الأديب الراحل فارس زرزور مكرماً في مكتبة الأسد

نعسان آغا: نهـــــــــــل شخصياتــــــــــــه من النـــــــــــــاس البســــــــــــــــطاء...
فانوس: التكريـــــم هـــــو أخـــــــذ العِبــــــرة والــــــــــدرس لتطويـــــــــــر الحيــــــــــــاة
أبو شاور: زرزور أسهــــــــم في إرســـــــــاء أدب المقاومة...
حمود: أخــــــرج المــــــرأة من صورتـــــها النمطيـــــة
ناصر: تعلـــــم فــــــنّ الروايـــــة من العمالقــــــة
أبو هيف: النقـــد أظهـــر طبيعـــة ابداعـــات زرزور الأدبيــــة
الحلبي: المذنبون ...أحد أعمدة الفنّ الروائي السوري
الأطرش: يتمتـــــــع زرزور برؤيــــــة فنيـــــة وجماليــــــــة تشـــــــــدّ القــــــــــارىء


بدء الكلام..!!

إن تكريم رجل أعطى حياةً لثقافة هذه الامة، له معنى واحد.. هو أن هذه الامة تعرف قدر مبدعيها...وليس التكريم في ذكر المحاسن... بل التكريم في أن ندرس هذه العطاءات ونستفيد من تجربتها، ونبحث عما فيها من سلبيات، ونطوّرها في تجربتنا المقبلة، ونضيء على الايجابيات ونرسمها، ليكون التكريم في أخذ العبرة والدرس لتطوير الحياة...
لقد جئنا من كل بقاع الوطن الى دمشق العروبة.. لنشارك في عمل ثقافي ، لأن الثقافة هي مفتاحنا الى ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، فنحن أبناء تاريخ واحد، وثقافة واحدة....
ما تقدم ملخص للكلمة التي ألقاها د. وجيه فانوس من لبنان في حفل افتتاح الندوة التكريمية النقدية للأديب الراحل فارس زرزور، التي اقامتها وزارة الثقافة مؤخراً في مكتبة الاسد...
وبعد ذلك ألقى السيد أحمد زوزور كلمة آل الفقيد تحدث فيها عن ذكرياته مع الاديب الراحل، واستعرض الظروف التي مر بها شقيقه فارس، والمراحل التي تجاوزها في أدبه حتى حقق حضوره الادبي...
كما ألقى الاديب عبد النبي حجازي كلمة اصدقاء الفقيد، أشار فيها الى أن فارس زرزور معلم عام كبردى، كقاسيون، وليس شخصاً عابراً في الحياة كأي شخص، وهو شفاف شفافية البللور، لايبالي قامت الدنيا او قعدت، غير ان من يدقق فيه يرى أن عالمه الداخلي المغلق فضاء واسع رحب...
ويضعه الاديب حجازي من خلال آثاره الادبية وعلاقاته الاجتماعية في مصاف العمالقة امثال تولستوي، همنغراي وغيرهم، حيث يملكون رهافة حس يجعلهم يرون ان في الحياة خللاً يقضون عمرهم في التصدي له، وتحرير الانسان منه ،لكن هذا الخلل يتسلل الى حقائقهم النفسية من حيث لا يدرون، ولهذا فإن من يريد ان يفهم شخصية فارس زرزور يجب ان يكون قادراً على الربط بين تصرفاته الظاهرية ،وبين حقيقته النفسية...
واختصر السيد وزير الثقافة د. رياض نعسان آغا حديثه في اشارته الى التقدير والتبجيل الذي يكنه لكل مبدع، وأن تكريم المبدعين هو ابسط حق لهم على بلدهم، ثم تحدث عن عالم فارس الأدبي ، وأنه احب شخصيات اعماله، اذ حاول أن يجسّد تاريخ سورية عبر نضالات ابنائها، فاستمد ابداعه من الواقع، وتحدث عن كل شرائح المجتمع، فنهل شخصياته من الناس البسطاء الذين عاشرهم ، وأثبت ان الادب يسمو بالتلفزيون عبر الدراما من خلال مسلسل «السنوات العجاف» المقتبس عن رواية «الحفاة وخفي حنين» للأديب الراحل، حيث اخترع لغته اختراعاً... فكان يعيش شخصياته ويتقمصها احياناً ...فجاءت لغته سهلةً لطيفةً مستمدة من ألسنة الناس...
