الصبر أمره عظيم أوصي نفسي وإخواني بالصبر..
معنـــــــــى الصبر
الصبر بمعناه الواسع ذكره الإمام أحمد يقول: '' تتبعت الصبر في كتاب الله، فوجدته في أكثر من تسعين موضعاً.. '' أي: أمر الله تعالى بالصبر وحث عليه وبيَّن فضله ومزاياه وما أعد للصابرين، في أكثر من تسعين موضعاً من كتاب الله.
انظروا حرص هؤلاء الأئمة على تدارس القرآن، وعلى تفهمه وتتبعه! أولئك هم الذين يتلونه حق تلاوته.
فإن الصبر أمره عظيم؛ لأنَّ كُلاً منا مبتلى، ولأن هذه الحياة كلها ابتلاء كما قال تعالى ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2]، وكما في الحديث القدسي: {إنما أرسلتك وبعثتك لأبتليك وأبتلي بك} ، إنه الابتلاء! فحتى الأنبياء مبتلون! وكل الناس في هذه الحياة عرضة للابتلاء، فالخير والشر كله ابتلاء وفتنة.
إن أنعم الله عليك بالعافية والمال والصحة والمنصب فهذا ابتلاء، وإن كان ضد ذلك أو ببعض منه فهو ابتلاء، أينما كنت وكيفما كانت طبيعة حياتك؛ فأنت عرضة للابتلاء؛ لأن الدار كلها دار ابتلاء.
إذاً: لابد أن تحتاط لنفسك، وأن تحرص عليها وتسيجها بسياج الصبر.
حتى على النعم يصبر الإنسان، فقد يأتيك منصب أو رتبة أو مال أو أي إغراء؛ فعليك أن تصبر عليه كما تصبر على البلاء وما ينزل بك من مكروه، فكل إنسان في هذه الدنيا عُرضة لسماع ما يكره، والوقوع فيما يكره من حوادث الدنيا ومصائبها -نسأل الله تعالى أن يلطف بنا وبكم وبإخواننا المسلمين- ولا يخلو أحد منها مهما حاول فلابد من ذلك، فالصبر هو الحل في هذا كله.
أنواع الصبر
الصبر على طلب العلم: فلا ندع الشيطان يلعب برءوسنا نحن طلاب العلم؛ فنضيع الأوقات، أو نجد في طلب العلم تعباً ومشقة، نعم. هذا هو واقعنا، فلو سهرنا إلى آخر الليل نتكلم ليست مشكلة؛ لكن إذا أخذنا الكتاب لكي نقرأ فلا نجاوز منه ورقة أو ورقتين إلا وهذا تعبان وهذا يتثاءب، سبحان الله! لماذا؟
خذ نموذجاً لذلك: الصلاة، فالإنسان في صلاته يأتيه الشيطان؛ فيتحرك ويتذكر أشياء ما كان يتذكرها، لأنه وقت لله، ويريد أن يصرفك عنه.
انظر حتى في رمضان! التراويح عندنا طويلة جداً؛ فالواحد منا يتذكر طول السنة يتذكر إذا جاء رمضان! يتذكر تعب التراويح مع أن الناس -ونحن منهم- قد يقفون ويلهون ويتحدثون ربما لساعات ولا يشعرون، بل إن بعض الناس بعد التراويح يقف مثل ما وقف في الصلاة ليسلم على أحدهم ولا يشعر بالتعب، ولو طول الإمام أو زاد في التطويل، قال: متى يركع؟
ابحثوا لنا عن إمام من الميسرين، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {يسروا ولا تعسروا } إلى آخره.
سبحان الله! هذا دليل على أنه لا بد من الصبر على طلب العلم، فنطلب العلم ولا نستكثر في جلسة من جلساتنا في أن نحفظ آية، فهي نعمة وغنيمة كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف } فهذا مكسب قد يفوت ومتى ما أتت الصلاة لابد أن يتسابق عليها الناس.
معنى هذا -أيضاً- أن هذه قاعدة عندنا؛ فإذا كان هناك مكسب واضح في الدنيا لا نبالي بأحد، وإن كان في الدين تركناه، فاحرص على آية من كتاب الله أو حديث من كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واحرص على أنك تنافس في كل مجلس، وليس شرطاً أنك إذا جلست في مجلس دنيا أن تعرف الناس ما فعل الناس من مشاريع، بل اجعل ذلك -أي: التنافس أو النظرة التنافسية- في شيءٍ من ذكر الله كما قال عليه الصلاة والسلام: {لا حسد إلا في اثنين } والمقصود هنا بالحسد الغبطة، فتغبط أخاك أنه حفظ حديثاً وأنت لم تحفظ، ودعا بهذا الحديث وأنا لم أدع، وأمر بالمعروف وأنا لم آمر، فتغبطه لأجل هذا.
