أدب اللجوء السوري، الشتات والتعبير الأدبي

الكاتب: محمد السلوم31 يناير 2018نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
المحتويات
مقدمةأولًا: أدب اللجوء؛ نحو مدخل تعريفيثانيًا: أدب اللجوء العربي

ثالثًا: أدب اللجوء السوريخاتمة
مقدمة

بات موضوع “اللجوء” واحدًا من أكثر المصطلحات رواجًا في العصر الحديث، ومن أكثر المصطلحات الاجتماعية والسياسية والنقدية تداولًا بين النقاد والباحثين والمفكرين، فهو يمس جانبًا من جوانب أزمة الإنسان الحديث الذي بات منفصلًا انفصالًا حادًّا لم يسبق له مثيل سواء عن الطبيعة أم عن المجتمع، ويعاني توترًا نفسيًا وقلقًا مؤرقًا وعدم الشعور بالقدرة على الانسجام مع أفراد مجتمعه في وطنه الأم أو في أوطان اللجوء الجديدة أو حتى التفاعل مع المجتمعات المختلفة عنه لغويًّا وثقافيًّا وحضاريًّا ([1]).ألقت ظاهرة اللجوء بظلالها على حياة الإنسان فكريًّا ونفسيًّا وعضويًّا ليغترب جغرافيًّا بجسده عبر اللجوء من مكان إلى آخر أو بالانطواء على الذات ورفض الأعراف الاجتماعية السائدة أو بإنكار النظام القائم بأيديولوجياته جميعها، وأحيانًا بنبذ القيم الدينية والروحية.ومنذ ست سنوات ونيف باتت فكرة “اللجوء” وواقعه جزءًا من نسيج الحياة الثقافية والاجتماعية السورية سواء في الداخل السوري أم في دول “الشتات” التي توزعوا فيها.مثلت حالة “اللجوء” بوصفها فكرة وواقعًا سبغا حياة السوريين ما يشبه الصدمة بعد عقود طويلة كانوا فيها يؤدون دور الحاضن للاجئين ومهاجرين من ثقافات مختلفة. وربما لهذا السبب كان التعبير الفني والأدبي عن هذه الحالة الجديدة سريعًا في الظهور، تمظهر بأجناس أدبية وفنية عدة مثل الرواية والقصة والشعر.تهتم هذه الدراسة بأدب اللجوء السوري، وتتطرق بشكل موجز لأعمال أدبية عدّة، تعكس واقع اللجوء الثقافي والاجتماعي والسياسي.انطلقت الدراسة من سؤال بحثي هو:ما الدوافع التي ساعدت في ظهور هذا الأدب بوضوح أكثر في هذا العصر؟وجرى تتبع علاقة أدب اللجوء بالتغيرات الاجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وغيرها من تمظهرات اللجوء في الأعمال الأدبية.أولًا: أدب اللجوء؛ نحو مدخل تعريفي

تنص “المادة 14” من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: “لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى. والتمتع به خلاصا من الاضطهاد”([2]). ويقول الكاتب السوري عبد الحميد محمد في تصديه لسوسيولوجيا اللجوء ومفهومه: “تبدو كلمة لاجئ كصفة مكناة لفرد ما، كافية لتبدو مذمة له، وترى التأفف باديا على محياه فهي تمتد على سيل مفتوح من الصفات كالعوز والحاجة لكن الأمان يتصدر كل الاحتياجات”([3]). ويرى المفكر الفلسطيني “إدوارد سعيد” أن اللاجئ المنفي هو أكثر الأقدار مدعاة للكآبة، لكن “سعيد” ذاته ينطلق من مقولة شهيرة لفيكتور هوجو: “الإنسان الذي يرى وطنه أثيرا على نفسه هو إنسان غفل طري العود أما الإنسان الذي ينظر إلى أي تربة وكأنها تربة وطنه فهو إنسان قوي أما الإنسان الكامل فهو ذلك الإنسان الذي يرى العالم بأسره غريبا عليه”، وذلك ليعيد النظر في فكرة المكان، ويطرح فكرة جديدة هي “المنفى”، فهو يرى أن تلك الهجرات البشرية الضخمة التي ارتبطت بالحرب والكولونيالية وإزالة الكولونيالية والتطور الاقتصادي والسياسي وتلك الحوادث المدمرة مثل المجاعة والتطهير العرقي ومكائد القوى العظمى([4])، كان لها الأثر الكبير في المكان، بحيث إن التغيرات راحت تعتري المحيط والإنتاج الثقافي، ما أدى إلى تغير العلاقة بين المكان والمقيمين فيه، ومن ثم “كان على المنفيين والمهاجرين واللاجئين والمغتربين المجتثين من أوطانهم أن يعمل في محيط جديد إذ يشكل الإبداع فضلا عن الحزن الذي يمكن تبنيه في ما يعملونه واحدة من التجارب التي ما تزال تنتظر مؤرخيها، فالمنفى من وجهة نظر سعيد ليس محض حالة جغرافية أو مكانية، وإنما هو محنة يتأتى عنها ([5]) ضرب من الإلحاح، كي لا نقول ضروبًا من تقلقل الرؤية أو تردد القول يجعل استخدام اللغة شيئًا أشد تشويقًا وأكثر آنية مما لوكان الأمر بخلاف ذلك.وبما أنه كان من بين اللاجئين عمومًا، والسوريين خصوصًا، كتاب وصحافيون ومفكرون وروائيون وشعراء وفنانون ومسرحيون، فلا بد لهؤلاء أن ينتجوا ذلك الإبداع وذلك التأريخ، وأن يشكلوا ظاهرة حياة، فمنهم من استعاد ذاكرة المكان المفقود وقسوة المكان المستحضر، ومنهم من وقف شاهدًا على الحوادث التي عاشها في مواجهة قمع استبدادي بلا حدود.