتني وأنا على باب داري،
    فقالت:‏ ‏ لي إليك حاجة وأريد أن تمشي معي،
    فقمت معها إلى أن أتت بي إلى صائغ يهودي،
    فقالت له:‏ ‏ مثل هذا، وانصرفت!‏
    ‏ فسألت الصائغ عن قولها،
    فقال:‏ ‏ إنها أتت إلي بفصّ، وأمرتني أنقش لها عليه صورة شيطان فقلت لها يا ستي، ما رأيت الشيطان فأتت بك وقالت ما سمعت!

    ‏ من كتاب شرح رسالة "ابن زيدون" لابن نُباته. ‏
    19 - نبيـذ جيـد !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    نبيـذ جيـد

    ‏ حدّث أحد القُصّاص فقال: ‏ ‏ "إذا مات العبدُ وهو سكران، دُفن وهو سكران، وحُشِرَ يوم القيامة وهو سكران".‏
    ‏ فقال رجل في طرف الحلقة: ‏ ‏ هذا والله نبيذٌ جيّد، يساوي الكوز منه عشرين درهمًا! ‏

    من كتاب "أخبار الأذكياء" لابن الجوزي.
    20 - يا سـلام سلـِّم، الحائـط بيتكلـم !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    يا سـلام سلـِّم، الحائـط بيتكلـم!

    في شهر رجب من سنة سبعمائة وواحد وثمانين هجرية، اتفقت حادثة مستغربة:
    وهي أن رجلاً يـُعرف بابن الفيشي دخل إلى منزله بالقرب من الجامع الأزهر، فسمع صوتـاً من جدار بيته يقول له:‏ ‏ اتـَّقِ الله وعاشر زوجتـَك بالمعروف!‏
    ‏ فظنَّ أن هذا من الجان، فإنه لم ير شيئـاً. وحدّث أصحابه بذلك، فصاروا معه إلى بيته، فسمعوا عما بدا لهم، فأجابهم المتلكم من غير أن يروا شيئـاً. فغلب على ظنهم أن هذا من الجان، وأشاعوه في الناس، فارتجـَّت القاهرة ومصر، وأقبل الناس من كل جهة إلى بيت ابن الفيشي لسماع كلام الحائط، وصاروا يحادثون الحائط ويحادثهم. فكثر بين الناس
    ( قولهم:‏ ‏ يا سلام سلـِّم، الحائط بيتكلم!‏ )
    ‏ وكاد الناس أن يفتتنوا بهذا، وجلبوا إلى ذلك الجدار من المال شيئـاً كثيراً.‏ ‏ فركب محتسب القاهرة محمود العجمي إلى بيت ابن الفيشي هذا ليختبر ما يقال، ووَكـَّلَ بابن الفيشي أحدَ أعوانه. ووقف عند الحائط وحدّثه فحادثه. فأمر بهدم الحائط. فلما هـُدم لم ير شيئـاً. فعاد إلى بيته وقد كثر تعجـّبه.‏ ‏ وازدادت فتنة الناس بالحائط. وبعث المحتسب من يكشف له الخبر: هل انقطع الكلام بعد تخريب الحائط؟ فوجده الرجلُ يتكلم كما كان قبل خرابه.‏ ‏ فتحيـّر من ذلك.
    وكان هذا المحتسب شهمـاً جريئـاً، قد مارس الأمور، وحلب الدهر أشطـُره. وكان لا يتحرك حركة إلا حـُمد عليها، ولا باشر جهة وَقـْفٍ إلا عـَمـُر خرابـُه، وإذا باشر حسبة القاهرة رخصت الأسعار، فإذا عـُزِل ارتفعت، فتقف العامة وتطلب إعادته ليـُمـْن إقباله.‏
    ‏ فلما عاد قاصده إليه، وأخبره بأن الكلام مستمرّ، قام من فوره ومعه عدة من أصحابه حتى جلسوا عند الجدار، وأخذوا في قراءة شيء من القرآن.
    ثم طلب صاحب البيت وقال له:‏
    ‏ قل لهذا المتكلم، القاضي العجمي يسلم عليك.‏
    ‏ فقال: يا سيدي، الشيخ القاضي يسلم عليك.‏
    ‏ فقال الجدار: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته.‏
    ‏ فقال المحتسب: قل له، إلى متى هذا الفساد؟‏
    ‏ فأجابه: إلى أن يريد الله تعالى.‏
    ‏ فقال: قل له، هذا الذي تفعله فتنة للناس، وما هو جيد.
    ‏ ‏ فأجابه:‏ ‏ ما بقي بعد هذا الكلام.‏
    ‏ وسكت، وهم يقولون له: يا سيدي الشيخ! فلم يكلمهم بعدها.‏
    ‏ وكان في صوته غلظة يوحي بأنه ليس بكلام إنس. فلما أيس الشيخ العجمي من مكالمته، قام عنه وقد اشتدت فتنة الناس بالحائط حتى كادوا يتخذوه معبوداً لهم. وغلوا فيه كعادتهم، وزعموا له ما شاءوا من تـُرَّهاتهم، وحمل إليه الأمراء والأعيان المأكل وغيره، والمحتسب يدبـّر في كشف الحيلة.‏ ‏ ثم ركب المحتسب يومـاً إلى دار ابن الفيشي، وقبض عليه وعلى امرأته، وعاد بهما إلى داره. وما زال يستدرجهما حتى اعترفت المرأة بأنها هي التي كانت تتكلم، وأن الذي دعاها إلى ذلك أن زوجها كان يسيء عشرتها، فاحتالت عليه بهذه الحيلة لتوهمه بأن الجان توصيه بها. فتمت حيلتها عليه، وانفعل لها، فأعلمته بما كان منها، فرأى زوجها أن تستمر على ذلك لينالا به جاهـاً ومالاً، فوافـَقـَتـْه.
    ‏ ‏ فركب المحتسب إلى الأمير الكبير وأعلمه بقول المرأة، فضرب الأمير الكبير ابن الفيشي بالمقارع، وضرب المرأة بالعصيّ نحوًا من ستمائة ضربة، وأمر بهما فسـُمِّرا على جملين، وشُهـِّرا بالقاهرة. فكان يومـاً شنيعـاً،
    عظم فيه بكاء الناس على المرأة، وكثـُر دعاؤهم على المحتسب! ‏

