هل يعيد التاريخ نفسه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟



هل يعيد التاريخ نفسه؟


بسبب انعدام الوعي الفكري ،أصبحنا نحكم على الواقع من خلال تعميمات نسجتها بعض المواقف التي مرت ،لإهمال أو غفلة أو حسن نية أو عبث ، وخرجنا بنتيجة أن تلك المواقف علامات فارقة في جسد الأمة ،الأمر الذي انسحب على الشك في الفكر نفسه ،وكأن التاريخ هو مصدر الفكر وليس نتاجا له.
هذا الخلط ، وعدم الدقة دخلا إلينا من ضبابية التحديد لماهية التاريخ ، وضعف قدرة التمييز بين المصادر وبين الماهوية التاريخية.
إن بحثنا عن تعريف لماهية التاريخ ، فلن نجد أفضل من... الزمن محمولا حملا مكانيا حيا على الإنسان..." فردا وأمة وبشرية، بينما مصادر التاريخ هي كتبه التاريخية والآثار والرواية .
ومع ما قد يشوب النقطة الأولى والثانية من أخطاء ، قد ينتج عنها الإساءة للتاريخ نفسه ، فإن الرواية تظل أسلم الطرق لاستجلاء التاريخ ، بعيدا عن عثرات منقبي الآثار وأهواء مؤرخي المصالح.
نعود للتاريخ، فهل تراه يعيد نفسه؟
لا بد ، قبل الدخول في التفاصيل ، من الإشارة إلى أجواء الظروف التي دفعت بنا لتكرار هذه المقولات الهروبية التي تحمينا من مواجهة الحقيقة ، فهذه - كما غيرها - أقمناها ستارا نحتمي خلفه لنداري سوءة ضعفنا ونشرح حقيقة عجزنا.
تجّسد هذا الضعف موضوعيا ، بعد الصفعات التي تلقيناها متتابعة من وجود طفيلي، بين الزحوف البشرية العربية المتلاطمة، وما أصابنا من ذهول أفقدنا القدرة على التحليل الذي ما تعودنا عليه نتيجة سرحاننا في افياء الماضي الذي خدرنا به الإعلام المتورم ، فلم نع حقيقة وضعنا ، ولا حقيقة أنفسنا ، وجاء الأمل في رمضان 73، يمسح الذهول عن عيوننا ، لكن الذهول والحيرة ارتسما مرة أخرى عندما ُقطعت أجنحة الآمال بنصر مقصوص الجناح – والذي ثبت انه ما أريد له إلا أن يكون صفعة أخرى ، تفقدنا ما لدينا من بقية أمل.
لهذا وجد المثقف ، نفسه محبطا بعد سلسلة الانتظارات والآمال التي رسمها ، والتي كانت مذهلة النتائج ، فبدأنا بالتقوقع والعودة – منسلخين عن واقعنا ، محتمين بالجلوس تحت ظلال التاريخ - الذي يحتاج منا إعادة نظر - متناسين معنى التاريخ.
عندما نقول أن التاريخ هو الزمن محمولا حملا مكانيا على الإنسان، فإننا نعني أن التاريخ ليس هو الماضي منفصلا- ، كما أنه ليس الحاضر وليس المستقبل، بل الماضي والحاضر والمستقبل:حلقات تتداخل بتلاحم مؤثر ومتأثر ، وإلا كيف نفهم الماضي ، وكيف ننظر إليه بدون حاضر نقف عليه؟ بل كيف يتسنى لنا القفز من الحاضر إلى المستقبل بدون ماض نجعله منطلقا ؟
التاريخ زمن محدود وليس مطلق محمول ليشمل مكانا محددا بأبعاد خاصة ، مرتبط بمكان محدود وإنسان ( فرد أو أمة) حسب معادلة: زمن (ماض - حاضر – مستقبل) + مكان + إنسان.
وحتى يكون التاريخ تاريخا بحرفية المعنى، لا يمكن الاستغناء عن أحد عناصر المعادلة، فكيف للتاريخ أن يعيد نفسه؟
من خلال نظرة مدققة لعناصر المعادلة نظريا ،واستقراء سطور التاريخ، نرى أن عنصر الزمن يمكن إعادته ، بمعنى تكراره ، كيف لا ونحن في كل لحظة نحيا زمنا ؟
لكن هل هذا الزمن يطلق عليه معنى التاريخ؟
كذلك الحال بالنسبة للمكان الذي يمكن السيطرة عليه وقولبته، لكنه لن يأخذ الإطار التاريخي بعيدا ومنفصلا عن الزمان والإنسان.
من هنا نتأكد أن أية محاولة لإعادة التاريخ لن تحدث إلا من خلال التحكم بالإنسان - الأداة التي تملك القدرة على صياغة وتشكيل التاريخ بقدرته الفاعلة في التحكم بعنصري المعادلة حيث انه الذي يملك القدرة على صياغة وتشكيل التاريخ بفهمه واستيعابه للنظرية التاريخية بشمول واضح، مع فهم حقيقة دوره الفعّال، أما فهم مقولة "التاريخ يعيد نفسه"فلن يكتب لها التحقق إلا بإمساك الإنسان نفسه بعنصري المعادلة وإعادة صياغتهما من جديد ، لنضع التاريخ في سياقه.
لحظة الحركة إذا مرهونة بالإنسان ، طالما أن عنصر الزمن وعنصري المكان والزمان موجودين، فالإنسان هو الأخطر عندما يستعيد ثقته بنفسه ويستجلي حقيقة دوره الذي استخلف فيه ليقوم بيده وفكره بإعادة التاريخ صياغة وإيجادا وتشكيلا،لا نقلا واستنساخا لآليات كان لها ناسها وزمكانها، لتدور عجلة الحياة ويسير دولاب الزمن، وعندئذ نكون قد أعدنا التاريخ لا أن يعيد التاريخ نفسه، فنكون بحق خير أمة أخرجت للناس.
سمير الشريف