قراءة أوليَّة في الشّعر الفلسطيني المعاصِر




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

مر الشّعر الفلسطيني عموماً بمرحلتين : مرحلة النكبة عام 1948 ، والمرحلة المعاصرة التي أصطلح على شعرها ب " شعر المقاومة الفلسطينية " . إن أية قراءة أوليّة في الشّعر الفلسطيني تعطينا بلا شك تصوراً عاماً عن طبيعة العملية الشّعرية وبناها ومضامينها وما رافقها من أحداث وهزات . تلك العملية التي كانت بإيّة حال من الأحوال إمتداداً للقصيدة العربية إبتداءً من العمود الخليلي وحتى الحداثة . وكان أهم ما يمكن تسجيله لرواد مرحلة النكبة الشّعراء " إبراهيم طوقان ، وعبد الكريم الكرمي ، ــ أبو سلمى ــ وعبد الرحيم محمود ، وفدوى طوقان وغيرهم " إنهم إستطاعوا أن يرسخوا هوية الشّعر العربي الفلسطيني بخصوصية واضحة وثابتة .وإذا كانت البدايات قد إتسمت بالحزن وإمتلكتها المأساة بفعل عوامل الهزيمة والإنكسار فإن هذا لا يعني أنهم إنجرفوا وراءها أو أصبحت وشماً في قصائدهم ، بل أن المأساة حملت في داخلها رفضاً ثورياً تمحور حول الوطن وثوراته و إنتفاضاته . كما سُجل لهذا الجيل إيمانه وثقته الراسخة بالشعب والوطن وفدائيته التي تتفجر بإيقاعات محرضة ضد الإستعمار والصهيونية والطلم والإغتصاب حتى الإستشهاد . ويتضح ذلك مثلاً من خلال الروح الأدبية في ضمير الشّاعر " عبد الرحيم محمود " ذلك الذي لا يصبر على ذل وإستشهد من أجل ذلك . فهو يرى إن شرف الرجال هو بالإستبسال في ساحة الوغى والحق والحرية ، والإستشهاد هنا هو نيل الأماني ثم هو وسام الخلود إيضاًلعمرك هذا ممات الرجال .... ومن رام موتاً شريفاً فذا "أو قوله :" ونفس الشريف لها غايتان ... ورود المنايا ونيل المنى "وكذلك الأمر في قصيدة " الفدائي " للشاعر " إبراهيم طوقان " حيث يبرز فيها إيمان الشّاعر بمسيرة المناضل المسترخص دمه حتى يبقى الوطن شامخاً : " لاتسل عن سلامته ... روحه فوق راحته بدّلته همومه ... كفناً من وسادته "بذلك يمكننا القول بأن رواد هذه المرحلة إستطاعوا وبوطنية صادقة أن يتناولوا هموم الوطن الكبير بوفاء وإخلاص حميمين ..أما الشعر الفسطيني المعاصر الذي أخذ شكله وإستقرت تسميته منذ أواسط الستينات ، فمن حيث الخصوصية يعتبر إمتداداً لشعر مرحلة النكبة لما يحملة الأثنان من مضامين مشتركة . وكما يفقول الشّاعر " محمود درويش " مخاطباً " أبا سلمى ": " لا لسنا لقطاء الى هذا الحد .. إننا أبناؤكم " . أو كما يقول " غسّان كنفاني " عن أدب المقاومة ومنه الشّعر : " إن أدب المقاومة الفسطينية الراهن مثله مثل المقاومة المسلحة يشكل حلقة جديدة في سلسلة تاريخية لم تنقطع عملياً خلال نصف القرن الماضي من حياة الشّعب الفسطيني " . ومع أن الأثنين يحملان إمتداد حركة الشعر العربي وما طرأ عليها من تغيرات إلاّ أنهما يلتقيان في مصب واحد وينسجان في نهاية الأمر من الخصوصية الوطنية الفسطينية ..