    من كتاب "السلوك لمعرفة دول الملوك" للمقريزي
    - جـارية ابن السمـاك

    --------------------------------------------------------------------------------

    جـارية ابن السمـاك

    ‏ تكلم ابن السماك يوماً وجارية له تسمع.
    ‏ ‏ فلما دخل قال لها:‏ ‏ كيف سمعت كلامي؟‏
    ‏ قالت:‏ ‏ ما أحسنه لولا أنك تكثِر ترْدادَه!‏
    ‏ قال:‏ ‏ أُردِّده حتى يفهمَه من لم يفهمْه.‏
    ‏ قالت:‏ ‏ إلى أن يَفهمَه من لم يَفهمْه يكون قد مَلـَّه مَن فهمَه. ‏
    - أنت لها !

    --------------------------------------------------------------------------------

    أنـت لهـا!

    استعمل معاويةُ عبدَ الرحمن بن خالد بن الوليد على الجيش وقد جاشت الروم، وكتب له عهدًا،
    ثم قال له: ‏ ‏ ما تصنع بعهدي هذا؟ ‏
    ‏ قال: ‏ ‏ أَتَّخذه إمامًا فلا أَتجاوزه. ‏
    ‏ قال معاوية: ‏ ‏ ردَّ عليَّ عهدي. ‏ ‏ وعزله.
    ثم بعث إلى سفيان بن عوف الغامدي،
    فقال له: ‏ ‏ قد ولّيتك الجيش وهذا عهدي، فما أنت صانع به؟
    ‏ ‏ قال: ‏ ‏ أَتَّخِذه إمامًا ما وافق الحَزْم، فإذا خالفَه خالفتُه وأعملتُ رأيي.
    ‏ ‏ قال معاوية: ‏ ‏ أنت لها! ‏ ‏ ‏
    ‏ من كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر العسقلاني.
    __________________
    - أحمد بن طولون والصيّاد

    --------------------------------------------------------------------------------

    أحمد بن طولون والصيّاد

    ركب أحمد بن طولون فاجتاز بشاطئ النيل فوجد عنده شيخًا صيادًا عليه ثوب خلق لا يواريه، ومعه صبي في مثل حاله من العُرْي وقد رمى الشبكة في البحر. ‏
    ‏ فرثى لهما أحمد بن طولون، وقال لنسيم الخادم: ‏ ‏ يا نسيم، ادفع إلى هذا الصياد عشرين دينارًا. ‏
    ‏ ثم رجع ابن طولون عن الجهة التي كان قصدها واجتاز بموضع الصياد فوجده ملقى على الأرض وقد فارق الدنيا والصبي يبكي ويصيح.
    فظن ابن طولون أن شخصًا قتله وأخذ الدنانير منه.
    فوقف بنفسه عليه وسأل الصبي عن خبره
    فقال الصبي: ‏ ‏ هذا الرجل ـ وأشار إلى نسيم الخادم ـ وضع في يد أبي شيئا ومضى، فلم يزل أبي يقلبه من يمينه إلى شماله ومن شماله إلى يمينه حتى سقط ميتًا.
    ‏ ‏ فقال ابن طولون لغلمانه: فتشوا الشيخ. ‏ ‏ ففتشوه فوجدوا الدنانير معه.
    وأراد ابن طولون الصبي على أن يقبض دنانير أبيه إليه فأبى،
    وقال: ‏ ‏ أخاف أن تقتلني كما قتلت أبي.
    ‏ ‏ فقال أحمد بن طولون لمن معه: ‏ ‏ الحق معه، فالغِنَى يحتاج إلى تدريج وإلا قَتَل صاحبَه.
    ‏ من كتاب "سيرة أحمد بن طولون" لابن الدَّاية. ‏