تهدف الدراسات الثقافية وأبعادها الاجتماعية والسياسية والاجتماعية بالأساس إلى تفكيك البنى التي تسهم في تحديد العلاقة بين السلطة والممارسات الثقافية الناتجة منها، وهي من جانب آخر ليست محض دراسة للثقافة، وإنما فهم جوهري لآليات التأثر والتأثير في أشكالها المختلفة والمتعددة والمركبة أحيانًا ([6]). وقد تلجأ إجرائيًا إلى تحليل السياق الاجتماعي والسياسي ذلك أنها “ليست نظامًا”، وإنما هي مصطلح تجميعي لمحاولات عقلية مستمرة ومختلفة تنصب على مسائل عدة، وتتألف من أوضاع سياسية وأطر نظرية مختلفة ومتعددة.إذًا يحاول أدب اللجوء فهم سلوك الجماعات المهاجرة، وكثيرون يحاولون الانخراط في المجتمعات على نحو ما يقتضي العالم منهم ذلك، ولكنهم سيجدون الحواجز مرتفعة للغاية والجروح التي تصيبهم بالغة العمق، وأدب اللجوء هو أدب سياسي واجتماعي على نحو هادئ، فالقلب السياسي الاجتماعي له يعيش ثورة داخل لاجئ تمزق داخله ويعيش انقساماته الداخلية، وهو صارخ أحيانًا في كشف شخصية الأغلبية اللاجئة المكتئبة والوحيدة والمنعزلة للغاية والبعيدة عن الحياة كل هذا البعد وحتى غير الناجحة، على الرغم من المحاولات العبثية لردم تلك الهوة. قد يسعد بعض اللاجئين برؤية نجاح بعض أبناء هويتهم الأم وقد أنجزوا شيئًا جيدًا، ولكن ذلك يحمل الثقل الكثير فضلًا عن الرفض والاستنكار، ولكن أدب اللجوء يتصدى لذلك الأمر، فينظر للاجئين بوصفهم فاعلين لا ضحايا فحسب.ويرى “سعيد” في عمله “خارج المكان”([7]) أنه إلى جانب اللغة كانت الجغرافيا في مركز الذكريات خصوصًا جغرافية الارتحال من مغادرة ووصول ووداع ومنفى وشوق وحنين إلى الوطن وانتماء، فكل مكان يملك شبكة كثيفة ومركبة من العناصر الجاذبة لتشكل جزءًا عضويًا من عملية النمو واكتساب الهوية وتكوين الوعي، مع أن الهوية ذاتها تتكون من تيارات وحركات لا من عناصر ثابتة جامدة، وهي هوية مرتبكة نتيجة تغيير المكان والصدمة ومواجهة ثقافات تختلف في طبيعتها.الأدب الروائي أو الفكرة الروائية تبدأ بفهم الجماعة بوصفها جماعة لا أفرادًا، ويقول بذلك منظّرو الرواية الحديثة لأنها تنظر إلى المجتمع من الداخل بعمق ودراسة، والأدب يستوعب السياسة والاجتماع والاقتصاد في وحدة إيديولوجية كاملة، ولكنه يعود إلى صوغ العمل الفني في المستوى الذي يخاطب كينونة الإنسان في أغوارها العميقة، ومن هنا تكتسب الرواية قيمتها بوصفها بحثًا اجتماعيًا ووثيقة سياسية ونبوءة تاريخية، فالأديب هو “التحرر المعنوي الأصعب وهو وحده الذي يستطيع أن يكون نبوءة الثورة في ما إذا عرف أن حريته هي حرية الآخرين التاريخية ([8]).إن بمقدور المنفى أن يولد الضغينة والالتياع، غير أن بمقدوره أيضًا أن يولد رؤية حادة وماضية، فما خلفه المرء وراءه يمكن أن يكون مثارًا للندب والتفجع، ويمكن أن يستخدم في توفير مجموعة مغايرة من العدسات، ولأن المنفى والذاكرة يسيران معًا بالتعريف تقريبًا، فإن ما يتذكره المرء من الماضي والكيفية التي يتذكر بها هو ما يحدد كيف ينظر هذا المرء إلى المستقبل ([9]).أدب اللجوء يواجه التغريبة السورية وغير السورية من مختلف الشعوب، ويحاول كشف الأخطاء الأخلاقية، ويشكل حالة ملحمية من تجربة حقيقية، وهو الأدب الذي كسب اللاجئون فيه حرية الفكر بعد سلطة استبدادية غاشمة تقمع، وهو حرية التعبير عن هذا الفكر المتحرر ويمكن عدّه أدب نبوغ فكري، ويمثل إنسان العصر الغريب الجامح في قسوته ([10]).عندما وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بداية العام 2017 أمرًا بمنع دخول مواطني سبع دول أغلبها دول عربية فضلًا عن قراره إغلاق أميركا إلى أجل غير مسمى في وجه اللاجئين السوريين تصدى له المجتمع الأميركي والقوى الاجتماعية والسياسية الأميركية، وتمكنت بفضل حراكها الإعلامي والجماهيري وقرارات قضاة الولايات الأميركية إسقاط القرار وإلغاءه، وأبرز الإعلام الأميركي في أثناء تلك الحملة إبداعات اللاجئين الروائية، وبرز في الإعلام الأميركي أدب اللجوء كونه حالة إبداعية وإضافة إنسانية وإثراء لا مثيل له، فالإدارة الأميركية تريد إظهار اللاجئين على أنهم ليسوا أكثر من إرهابيين محتملين، والحقيقة أنهم ليسوا سوى أناس يعيشون محنة ومعرضين للخطر من اضطهاد وتعذيب واعتقال وبحاجة إلى المساعدة، وأبرز الإعلام الأميركي عددًا من الروائيين العظماء الذين كانوا أنفسهم لاجئين في وقت من الأوقات فكان فلاديمير نابوكوف لاجئًا، وهكذا كان فيكتور هوجو وبيرتولت بريخت علاوة على ألبرت أينشتاين وأسماء رائدة في المجالات كافة.