لم أعرف كيف قادني القدر لأكتب قصيدة وطنية وأنا مستلق على فراشي قبل أن يبزغ الفجر بساعتين ؟ قصيدة تحمل همي وهم أهلي وجيراني , كيف أن الماء والكهرباء تسربت بين السطور لتحكي كل واحدة عن معاناة الشعب الذي دوّخه مدير شركة الكهرباء وهو يرفع بالأسعار أسبوعياً , وكيف يحرض مدير شركة المياه ليقطع الماء عنا لمدة شهر ليعيدها يوماً ليقطعها ثانية .
مأساة كانت صورتها بين سطور قصيدتي اليتيمة والتي لم يكن قبلها ولا بعدها أي قصيدة قد خرجت من تلال مخي , أو من ثنايا أفكاري التي تتزاحم بالهموم ,
قرأت القصيدة بصوت خافت , حتى لا يسمعني أحد من وراء الحيطان التي لها أذن تسمع دبيب النمل , وأنا أستمتع بشتم المديرين للكهرباء والماء , وأستعطفهما مرة أخرى ليكفوا عن قطعهما لأعرف كيف أقرأ وإن ظمئت كيف سأشرب .
وما أن انتهيت من قراءة القصيدة , وإذ برجال يقرعون الباب الخارجي بقوة , ويرددون افتح الباب , افتح الباب ... وكأنهما يبحثان عن إرهابي خطير يريدان قتله .
صرخت بأعلى صوتي .
ــ من الطارق ؟
فقال أحدهم : افتح قبل أن أخلع الباب وندخل بالقوة .
ــ يا إلهي من هذا وذاك ؟ وماذا يريدون مني ؟ لعلني فعلت شيئاً خطيراً , هل سأذهب إلى التحقيق أو يقودانني للسجن ؟ .
ــ انهضوا يا أولادي وافتحوا الباب لهم , وخبروني عن حالهم .
وما أن فتح أولادي الباب وإذ برجال لا أعرف عددهم يلهثون ويتدافعون إلى داخل المنزل ووقفوا في البهو وعلامات الغضب على وجوهم , وأنيابهم بارزة يريدان افتراس أي شيء أمامهم .
قلت : نعم ما الأمر؟
قال كبيرهم : هل أنت المحرض على الاعتصام ؟
قلت : وأي اعتصام ؟ أنا لم أخرج خارج بيتي , ووقع نظره على كراسة الشعر فوق السرير , وأمر أحد رجاله بإحضارها ,
أسرع أحدهم وناوله الكراسة المملوءة شعراً لقصيدة واحدة عنوانها (( سنقطع رأس من قطع المياه ))
وقرأ عنوان قصيدي ومن غير إنذار أمر رجاله بالقبض عليّ إلى المحقق , وما هي سوى لحظات وإذ أنا أمام رجل أصلع الرأس ضخم الجسم , وعنيد الملامح , عاقد الحاجبين , وصرخ قائلاً ,
ــ من أنت ؟
ــ أنا مواطن
ــ أعرف أنك مواطن . ولكن من أي بلد ؟
ــ من ضواحي العاصمة .
ثم صرخ بصوت أعلى وأعلى قائلاً :
ــ يا غبي أنا أعرف أنك من ضواحي العاصمة , قل أنت من أي عشيرة ؟
ــ ليس لي عشيرة , أنا عربي وأمي عربية , وجيراني كلهم عرب مثلك .
وبدأ يزمجر يريد أن ينهض ليضربني , قائلاً .
ــ يا مغفل هل أنت من الشمال أم من الجنوب , أو هل أنت من الشرق أم من الغرب ؟
ــ وهنا اختلف لون وجهي , وخفت من التصريح بالصريح لأنني عرفت ماذا يريد , إنه يريد أن يعرف مكان إقامتي قبل دخولي إلى حدود بلاده . فقلت :
ــ أنا عربي من جميع الجهات , وديني هو الإسلام .
ــ لم يعجبه قولي , وصرخ صرخة عاليه قائلاً :
أين عاش جدك قبل 50 سنة من الآن ؟
فقلت : شمال الحدود وراء الحدود .
ونهض بنفسه وكبلني وهجم رجاله بالضرب على رأسي حتى غبت عن الوجود ولم أعرف ماذا جرى بعد ذلك .