لقد تأثرت حركة الشعر الفسطيني المعاصر بحركة الشعر الحر والحداثة التي عمت بعض أجزاء الوطن العربي في الخمسينات بحيث بدأت القصيدة تتحول الى نظام التفعيلة المتعددة ذات الموسيقى الداخلية دون التقيد بنظام الشطر في العمود الخليلي ــ وإن إبتدأت به أول الأمر ــ وقد إتسم بغنائية عميقة رغم محاولات التركيب والرمز . وكما يقول " يوسف اليوسف " : " إن النمط الغنائي قد هيمن على الشعر المقاوم منذ نشأته في أواسط الستينات بعدما تخلص من الخطابية الضئيلة الشاعرية " . كذلك إتسمت مضامين الشعر هنا هنا وتجذرت الرؤى والإهتمامات بفعل الأحداث الكبيرة التي رافقت العملية الشعرية ، مع أن لغته بقيت مباشرة بحكم مخاطبته جماهير الثورة العريضة ..ورغم أن البدايات حملت رفضاً رومانسياً حزيناً إلاّ أن هذا الرفض سرعان ماتحول وبمرور الزمن وتعاظم الأحداث وتلاحقها ــ خاصة بعد النكبة الثانية في حزيران 1967 ــ الى تمرد ثوري واقعي واثق ومتفائل بالمستقبل . ومن هنا يكون التجاوز بولادة قصيدة الثورة وبطلها الجديد ــ الفدائي ــ وإنتقالها من حالة التحريض الى المقاومة .وإتضح خط الشّعر هنا من خلال إستلهامه لكل معاني النبل والحق والشجاعة ، ونضاله الى جانب الطبقات المسحوقة من الفقراء والمقهورين على إمتداد العالم ..وشعر المقاومة الفلسطينية بعد ذلك يقع في محورين يلتقيان في الأهداف والمعاني وأن أن أختلفا في بعض المهمات والآفاق .. الشعر الفلسطيني في الإرض المحتلة : إن أهم مايميز هذا الشعر ــ الذي يمثله " محمود درويش " الى فترة خروجه من الداخل " وسميح القاسم ، وتوفيق زياد ، وسالم جبران ، وراشد حسين ، وحنا أبو حنا وآخرون ــ هو تشبثه بالأرض وعدم مبارحتها . ــ وقد ترجم هذا التعلق بلغة إصرار عنيدة على البقاء ومناهضة كل أساليب الإحتلال الصهيوني ، تلك الأساليب التي تحاول مصادرة أرض وثقافة وفلكلور السكان العرب الأصليين . كما أن لغته إتسمت بالإحتجاج الواقعي الثوري من خلال صرخاته المدوية بوجه العدوان . والشعراء هنا عبروا وبشكل واضح عن إنحيازهم للوطن وتغنيهم للمقاومة وإنتفاضات الداخل كما عبروا عن إنتمائهم السياسي والأيديولوجي وإيمانهم بالإشتراكية العلمية وإلتزامهم بقضايا الإنسان والحرية . وإستطاع شعر الأرض المحتلة أخيراً أن يخرج من ليل الإحتلال الأسود واثقاً صميماً معبراً عن هموم الوطن والإنسانية ، لأنه ــ كما يقول شاعر الأرض المحتلة علي الخليلي ــ " لم يكن مجرد صوت أو كشف أو دغدغة للجرح .. بل هو فعل سياسي وإجتماعي حقيقي .. وهو لذلك مطارد من قبل العدو ومعرض للإعتقال والقمع والإرهاب " ... الشّعر الفلسطيني في المنفى : يقول " الياس خوري " : " إذا كان الشعر داخل الأرض المحتلة يستطيع أن يكون وثيقة مباشرة عن حياة العرب تحت الإحتلال فإن الشعر في المنفى يطمح أن يكون وان يكون واقعياً الى أبعد الحدود " .والشعر هنا الذي يمثله " معين بسيسو ، ووليد سيف ، وكمال ناصر ، وفدوى طوقان ، وعز الدين المناصرة ، وخالد أبو خالد ، وأحمد دحبور ، ومحمد القيسي ، ومحمود درويش " فبي المرحلة من خروجه من الداخل وخاصة في مجموعته " العصافير تموت في الجليل " و " أحبك أو لا أحبك " ــ إمتلكته الواقعية ولغة الإحتجاج الثورية إضافة الى البناء التشكيلي الحديث للقصيدة . وهو وإن تملكته الأحزان الحادة بسبب الغربة إلاّ أنه تجاوز ذلك بعد مسيرة المقاومة الى المضامين ذات الأبعاد الملتهبة وأعلن إلتزامه بقضايا الشعوب . كما أصبحت موضوعة الوطن المادة الرئيسية فيه . أما المخيم فكان رمزاً وحلقة وصل دائمة الى الداخل في قصائد المنفى ..وسواء كان الشعر في الأرض المحتلة أو المنفى فسيبقى رديف البندقية وذراع الثورة الآخر وإذات طعم ومذاق خاصين ، ويكون له من الخطورة ما يجعله الفن الجماهيري الأول في القضايا الساخنة ذات التوترات الشعورية العالية كالثورات والحروب والإنتفاضات والأحداث غير العادية عامة .وبعد هذه المقدمة السريعة ولأهمية ومكانة شعر المقاومة الفسطينية يمكننا أن نمر على موضوعاته