لقد سلط أدب اللجوء الضوء على تجربة إنسانية واجتماعية غنية ظهرت في السنوات الأخيرة، مثل رواية “الوهم الأخير” للروائية الإيرانية اللاجئة بوروشيستا خاكبور ([11]) التي فرت مع أهلها من إيران عام 1981 عندما كانت ابنة ثلاثة أعوام، وعاشت بدايات الحرب العراقية الإيرانية ثم لتعيش في شقتها حوادث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام 2001 لترى بأم عينيها انهيار البرجين.وبرزت الروائية والفنانة الفلسطينية اللاجئة في أميركا ليلى عبد الرزاق عبر روايتها “مخيم البداوي”، والروائي واللاجئ السوري نهاد سيريس برواية “الصمت والضجيج”([12]) الذي غادر سورية عام 2012 وهو من أطلق شعار الصمت لنا والضجيج للزعيم، وعلى الرغم من روايته التي نشرت عام 2004 وحُظِرت آنذاك في سورية إلا أنها استشراف لثورة 2011 بأن لهذا الصمت حدودًا سينفجر بعدها، وتعرض بسبب هذه الرواية وبخاصة بعد الثورة السورية لكثير من المضايقات ومحاولات إسكاته، ما أجبره على المغادرة إلى مصر فالولايات المتحدة وأخيرًا لاجئًا في ألمانيا، فقد رفض أن يكون مصدرًا من مصادر الضجيج بوصفه بوقًا من أبواق الدكتاتور، وتدخل روايته في سياق أدب اللجوء لأسباب عدّة؛ أن الرواية ذاتها تحولت إلى سبب في لجوئه وتحول مصيره كمصير بطل روايته الصمت والضجيج، والثاني لجوء الكاتب ذاته، والثالث تُرجمت روايته إلى لغات عدة في العالم آخرها الألمانية في زيوريخ بسويسرا كونها تفسير للجوء هذا الشعب الذي رفض الصمت الأبدي والخضوع للنظام، وترجمت إلى الإنكليزية، وتعد إحدى أهم روايات أدب اللجوء في الولايات المتحدة، وقد عدّها النقاد الأميركيون ضمن هذا الأدب.ومن رواد أدب اللجوء العالميين الروائي الأفغاني اللاجئ في الولايات المتحدة “خالد حسيني” الذي قدم روايات مهمة من أهمها “عداء الطائرة الورقية” و”ألف شمس مشرقة”، وقد لجأ إلى الولايات المتحدة عام 1980 في إثر التدخل السوفياتي في أفغانستان، وجرى تعيينه سفيرًا للنوايا الحسنة لشؤون اللاجئين، وزار اللاجئين السوريين في الزعتري وغيره من مخيمات اللجوء السوري، وكتب ببلاغة مؤثرة عن أزمة اللاجئين السوريين.أما اللاجئ الأثيوبي “ديناو منجيستو” وقد نجا والده من دكتاتور أثيوبيا “هيلا سيلاسي” وإرهابه الدموي عام 1978 ففر إلى إيطاليا ثم إلى نيويورك، وكتب روايتين هما الأشهر في أدب اللجوء “الأشياء الجميلة التي تحملها السماء” ورواية “أبناء الثورة” عن ثلاثة لاجئين أفارقة أحدهم أثيوبي يمتلك بقالية في واشنطن العاصمة، في محاولة لمعالجة علاقته الخاصة مع بلد اللجوء أميركا وهويته بوصفه جزءًا من الشتات الأفريقي، فضلًا عن عدم ارتياحه من تطهير حيه وعنصرية البيض تجاههم، ومحاولة فهم سلوك جماعات اللجوء ليعيش نوعًا من الاغتراب.أما الروائي البوسني اللاجئ “ألكسندر هيمون” فقدم روايته “كتاب حياتي” عام 1992 حين كان يزور شيكاغو في ما كان وطنه تحت الحصار فتقطعت به السبل، وعالج في روايته انغلاق الأبواب كافة في وجه اللاجئين بانتظار موتهم وتلاشيهم، ومن ثم على اللاجئ أن يخاطر بحياته التي قد يفقدها سواء في عبور البحر أم سيرًا على الأقدام فقط في سبيل العيش في ظل حياة مستقرة.وتبرز الروائية الفيتنامية اللاجئة في الولايات المتحدة الأميركية “ثانها لاي” في روايتها إثر سقوط سايغون “من الداخل للخارج والعودة مرة أخرى” والروائي الألباني اللاجئ أيضًا “إسماعيل قدير” في روايته “قصر الأحلام”.أما الكاتبة الأميركية “لورين أدامز” التي تحدثت في روايتها “اختفاء” عن قصة لاجئ جزائري هو عزيز أركون الذي وصل إلى بوسطن عام 1999 بعد ثلاث محاولات عبر المحيط حتى وصل بناقلة قضى فيها مختبئًا 52 يومًا، وقد عاش مثل أي لاجئ شكوكًا مستمرة ومشقة وغموض مصير ومستقبل، في حين كتب الروائي الأميركي “ديف اغرز” رواية “ماذا هو الماذا” عن قصة لاجئ سوداني هو “فالنتينو اشاك دنغ” الذي سافر آلاف الأميال هربًا من العنف وعاش مخيمات اللجوء ليصل في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة ضمن برنامج لدعم الأطفال المفقودين في السودان، والروائي الأميركي “مايكل تشابون” بروايته “مغامرات مذهلة من كافالييه والطين” يتحدث فيها عن لاجئ يهودي وصل إلى نيويورك في عمر 19 عامًا من براغ هربًا من النازية ويحاول بطل الرواية اللاجئ العثور على شقيقه الصغير لإيصاله إلى بر الأمان الأميركي.ثانيًا: أدب اللجوء العربي