    - أَحْفَظُـهُ لك

    --------------------------------------------------------------------------------

    أَحْفَظُـهُ لك
    قال محمد بن شبيب غلام النظّام:‏ ‏ دخلتُ إلى دار الأمير بالبصرة، وتركت حماري بالفناء.
    فجاء صبيُّ وأخذ يربت على ظهر الحمار. فقلت له:‏ ‏ دَعْه!‏
    ‏ قال: إني أحفظُه لك حتى تعود.‏ ‏ قلت: لا أريد حِفْظَه.‏
    ‏ قال: يضيع إذن.‏ ‏ قلت: لا أبالي بضياعه.‏ ‏ قال: إن كنت لا تبالي بضياعه فَهَبْهُ لي.‏
    ‏ فما وجدتُ ما أردّ به عليه. ‏
    من كتاب "الكشكول" لبهاء الدين العاملي.
    كان سيد علماء اللغة وكان يجلس فى مجلس هارون الرشيد مع باقى العلماء ... فكان اذا اختلف العلماء التفت إليه هارون أمير المؤمنين قائلاً : قل يا أصمعى !!

    فيكون قوله الفصل .. ولذلك وصل الأصمعى من مرتبة اللغة الشىء العظيم وكان يُدرس الناس لغة العرب .. وفي يوم بينما هو يدرسهم كان يستشهد بالاشعار والاحاديث والآيات فمن ضمن استشهاداته قال :

    (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))

    فواحد من الجلوس (إعرابى) قال : يا أصمعى كلام من هذا؟

    فقال : كلام الله !

    قال الاعرابى : حشا لله إن يقول هذا الكلام !

    فتعجب الاصمعى و تعجب الناس .. قال : يا رجل انظر ما تقول .. هذا كلام الله !

    قال الاعرابى : حشا لله ان يقول هذا الكلام .. لا يمكن أن يقول الله هذا الكلام !!

    قال له : يا رجل تحفظ القرآن ؟!؟

    قال : لا

    قال : أقول لك هذه آية في المائدة !

    قال : يستحيل لا يمكن ان يكون هذا كلام الله !

    كاد الناس أن يضربوه ( كيف يكفر بآيات الله )

    قال الاصمعى : اصبروا .. هاتوا بالمصحف وأقيموا عليه الحجه .. فجاؤا بالمصحف .. ففتحوا وقال أقرؤا

    فقرؤوها : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )

    إذا بالاصمعى فعلا أخطا في نهاية الايه ... فآخرها عزيز حكيم ولم يكن آخرها غفور رحيم

    فتعجب الاصمعى وتعجب الناس قالوا يا رجل كيف عرفت وأنت لا تحفظ الآية ؟!؟!

    قال للاصمعى تقول :

    اقطعوا أيديهما جزاء بما كسب نكلا ... هذا موقف عزة وحكمة .. وليس بموقف مغفرة ورحمة .. فكيف تقول غفور رحيم !!

    قال الاصمعى : والله إنا لا نعرف لغة العرب !!

    __________________


    المأسآه فى الحياه ليس هى عدم وصولك الى الهدف
    بل هى ان لا يكون عند هدف تحاول الوصول اليه...........

    --------------------------------------------------------------------------------
    - أُخرج بالتي هي أحسن !