شهادات في أدب الراحل ...
وقبل بدء محاور الندوة قُدمت بعض الشهادات في اعمال الاديب الراحل وكانت البداية مع الاديب ياسين رفاعية الذي كان يراه يسارياً بالممارسة والكتابة، يقدم في اعماله القصصية صورةً عن المجتمع «التحتي» وضارباً ضد المجتمع «الفوقي» ومتعاطفاً مع العمال والفقراء وصغار الكسبة...
لقد كان فارس.. والحديث للاديب رفاعية- يعاني من خيبات كثيرة.. أودت به الى شبه إدمان على الكحول، ففي هذيانه اللطيف كنت اسمع منه ما لا يمكن ان نسمعه وهو في كامل وعيه، فبعد بضعة كؤوس كانت الحياة تتكشف له بمقلب آخر، وأن هذه الحياة الظالمة لم تعطه ما كان يأمل ويتأمل لا في الرفاهية ولا في الحب والعلاقات الانسانية...
وإذا كنّا نتذكر فارساً هذه الايام، نتذكر ما ترك لنا من آثار ادبية تنبىء عن موهبة كبيرة، ولولا ما صادف من متاعب الحياة ، لكان ابدع اكثر من ذلك، لكن حياته كانت غدارةً، والطعنات بين القلب والروح كانت كثيرةً مما جعله يؤثر الرحيل باكراً..
الاديب جان الكسان يراه حالةً استثنائية متفردة في شخصيته وادبه وعطائه ومزاجيته، بين رواد القصة والرواية منذ نهاية اربعينيات القرن العشرين، وادبه امتداد لكوكبة الرواد الذين سبقوه في كتابة القصة والرواية امثال محمد النجار، شكيب الجابري ، علي خلقي ، فؤاد الشايب... لكن الاديب الفلسطيني (رشاد أبو شاور) قدم شهادته تحيةً لفارس زرزور الذي كرّس لنفسه موقعاً بين هؤلاء الذين اغنوا حياتنا الثقافية، حمل هموم الناس وقضاياهم الوطنية والاجتماعية بالكلمة، وتمجيد معارك الحرية التي خاضها شعبه، فهو كاتب مقاومة كبير، اسهم في ارساء أسس أدب المقاومة مبكراً، فحسن جبل ليس مجرد فرد ، بل هو روح شعب بوعي فطري ، بتقديس للحرية والكرامة الشخصية والوطنية...
ويتابع الاديب «شاور» إن التكريم الحقيقي لأديب كفارس زرزور يكون بتوفير اعماله الروائية والقصصية للأجيال الطالعة... ليقتدوا بها وتصبح ثقافةً عامة... اما الكاتبة المصرية هالة البدري، فأتت للندوة دون ان تلم بمعلومات كثيرة عن أدب فارس زرزور، وتساءلت عن الاسباب التي يحتجب فيها اعمال أديب كهذا عن المثقف المصري ، وما هي المعايير التي على اساسها، يتم اكتساب جماهيرية واسعة لأحد الكتّاب دون غيره؟ وهل مستوى الابداع هو الذي يحدد هذه الجماهيرية..؟؟
وختم هذه الشهادات الاديب (عادل ابو شنب) بأن طلب الرحمة للاديب الراحل اذ وصفه بأنه انساناً طيب القلب، صافي السريرة.. مع أنه كان عصياً على الصداقة ، لكنه زاملني في القصة، وقد اجادها سياقاً وحواراً، فهو معلم في كار القصّ، هبطت عليه الموهبة فأحسن التعامل معها، وصار من اساتذتها وهم قلة ، لقد كان فيه شذوذ العبقرية التي من الصعب ان ندركها او نفهم خفاياها واسرارها، ولعل في هذا الشذوذ تكمن معلميته في كتابة القصة؟
الإنسان في ادب زرزور
أما محاور الندوة فقد بدأها الاديب «خيري الذهبي» في محاولة لقراءة الانسان في نصوص فارس زرزور، حيث يرى ان البحث الذي اشتغل عليه فارس زرزور، وهو كتاب« معارك الحرية في سورية» كان له الفضل الاكبر في الوصل ما بين فارس وعالم البلد الحقيقي، عالم البسطاء والمهمشين، عالم كل الذين تحولوا الى وقود للثورة ، وبعد ان انتهت الثورة، انكفؤوا على انفسهم يبحثون عن وسيلة للعيش، وعن هوية جديدة بعد هوية الثوري، ومحاولة اخضاع التاريخ....