ظهر أدب اللجوء العربي بوضوح بعد ثلاث نكبات: الأولى بين عامي 1948 و1967 بسبب الكيان الصهيوني والصراع العربي الإسرائيلي.غزو العراق من قوات الاحتلال الأميركية في عام 2003 الذي أدى إلى لجوء ملايين العراقيين نحو دول الجوار وأوروبا وأستراليا.النظام السوري الذي واجه ثورة الشعب السوري في عام 2011 بقمع شديد أفضى إلى لجوء حوالى نصف الشعب السوري.وقبل ثورة 2011 في سورية كان هناك أدب لجوء حقيقي على مرجعية نكبة 48 للاجئين الفلسطينيين وعلى مرجعية نكسة 67 للنازحين السوريين من الجولان واللجوء العراقي إلى سورية عام 2003.ونذكر هنا رواية (قصر شمعايا) للروائي الفلسطيني علي الكردي ([13]) التي جسدت اللجوء الفلسطيني في دمشق في حارة اليهود، وظهر في سورية أدب النزوح السوري من الجولان بعد عام 1967 مثل رواية (عجوز البحيرة) للروائي والباحث السوري ابن الجولان السوري المحتل “تيسير خلف”([14])، التي تناولت النزوح السوري من الجولان، إذ نزح 130 ألف سوري من أبناء الجولان في عام 1967.يرصد الكاتب التحولات لشخصيات عدة بين حنين إلى بحيرة “الحولة” التي استولت عليها إسرائيل، وقامت بطمرها، وتلك الليالي التي قضاها الجد تحت ضوء القمر وفي ليالي البحيرة مع زوجته ليعيش في غرفة ضيقة في مخيمات اللجوء السوري في ضواحي دمشق أشبه بالقبر. وترصد الرواية رجلًا يعتنق الماركسية ثم يتحول إلى رجل دين خلال وجوده في إحدى الدول الآسيوية الإسلامية، وهو يخرج على المكان التقليدي والحفيد المثقف الذي حاول التقرب من ابنة العاصمة الدمشقية وحاول استمالة قلبها بعد أن دعاها إلى بيته المتواضع في مخيم النازحين، لكنها تأنفت عليه، ولم تتحمل رائحة العفن في منزله، وكأن ذاك النزوح أو اللجوء السوري داخل سورية بعد ضياع الجولان يعود لينبثق بطريقة مجتمعية أكثر تفجرًا بذات مخيمات النازحين السوريين بعد 2011.1- التجربة الفلسطينية؛ كنفاني نموذجًا

كتب اللاجئ والروائي الفلسطيني غسان كنفاني عن فلسطينين، هما فلسطين المحتلة وفلسطين المنفية، وكان أديب اللجوء الثوري المقاوم، فهو كاتب اجتماعي سياسي خلاق بمعنى أنه باحث على هذين الصعيدين في الوقت نفسه، محاولًا الإجابة عن سؤال: أين المجتمع الفلسطيني؟. إنه في القضية الفلسطينية، ذلك أن الفرق بين القضية والمجتمع في المعضلة الفلسطينية مسألة لا يمكن العثور عليها، وهما يشكلان جناحي الرؤية للأديب الثوري واللاجئ في الوقت نفسه، وخبزه اليومي، وهنا نقف أمام نقطة شديدة التمركز في المتراس الذاتي للكاتب الفلسطيني، إذ إنه يتمترس في الاجتماعي – السياسي، وهذا هو (حصاره التاريخي) من أجل أن يكون إنسانًا، لذلك فهو يتعذب في هذا المتراس عذابًا يشبه عذاب الأنبياء، لذلك يتمترس أدب اللجوء في الاجتماعي- السياسي، وينطلق منه باتجاه عدو الإنسان (الظلم القومي، الطبقي والاضطهاد العنصري والاستبداد)، وقد عالج الأديب اللاجئ غسان كنفاني قضايا عدّة أهمها:أ- معالجة المجتمع السري (المخيمات)

خاض المخيم نضالًا صعبًا وشاقًا ضد أجهزة القمع التي فاقت وحشيتها محاكم التفتيش سيئة الصيت في محاولة لتذويب الروح الوطنية بالإرهاب وتصفيتها من الجذور، ومن ثم على الفلسطيني أن لا يهتم بغير نفسه ولقمة عيشه في بلاد الملاجئ التي قاتل للوصول إليها في إثر قهر الخيمة ليصل إلى الكويت أو كندا أو([15]) أستراليا وغيرها من المعتقلات الجديدة. يقول غسان كنفاني على لسان أحد أبطاله: “أنا لست صوتا انتخابيا وأنا لست مواطنا بأي شكل من الأشكال وأنا لست منحدرا من صلب دولة تسأل بين فينة وأخرى عن أخبار رعاياها … وأنا ممنوع من حق الاحتجاج ومن حق الصراخ” .. ألست ترى أنكم استطعتم بقدرة قادر تحويلي من إنسان إلى حالة” ومن ثم على اللاجئ أن يثبت على الدوام أنه إنسان”.ب- ضد الفردية

كان يراد للاجئ الفلسطيني أن يتقوقع وينعزل عن الشعب العربي حتى يقتل في هذه القوقعة، كما ظهر في رواية رجال في الشمس ([16]).ج- تحريض المجتمع الفلسطيني على الثورة والبندقية

يعدّ غسان كنفاني البندقية هي الهدف (العروس مجازا” كما في قصة “العروس ([17]).د- البعد الثوري السياسي والاجتماعي الطبقي

كما في قصة “قتيل في الموصل إذ يقول: “إني طالب في كلية الحقوق في بغداد وسوف تبدأ الدراسة بعد أسبوع. إنني سعيد للثورة أليس كذلك. سعيد جدا …! إنها خطوة جيدة نحو اللد” ([18]).دفع غسان كنفاني حياته ثمن أدبه وكلمته باغتياله على يد عدوه الإسرائيلي لإسكاته.2- التجربة اللبنانية؛ إلياس خوري نموذجا