    --------------------------------------------------------------------------------

    أُخرج بالتي هي أحسن

    نزل أبو الأغر، وهو شيخ أعرابي من بني نهشل، ضيفا على بنت أختٍ له تسكن البصرة، وذلك في شهر رمضان.
    فخرج الناس إلى ضياعهم، وخرج النساء يصلِّين في المسجد، ولم يبقى في الدار غير الإماء وأبي الأغرّ.
    ودخل كلب من الطريق إلى الدار، ثم إلى حجرة فيها، فانصفق باب الحجرة ولم يتمكن من الخروج. ‏ ‏ وسمع الإماءُ الحركة في الحجرة فَظَنَنَّ لصّا دخلها، فذهبت إحداهن إلى أبي الأغر فأخبرته، فأخذ عصا ووقف على باب الحجرة
    وقال: ‏ ‏ يا هذا إنك بي لعارف. أنت من لصوص بني مازن، وشربتَ نبيذًا حامضا خبيئا حتى إذا دارت الأقداح في رأسك مَنَّتْكَ نفسُك الأماني،
    فقلتَ: أَطْرُقُ دُورَ بني عمرو والرجال في ضياعهم والنساء يصلين في المسجد فأسرِقهن. سَوْءةً لك! والله ما يفعل هذا رجلٌ حر! وبِئْسَمَا مَنَّتْك نفسُك!
    فاخرج بالتي هي أحسن وأنا أعفو عنك وأسامحك وإلا دخلتُ بالعقوبة عليك.
    وأيم الله لتخرجنّ أو لأهتفن هَتْفَةً فيجيء بنو عمرو بعدد الحصى، وتسأل عليك الرجال من ها هنا، وها هنا ولئن فعلتُ لتكوننَّ أشأم مولود في بني مازن.
    ‏ ‏ فلما رأى أنه لا يجيبه أخذ باللين فقال: ‏ ‏ أخرج بأبي أنت منصورا مستورا.
    إني والله ما أراك تعرفني، ولئن عرفتني لوثقت بقولي، واطمأننت إليّ. أنا أبو الأغر النهشلي، وأنا خالُ القوم وقُرّة أعينهم، لا يعصون لي رأيا، وأنا كفيلٌ بأن أحميك منهم وأن أدافع عنك. فاخرج وأنت في ذمتي، وعندي فطيرتان أهداهما إليّ ابن أختي البار، فخذ إحداهما حلالا من الله ورسوله، بل وأعطيك بعض الدراهم تستعين بها على قضاء حوائجك. ‏
    ‏ وكان الكلبُ إذا سمع الكلام أطرق، فإذا سكت أبو الأغرّ وثب الكلب وتحرّك يريد الخروج.
    فلما لم يسمع أبو الأغرّ ردّا قال: ‏ ‏ يا ألأم الناس! أراني في وادٍ وأنت في آخر.
    والله لتخرجن أو لأدخلن عليك. ‏
    ‏ فلما طال وقوفه جاءت جاريةٌ وقالت لأبي الأغرّ: ‏ ‏ أعرابي جبان! والله لأدخلنَّ أنا عليه! ‏ ‏ ودفعت الباب، فوقع أبو الأغر على الأرض من فرط خوفه،
    وخرج الكلبُ مبادرا فهرب من الدار. ‏
    ‏ واجتمعت الجواري حول أبي الأغرّ فقُلْن له: ‏ ‏ قم ويحك! فإنه كلب! ‏
    ‏ فقام وهو يقول: ‏ ‏ الحمد لله الذي مسخه كلبا وكفى العربَ شرَّ القتال!

    ‏ من كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة
    طرف الاخبار

    --------------------------------------------------------------------------------

    [size=4]دخلت عجوزعلى عبد الملك بن مروان وشكت له سوء الحال فقال لها عبد الملك كم تحتاجينيا اخت العرب فقالت يكفينى مائة دينار فامر لها عبد الملك بالف دينار فلما انصرفت قيل لعبد الملك انها لم تطلب سوى مائة قال فقال انما سالت على قدرها فاعطيناها على قدرنا.
    *****************************
    وكان اسماء بن خارجه يقول : ما احب ان ارد احدا عن حاجته لانه اذا كان كريما اصون عرضه وان كان لئيما اصون عنه عرضى.

    **************************
    جاء ابو سماك يطلب حاجة من ىرجل فقال للرجل لم اصن وجهى عن الطلب اليك فصن وجهك عن ردى وضعنى من كرمك بحيث وضعت نفسى من رجائك
    ****************
    __________________
    كان الحجاج بن ارطأه واليا لبنى العباس على البصره وكان شديد الاعتزاز بنفسه روى انه فى احد الايام دخل على مسجد البصره واقترب من احد العماء وجلس مع الطلبه يستمع لحديث الشيخ فقيل له لم لا ترتفع الى الصدر يابن ارطاه مكانك يجب ان يكون قرب العلماء وعلية القوم فقال الحجاج انا صدر حيث جلست.
    *****************
    خرج المهلب بن ابى صفره يوما مع ابنه فمرا على عجوز فذبحت لهما عنزا فقال المهلب لابنه كم معك من النفقه ؟فقال الابن:مائة دينار فقال الملهب :ادفعها لها. فلما ذهبا قال الابن لابيه:انها كانت ترضىباليسير فقال المهلب ان كانت يرضيها االيسير فانا لا يرضينى الا الكثير وان كانت لاتعرفنى فانا اعرف نفسىز
    **********
    - لا أرضـاها لــك !

    --------------------------------------------------------------------------------

    لا أرضـاها لــك !!
    خطب رجلٌ إلى ابن عبّاس يتيمةً يربّيها عنده،
    فقال ابن عباس:‏ ‏ لا أرضاها لك.‏
    ‏ قال:‏ ‏ ولـِمَ، وفي حـِجْرِك نَشـَأَتْ؟‏
    ‏ قال:‏ ‏ لأنها تتطلـّع إلى الرجال وتنظر.‏
    ‏ قال الرجل:‏ ‏ لا أرى في ذلك عيبًا.
    ‏ ‏ فقال ابن عباس:‏ ‏ الآن لا أرضاك لها.
    ‏ من كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة.
    15 - إنّ إلهَكـمْ لَوَاحِـدٌ !!