وفي رأيي يتابع الذهبي- إن فارس زرزور كاتب مؤسس حقيقي، وكاتب مبدع كبير استطاع التغلب على كل العوائق المحيطة به، فكان واحداً من أهم كتاب العربية، وواحداً من أهم كتّاب سورية، وإن كان سوء حظ الوطن ان الوطن لم ينتبه اليه بما يكفي في حياته فمضى، ولكننا- نحن العارفين بفضله- نعلن انه كان فارساً حقيقياً من فرسان الكلمة، ورغم النكتة السوداء التي كان يحيط بها بؤسه، الا انه كان يعرف، وكنّا نعرف أنه الفارس، والفارس فقط في فنّ الرواية .
فارس زرزور.. حياته.. أدبه...
في نظرة بانورامية في سيرة فارس زرزور وأدبه رافقنا بها الاعلامي والباحث عبد الرحمن الحلبي، والتي اجملها برؤية ان أديبنا مظلوم على صعيد النقد الادبي وكان من حقه كمبدع ان يشكو جحود النقاد واهمالهم له، فثمة عدد غير قليل من الدراسات النقدية التي صدرت في سورية في كل من الرواية والقصة التزمت واحداً من امرين: إما انها مرت مروراً عابراً وعلى استحياء، وإما انها اسقطته منها نهائياً، جهلاً به، او تجاهلاً له، وهو الاديب الكبير في الامرين معاً، وإن احياء ذكرى هذا الاديب المبدع بعد اربع سنوات على رحيله تعويض ثمين عن كل الجحود والاهمال واعادة اعتبار لاديب عربي سوري كبير بكل مقاييس الابداع...
الهمّ الوطني في قصص زرزور
وتحدث د. فاروق المغربي من سورية عن الهمّ الوطني في قصص الاديب زرزور، والذي تجلى اكثر ما تجلى في المرحلة العسكرية، فقصص الاديب الراحل تشف عن انسان وطني آمن بوطنه، وقضاياه العادلة، وآمن بالانسان في سورية والوطن العربي، وتبلورت قصصه في هذا المجال حول النضال ومقاومة المستعمر.. أينما وُجد، وقد تبلّور هذا الهم لديه في محورين: الاول باتجاه حركات المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي لبلاده، من خلال قصتين هما: « نداء الوطن» و«المقاومون»...
والمحور الثاني وهو الاكثر اهميةً.. تناول فيه القاص زرزور العدو الاسرائيلي ونضال الفلسطينيين والعرب ضده، وقصص هذا المحور كثيرة مثل «حتى القطرة الاخيرة»و الحقد،المجاهدون، وغيرها كثير... وفيها تبرز الرؤية القومية لهذا الاديب جليةً، حيث إنه لم يخصص جنسية محددة، فالمعركة هي معركة وجود بين الاسرائيليين من جهة، والعرب كلهم من جهةٍ أخرى .
لقد استطاع الاديب الراحل ان يوظّف قصص المعركة خير توظيف، وأن يزرع فيها كل ما يستطيع لتحفيز القارىء سواء ببراعة الاسلوب، او العبرة المتوخاة عبر تمجيد الشهادة او اعلاء شأن الوطن، او شحذ الهمم، وفضح ممارسات العدو الصهيوني.
« المذنبون» اجتماعياً...
وقدم د. حسن عليان من الاردن دراسةً نقدية اجتماعية لرواية «المذنبون» للاديب الراحل فارس زرزور.. تناول فيها صورة المرأة ومكانتها في الريف والمدينة، والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية ودورها في شخصية الرجل ، ففي رواية «المذنبون» ، الكل مسؤول عن ذنبه، وقد بيّن فيها تفسخ المجتمع العربي، وفي سورية أنموذج حيث الأمة لم تصل الى مرحلة التكوين، اي ان تكون هناك بنية داخلية متماسكة على كل الصعد، مما يعيق بناء دولة حديثة في ظل نظام قبلي.. وتناولت الرواية صورة المرأة بشقيها فكانت نمطيةً ضمن رؤية الرجل لها في المدينة والريف، فقد حدد صورتها في ظل الموروث الاجتماعي ونسيجه وفئاته وتراتيبيته في سياق السلم الهرمي للمجتمع...
