السر الخفي متاهات - فصل " السر الخفي " - زيناء ليلى .

ما زال صدى صوته المنفعل يتهادى على صفحة قلبي ، بعـد أن تغلغل حديثة رغما عنّي إلى عقلـي ، فأبتسم مستمتعــةً وأنا أعيده على نفسي " الإيمان " إدراكٌ ثمّ انفعال ثمّ سلوك ...

لم أشعر بضوضاء الحركة حولــي ، نسيت غربــة من كانـت بقربي ، وما زلـت في متعة معرفة وجوه الإنفاق ، في العلم ، في المال في الحكمة وفي الوقت . كلّها أرزاقٌ تنفق حسب الغايات ، وبقيمــة هذه الغايات تتّصف حياتك بالفلاح .

والإيمانيات تحدّد الغايات . الإيمان يوجه السلوك فإن آمنت بحق الإنسان في الحياة ، وأحببته أنفقت وقتك بغاية إسعاده وتسعى لحـلّ مشكلاتــه كما ينفق الأهل حياتهم في سبيل سعادة أولادهم.
وإن آمنت بالعلم أنفقت حياتك ، لا غاية لك ســوى نشــره .لا يشغلك شئ عنه.كما سخر العلماء حياتهم له ، وإن آمنت بالمال أنفقت عمرك في جمعه وتكديسه .

وإن الإيمان بالله يحقّق كمال الإنسانيّــة وفي سبيل هذا الكمال نرى الإنفاق في كل وجوه الخير والمنفعة والإحسان لكل النّاس وحـلّ مشكلاتهم ومساعدتهم لأن الله رب الناس .

ما زلت أتمتم وأحرك شفتي بلا شعور مني :
- ... إيمان ..... إنفاق ..... وقت ... حياة ..وما إن نطقت بحياة حتى قالت إحداهن بقربي :
- عفوا هل من خدمة ؟ .
أجبتها بدون تفكير نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي شكرا ) . هل اسمك حياة ؟ .
ردت وهي تومـئ برأسـها وتبتسـم بوجـهٍ حزيـنٍ وشاحـبٍ وعينـين غائرتين زرقاوين بلــون السّماء بعيدة الشّــروق وأهــدابٌ مخمليّـة
كثيفة : نعم اسمي حياة ، أعاننا الله على هذه الحياة ، تقدّمـي إلى الصف الأول قبل أن تُقام صلاة العشاء ...

أدور بنظري و خطواتي تتقدّم نـحو الصّف للصــلاة باحثـة عن عبير لأبصرها في الزّاوية عند باب الخروج وهي تتكلّم بالجوال . ويقع نظري عليها وهي تتّكئ نـحو الأمام لترتدي حذائهــا ، وقد تــدلّت من رقبتها سلسلةٌ رفيعةٌ من الذّهب ، يتوسّطها صليــبٌ ناعمٌ رقيق ... وتتسارع خطواتها للخروج من المسجد .
في استغرابٍ توسّعت له حدقتا عينيّ وذهول انتابني ، ينفتح فمي وأنطق في نفسي همساً " مسيحيّة تحضر دروس إسلامية " جاء صوت عبير لقد تكلم حمدي الآن . لذلك علينا أن نسرع لأنه ينتظرني لنتواصل عبر الإنترنت ...

بين صمتـي ومســيري وملاحقــة خطـــوات عبير الراكضـــة المتسارعة شوقا لحديثها مع زوجها ، وبين استغــرابي واندهاشــي وإعجابي وانبهاري ، سؤالٌ يفرض نفسه على عقلي ، أيــن الغريب في ذلك ...؟ هي تبحث عن المعرفة الحقيقيّة وتقصد مصدرها الأساسيّ ،
أين الشّيء الغريب ؟ أُعيد السؤال على نفسي فيأتي الرد

الغريب هو ما خالف داخلنا ، تجاوز عاداتنا ، ولم يوافق هــوانا رغم توافــق عقلنا معه منطقياً .

أتوجّه إلى غرفة الاستقبال ، حيث تركت مرسمي هناك أحمله وأفتحه في الشرفة ، بينما مريم ما زالت تغلق برامج المحادثة لتتـرك المجال لخالتها ، أشعر بالصّداع يتسرب إلى صدغي ، من جديد أخلع حجابي وسترتي ، فحرارة الصّراع في داخلي قد وصلــت إلى جسدي ألقي ثيابي مبعثرةً على الكرسيّ ، وأتحسّس بــرودة الأرض بقدميّ الحافيتين ، وتتسابق خلجات نفسي مع أصابعي مترافقة مع زفــرات روحي وحـرارتهـا ، فـإذا بريشتـي تتحـرّك بد لـعٍ عجيـبٍ وتمايـلٍ وانـحناءٍ .
فأبعثر الألوان في بقعٍ ، وأترك أخريات ، وأرسم زوايا ظلال تعكــس وجـوه الإنفاق في الحـياة . بخفـة ريشتـي المتراقـصـة أكـاد أسـمع موسيقاها تنشد الواقع فتخبو بنبضات قلبي وتتآكل ريشتي وأنا أرسم يدين مرفوعتين كأنهما تحملان الرّسم بكلتيهمـا ، أجزم بأن ريشتي عاشقةٌ اليوم .

فالصوّر مبعثرةٌ في أماكن مختلفةٍ من اللّوحة ....... ألقي بريشتي المتآكلـــة وأعود أدراجي إلى الوراء خطوة ..... اثنان .... ثلاثة ، أقولها بصوتٍ مسموعٍ وأنا أبتسم لتراقُصِ ريشتـي بحريّة على موسيقى زفراتي المتعبة ، تقتحم مريم باب الشّرفة ... هل تريدين شيء ؟

كان صوتك مسموعاً ، وقبل أن أجيبها وتسمح لي بالرد ، أدرت وجهي باتجاهها فإذا وجهـها قـد تغيّرت ملامحه واعتلته طفــولة بريئة ، وسادها فرحٌ مبهر وصرخت :

- " الله" إنها أجمل ما رأت عينيّ ، أروع خطوط تجسّد كلمة " الله "
أعدت نظري إلى اللوحة ، جلست لأستوعب تناغم الألوان فإذا بها تكتب كلمة "الله" بفراغات اللّوحة ، تحملهـا الكفّــان في دعــاء وابتهــال وتتخللّها حالات الإنفاق في ظلال ، أبتسم في ارتياحٍ وأهمس الحمـد لله لقد كشفت عشقك أيّتها الريشـة .
تقف حمامةٌ على حـبل الغسيل في الشرفة ، تتحرك كأنها تتمعّن اللوحة وتصدر صــوت هديلٍ أسمعه وترفرف بجناحيها ، عندما تحسّ بخطــوات مريم وهي تحضّر القهوة ، و تبادرني مريم بالقول :
- ما رأيك أن تفتحي إيميلك (بريدك الإلكتروني) ربما وصلتك رسائلٌ من الوزارة .
- أصبت ، ضعي القهوة على طاولة الحاسوب ريثمـا أدخــل كرسي من الشرفة .
- ( نعم ) ... الآن وجدت من يسهر مثلي ويقضــي اللّيل بأكملـه يمارس هوايةً يحبّها و إن اختلفت الوسيلة .
يتبع .................... متابعة ممتعة ومفيدة اتمناها لكم .... تحياتي لكم المؤلفة .