تناول إلياس خوري اللجوء الفلسطيني عبر روايات مثل “باب الشمس” و”أولاد الغيتو”، تتحدث “أبناء الشمس”([19]) عن حكايات المتسللين الفلسطينيين اللاجئين في لبنان الذين كانوا يحاولون العودة إلى فلسطين بعد ضياعها عام 1948 إذ شاعت بداية خمسينيات القرن الماضي ظاهرة العائدين خفية إلى وطنهم بعد الطرد والاقتلاع الأول بأعداد كبيرة ممن سئموا أيام المنفى الأولى وبلاد اللجوء المجاورة وكانوا يتسللون عبر الحدود والأسلاك الشائكة وخطر الموت كي يعودوا إلى قراهم المهدمة وبيوتهم التي سكنها آخرون ليعودوا أو يطردوا مرة أخرى أو يقتلوا على الحدود بين إسرائيل والدول العربية المحيطة، لكن حكاية رجل المقاومة الفلسطينية المتسلل يونس الأسدي في الرواية هي حكاية عشق ورمز صمود وشكل من أشكال المقاومة الديمغرافية، فهو على مدار ثلاثين عامًا وأكثر يذرع الجبال والوديان بين لبنان والجليل الفلسطيني ليلتقي زوجته في مغارة هي “باب الشمس”، وينجب منها عددًا كبيرًا من الأولاد والبنات مبقيًا صلة الوصل بين الفلسطيني اللاجئ والباقين على أرضهم، وإذ يحول إلياس خوري حكاية المتسلل إلى نموذج تاريخي ثم يقوم بتصيد هذه الحكاية لتكون مثالًا ورمزًا في إثر النكبة والتغريبة الجماعية واللجوء شمالًا وشرقًا.وفي عمله “أولاد الغيتو” فلا نهاية للرواية، ولكن آخر في مشهد فيها يقف الجميع في مواجهة المرآة الدمشقية الأثرية القديمة بمن فيهم بطل الرواية الشاب الفلسطيني الذي تعود ملكية المرآة لوالده، يأمر الضابط الإسرائيلي مجموعة النهب بتحميل المرآة إلى الشاحنة، والمجموعة ما هي إلا شباب الغيتو الذين جمعهم الجيش الإسرائيلي لمساعدته في تفريغ بيوت اللد من أثاثها بعدما فرغت من سكانها، بمعنى آخر نهب الضحية للضحية أمام المرآة. يرفض الشاب الانصياع، فهنا بيته ومرآته، وفي المرآة رأى نفسه والإسرائيلي وراءه، ورأى نفسه تسرق نفسه ويتمسك الشاب بالمرآة وينهال عليه الضابط الإسرائيلي بالضرب فتسقط المرآة بصورتهم جميعًا فيها، ويتناثر الزجاج مضرجًا بالدماء، وكأن هذه المرآة صراع على الصورة وأحقية صاحب المرآة والأرض بملكيتهم ([20]).3- تجربة اللجوء العراقية

قدمت الكاتبة السورية “نور مؤيد الجندلي” رواية “أقمار بغدادية”([21]) عن قصّة عائلة عراقيّة من الطبقة المتوسّطة تضطرّها الحرب إلى اللجوء نحو دمشق، لتدور الحوادث فيها على لسان “طارق” الابن البكر لعائلة مكوّنة من أب وأم وثلاثة أبناء.وعلى الرغم من أن “التغريبة السورية” لم تكن قد بدأت بعد عندما كتبت نور روايتها، إلا أنها وصفت بدقّة مشاعر الرهبة والخوف من الانفتاح على مجتمع جديد بعيون “طارق” وخلجاته في اغتراب اجتماعي، وتألمه لحال بلده أوضاعه السيئة في اغتراب نفسي، والتمسّك بالتواصل مع أبناء البلد ولو من خلال منتدى على الإنترنت يجمع شتاتهم نتيجة اغترابين لغوي وثقافي.سنقرأ في الرواية عن محاولات أناس عاديين لملمة الحزن، ومواساة أنفسهم في محاولة لالتقاط الأنفاس وإعادة بناء حياة مستقرة من جديد في بلد اللجوء، عن صعوبات تأمين سبل العيش على فتى صار فجأة المسؤول عن قوت عائلته في بلد غريب.تتطرق الرواية لذوي الاحتياجات الخاصة من خلال “صهيب” الأخ الأصغر الحامل لمتلازمة دوان، والتحديات التي تواجه عائلاتهم، إضافة إلى تعريجها على تاريخ العراق السياسيّ بشكل بسيط في أواخر الرواية.يقول بطل الرواية: “أنا الذي أحصيتُ خطواتي من بغداد إلى الشَّام، فرأيت في كل خطوة دعوةً للحياة، ودعوةً للموت أيضًا”.ثالثًا: أدب اللجوء السوري

أعلن إحصاء للأمم المتحدة([22]) نشر في 30 آذار/ مارس 2017 أن عدد اللاجئين الذين فروا من النزاع في سورية الذي دخل في عامه السابع تجاوز خمسة ملايين شخص، وارتفع إجمالي عدد اللاجئين السوريين من 4.6 ملايين في أواخر 2015 إلى 4.85 مليون في أواخر 2016 بحسب أرقام المفوضية العليا للاجئين، وما زالت تركيا البلد الذي يستقبل أكبر عدد من اللاجئين السوريين الفارين من النزاع، وبلغ عددهم فيها حوالى ثلاثة ملايين في ما يعد في لبنان أكثر من مليون، وفي الأردن 657 ألفًا، ويتوزع الباقون في العراق ومصر ودول أخرى في شمال أفريقيا، وفر مئات آلاف السوريين إلى أوروبا لكنهم لم يمنحوا جميعًا وضع لاجئين، وتستقبل ألمانيا وحدها ما يزيد على 550 ألف لاجئ سوري .يكتشف من يتابع التطورات التي مرت بها الكارثة السورية في مراحلها كافة أن النظام السوري هو المسؤول الأول عن تخريب البنى الاجتماعية السورية مثل ما هو المسؤول الأول عن موت ما يزيد على مليون مواطن ونزوح عشرة ملايين ودمار المدن معظمها، وتلف البنى التحتية معظمها.