بعد تسارع الأحداث المتلاحقة من وعد بلفور عام 1917 ومن ثم تقسيم فلسطين فالنكبة الفسطينية عام 1948 ، فالنكبة العربية في حزيران عم 1967 ، وإحتلال كل فلسطين والأراضي العربية الأخرى مروراً بمجازر أيلول عام عم 1970 ، فحرب تشرين 1973 ، ثم الحرب الأهلية اللبنانية عم 1976 ، وحصار مخيّم تل الزعتر فعملية الشقيف عام 1978 ، وقبلها معركة الكرامة ، ثم رحلة العار للسادات الى القدس المحتلة فتوقيع إتفاقية كمب ديفيد الخيانية فالحرب الصهيونية الفلسطينية بعد الاجتياح الصهيوني عام 1982 ، لبيروت وخروج المقاومة الفلسطينية بعد ذلك . نقول إن تلك الأحداث الكبيرة لم تكن بعيدة عن موقف الشّاعر الفلسطيني إذ أنه كان في القلب منها رغم العذابات والتشرد والهجرة القسرية بين العواصم ، ولعلنا نستطيع هنا أن ندخل الى موضوعات الشّعر الفلسطيني من خلال الإطار الذي تَمَثَله الشّعراء والذي يتحدد بما يلي : : الأرض ــ الوطن لقد كان إنحياز الشّاعر الفسطيني للأرض التي ولد وترعرع فيها هو إنحياز وإنتماء قدسي كامل للوطن والأرض الأم رغم الحرب الصهيونية التي أثخنت جسده سواء في شعر النكبة أو المقاومة ــ كالذي نجده في تلك الصوفية العاشقة لكل حرف من حروف فلسطين عند " أبو سلمى " : " أطهر بإسمك الدنيا ولو لميبرح بيّ الهوى لكتمت ما بي "كما يبرز في شعر المقاومة هنا الإنتماء الواعي للوطن والهوية كالذي نراه في قصيدة " بطاقة هوية " لمحمود درويش : سجل أنا عربي ورقم بطاقتي خمسون الف "كما أصبح الوطن في القصيدة الفلسطينية المعاصرة الينبوع والمجرى اليومي لحركة الأرض التي تعمدت بدماء أبنائها وهي تعني قبل كل شيء حركة الزيتون والأمل ... إنه عشق الشّعراء اليومي الذي لا ينضب ، كما في قصيدة " محمود درويش " عاشق من فلسطين : " " سأكتب جملة أحلى من الشَّهداء والقبل فلسطينية كانت ولم تزل " في نفس المواطن المسلوبة هويته حيث يصبح إنتماؤه الفسطيني كنزف الدم الراعف يعيش مداه ويفولذ فيه كيانه كما إن ترجمة الألم تجد لها صدى في
" من ليس له وطن ليس له رب " من قصيدة بسيسو الى شاعر هنغااريا الشّهيد " جوزيف أتيلا " الذي إنتحر عام 1937 تحت عجلات قطار بعد أن طارده بوليس الدكتاتورية والفاشية ... كما تمتلك أشعار " معين بسيسو " صيحات الغضب والتحدي تلك الصيحات التي تغلفها مشاعر الألم في ليالي المنافي الثقيلة كما في قصيدته " الى محمود درويش " :" كان رحيلي عن غزة ورحيلك عن حيفا غدراً " ويغدو لون الأرض وهو يفترش لون الوجه كالوشم المنقوش في الأخاديد لا تقدر قوى الغدر وعاتيات السنين كما يقول " سمح القاسم " : " في وجهي لون الأرض "وكذلك نجده في وجدان العاشق الرومانسي رومانسية لا يعوزها الحزن ولا تنقصها الثقة عند " محمود درويش " : " آه يا جرمي المكابر وطني ليس حقيبة وأنا لست مسافر إني العاشق والأرض حبيبة "ويترجم " توفيق زياد " تمسكه بالأرض من خلال إيمانه والتصاقه بكل