كما تطرق الى بنية الريف الفكرية وصراع القوى، ومسألة الكفر والايمان ومفهوم هذه المسائل في مجتمع القرية بما تشكّله هذه الحدود من قيم ومفاهيم، ويرى د. عليان ان بنية الكاتب الفكرية (الشيوعية) شكلت رؤيته للصراع بين القوة الغيبية وقوة الايمان.
الرؤية النسقية في رواية حسن جبل
تناول هذا المحور د. يوسف الاطرش من الجزائر الذي يرى ان الرواية تتميز بقدرتها على الرؤية التخييلية، وتشكل فضاءات النص الروائي ، والبنية النسقية التي تعني المرجعيات المعرفية التي تُطعّم مساحة النص بنيوياً ودلالياً، ومن اهم الانساق التي تحدد هوية الرواية الانساق التاريخية، النفسية، الاجتماعية والدلالية، واهمية البيئة النسقية وعلاقتها بدلالة النص تنبع من كيفية تنظيمها الخطاب النصي كما في رواية «لن تسقط المدينة» ورواية «حسن جبل» ففي رواية «حسن جبل» نرى انفسنا امام رواية مغامرات ، والطريقة التي صَوّر بها الروائي الاستعداد للهروب، تشبه الافلام الهوليوودية، وليس الحسّ التاريخي، وهذه رؤية فنية وجمالية تشد القارىء حيث يبدأ الكاتب من النتيجة، ويجعل القارىء يبحث عن الاسباب، وهذه البرمجة السردية انتقال القارىء من النتيجة الى السبب والعكس- هناك اعادة قراءة للتاريخ عن طريق الذاكرة التي تشكّل اساساً مهماً في التاريخ الروائي، وهو ان التاريخ يكون بمعزل عن المشاعر، بينما الذاكرة هي مزيج من تاريخ ومشاعر وحب، وهذه هي الخاصية الاساسية التي تميّز السرد الادبي عن السرد التاريخي ...
ومن وجهة نظر الباحث ان هذه الخلفية الفكرية الكامنة وراء النص تسهم اسهاماً كبيراً في تأطير الخطاب، وفي بناء عناصره الفنية والجمالية، إنها فلسفة تنوّه بالتاريخ، ونقف منه موقف المفكر المتأمل، تعيد قراءة هذا التاريخ في رواية ومن خلالها، إنه تأمل يمزج بين الفنّ والتاريخ والواقع، والدين والسياسة، والخرافة الحقيقة من وجهة نظر فكرية يسارية...
زرزور روائياً وقاصاً
وفي هذا المحور شارك د. محمود طرشونة «تونس» ببحث حمل العنوان التالي: مدى تعدد الاصوات في الرواية الحوارية عند زرزور، وتتلخص الرواية الحوارية عنده في روايتين هما: «الاشقياء والسادة» و«الحفاة وخفي حنين» الصادرتان 1971 وقد كان الأثران محلَ جدل بين النقاد السوريين، فمنهم من احتفى بابتداع الكاتب صنفاً روائياً جديداً يقوم على الحوار مع نصيب ضئيل من السرد، ومنهم من رأى في هذا الشكل تجنياً على الفن الروائي وبتره من اهم مقوماته الفنية كالوصف وتحديد الزمان والمكان.. ونوّه طرشونة في بحثه الى ماكتبه الناقد عدنان بن ذريل ود. عبد الله ابو هيف.. وكانا من المعجبين بهما.. وفي المقابل اشار الى وجود بعض النقاد الذين نظروا اليهما من زاوية الرواية العادية قياساً مع رواياته السابقة وحكموا عليهما بالفشل، كعادل ابو شنب باعتبار ان الرواية الحوارية شيئاً سيىء الهضم في الحياة الادبية، وأوعز الى الكاتب ان يكف عن كتابة هذا الصنف الروائي وقد كف فعلاً ليعود زرزور الى الرواية العادية.. لذلك حاول طرشونة في بحثه ان يهتم بخصائص الرؤية الحوارية الفنية والاسلوبية ودراسة الحوار، ودوره في بناء الاصوات ومدى تعددها في ضوء نظرية باختين في الرواية متعددة الاصوات، والقائمة على الحوارية... وذلك من خلال تطبيق ذلك على رواية زرزور متحدثاً في البداية عن مقومات الرواية متعددة الاصوات، وبناء الرواية.. الحوارية وتنوّع الاصوات وتطورها وصوت الكاتب بين التجلي والتخفي .