يسجل للثورة السورية في المستوى الثقافي، بأبعادها الاجتماعية والسياسية، أنها فتحت الباب واسعًا أمام مغامرة الكتابة الروائية لرفد المنجز السردي بعدد لا يستهان به من الأعمال الروائية الجديدة بالقراءة والدرس، نظرًا إلى ما تتميز به تلك الأعمال على صعيد بنيتها السردية الحكائية من قيمة فنية وجمالية ([23]).في روايته “الموت عمل شاق”([24])، يتحدث عن ثلاثة أخوة يعملون على دفن أبيهم من دمشق لقريته في حلب في رحلة كابوسية وسط الحرب والدمار، وتدور حوادثها في عام 2015، ويرصد خليفة في روايته سيرة العائلة والأوضاع السياسية للبلاد خلفيةً للرواية ونبرة حزينة في سردية سوداء من الحواجز الأمنية، فيعتقل أحد الحواجز جثة الأب لأنه مطلوب وما زال حيًا برأيه، فنرى خطين في الرواية؛ أحدهما إلى الأمام وهي الرحلة وأوضاع البلاد المقسمة والمجزأة والمحطمة وخط إلى الخلف يمثل حياة أسرة تعيش في مجتمع هامشي تحت سطوة استبداد غاشم.يقول الناقد كمال رياحي ([25]) في رواية (الموت عمل شاق): (يقدم خليفة رواية سورية اليوم بكل تعقدها من خلال محنة الإنسان على أرض مزقتها الصراعات، فمزقت حتى الحميمي وباعدت بين الأموات قبل الأحياء ليطال الشتات الأمنيات الأخيرة، غير أن إصرار بلبل في الرواية على بلوغ هدفه السامي، وهو تنفيذ وصية الراحل ودفنه في قريته، يفتح آفاقًا جديدة للحلم السوري بإمكان دفن الأحزان وعودة البلابل إلى أشجار سورية لتشدو بالحرية.)وكان خالد خليفة قد نشر رواية (لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة) ([26]) في عام 2013، ويعالج فيها الكاتب قضية العنف الخفي في حلب، لتتحول حلب إلى برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة، فتحولت من مدينة عظيمة منفتحة إلى مدينة مغلقة، فانتشر العنف في كل مكان، ولم تعد ملتقى ثقافيًا، وتكشف الرواية الزيف الذي يصدره النظام طوال سنوات ما قبل الثورة.ومن عملي خالد خليفة نجد أن أدب اللجوء لا يمكن تقييده بالفضاء المكاني والزماني لأن أدب اللجوء يقتضي بالضرورة اقتصاره على المكان أو الزمان فحسب، فبإمكان الأديب أن يكتب وهو في وطنه أو خارجه، مع ذلك تشير ظلال النص كلها إلى أنه أدب لجوء، ويصبح هو بحد ذاته فضاء، وهذا يسمح للناقد أن يضم أكثر من نص، لذا فإن المقياس هو القضية الاجتماعية السياسية التي يطرحها الأديب بغض النظر عن وجوده، وعليه فإن أدب اللجوء أدب مقترن بما تقتضيه اللحظة النفسية بحكم الاغتراب الوجداني أو الفيزيولوجي، وهنا يدخل الزمن الاجتماعي “إن صح القول” وهو الذي غالبًا ما يتأثر بالوضع السياسي. ويكون الدافع أو الحافز للجوء إلى هذا الأدب لدى الأدباء معظمهم البحث عن الذات بصفتها ذاتًا فردية، أما إذا نظرنا إليه بوصفه نتيجة فإنه ينحصر في النقاط الآتية ([27]).أ- التعبير عن الذات الاجتماعية ب- عدّه أدبًا شاهدًا على وقائع اجتماعية وسياسية حقيقية لذا بالانتقال من المكان لا نكاد نراه، ومن الممكن النظر إلى المأساة بزاوية أوسع، فيصبح بين هنا وهناك بمنزلة الصورة الفوتوغرافية، أما إضافة فذلك ممكن في الأعمال الأدبية، وهنا يكون لأدب اللجوء طعم الاغتراب.مثلت الروائية السورية ابتسام شاكوش أدب اللجوء والثورة السورية، وكشفت وجه النظام حتى ما قبل الثورة في كثير من أعمالها “اليتيمان” و”الوجه المكسور” و”مازلت أبحث عن أبي” “قشرة البيضة” و”أين رأسي”، لكنها جسدت أدب الخيام في مجموعتها القصصية “من الخيام”، وجسدت مأساة بلدتها الحفة برواية “وقع الخطى”، ولم تكن محض لاجئة في تركيا وانما أسست مركزًا ثقافيًا في مخيم “جيلان بينار” في تركيا القريب من “رأس العين” السورية.نقلت في مجموعتها القصصية “من الخيام” صورة حية لما يسمى رواية الحدود والتنقل عبرها ومعاناة الأطفال وتلك الدمية التي حملها كل من ذهب وعاد، ومعاناة المسنين والنساء للوصول إلى الجانب التركي، لتبدأ معاناة أخرى هي معاناة الخيام وحياة سرية أخرى هي حياة المخيمات، حيث الخمول الكبير والضغط النفسي المطبق على صدور مجتمع اللاجئين، وكأن المحنة المجتمعية دوامة لا تتوقف عن طحن أفرادها بين سورية المدمرة وسورية المخيمات، ومن سورية المنفية والسجينة في وطنها إلى سورية المنفية والمعتقلة بأوطان أخرى فلا جدران ولا سقوف للخيام وعليهم مواجهة حرارة تتجاوز الخمسين درجة صيفًا وتحت الصفر شتاء، عدا أنها تتشابه في ما بينها، فالقادمون الجدد جميعهم يتوهون فيها والأصوات التي تخترقها، فهنا مصاب وهناك طفلة مبتورتان قدماها، وأخرى تحتاج إلى حليب مفقود، هذه المعاناة وثقتها “شاكوش”، وهي من كتبت بعد الثورة رواية “قشرة البيضة” التي تقوم فكرتها على ذلك “الكتكوت” الذي عندما يخرج من البيضة لن يعود إليها أبدًا، فقد تنفس الهواء والحرية، وروايتها “وقع الخطى” وتتحدث عن رحلة اللجوء إلى تركيا أيام الانتداب الفرنسي على سورية للأسباب نفسها والأعداء أنفسهم والنتائج لرحلة لجوء الكاتبة كما يرويها جدها من الحفة في ريف اللاذقية في عام 2013 .