حبة رمل غاضبة بوجه العدوان وقوى الإحتلال وبرسوخ التحدي للبقاء كما في مجموعته " أشد على إيديكم " : " كننا عشرون مستحيل في اللد والرملة والجليل هنا على صدوركم على صدوركم باقون كالجدار "أو قوله : " بأسناني سأحمي كل شبر من ثرى وطني بأسناني "إن لغة البقاء والتشبث بالأرض وخاصة في شعر الأرض المحتلة تحمل تحدياً وآمالاً قادمة في تقريب يوم الخلاص ضمن منظور إنساني نبيل ، كقول " سالم جبران " في كلمات من القلب " : " ونحن باقون هنا .. للأرض للربيع . للأطفال ، للغد الذي يليق بالإنسان ، للحياة " وفي قصائد " سميح القاسم " نتحسس تلك اللحمة بين العاشق والمعشوق ــ المواطن والأرض ــ عبر لغة رومانسية طافحة بالحب والوفاء :" نحن هنا .. نحن هنا .. فإهدأي وإستبشري أيتها الأرض " ورغم أن بدايات هذا الشّاعر تخلتها الأحزان بفعل مرارة الأحداث والهزيمة وإصطبغت بصبغة مأساوية : " كعطاش كنا نتعثر بخرير الأنهار "أو قوله : " إأنا هنا في العزلة الخرساء أوقد الشموع للمأساة " إلاّ أنه بعد ذلك يتجاوز تلك اللغة الحزينة المتشائمة الى لغة واثقة متحدية رافضة بحيث أصبح الطريق عنده يمر عبر سواعد المناضلين وملاحم الشهداء وتحدي قوى الإحتلال بثقة عالية وتفاؤل بالغد : " أن أغرس الطريق لصدر بياراتنا والكروم سيفاً من الجحيم في إله أورشليم " للداخل بحيث يطارحها العشق ويغور في صلبها : " " غزتي أنا لم يصدأ دمي في الظلمات فدمي النيران في قش الغزاة " الأرض والوطن يغدو صورة عنده وجسراً كما أن الغربة وآلامها تجد لها صدى عميقاً في أشعار المنفى فالإحساس الحاد بالبعد عن الوطن يتحول عند الشاعر " أحمد دحبور " الى إدانة للواقع وإتهام لرموز الخيانة من خلال غوصه في أعماق المخيّم حيث الحرمان والشقاء : " وها أنا مخاطب وجهك المؤجل البريء يا مخيم العياط " والإحساس بالأسر وأساه والتنقل بين العواصم العربية التي تطارد الفلسطيني يترجمه " عز الدين المناصرة " من خلال الأثر الذي يخلفه المنفى : " لكني في بلاد الروم منزوع أبكي على وطن قد خانه الوطن . والشاعر الحقيقي والثوري المتواصل مع الوطن المحتل شّاعر الصومعة الثائرة على الأغتصابِ ومصادرة الحقوق التاريخية والآنية المبدع الساطع " محمد دحلان " هو من يستطيع أعطاء فهمه زخات وزخات متتالية بلا شعور بعجز أو ملل أو إستكانة .. كما أنه القادر على دفع إستعداده للبذل خطوات مؤثرة في سبيل إمتلاك إرادة التواصل بعيداً عن الوقوع بمعطيات ودون ترك مصير ما يؤمن به لقدر مجهول . إنه الذاكرة الثاقبة التي لا يصيبها الخلل وليست الذاكرة المعطوبة أو المثقوبة أو المطلية بصلوات الرضا وراحة البال .. " البعدان العربي القومي التحرري والعالمي الإنساني " : بما أن الشعر العربي لم يتخلف عن التعبير عن المعاناة والآمال التحررية الفلسطينية وعايش أحداث الثورة كمعايشته للحدث الوطني فإن شعر المقاومة الفلسطينية ــ وبحكم أن حركة التحر الوطني الفلسطينية هي جزء لا يتجزأ من حركة التحرر الوطني العربية ، إضافة الى أن القضية الفلسطينية كانت وما تزال في القلب من برامج الأحزاب والحركات الوطنية العربية ــ عايش الأحداث العربية وفق منطق الشعر الملتزم والثوري بالأحداث الوطنية العارمة وتعبيره عن تطلعات الإنسان العربي .. فبرغم من حجم القضية التي