صورة المرأة في كتابات زرزور
أما د. ماجدة حمود.. فتحدثت عن صورة المرأة في كتابات زرزور والتي رأتها صورة نادرة للمرأة اخرجتها عن الصورة النمطية، بحيث تقترب من الحياة لأن شخصيات زرزور كما تقول حمود نابعة من المجتمع ،لذلك كانت المرأة في كتاباته جزءاً من هذا المجتمع، فهي المرأة الريفية التي تعمل مثلها مثل الرجل.. والجميع يقف الى جانبها ويتعاطف معها كما تعاطف دائماً زرزور مع المرأة الفقيرة، التي تعمل كما سلط الضوء على المرأة المشوّهة المعوّقة كما في رواية «المذنبون» ... كما توقفت د. حمود عند جماليات الاسماء التي كان يستخدمها زرزور في تسمية شخصياته النسائية، وخاصةً فيما يتعلق بتكرار اسم فرحة عنده، وهذا برأي حمود ان زرزور كان يبحث دوماً عن الفرح.
«اللااجتماعيون» رواية المهمشين
وعن رواية « اللااجتماعيون» تحدث عبد الستار ناصر عن هذه الرواية التي يراها روايةً عن المهمشين في الارض، ورواية الغوص بالتفاصيل مهما كان الفعل هامشياً او صغيراً، وهي رواية ممزوجة بالمناجاة والخواطر والابتهالات فيها رسائل حب وآيات قرآنية واغنيات وادعية وتراتيل وتهويمات...الخ
وكأن زرزور أراد برواية واحدة ان يقول كل شيء!
ويشير عبد الستار الى ان الرواية ايضاً تقع بمطب التساؤلات عندما تختفي المعلومات عن ابطالها وينسحب الحال على المؤلف نفسه عندما يمعن بوصف معلومات تتناقض كلما تقدمنا في القراءة.. ومن جهة أخرى يوضح عبد الستار أن (زرزور) ينتمي الى جيل التأسيس الذي تربى على مواقف قومية وانسانية صحيحة وفي الوقت نفسه فهو من جيل تعلّم فن الرواية من العمالقة امثال ديستويفسكي وتولستوي وتشيخوف والسرد يأتي لديه على غرار ما كانوا يكتبونه في ذاك العصر المسبوك من التأمل والتوحد مع الذات، والذي يصل الى حد التصوّف والتماهي مع ابطال رواياتهم ، في حين ان شخصيات زرزور كما يراها عبد الستار كانت شاردة مرعوبةً من شيء ما ، وبالتالي شخصيات (اللااجتماعيون) شخصيات معذبة إن لم تجد من يعذبها تستعين بالمخيلة على تعذيب نفسها، فالنفوس منهكة لا تدري ما ستفعله غداً وليس من شيء عظيم يستحق الحياة من أجله، وهي تعيش بفعل العادة ...ويؤكد عبد الستار ان هذه الرواية يمكن ان تُقرأمرتين ، قراءة اولى لما هو محصور بين قوسين، وقراءة ثانية لكل ما هو خلف الاقواس .
وهذا النوع من الكتابة رأيناه في رواية «ما تبقى لكم» التي كتبها غسان كنفاني، فيما بين قوسين كان مختلفاً تماماً عن السرد الذي يقصّ فيه اصل الحكاية كما لو ان المؤلف مزج بين عملين وسكبهما في رواية واحدة ويعود ليؤكد ناصر ان هذه الرواية رواية شمولية بالمعاني كلها، فهي قالت كل شيء عن اي شيء كأن المؤلف لن يكتب بعد ها أيما كلمة :
ورغم الشخصيات المهمشة يجد ناصر ان الرواية تحكي عن بطل يقرأ اكثر من 36 صفحةً من الجرائد والف قصة وقصة وألف صورة و صورة.
