كلّموه بالعبري يمكن يفهم
د. فايز أبو شمالة
علماء الاجتماع والباحثون في العلوم السياسية بحاجة إلى إجراء البحوث التخصصية للدلالات الوجدانية للشعارات التي رفعها شباب مصر في ثورتهم، وكيف عبر المواطن المصري عن مكنون نفسه السياسي والاجتماعي والفكري من خلال كلمات قليلة، وثقها في الشعار، وصدح فيها في الميادين والساحات من شمال مصر إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، وسأذكر على سبيل المثال بعض ما سمعنه وقرأته من شعارات رددها المتظاهرون، وظهرت على شاشات الفضائيات العالمية:
أحد الشعارات يقول: حسني مبارك يا جبان، يا عميل الأمريكان، وشعار آخر يقول: ارحل، ارحل يا مبارك، تل أبيب في انتظارك. وشعار يقول: حسني مبارك يا عميل، بعت الغاز لإسرائيل..
إن هذه الشعارات لا تعكس الوعي المصري لمجريات السياسة، وإنما تؤكد على حقيقة وعي المجتمع العربي ككل لما يجري أمام عينيه من إحداثيات سياسية، تؤثر على مجريات حياته، ولا تمت لمصالحه الإستراتيجية بصله، لأن حسني مبارك لا يمثل شخصاً، وإنما يمثل رأس نظام حكم يتجاوز حدود مصر، لذا فإن شعار "ارحل" الذي يصدح في ميادين مصر، لا يقصد مبارك فقط، ولا نظام حكمه، لأن حروف هذه الجملة الفعلية "ارحل" تتردد في قلوب كل الشعب العربي، وترفرف كسرب حمام في سماء بلاد العرب.
في المقابل يأتي الشعار الذي ينادي على شباب مصر، ليقول: ارفع كل رايات النصر، نحن شباب سنحرر مصر. وهنا أزعم أن تحرير مصر هو المقدمة لتحرير كل العرب، لأن عبودية مصر في "كامب ديفيد" هي التي عبدت الطريق لخنوع العرب لإسرائيل.
بعد أن تعب أحد المصريين من الوقوف في ميدان التحرير، وبعد أن بح صوته وهو يهتف برحيل مبارك، وبعد أن سمع باللغة العربية عشرات الشعارات التي تطالب برحيل مبارك، تمدد الرجل وسط ميدان التحرير، وغطى نفسه بيافطة كتب عليها باللهجة المصرية الساخرة: كلّموه بالعبري يمكن يفهم!