حملها ويحملها الفلسطيني فإن أهتماماته قد إمتدت الى الإنفجارات العربية المتلاحقة وحمل راية التساند مع كل المضطهدين العرب وغنى لكل ثورات الإستقلال والتحرر الوطنية الظافرة . وكما يقول " غسان كنفاني " " فإن البعد العربي التحرري في الأدب الفلسطيني كان دائماً ظاهرة أساسية " . من ذلك تغنى شاعر فلسطين العربية الراحل " محمود درويش بالثورة الجزائرية في قصيدته بعنوان " الأوراس " : " أنا في ترابك يا جزائر عفرت .. مرغت المشاعر وحزمت أمسك كله ووعيت تاريخ المجازر "وفي قصائد الشاعر البليغة " توفيق زياد " عن تأميم قناة السويس عام 1956 وفي شعر " سميح القاسم " عن عواطفه مع المضطهدين العرب . أو تساند " معين بسيسو " مع المعتقلين الوطنيين في سجن " نقرة السلمان " في العراق أبان الحكم الملكي العميل والعهود اللاحقة :" من نقرة السلمان ينبع والسجون له روافد ،، أنا لست أملك غير قيثاري وصلبان القصائد "كذلك الأمر في قصائده عن مجازر أيلول عام 1970 من ديوان " الأردن على الصليب " أو قصيدته الرثائية للزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر . كذلك عن كارثة حزيران .. أو قصيدته " جندياً كان الله وراء متاريس دمشق " إبان حرب التحريك في تشرين عام 1973 .. أو قصائد شعر المقاومة في إدانة معاهدة كمب ديفيد الخيانية وكل الخونة والدكتاتوريين .كما نجد شعر المقاومة الفلسطينية إنسانياً متضامناً مع نضالات الشعوب وذا رومانسية إشتراكية تملك الأمل واليقين بإنتصار قوى الخير . ويسري في هذا النوع من الشعر روح النصر والإصرار على القتال لقضية عادلة غير آبه بالمصاعب كقول " معين بسيسو " : "" لابد أن نواصل السير ، وأن نواصل النزيف فالمستحيل يصبح مرة جرحاً ، ومرة سكين .. ومع تحليل لأسباب الهزيمة والنكبة كالذي حدث بعد نكبة عام 1948 وكارثة النكسة العربية عام 1967 ، والإجتياح العسكري الصهيوني للبنان عام 1982 ، وتوجيه أصابع الإتهام بوجه الدكتاتوية والفاشية العربية الحاكمة وحليفها الأميركي والمحتل الصهيوني الغادر .. وهو أخيراً هوية المناضل وجواز سفره الى شعبه ووطنه ..ولابد لنا من الإشارة الى شعر المقاومة الفلسطينية واللبنانية أيام الإجتياح العسكري الصهيوني المدجج بالسلاح للأراضي اللبنانية وكيف تحولت الحروف الى منشورات سياسية مقاتلة للمناضلين وهم وراء متاريسهم .. كقول الشاعر الفلسطيني " معين بسيسو قي قصيدة " الى جدران بيروت " : " رفاقنا : شريانكم على شرياننا ، جناكم على جناحنا جذوركم على جذورنا ملتفة أغصانكم على أغصاننا "أما عن البعد الأممي الإنساني ، فكان لبرنامج الثورة التحريرية ذات الأبعاد الإنسانية ووقوفها الى جانب معسكر الشعوب المناضلة ، كذلك لكون الثورة أصبحت البؤرة الساخنة الأولى في العالم بعد إنتصار الثورة الفيتنامية وكونها جزء لا يتجزأ من حركة التحرر العالمية ، وبعد أن إستطاعت الثورة أن تكسب كثيراً من الأصدقاء في العالم أضافة الى إعتراف كثير من دول العالم بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني كذلك تعزيز علاقتها بالمعسكر الإشتراكي وقوى التحرر والسلم في العالم . نقول إن كل ذلك قد إنعكس على الشعر بحيث أخذ يغني لكل ثورات الشعوب الظافرة واقفاً مع معسكر الخير الخير أينما كان ومحارباً على