    --------------------------------------------------------------------------------

    إنّ إلهَكـمْ لَوَاحِـدٌ
    "
    قال بنان الطّفيلي:‏ ‏ دخلتُ يوماً على بعض بني هاشم فإذا أمامه لَوْزِينجَ من النَّشا وبياض البيض، حشوة اللوز المقشّر مع السكر والعسل الأبيض، ومندّى بالماورد، إذا أُدخِلَ الفم سُمِعَ له نَشِيش كَنَشيش الحديد إذا أخرجته من النار وغمستَه في الماء. فلم يزل يأكل ولا يطعمني.
    فقلت:‏ ‏ يا سيدي: "إنّ إلهَكُمْ لوَاحِدٌ".‏ ‏ فأعطاني واحدة.‏
    ‏ فقلت: "إذْ أرسلنا إليهم اثنين".‏ ‏ فأعطاني ثانية.‏
    ‏ فقلت: "فَعَزَّزْنَا بثالث".‏ ‏ فأعطاني ثالثة.‏
    ‏ فقلت: "فَخُذْ أربعةً من الطَّير فَصُرْهُنَّ إليك".‏ ‏ فأعطاني رابعة.‏
    ‏ فقلت: "خمسةٌ سادسُهم كلبُهم".‏ ‏ فأعطاني خامسة.‏
    ‏ فقلت: "خَلَق السموات والأرض في ستة أيام".‏ ‏ فأعطاني سادسة.‏
    ‏ فقلت: "سبع سمواتٍ طِباقاً".‏ ‏ فأعطاني سابعة.‏
    ‏ فقلت: "ثمانيةَ أزواجٍ من الضَّأن اثنين ومن المعز اثنين".‏ ‏ فأعطاني ثامنة.‏ ‏
    فقلت: "تسعةُ رَهْط يُفسِدون في الأرض".‏ ‏ فأعطاني تاسعة.‏ ‏
    فقلت: "تلك عَشَرةٌ كاملة".‏ ‏ فأعطاني عاشرة.‏
    ‏ فقلت: "يا أبَت إني رأيت أحَدَ عشر كوكباً".‏ ‏ فأعطاني الحادي عشر.‏
    ‏ فقلت: "إن عِدَّةَ الشهور عند الله اثنا عَشَر شهراً في كتاب الله".‏ ‏ فأعطاني الثاني عشر.‏
    ‏ فقلت: "إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتين".‏ ‏ فقذف بالطبق إليّ
    وقال: كُل يا ابنَ البغيضة!‏
    ‏ فقلت: والله لئن لم تُعْطيِنِه لقُلتُ: "وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون"!

    ‏ من كتاب "نثر الدّرّ" لمنصور بن الحسين الآبي. ‏

    حورية البحر
    استعراض الملف الشخصي
    رسالة خاصة إلى : حورية البحر
    البحث عن كافة مشاركات : حورية البحر
    إضافة حورية البحر إلى قائمة الصداقة


    - أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف

    --------------------------------------------------------------------------------

    أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف
    ‏ مرض أبو يوسف مرضًا شديدًا، فعاده أستاذه أبو حنيفة مرارًا. فلما صار إليه آخر مرة، رآه ثقيلاً، فاسترجع، ثم قال: لقد كنتُ أُؤَمّله بعدي للمسلمين، ولئن أُصيبَ الناسُ به ليموتَنّ علمٌ كثير. ‏ ‏ ثم رُزق أبو يوسف العافية، وخرج من العِلَّة. فلما أُخبِر بقول أبي حنيفة فيه، ارتفعت نفسُه، وانصرفت وجوه الناس إليه، فعقد لنفسه مجلسـًا في الفقه، وقصـَّر عن لُزوم مجلس أبي حنيفة. ‏ ‏ وسأل أبو حنيفة عنه فأُخبر أنه عقد لنفسه مجلسًا بعد أن بلغه كلام أستاذه فيه. فدعا أبو حنيفة رجلاً وقال له: ‏ صـِرْ إلى مجلس أبي يوسف، فقل له: ما تقول في رجل دفع إلى قَصَّار ثوبًا ليصبغه بدرهم، فصار إليه بعد أيام في طلب الثوب، فقال له القصار: ما لك عندي شيء، وأنكره. ثم إن صاحب الثوب رجع إليه، فدفع إليه الثوب مصبوغًا، أَلَه أجرُه؟ فإن قال أبو يوسف: له أجره، فقل له: أخطأت. وإن قال: لا أجرَ له فقل له: أخطأت! ‏ ‏ فصار الرجل إلى أبي يوسف وسأله، فقال أبو يوسف: ‏ ‏ له الأجرة. ‏ ‏ قال الرجل: أخطأت. ‏ ‏ ففكر ساعة، ثم قال: ‏ ‏ لا أجرة له. ‏ ‏ فقال له: أخطأت! ‏ ‏ فقام أبو يوسف من ساعته، فأتى أبا حنيفة. فقال له: ‏ ‏ ما جاء بك إلا مسألةُ القصَّار. ‏ ‏ قال: أجل. ‏ ‏ فقال أبو حنيفة: ‏ ‏ سبحان اللّه! من قعد يُفتي الناس، وعقد مجلسًا يتكلم في دين اللّه، لا يُحسن أن يجيب في مسألة من الإجارات؟! ‏ ‏ فقال: ‏ ‏ يا أبا حنيفة، علِّمني. ‏ ‏ فقال: ‏ ‏ إنْ صبغه القصار بعدما غَصَبه فلا أجرة له، لأنه صبغ لنفسه، وإن كان صبغه قبل أن يغصبه، فله الأجرة، لأنه صبغه لصاحبه. ‏ ‏ ثم قال: مَن ظن أن يستغني عن التعلُّم فَلْيَبكِ على نفسه. ‏ من كتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي. ‏
    - أَتَعْرِفـُني؟