نقل الروائي السوري “محمد فتحي المقداد” تجربة اللجوء السوري في الأردن، فنشر رواية “الطريق إلى الزعتري” في عام 2017، وكان شاهد عيان على الخوف من القتل والاعتقال واليأس من الواقع الصعب، إضافة إلى البطالة نتيجة توقف عجلة الحياة، فالأصدقاء في الرواية تختلف مصائرهم والإحباطات تلاحقهم. وللكاتب المقداد عمل روائي آخر هو “شاهد على العتمة” 2014، تضمن إفادات عن تاريخ السوريين في المنفى، و”دوامة الأوغاد” 2017، وجميعها تصب في توثيق الثورة والاضطرار إلى اللجوء.وفي الدنمارك أرّخت الروائية السورية “سمر يزبك” مجزرة الكيماوي في الغوطة عبر روايتها التي ترجمت “المشّاءة” 2017، فبطلة روايتها مصابة بداء المشي منذ ولادتها، وهي رمزية مرتبطة بالحركة والسعي وضد الجمود، فمن غير المعقول أن يتقدم الإنسان في حياته الخاصة والمجتمع في حياته العامة من دون جهد مؤطر بالحركة، وهي بذلك ترصد الحراك الاجتماعي والثورة التي قام بها السوريون وفاجأتهم قبل أن تفاجئ غيرهم. البطلة منذ لحظة مشيها تربطها أمها بمعصمها، وبعد موت الأم يأخذ هذه المهمة أخوها سعيد، وبعده صديقه الناشط الإعلامي حسن، وكأن الكاتبة تقول إن الثورة ولدت مكبلة وتحاول إيجاد منفذ كي تستوي حركة التراكم التاريخية التي ولدتها هذه القيود وأبرزها الاستبداد السياسي والديني والموروثات الاجتماعية التي تعوق اللحظة التاريخية التي بدأت ولن تتوقف، والبطلة هي خير من يجسد هذه الحالة على درب الجلجلة السورية العظيمة.عالج أدب اللجوء أيضًا الصدمة الثقافية للمجتمع السوري والصدمة المجتمعية والسياسية عبر الرواية المصورة التي صدرت في فرنسا “في مستشفى الحرية” للروائي اللاجئ والفنان السوري حامد سليمان، ويتحدث فيها عن كيفية التعامل مع الصدمة التي خلفتها الحرب في المنفى، وبطل قصته هو المستشفى ذاته، فهو لم يمنحه اسم مستشفى الأسد أو مستشفى البعث، وإنما فقط مستشفى الحرية حيث يلتقي مختلف الناس ويعيشون ويعملون بعضهم مع بعض في مجتمع آمن وحر هو سورية، وهذا يمنح الأمل كما يقول الكاتب ذاته.وكشف أدب اللجوء لون الطائفية في بنية النظام السوري وإذكائه نيرانها، ففي رمش أيل للكاتب فخر الدين فياض([28])الذي يقارن في روايته بين نكبة فلسطين وتجربة اللجوء مع الكارثة السورية بأبعادها كافة، واللجوء في زمنه اللولبي من جبال الجليل إلى لبنان فاللاذقية، ليكشف وجه النظام الطائفي في تعامله مع احتجاجات حي الصليبة السني في الساحل السوري وصولًا إلى دمشق والسويداء، ليكشف الكاتب عقلية النظام الطائفية والمعارضة كذلك في تعاملها مع أبناء السويداء لدفعهم إلى اتجاه كل طرف صراع أو تجنب الصدام معهم ووجهة نظر شيوخ العقل في السويداء نفسها، ولجوء كثير من أبنائها خارج سورية خشية التشبيح لدى النظام وسوقهم إلى الموت، وتتميز الرواية بامتداد زمني يبدأ ما بعد النكبة إلى العام الثالث من الثورة السورية، وقد رصد اللحن الطائفي الدامي الذي عزفه النظام لكي يلوث الزلزلة السورية ودفعها برأي الكاتب إلى عسكرة الثورة ومحاولة النظام إظهار نفسه حاميًا للأقليات.أما رواية “قميص الليل” للروائية “سوسن جميل حسن” 2014، فتتحدث عن الصديقتين وداد وحياة قبل مجزرة حماة في عام 1982 حتى السنة الثالثة من الثورة، إذ تدمر صداقتهما بسبب الطائفية بين وداد الحموية السنية وحياة اللاذقانية العلوية والبحث عن الانتماء إلى الإنسانية في إثر تحطم علاقتهما.أما رواية “عين الشرق” لإبراهيم الجبين 2016، فيفضح فيها جيلًا آخر من المعتقلات النازية، ويتحدث عن “ألوس برونر” النازي الهارب الذي ساق 130 ألف يهودي إلى الحرق، ولجأ إلى سورية، إذ يستفيد “حافظ الأسد” من خبراته، لتتحول سورية إلى معتقل نازي هائل فضلًا عن اختراعه كرسي التعذيب الألماني في السجون السورية.