ويختم ناصر حديثه موضحاً... إنه لم يقترب من الجانب السياسي في هذه الرواية وقد اخذ حصةً كبيرةً في فصولها، لأنه جاء الى دمشق خصيصاً ليضع الزهور على تربة مبدع كبير من مبدعيها.
النقد الخاص بفارس زرزور
وتحت هذا العنوان.. تحدث د. عبد الله أبو هيف عن النقد، الذي تناول (زرزور) وأشار إلى أن النقد عني بزرزور كروائي بالدرجة الأولى وكقاصٍ وباحث بالدرجة الثانية، وارتبط هذا النقد برأيه مع الرؤى الفكرية والتاريخية والقومية والنضالية في المرحلة الأولى حتى عام 1980.. ثم تداخل النقد مع المنهجية العلمية والمعرفية في المرحلة الثانية.. منذ عام 1980 حتى اليوم.. وأوضح أبو هيف أن نقاد المرحلة الأولى تناولوا الموضوعات والأفكار في التعبير عن الواقع العربي وقضاياه القومية والاشتراكية والاجتماعية وأبرزهم: عدنان بن ذريل ونبيل سليمان وبوعلي ياسين وفيصل سماق وسمر روحي الفيصل... في حين إن نقاد المرحلة الثانية استغرقوا بالكشف عن الفنية السردية تحليلاً للتجربة الروائية والقصصية محتوىً وشكلاً وجماليةً.. كما في كتابات حسام الخطيب وعبد الله أبو هيف وعلي نجيب ابراهيم وغيرهم.
وقد توسع أبو هيف في حديثه عن نقد هؤلاء لكتابات زرزور والكتب، التي أُصدرت في هذا المجال مشيراً (أبو هيف) في ختام بحثه إلى أن النقد أظهر طبيعة إبداعات زرزور الروائية والقصصية، لا سيما مضامينها ومحتواها الفكري ومواقفه الشخصية والسيرية.. في حين إنه هناك القليل من النقد الفني وتقاناته ومنظوراته السردية.
فارس زرزور لم ينصع
* وفي شهادته التي قدّمها زهير جبور.. أكد على أن (زرزور) كان من الفرسان الذين امتطوا صهوة الفكرة وانتزعوا من القهر نشوة مميزة لا تحققها إلا النفس الأبية التي أدركت في وقت مبكر.. ماذا تعني الحياة؟ وكيف تُصوّب سهامها فزرزور كما يشير جبور عاش كما أبطاله البؤس والألم والمعاناة.. فكان المتواضع حتى الشموخ والشفاف لدرجة الخجل والإنسان حتى الثمالة مؤكداً أنه ما عشق يوماً فلسفة الأشياء ولا التنظير الممل، ولا حمل الشعارات الصارخة.. ليمارس عكسها كما فعل غيره فلم يكن في اليسار ولا في اليمين ولا في الوسط.. كان مع الإنسان بكل ما فيه... كان واقعياً إلى الحد الذي لا يرتضيه الواقع لذلك لم يفصل بين حاله وأبطاله في قهرهم وحماستهم ووطنيتهم وجعلها مبادىء حياته.. وعن المدرسة التي كان ينتمي إليها زرزور، يوضح جبور أنه لم ينتمِ إلى مدرسة سوى لمدرسة ما يحس ويلمس، ويعاني ويرى.. لذلك عاش فقيراً ومات على حاله حمل معه إلى القبر كل أبطاله بهمومهم وقساوة عيشهم.
كل ما يحترق يلتهب
و«كل ما يحترق يلتهب» عنوان إحدى روايات زرزور التي تحدث من خلالها د. وجيه فانوس /لبنان/ عن السرد الروائي لدى زرزور، وهذه الرواية صدرت سنة 1989 ورأى وجيه أن السرد قد سيطر على هذه الرواية، حيث شكّل لحمتها وسُداها.. فكان زرزور سيدَِ سرد إخباري من الطراز الرفيع.. ينقل الخبر أو الحدث أو الشخصية بعين فوتوغرافية، تسعى إلى عدم إهمال التفاصيل، وإن إغراق زرزور في مجالات السرد التقريري واحدة من قمم قولبة اتجاه الواقعية التقريرية في الرواية العربية المعاصرة، وهو - كما يؤكد فانوس- واحد من أكثر من التجليات إظهاراً للسرد التقريري في الرواية العربية والسرد في رواية «كل ما يحترق يلتهب» توزع ضمن عدة تنويعات.. منها ما يمكن أن يُسمى بـ «السرد السريع المعمق» و«السرد الحواري» و «سرد حضور الشخصيات» و «سرد الأحداث» فضلاً عن «الاسترجاع السردي».