    --------------------------------------------------------------------------------

    أَتَعْرِفـُني؟
    ‏ خرج الحجاج يوماً إلى ظاهر الكوفة منفردا، فرأى رجلاً أعرابياً
    فقال له:‏ ‏ ما تقول في أميركم؟
    ‏ ‏ قال: الحجاج؟‏
    ‏ قال: نعم.‏
    ‏ قال الأعرابي: عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين!‏
    ‏ فقال الحجاج: أتعرفني؟ ‏
    ‏ قال: لا.‏
    ‏ قال: أنا الحجاج.‏
    ‏ فقال الأعرابي: وأنت، أتعرفني؟ ‏
    ‏ قال: لا.‏
    ‏ قال: أنا مولى بني عامر، أُجَنُّ في كل شهر ثلاثة أيام، وهذا اليوم هو أَشَدُّها!‏ ‏ فضحك الحجاج من قوله وتركه. ‏ من كتاب "سرح العيون" لابن نُباتة. ‏
    - ادفعوهن إلى الطبـّاخ

    --------------------------------------------------------------------------------

    ادفعوهن إلى الطبـّاخ
    كتب أَسد بن جهور، وكان ممن تصرّف في الأعمال الجليلة، إلى بعض العمال، أن احمل لنا مائتي جوانبيرة (وهي كلمة فارسية المراد بها النـّصـَف من النساء التي بين الشابـّة والمسنـّة).
    فقال العامل: ‏ ‏ ما يصنع بهؤلاء العجائز!! ‏
    ‏ ثم حصـَّل منهن ما أمكن، وأنفذهنّ طـَوْعـًا أو كرهـًا. ‏
    ‏ فلما وصلن إلى بابه، وقرأ كتاب العامل بإنفاذهن،
    قال: ‏ ادفعوهنّ إلى الطبـّاخ، وتقدَّموا إليه بأن يذبح لنا في كل يوم ما نحتاج إليه! ‏
    ‏ فقيل له: إنهن نساء! ‏
    ‏ فقال: ‏ ‏ إنـّا للّه! إنما أردت الجوامركات (وهو نوع من الدّجاج طيب اللحم) فغلطت!
    ‏ من كتاب "الهفوات النادرة" لمحمد بن هلال الصابئ. ‏
    - أتدري بماذا غفرتُ لك؟

    --------------------------------------------------------------------------------

    أتدري بماذا غفرتُ لك؟
    ‏ يروى أن بعض أصحاب الشبلي رآه في النوم بعد موته، فقال له: ‏ ‏ ماذا فعل الله بك؟
    ‏ ‏ قال الشبلي: ‏ ‏ أوقفني الله بين يديه وقال: يا أبا بكر، أتدري بماذا غفرت لك؟ ‏ ‏ قلت: بصالح عملي؟ ‏ ‏ قال: لا. ‏ ‏ قلت: بإخلاصي في عبوديتي؟ ‏
    ‏ قال: لا. ‏ ‏ قلت: بحجي وصومي وصلاتي؟
    ‏ ‏ قال: لا. لم أغفر لك بذلك. ‏ ‏ قلت: بهجرتي إلى الصالحين و إدامة أسفاري في طلب العلوم؟
    ‏ ‏ قال: لا. ‏ ‏ قلت: فهذه يا رب هي المنجيات التي كنت أعقد عليها خنصري وظني أنك تعفو عني وترحمني. ‏
    ‏ قال: كل هذه لم أغفر لك بها. ‏ ‏ قلت: فَبِمَ يا رب؟ ‏ ‏
    قال: أتذكر حين كنت تمشي في دروب بغداد، فوجدت هرة صغيرة قد أضعفها البرد، وهي تنزوي من جدار إلى جدار من شدة البرد والثلج، فأخذتها رحمة لها، وأدخلتها في فروٍ كان عليك وقاية لها؟ ‏ ‏ قلت: نعم!
    ‏ ‏ قال: برحمتك لتلك الهرة رحمتك.
    ‏ من كتاب "تاريخ دمشق" لابن عساكر.‏