جبهة الشعوب والقوى التقدمية ضد الإمبريالية والعنصرية والعدوان كالذي نجده في قصائد " توفيق زياد " عن ثورة أكتوبر الإشتراكية وقصائد " سميح القاسم " عن التضامن مع ضحايا الحرب العالمية الثانية . أو في قصيدة " معين بسيسو " و " قصيدة فلسطينية عن قائد ثورة اكتوبر الإشتراكية " " في نافذة في أحد شوارع هذا العالم كان لينين وكانت فوق أصابعه ، تتجمع كل الأشجار السرية والعلنية "أو في قصيدته الأخرى " تانيا " وإدانته للنازية في حربها المدمرة وتضامنه مع المقاومة السوفيتية ، أو في دفاعه وتعاطفه مع الزنوج ضد العنصرية الأميركية :" لكنك تحلم فوق صليبك تحلم بذراع سبارتاكوس تلمع " وفي قصيدة " أناشيد كوبية " لمحمود درويش " تضامن مع الثورة الكوبية : " لكن ، عندي عن كوبى اشياء واشياء فكلام الثورة نور يقرأ في لغات الناس " وفي قصيدته " لوركا " تناسخ رومي مع شاعر وشهيد غرناطة والجمهورية الأسبانية " غارسيا دي لوركا " وتضامن مع الجمهورية ضد الفاشية : " عفو زهر الدم ، يا لوركا ، وشمس في يديك وصليب يرتدي نار قصيدة " أو في قصيدة " معين بسيسو " الى " ماياكوفسكي " شاعر ثورة أكتوبر الإشتراكية التي تتسم بالحب والحنين الثوريين لشاعر صار بالحقيقة متنقلاً بين العمال كي تلد في أرحامهم جذوة الأمل والبناء بعد إنتصار الثورة . ف " بسيسو " يتوسم فيه عرق المتعبين وسنبلة البارود أي بين السكين والخضرة ــ الدم والنمو ــ : " سنبلة البارود ضفيرة شعر فوق جبينك والقافية هي السكين " هناك أسماء لامعة وثورية في الشعر الفلسطيني المعاصر كثيرة من بينها تبرز الشاعرة هناء الطيبة حيث ترى أن حركة التجاوز في لغة ومضامين الشعر تتحرك في مسارات حية تعتمد ثقل واقع الإحتلال وجبروته والمتغيرات فيه مع إستكشاف له يتبلور فيه جو النثرية العام بتطور نوعي يظهر قدرة التناول لدى الأديبة قبل كل شيء . وكلماتها هنا يجب أن تعبر عن تلك الحسية والحركية التي ترسم مجمل خطوط الشكل والبنى التحتية بتوائم تام دون التقاط لما هو ساكن وجامد في النماذج التي تروم الأديبة صياغتها اللغوية ، ودون تجريد لها من الواقع وخصوصيته وتاريخه وعلاقاته الإجتماعية . وإنما تحمل سماتها ورموزها غير الخابية بل المشعة التي تتحول إلى قوة تعبيرية غير عادية مرتبطة قبل كل شيء برؤية علمية وإبداعية جميلة وشفافة يتمكن الإنسان الفسطيني المشرد في الداخل والخارج بالفكر والمخيلة من إدراكها و استيعاب مضامينها في مـختلف المجالات . إنـها الغاضبة المتمردة الأنيقة العفوية التي تكتب خواطر الحب تغلّب الباطن على الظاهر بحرفية متقنة وتنقد بعض الظواهر التي آلت إليها المقاومة الفلسطينية ، وأخيراً فإن هوية شـعـر المـقاومة الفلسطينية التي إتضحت وتبلورت في خضم تلك الأحداث العارمة والمضامين الفنية لا بد أن يكون أهلاً لإحتلال موقع طليعي في الشعر العربي المعاصر وهكذا كان لما يحمله من خصوصية سواء في لغته الطافحة بالمعاناة والرفض والآمال التحررية أو بالتزامه الثوري قضايا الوطن والإنسان أو بإستشرافه لكل مثل الشجاعة لقضية مازالت تنزف ولكنها لم تبخل بالعطاء والبذل والتألق دوماً فـي الإبداع ..

__________________________________________________ __________________________________________________ _____________