أما “عساف العساف” في “الفيزا اللذيذة” 2015، فيحاول في كل نص قصير أن يقنع السفير الألماني “أبو يورغن” كما سماه بمنحه الفيزا ولو كان سيركب الطائرة على “الواقف”. وبعد لجوئه إلى ألمانيا، وقد تنقل بين لبنان وموريتانيا، كتب “العساف” قصصًا قصيرة في حنين وبحث عن الهوية.وفي قصة “قبر واحد هو العالم” يتحدث العساف عن صديق دفن قريبه في لبنان وآخر دفنه في الأردن، ويستذكر تاريخ مقبرة عائلته وأبناء بلدة “موحسن” في دير الزور، وكيف تطورت وتوسعت ودرست شواهد قبورها على يد داعش، ليتحول العالم بأكمله إلى قبر واحد. وفي قصته “إلى جازية وكفا وصابرين وبقية بنات العكيرشي” يستذكر كيف تطورت أسماء فتيات الرقة وبخاصة “العكيرشي” وهي قرية في ريف الرقة الشرقي، إذ حدثت مجزرة في 15 أيار/ مايو 2017 قتل خلالها عدد من الفتيات بقصف جوي من طائرة للتحالف الدولي كن يعملن في حصاد القمح. خاتمة

يعد موضوع اللجوء ذا أهمية قصوى لما له من صلة بالوجود الإنساني في حد ذاته، ما جعله مادة خامًا لكثير من الدراسات الأدبية والفكرية، وهو حاضر في الثقافات والمجتمعات كافة. لقد تنوعت موضوعات أدب اللجوء بتغير مكان اللجوء وزمنه، وكشفت الروايات والأعمال الأدبية المعاناة التي عاشها ويعيشها اللاجئ والشعور الدائم بالنفي والاغتراب والحنين.([1]) خولة لعموري، الاغتراب في رواية بروكلين هايتس لميرال طحاوي، رسالة ماجستير، جامعة محمد خيضر بسكرة الجزائر، 2015_2016، ص5([2]) الإعلان العالمي لحقوق الانسان([3]) عبد الحميد محمد، سوسيولوجيا اللجوء، القدس العربي، 14 حزيران/ يونيو 2016،http://www.alquds.co.uk/?p=465260([4]) إدوارد سعيد، تأملات حول المنفى ج1، ثائر ديب (مترجم)، ط1، (بيروت: دار الآداب، 2004)، ص19.([5]) إدوارد سعيد، خارج المكان، فواز طرابلسي (مترجم)، ط1، (بيروت: دار الآداب، 2000)، ص9([6]) إدوارد سعيد، خارج المكان، ص 10([7]) إدوارد سعيد، خارج المكان، ص 21([8]) إدوارد سعيد، خارج المكان، ص 22([9]) إدوارد سعيد، خارج المكان، ص 22([10]) موقع ثقافي أميركي في أدب اللجوء بعد القرار الترامبي لمنع مواطني سبع دول أغلبها عربية، الكاتب Emily temple، في 31 كانون الثاني/ يناير 2017([11]) الاندبندنت البريطانية في لقاء مع الروائية الايرانية بوروشيستا خاكبور على الرابط الآتيhttp://www.independent.co.uk/arts-entertainment/books/features/porochista-khakpour-interview-the-iranian-novelist-on-her-love-letter-to-new-york-9969123.html([12]) نهاد سيريس، الصمت والضجيج، رواية، دار الآداب، بيروت 2004 وجرى تصنيفها ضمن أدب اللجوء في الولايات المتحدة بحسب موقع أدبي أميركي مرموق هو موقع literary hub الأميركي عن أدب اللجوء دراسة ايميلي تيمبل في 31/1/2017([13]) علي الكردي، قصر شمعايا، (دمشق: دار كنعان، 2010).([14]) تيسير خلف، عجوز البحيرة، (دمشق: دار كنعان، 2010).([15]) غسان كنفاني، أبعد من الحدود، قصة، عن المجموعة القصصية أرض البرتقال الحزينة، (بيروت: دار الرمال، 1959).([16]) غسان كنفاني، رجال في الشمس، (بيروت: دار الرمال، 1963).([17]) – غسان كنفاني، العروس، قصة، عن المجموعة القصصية عالم ليس لنا، (بيروت: دار الرمال، 1965).([18]) غسان كنفاني، قتيل في الموصل، قصة، عن المجموعة القصصية أرض البرتقال الحزينة، (بيروت: دار الرمال، 1959).([19]) – إلياس خوري، باب الشمس، (بيروت: دار الآداب، 1997).([20]) آية الأتاسي، «مرآتنا الدمشقية في رواية إلياس خوري- أن تقرأ أولاد الغيتو بعين سورية»، القدس العربي.http://www.alquds.co.uk/?p=605696([21]) نور مؤيد الجندلي، أقمار بغدادية، (دمشق: دار الفكر، 2010).([22]) إحصاء الأمم المتحدة حول عددل اللاجئين السوريين والمنشورة في 30 آذار/ مارس 2017 في جريدة النهار.http://bit.ly/2AFB0Fm([23]) ميسون شقير، «السوريون الذين سقطوا من حقائبهم على الطريق»، جريدة النهار 1/11/2017،www.annahar.com/article/694620-السوريون-الذين-سقطوا-من-حقائبهم-على-الطريق([24]) خالد خليفة، الموت عمل شاق، (القاهرة: دار العين للنشر والتوزيع، 2016).([25]) كمال الرياحي، «”الموت عمل شاق” رواية تلخص المحنة السورية»، موقع الجزيرة 5 كانون الثاني/ يناير 2016http://bit.ly/2Cmn9nK([26]) خالد خليفة، لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة، (القاهرة: دار العين للنشر والتوزيع، 2013).([27]) خولة لعموري، الاغتراب في رواية بروكلين هايتس لميرال طحاوي، ص 40([28]) فخر الدين فياض، في رمش أيل، رواية، (الإمارات: دار نون للنشر، 2014).