    - أطبـاق الفستـق

    --------------------------------------------------------------------------------

    أطبـاق الفستـق

    شكا الحجاجُ إلى تياذوق الطبيب تعباً في معدته وكبده. فوصف له العبثَ بالفستق.
    فذكر الحجاجُ ذلك لجواريه، فلم يبق له جارية إلا قشرت له طبقاً عظيماً من الفستق وبعثت به إليه.‏ ‏ وجلس الحجاج مع مسامريه، فأقبل يستفّ الفستق سفَّاً،
    فأصابه إسهال كاد يأتي على نفسه فشكا ذلك إلى تياذوق،
    فقال: ‏ ‏ إنما أمرتك أن تعبث بالفستق، وأردتُ بذلك الفستقَ الذي بقشره لتتولى أنت كسرَ الواحدة بعد الواحدة. ومصُّ قشر الفستق يُصلح معدة مثلك من الشباب الممرورين،
    وأكل بعض الفستق نفسه يصلح الكبد. وكان قصدي أنك إذا أكلت ما في الفستقة وحاولت كسر أخرى، لم يتم لك كسرها إلا وقد هضمت الفستقة التي قبلها.
    فأما ما فعلته أنت فليس بعجيب أن ينالك معه أكثر مما أنت فيه!
    ‏ من كتاب "طبقات الأطباء" لابن أبي أصيبعة

    حكايات عربية ...............كل يوم حكاية

    --------------------------------------------------------------------------------

    1 - أنحـس مركــوب

    اشترى رجل دابة من دميرة، فوجد بها عيوباً كثيرة، فحضر إلى القاضي يشكو البائع فقال:‏ ‏ أيها القاضي، إني بحكمك راض. اشتريت من هذا الغريم دابة، ادعى فيها الصحة والسلامة، فوجدت بها عيوباً، أعقبتني ندامة. فقال القاضي ما عيوبها؟ فقال:‏ ‏ كلها عيوب وذنوب، وهي أنحس مركوب، إن ركبتها رفست، وإن سقتها رقدت، وإن نزلت عنها شردت، حدباء جرباء. لا تقوم حتى تحمل على الخشب. ولا تنام حتى تكبل بالسلب. إن قربت من الجرار كسرتها. وإن دنت من الصغار رفستهم، وإن دار حولـَها أهل الدار كدمتهم. تمشي في سنة أقل من مسافة يوم، الويل لراكبها إن وثب عليه القوم. متى حملتها لا تنهض، تقرض حبلها، وتجفل من ظلها، ولا تعرف منزل أهلها. حرونة ملعونة مجنونة. تقلع الوتد، وتمرض الجسد، وتفتت الكبد، ولا تركن إلى أحد. واقعة الصدر، محلولة الظهر، عمشاء العينين. قصيرة الرجلين. مقلـَّعة الأضراس. كثيرة النعاس. مشيها قليل، وجسمها نحيل، وراكبها بين الأعزاء ذليل، تجفل من الهوى، وتعثر بالنوى، تحشر صاحبها في كل ضيق. وتنقطع به في الطريق، وتعض ركبة الرفيق. فإن قبلها فأكرم جانبه ولا تحوجني أن أضاربه. فضحك القاضي وحكم برَدّها. ‏
    قصة أبي نواس مع شاعر الأندلس

    ‏ كان عباس بن ناصح، الشاعر الأندلسي، لا يَقْدم من المشرق قادمٌ إلا سأله عمَّن نَجَمَ هناك في الشعر، حتى أتاه رجل من التجار فأعلمه بظهور أبي نواس، وأنشده من شعره قصيدتين؛ إحداهما قوله: ‏ ‏ جَرَيْتُ مع الصِّبا طَلـْقَ الجُمُوحِ ‏ ‏ والثانية: ‏ ‏ أما ترى الشمس حَلـَّت الحَمَلا ‏ ‏ فقال عباس: ‏ ‏ هذا أشعرُ الجن والإنس. واللّه لا حبسني عنه حابس. ‏ ‏ فتجهَّز إلى المشرق. فلما حلَّ بغداد نزل منزِلة المسافرين، ثم سأل عن منزل أبي نواس، فأُرشـِد إليه، فإذا بقصر على بابه الخـُدَّام. فدخل مع الداخلين، ووجد أبا نواس جالسًا في مقعد نبيل، وحولَه أكثرُ متأدّبي بغداد، يجري بينهم التمثل والكلام في المعاني. فسلّم عباس وجلس حيث انتهى به المجلس، وهو في هيئة السفر. ‏ ‏ فلما كاد المجلس ينقضي، قال له أبو نواس: مَن الرجل؟ ‏ ‏ قال: باغي أدب. ‏ ‏ قال: أهلاً وسهلاً. من أين تكون؟ ‏ ‏ قال: من المغرب الأقصى. وانتسب له إلى قرطبة. ‏ ‏ فقال له: أَتَرْوي من شعر أبي المخشيّ شيئًا؟ ‏ ‏ قال: نعم. ‏ ‏ قال: فانشِدني. ‏ ‏ فأنشده شعره في العمى. فقال أبو نواس: ‏ ‏ هذا الذي طَلَبَتْه الشعراء فَأَضَلَّتْه. أنشـِدني لأبي الأجرب. ‏ ‏ فأنشده. ثم قال: أنشدني لبكْر الكنانيّ. ‏ ‏ فأنشده. ثم قال أبو نواس: ‏ ‏ شاعر البلد اليوم عباسُ بن ناصح؟ ‏ ‏ قال عباس: نعم. ‏ ‏ قال: فأنشِدني له. فأنشده: ‏ ‏ فَأَدْتُ القَريض ومَنْ ذا فَأَدْ ‏ ‏ فقال أبو نواس: أنت عباس؟ ‏ ‏ ‍‍‍‍‍قال: نعم! ‏ ‏ فنهض أبو نواس إليه فاعتنقه إلى نفسه، وانحرف له عن مجلسه. فقال له مَن حضَر المجلس: ‏ ‏ من أين عرفَته أصلحك اللّه؟ ‏ ‏ قال أبو نواس: ‏ ‏ إني تأمّلته عند إنشاده لغيره، فرأيته لا يُبالي ما حدث في الشعر من استحسان أو استقباح. فلما أنشدني لنفسه استَبَنْتُ عليه وَجْمَةً، فقلت: ‏ ‏ إنه صاحبُ الشِّعر! ‏ ‎‎ من كتاب "طبقات النحويين واللغويين" للزُّبيدي الأندلسي. ‏
    - أَحْسـَنْتِ!