وبعد تطبيق كل هذه الأنواع على ما جاء في رواية «كل ما يحترق يلتهب» خلص فانوس إلى أن الرواية مؤهلة لتمثل المنحى السردي التقريري في النص الروائي العربي من جهة.. ومن جهةٍ ثانية تمثل مرحلة تعمق هذا المنحى السردي في الأعمال الروائية العربية، وتتوج الرواية في الوقت عينه زرزور سيداً متوّجاً بأكاليل النجاح والتفوق في ميدان هذا السرد الإخباري للرواية وتؤكد الرواية أنها يمكن أن تكون علامةً بارزة في بداية مرحلة تراجع أساسية السرد الإخباري في شكل الرواية، وضرورة التطلع إلى محطات جديدة في مجالات ثقافة الكاتب الروائي العربي.
وفي ختام الندوة التكريمية.. قرأ د. محمود طرشونة /تونس/ البيان الختامي الذي لخص مسار الندوة والأبحاث، التي قُدّمت فيها والتوصيات التي خرجت بها والتي تؤكد علـى طباعة أعمال الكاتب الراحل فارس زرزور بما فيها الأعمال التي لم يسبق نشرها، وتكريم المبدعين السوريين، وهم على قيد الحياة وتخصيص أوسمة الاستحقاق للمبدعين السوريين سنوياً، والدعوة إلى تحويل الأعمال الأدبية.. إلى مسلسلات تلفزيونية وإذاعية وأفلام سينمائية... والاهتمام بالجانب الإعلامي للندوات، وإنشاء موقع لوزارة الثقافة على الانترنيت خاص بهذه الندوات وطباعة أعمال كل ندوة في كتاب خاص.
لنا كلمة
إن مبادرة «وزارة الثقافة» في تكريم المبدعين من خلال هذه الندوة خطوة تحسب لها، ونتمنى أن تكون هناك ندوات تكريمية لاحقة لأدباء أغنوا تاريخ الأدب السوري بنتاجاتهم وأفكارهم.. لكن هناك بعض الملاحظات على هامش الندوة، نوردها بهمسة عتب ودية، فمن المفارقات الملفتة في الندوة مثلاً أن أغلب الأدباء الذين قدموا شهاداتهم بأدب فارس زرزور، نفوا وجود صداقة تجمعهم بالأديب الراحل، لمزاجه الصعب، وأعتقد أن غاية الندوة تقديم شهادة بأدبه وليس بذكر محاسن شخصيته أو سلبياته، وهذه نقطة تُسجل عليهم...
الأمر الآخر هوهذه الفجوة التي بدت واضحةً بين الناس والثقافة من خلال قلة عدد الحضور الذي اقتصر على القائمين على الندوة والضيوف وبعض المعنيين بمتابعة هذه الندوة، وربما هنا يعود السبب لعدم الإعلان عن الندوة من قِبل القائمين عليها بشكل مسبق، وكافٍ بحيث يعلم الناس بها..
إضافةً إلى ذلك فقد اقتصرت أعمال الندوة على قراءة الأبحاث فقط دون أن يكون هناك أيُّ نقاش لهذه الأبحاث، خاصةً وأن الندوة نقدية تكريمية، بحيث يُعطى هذا الأديب حقه في النقد والدراسة لابداعاته بعد أن افتقدهما في حياته..
والسؤال الأهم.. ما هو المعيار الذي اعتمده القائمون على الندوة في اختيار الباحثين، إذ إن أغلبهم تسلم الدعوة وهو غير مطّلع على أدب فارس زرزور وإن تداركوا الأمر بإطلاع سريع قبل الندوة، فهل المعيار العلاقات الشخصية، أم أن هناك معايير أخرى.. اعتُمدت ولم تكن صائبةً ..

متابعة.. أمينة عباس - سلوى عباس

جريدة البعث