إذاً: الصبر على طلب العلم والصبر على الدعوة إلى الله تعالى
هذا لابد من ابتلاءٍ فيها، فلابد أن يُبتلى الإنسان حتى ولو بزوجته التي هي تحت قوامته؛ فقد لا تعينك على طاعة الله،أو العكس لا يعين الرجل زوجته على طاعة الله أو لا تصبر وكذلك، أولادك فطبيعة الطفولة متعبة، فلابد أن تصبر على أبنائك حتى تعلمهم طاعة الله، وتصبر على نفسك لأنها شرودة، ولابد من الصبر عليها حتى تبلغ ما يرضي الله تبارك وتعالى؛ وتصبر على ما يقال عنك، ولابد أن يُقال عنك الكثير والكثير؛ على قدر ما تدعو إليه وهكذا.
إذاً فالصبر لابد منه، ولا يبالي الإنسان المسلم أياً كان موقعه، إن كان في الساقية كان في الساقية، وإن كان في الحراسة.
كان في الحراسة، المهم أنه جندي لله تعالى، فلا يبالي فربما أن وضعه في الحراسة أفضل من أن يكون في المقدمة، وربما أن الله اختار له الخير ولو كان في غيره لافتتن به.
المهم أنه يُعتبر جندياً لله، فأينما وضعه الله وأينما استخدمه واستعمله فيما يرضيه، فهو راض بذلك وهذه نعمة عظيمة وراحة له، ثم يرجو بعدها -بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ما في قوله سبحانه له: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )[يوسف:90]
منازل الصابرين عند الله عز وجل
قال الله تعالى(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )[الزمر:10] أي: أن غيرهم لا يأخذ ما يأخذوه من الأجر! لماذا؟
بقدر نقص الصبر.. فالذي يأخذ أجره كاملاً هو الذي صبر؛ لأنه ابتلي ومحص فصبر فأخذ أجر العمل كاملاً.
ولهذا إن أفضل الناس منزلة هم الأنبياء، ثم من هذه الأمة أفضلهم وهم الصحابة الذين صبروا وجاهدوا، والذين كانوا أيضاً في وقت المحنة والاضطهاد في مكة ، فهم أعظم من الذين جاءوا من بعدهم، ولهذا أثنى الله عليهم(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ )[التوبة:100]
وأيضاً: من أنفق وجاهد وقاتل قبل الفتح أفضل ممن جاء بعده، ومن رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاهد معه خير ممن جاهد بعده... وهكذا، والذين شاركوا في فتوح الشام والعراق أفضل ممن جاء بعدهم... وهكذا؛ فبقدر ما تكون المسألة أكثر مشقة وأكثر استقامة للدين؛ يكون الأجر أعظم ويُوفى أصحابه الأجر الأعظم.
أما من جاء والأمور قد استقرت والدين قد أقيم - والحمد لله- فإنه بقدر ما تكون المشقة أقل والصبر أقل، يكون الأجر أقل، وهكذا.. فما بالكم بنا نحن الآن على أي شيء صبرنا؟
لم يحدث شيء - نسأل الله لنا ولكم العافية دائماً- لكن لابد أن يكون الابتلاء على قدر الدين الأمثل فالأمثل.
((فأوصيكم ونفسي بتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبالصبر في هذه الحياة الدنيا، وأن نُصبِّر أنفسنا فيما قد يصيبنا، أو ينـزل بنا؛ لأننا أمرنا بمعروف أو نهينا عن منكر؛ فالحمد لله هذا خير، وربما يكون في ذلك رفع للدرجة عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.))
أما مراتب هذه الدنيا! فلو قيل لأحدهم كالأخ العسكري: ما رأيك في أن ننقلك أبعد منطقة في المملكة ، ونعطيك أقدمية ورتبة؟
فسيقول: سوف أذهب.. فلا بأس. لكن اعتبروا أن الدرجة والرتبة عند الله لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وصبر واحتسب، ولو ناله ما ناله من أذىً في سبيل ذلك، هذه -والله- أعظم درجة لنا ولكم جميعاً،
هناك بعض المشايخ الذين تركناهم في هذا الميدان يُصارعون الفساد والفتن بما أعطاهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من صبر عظيم إن شاء الله -ولا نزكي على الله أحداً- ونحن في بيوتنا لاهون وغافلون لا ندري عن كثير مما يعانون،أوصيكم ونفسي بالصبر على الطاعة وهو من أعظم الصبر والصبر عن المعصية والصبر على الإبتلاء فنحن الآن نستطيع أن نتحمل ولكن في الآخرة لا نتحمل عذاب الله..
{... أسأل الله أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يرزقك توبة قبل الموت وعفوا ومغفرة بعد الموت اللهم إغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله وسلم على سينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اللهم إجزه عنا خيراًً وعن جميع المسلمين والمسلمات إلى يوم القيامة وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه ثم توبوا إليه وأشكر الله لي ولكم وجزاكم الله خيراً..}
والحمد لله رب العالمين.
مقتبس