    --------------------------------------------------------------------------------

    أَحْسـَنْتِ!
    دخل رجل على ابن شبرمة القاضي ليشهد في قضية. فقال له ابن شبرمة:‏ ‏ لا أقبل شهادتك.‏ ‏ قال: ولِمَ؟ ‏ ‏ قال: بلغني أن جاريةً غَنّت في مجلسٍ كنتَ فيه، فقلتَ لها: أحسنتِ!‏ ‏ قال الرجل:‏ ‏ قلتُ لها ذلك حين ابتدأت أو حين سكتتْ؟‏ ‏ قال: حين سكتت.‏ ‏ قال: إنما استحسنتُ سكوتَها أيها القاضي.‏ ‏ فَقبِلَ شهادته. ‏ من كتاب "الكشكول" لبهاء الدين العاملي

    - أعيتـه الحيلــة

    --------------------------------------------------------------------------------

    أعيتـه الحيلــة
    ‏يعتبر أبو جعفر المنصور، رجل بني العباس، والمؤسس الثاني لدولتهم، بعد أن انتقلت إليهم الخلافة من بني أمية، وكان إذا دخل البصرة أيام الأمويين، دخل متنكراً متكتمـاً، وكان يجلس في حلقة أزهر السمان العالم الثبت المتحدث؛ فلما أفضت الخلافة إليه، قدم عليه أزهر فرحب به وقربه وقال:‏ ‏ ما حاجتك يا أزهر؟‏ ‏ فقال: يا أمير المؤمنين، داري متهدمة، وعليّ أربعة آلاف درهم، وأريد أن أزوج ابني محمداً، فوصله باثني عشر ألف درهم، وقال له:‏ ‏ قد قضينا حاجتك يا أزهر، فلا تأتنا بعد اليوم طالباً، فأخذها وارتحل. فلما كان بعد سنة أتاه، فقال له أبو جعفر:‏ ‏ ما حاجتك يا أزهر؟ فقال:‏ ‏ جئت مسلماً، فقال:‏ ‏ لا والله بل جئت طالباً، وقد أمرنا لك باثني عشر ألفاً، فاذهب ولا تأتنا بعد اليوم طالباً ولا مسلماً. فأخذها ومضى؛ فلما كان بعد سنة أتاه، فقال له:‏ ‏ ما حاجتك يا أزهر فقال:‏ ‏ أتيت عائداً. فقال:‏ ‏ لا والله بل جئت طالباً، وقد أمرنا لك باثني عشر ألفاً، فاذهب ولا تأتنا بعد اليوم طالباً ولا مسلماً ولا عائداً، فأخذها، وانصرف. فلما مضت السنة أقبل، فقال له:‏ ‏ ما حاجتك يا أزهر؟ فقال:‏ ‏ يا أمير المؤمنين، دعاء كنت سمعتك تدعو به جئت لأكتبه. فضحك أبو جعفر وقال:‏ ‏ الدعاء الذي تطلبه مني غير مستجاب، فإني دعوت الله به ألا أراك، فلم يستجب لي. وقد أمرنا لك باثني عشر ألفاً، وتعال إذا شئت، فقد أعيتنا الحيلة فيك. ‏

  2. #2

  3. #3
    شكرا اختي مع انها مطولة
    بس ممتعة
    لي عودة

المواضيع المتشابهه

  1. حكايا زمان
    بواسطة ريم بدر الدين في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-07-2013, 08:56 AM
  2. من حكايا الجدة
    بواسطة ابن الهضاب في المنتدى حكايا وعبر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-31-2009, 11:42 PM
  3. حكايا لا تنتهي
    بواسطة محمود ابو اسعد في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-21-2008, 06:43 AM
  4. حكايا من ضوء السياسة
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى حكايا وعبر
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 03-25-2007, 04:45 PM
  5. حكايا عربية
    بواسطة بنان دركل في المنتدى حكايا وعبر
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 10-10-2006, 10:05 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •